تحقيقات انفجار بيروت والخطوات المقبلة !!

خلال فترة قريبة وتكون الذكرى السنوية الاولى لانفجار مرفأ بيروت، الذي اوقع 211 شهيدا واصابة نحو 6500 جريح، إثر اشتعال أطنان من مادة نترات الأمونيوم شديدة الاشتعال، وهي جزء من حمولة كانت تقدر بـ2750 طنا، وفق تقديرات رسمية، بعد أن تم تخزينها في العنبر رقم 12، والتي كانت مُصادرة من سفينة رست في مرفأ بيروت ومُخزنة فيها منذ 2014. هذا الانفجار الذي لن يذهب من اذهان اللبنانيين لعقود وسيذكره التاريخ وسيذكر كل مسؤول تحمل المسؤولية خلال فترة تخزينها او اهمل ام كان مسؤولا مباشرا ام غير مباشرا، انه احد جرائم العصر نتيجة الاهمال والاستهتار ويعكس هذا البركان طريقة ادارة البلد منذ عقود حتى اليوم.

التحقيقات

لاول مرة يشعر اللبناني بتحقيق جدي، قاض مستقل، لديه اصرار، غير خائف، خارج اطار المحاصصة والتبعية القضائية في لبنان يعمل على استرجاع ولو الحد الادنى لشفاء غليل اهالي الضحايا، استرداد هيبة السلطة القضائية وضخ الروح من جديد في اجساد الشعب اللبناني في ظل حالة التخبط واليأس الذي يعيشه المواطن اللبناني.

تنقسم تحقيقات القاضي البطل طارق بيطار حتى الان على ثلاثة اجزاء، الجزء الاول الاهمال والتقصير الذي حصل، مما فتح المجال لحصول الانفجار ضمن سيناريوهات مختلفة، الجزء الثاني الاسباب التي ادت الى الانفجار حيث اصبح هناك فرضيتين الاكثر ترجيحا بعد الحصول على التقرير الفرنسي ولكنه ليس النهائي بموضوع عدم حصوله نتيجة ضربة جوية واصبح التركيز على فرضيتين اما عمل امني ميداني او احتمالية التلحيم حيث سيعمد القاضي على اجراء محاكاة للانفجار قريبا، كما استمع لسبعة شهود كانوا داخل المرفأ لحظة حصول الانفجار، والجزء الثالث الى من تعود مادة الامونيوم ومن كان المستفيد منها.

الادعاءات والحصانات

طلب القاضي بيطار للاستماع لافادات قادة امنيين وسياسيين وقضاة حاليين وسابقين جزء منهم متورط بالتقصير الوظيفي اوالاستهتار والجزء الاخر بجرم القتل القصدي اضافة الى براءة جزء منهم، وهذا ما سيحدده القاضي وحده. سار البيطار من ضمن المسار القانوني المتوجب عليه لاستكمال الانتهاء من التحقيقات في الجزء الاول وبدأت معركة رفع الحصانات حيث ستكون قنبلة موقوتة بوجه كل من سيتهرب من افادته فدماء الشهداء والجرحى ما زالت في الميدان وبشكل متوازي المواطن اللبناني يذل على الطرقات واصبحت ادنى حقوقه غير مؤمنة فلديه شحنة من الغضب ولن يرحم في حال لمس ان هناك قاضي شجاع يعمل على جلب الحقيقة والمحاسبة بقدرة قادر.

مازال حتى اليوم بعض من في السلطة يناور للتهرب من رفع الحصانة تحت ذرائع مختلفة، خوفا من تمدد الادعاءات التي ممكن ان تطالهم شخصيا ولحماية المدعى عليهم، ولان كسر هيبة الحصانة ستمضي على كسر هذه الهيبة في ملفات اخرى ايضا مرتبطة بملفات فساد وهدر المال العام وسرقة العصر الموصوفة.

السيناريوهات المقبلة

هناك سيناريوهات متعددة للمرحلة المقبلة تتراوح بين الاكثر سخونة واقلها حماوة، السيناريو الاول وهو الاقل فرصا هو ان يجري التعاون مع القاضي بشكل سلس ويتم وضع المتهمين والمقصرين وراء القضبان ويتم شفاء غليل اهالي المتضررين من الانفجار وكل مواطن لبناني يتمنى بروز الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الجريمة، السيناريو الثاني ان تنتزع الحصانات بالقوة وان يجري ضغط محلي وخارجي لاستمرار التحقيقات بالشكل المطلوب ولكن ذلك سيدفعنا فاتورة ثانية لانه ان استمرت السلطة بالمناورة والتشبص برأيها ستعلن المواجهة وبالتالي ستستعمل كل الوسائل لادحاض هذا المطلب من جذوره وتفكيك الترابط والوحدة بين اهالي الضحايا، والسيناريو الثالث الذي يمكن ان يكون بالتوازي مع الثاني ان لزم الامر لكل متضرر من التحقيقات في شقوق مختلفة التقصير والمسبب والمنفذ، للاسف ستكون احدى وسائلها اللعب بالامن لاستبدال الاولويات، لارسال رسائل، ولممارسة سياسة الترهيب والترغيب، وطبعا وضع على الطاولة الاجندة الطائفية لمحاولة اعدام القضايا الوطنية.

لبنان الجديد

بعد انكفاء ثورة 17 تشرين الى حد ما، اعاد ما يحيي امال المواطنين وهو العدالة بملف تفجير المرفأ، فهل سيكون هذا الملف قبلة جديدة لاحداث التغيير في لبنان وكسر الانكفاء والاتسعصاء السياسي الحاصل؟ كل تلك السيناريوهات والفرضيات تؤشر بأن لبنان قادم على فترة ساخنة وعلى حرب العدالة، هذه الحرب لن تكون سهلة ولكن من سيفوز؟ من سيستسلم اولا؟ هل سنرى لاول مرة مسؤولين وراء القضبان؟ من المؤكد ان لبنان خلال مرحلة ما بعد السخونة لن يكون كقبله بسبب الظلم الذي تفشى على المواطن اللبناني من كافة النواحي الاقتصادية، المالية، الاجتماعية والامنية، ويعكس هذا الاداء اقوى انفجارات العالم التي هزت العاصمة بيروت، بسبب التقصير والاهمال والفساد واللامبالات المستمر من قبل السلطة السياسية مما سيؤدي الى انفجار اجتماعي وسياسي لن تطفىء نيرانه الا توجه لبنان نحو الجمهورية الثالثة.

السلطة تقتبس الحلول الوهمية بانتظار الحل الاعجوبة

في هذه المرحلة الهشة،الحساسة والصعبة شغل شاغل اللبنانيين موضوع رفع الدعم وكيفية تحمل اعباء هكذا قرار، لنكون واقعيين اصبح لبنان بشبه مرحلة رفع الدعم من دون سياسات اقتصادية واضحة توازن هكذا قرار سوى موضوع البطاقة الرشوة او ابرة المورفين التي لن ترفع “الزير من البير” سوى محاولة مزيد من ايضاع الوقت والهاء المواطن باموره اليومية.

البطاقة التمويلية

في قراءة بسيطة لمسودة البطاقة التمويلية في مجلس النواب من الواضح ان هناك تخبط بين عدد العائلات التي سوف يتم ادراجها والية تسجيل العوائل وبين تأمين التمويل اللازم، حسب المعطيات الاولية سيكون البرنامج لمدة عام واحد وسيشمل 750 الف عائلة، 250 الف عائلة عبر برنامجي البنك الدولي والاتحاد الاوروبي و 500 الف سيتم حجز مبلغ 360 مليون دولار التي لا تغطي كافة عدد العوائل حيث يوجد مراهنة ان المنظمات الدولية ستؤمن ما تبقى. هذه البطاقة التي ستكون بمبلغ 93 دولارا، هذه القيمة مع الية رفع الدعم لن تسند خاوية ولن تحل الازمة.

سياسة الهروب الى الامام

السلطة تحاول في كل مرة سياسة الهروب الى الامام ولا تؤتي بالحلول الجذرية المطلوبة منذ اول الازمة، فعلى سبيل المثال منذ عام ونصف كان الاحتياطي في المصرف المركزي 38 مليار دولار ولو اتخذت الاجراءات المطلوبة لكنا تفادينا هذا الانهيار الحاصل، ولكن السلطة تريد تطبيق ما هو مناسب لها وليس للوطن ومن خلال هذه السياسة تعتمد سياسة شراء الوقت من خلال بدع مختلفة بانتظار الاتفاقات الخارجية التي قد تحصل لمساعدة لبنان ولكن من خلال اولويات السلطة وليس تطبيق اصلاحات صندوق النقد الدولي بشق محاربة الفساد واسترداد الاموال المنهوبة بل من خلال سياسة الشحادة التي تعودنا عليها منذ اتفاق الطائف حتى اليوم.

هدف رفع الدعم

من الواضح ان اللبناني كان يعيش حياة كذبة تتمثل بصرف امواله على مشاريع السلطة السياسية وفي الوقت عينه اسكاته من خلال سياسة دعم الليرة على اساس 1500 ليرة مقابل الدولار، والهدف الحقيقي من رفع الدعم غير نفاد النقد الاجنبي في المصرف المركزي، هو سياسة عكسية اعادة المواطن الى الحياة الحقيقية واخراجه من الكذبة، هذه السياسة هي لتخفيف من استهلاك المواطن على صعيد المواد الاساسية وخاصة بالطاقة والصحة. هذه السياسة المتبعة حاليا تفضح الكذبة التي اوهموها الى المواطن اللبناني خلال ثلاثة عقود الماضية، اضافة الى ذلك طبعا هناك محاولة من حاكم مصرف لبنان امتصاص جزء من الليرة اللبنانية من الاسواق.

نتائج رفع الدعم

نتائج رفع الدعم بهذه الطريقة من دون اجراء اصلاحات وان تكون موازية لحل سياسي ورؤية اقتصادية ومالية واضحة هي كارثية على المواطن اللبناني، فنسب الفقر الى مزيد من الارتفاع، المواطنون ذوي الدخل المحدود وما تبقى من الطبقة الوسطى سيكون واقعهم مأساوي جدا، ارتفاع الاسعار سيكون بشكل هستيري سنرى مشهدا لم نراه في لبنان منذ تأسيسه حتى اليوم. هذه النتائج سيكون لها نتائج ايضا على الصعيدين الاجتماعي والامني، ارتفاع لنسب السرقات وجرائم القتل والانتحار والهجرة طبعا التي ستكون وسيلة للهروب من هذه الفترة المأساوية في لبنان.

الحلول

الحل الفعلي رسم منذ سنوات هو تطبيق الاصلاحات التي تهربت منها السلطة السياسية وايقاف هدر المال العام، الحل لن يكون الا من خلال العمل على بناء سلطة فعلية وتوزيع الخسائر بشكل عادل وصارم، الحل باقرار كل التشريعات التي طالب بها صندوق النقد منذ بداية الازمة. انها مرتبطة باستعادة الملاءة المالية العامة وسلامة النظام المالي، وضع ضمانات مؤقتة لتجنب استمرار تدفقات رأس المال إلى الخارج، خطوات أولية لتقليل الخسائر الممتدة في العديد من الشركات المملوكة للدولة، وضع شبكة أمان اجتماعي موسعة لحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً. فهذه العناوين الاربعة التي يرتكز عليها الصندوق ترتبط بتشريعات مختلفة تحاول السلطة السياسية المناورة في تنفيذها وهناك امثلة مختلفة مثل قانون التدقيق الجنائي وثغراته واسترداد الاموال المنهوبة وغيرها من التشريعات. هذا ناهيك عن اهمية استقلالية القضاء والاصلاحات النقدية. هذا الكباش والتعنت اوصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم وسوف ننهار اكثر واكثر ان استمر وللاسف لا يوجد نية فعلية في الافق والمخرج الوحيد حاليا هو الانهيار الشبه كامل واعادة بناء السلطة من جديد، لان لا السلطة ستطبق ما يطلبه الصندوق لانها بمثابة انتحار سياسي لها ولا الصندوق سيساند لبنان ان لم تطبق وبالتالي نحن ندور في دائرة مفرغة لا حل سوى الانهيار او حل اعجوبي تنتظره الطبقة الحاكمة بفعل التسويات في المنطقة.

الفيول قد يولع الشارع اللبناني مجددا

لا يوجد اثنان في لبنان يختلفان على ان لبنان يعيش ابشع الظروف منذ تأسيس لبنان الكبير حتى اليوم، نعيش في زمن المصالح والمحاصصة السياسية، هذه الذهنية التي ادت الى اسقاط ما تبقى من هيكل الدولة، نمر من ازمة الى ازمة، من انهيار الى انهيار، من ذل الى ذل من دون اذان صائغة، من دون الاحساس بمعانات المواطن ضمن وضع سياسة الأنا وليس لبنان اولا.

مسؤولية المواطن

لا يمكن ان نجلد الطبقة السياسية من دون ان نضع المسؤولية على المواطن المستسلم الى هذا الواقع المؤسف والمذري، وهذا الاستسلام ان لم ينتفض قد يودي به الى موت سريري او العيش تحت لواء الذل بين الكرتونة من هنا، والوقوف بالطابورمن هناك وعدم الحصول على الدواء من هنا والقتال على حليب الاطفال من هناك.لا لا ليس هذا لبنان الذي نعرفه، لبنان ليس بخير.

اسباب الازمة

الازمة تندرج اليوم بين الصراع على تحميل المسؤوليات وتوزيع الخسائر، النزاع على الصلاحيات خصوصا ان كل المؤشرات تشير اننا متجهون الى عقد اجتماعي جديد، وايضا بدء الحملات الانتخابية مبكرا بخصوص البرلمانية والرئاسية. كل تلك الامور ستجعل اللبنانيون يعيشوا بفترة جحيم تارة لا يوجد اموال لدى حاكم مصرف لبنان وتارة يوجد، تارة يفتح ملف قضائي للحاكم نفسه وتارة يوضع في الادراج، وتارة يوجد مبادرة للرئيس بري وتارة يكون الرئيس نفسه في المواجهة مع الرئيس عون، وتارة هناك ثورة وتارة الثورة نائمة.

لبنان في مرحلة رسم مشهد سياسي جديد يتم التفاوض من خلال حاجات المواطن، يتم النقاش عبر البيانات التافهة وكاننا نعيش في مدرسة اسمها دولة لبنان.

هذا الاداء السيء في ادارة الازمة قد يودي في الختام الى التفاوض بالشارع قد يدخل الحابل بالنابل بين المصالح السياسية وبين غضب المواطن الفعلي.

الانقسامات السياسية

منذ فترة ويعيش المواطن اللبناني ابشع مشاهد الذل ويأتيك تصريح فولاذي من قبل وزير الطاقة، من لا يتمكن تعبئة البنزين فليجد وسيلة اخرى، كأننا نعيش في لبنان الذي يحلم به اللبنانيون بخصوص النقل العام، مترو بين بيروت وجبيل وباصات نقل عامة في كافة المناطق ووو.

لكن هذه المشاهد ستزداد في المرحلة المقبلة للاسف، ولكن في ظل سياسة الزكزكات بين الافرقاء المتصارعين لا نعلم متى تأتي ساعة الصفر لقلب الطاولة في ظل وجود محورين الرئيسين بري والحريري والوزيرين السابقين جنبلاط و فرنجية اضافة الى حاكم مصرف لبنان من جهة والرئيس عون والتيار الوطني الحر من جهة اخرى وضابط الايقاع حزب الله يتدخل عند انفلات الامور. ولكن حرب الالغاء السياسية بين الطرفين لن تستمر ضمن هذا النطاق فقط، فان استمر الوضع كما هو عليه ستختلف التقنيات والوسائل.

هذا ناهيك عن المتغيرات الخارجية والتسويات السياسية بين اميركا وروسيا، اميركا و ايران، ايران والسعودية والسعودية وسوريا قد تساهم في تغير واضطراب المشهد الداخلي.

ازمة البنزين

حل ازمة البنزين في لبنان لن يكون عبر وقف الاحتكار وتوفير حوالي مبلغ خمسمئة مليون دولار سنويا ممكن استعمالها لدعمه، ولن يكون عبر الحد من هدر المال العام او استرداد الاموال المنهوبة، ولا عبر تطبيق خطة وقف التهريب النائمة في ادراج وزارة الاقتصاد منذ عام حسب مصدر في نقابة اصحاب المحطات،ولا عبر توقيف سياسة الاحتكار في مواد مختلفة في الوطن المقهور، بل سيكون مجددا على حساب المواطن. الحل هو ان تصبح سعر صفيحة البنزين على سعر 3900 ليرة لبنانية لعدة اشهر بينما يتم اقرار البطاقة التمويلية.

لكن حسب التجارب لا يوجد التزام حتى بما يقره مصرف لبنان، وارتفاع صفيحة البنزين الى 65 الف ليرة في المرحلة الاولى قبل رفع الدعم الكلي حيث ستصبح 12 دولارا حسب السوق السوداء فحسب سعر اليوم ستصبح حوالي 200 الف ليرة، ستؤدي الى ارتفاع اسعار السلع بشكل هستيري والى مزيد من ارتفاع نسب الفقر في البلاد.

الغضب الشعبي

السكوت على الواقع المذري في لبنان اصبح في رمقه الاخير منها لاسباب اقتصادية واجتماعية واخرى لاسباب سياسية في ظل ارتفاع منسوب التوتر بين الافرقاء المتخاصمين والمتغيرات الاقليمية. وهذا سيأخذنا الى سيناريوهات مختلفة اما حدوث غضب شعبي بسبب ارتفاع سعر البنزين وانقطاع الكهرباء ومن بعدها نصل الى حل سياسي وتشكيل حكومة برئاسة الرئيس المكلف واحتماله ضعيف، اما استقالة الرئيس المكلف وحدوث فوضى عارمة في البلاد، اواستقالة الرئيس المكلف بعد حدوث الغضب الشعبي ويأتي تماشيا مع غضب الناس، وفي السيناريوهات الثلاثة لا يمكن تشكيل حكومة حل من دون حل مشكلة النظام الاساسية والتوجه نحو شكل ادارة جديد قادران يطبق الاصلاحات، وكانت واضحة رسالة المبعوث الاوروبي بوريل، وفي الثلاثة ايضا نحن متجهون الى حكومة انتخابات وبالتالي من المرجح ان الحريري يكون خارج معادلة التشكيل.

في السيناريوهات الثلاثة لبنان سيمر بالفوضى شئنا ام ابينا ومن بعدها ممكن تحديد شكل الحل حسب التوازنات الداخلية والخارجية، فكيف سيكون الحل وعلى حساب من؟

من دكاكين السياسة إلى دكاكين القضاء في لبنان… هل ننتقل إلى دكاكين الأمن؟

يعاني لبنان منذ استقلاله حتى اليوم من أزمة هوية ونظام، في كل فترة يتم تعديل مقومات النظام تارة بطرق مباشرة من خلال تعديل الدستور، وتارة أخرى من خلال الحروب، وأحياناً من خلال استعمال النفوذ الخارجي. كل هذه العوامل لم تنتج دولة بل أسقطت كل مفاهيم المؤسسات.
قبل الطائف
ما قبل اتفاق الطائف الفترة الذهبية التي كانت في لبنان بموضوع دولة المؤسسات وبدء رحلة الألف ميل كانت خلال عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب حيث طور الكثير من القوانين وفعّل الإدارة العامة. ففي عهده أقر قانون الضمان الاجتماعي، وتنظيم المالية ومصرف لبنان، والإنعاش الاجتماعي، ونظم الجيش وقوى الأمن الداخلي، وحدّث التربية والتعليم، والبنية التحتية في كافة المجالات إضافة إلى حقوق الإنسان.
ولكن في الوقت عينه كان يأخذ في الاعتبار المعوقات الداخلية والخارجية. فوضع الحد الأدنى لبناء دولة خارج إمارة الطوائف، ولكن مع حدوث المتغيرات في المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية والحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، جرى تجميد كل الإصلاحات التي بدأ بها شهاب وأصبحت الأولوية للصراع على النفوذ ومن بعدها دخلنا في نفق الحرب الأهلية.
ما بعد اتفاق الطائف
جاء اتفاق الطائف وأوقف الحرب حيث كانت طموحات اللبنانيين أكبر بكثير مما تحقق، حيث لم تعمد السلطة إلى تطبيق الإصلاحات المذكورة في الطائف، وطوقت إصلاحات شهاب من معظم النواحي. لعب الدور السوري في ضبط الإيقاع داخلياً من خلال القوة والأمن، وأصبح لبنان يعيش بدولة من دون هيكل أو يمكن أن نسميها بالسلطة الوهمية من دون أي تطوير للمؤسسات والعمل على بناء دولة القانون والمؤسسات، فأصبح يوماً بعد يوم يتدمر خط الطريق الذي رسمه فؤاد شهاب.
ما بعد اغتيال الرئيس الحريري
جاء اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقصم ظهر البعير حيث عدنا إلى نقطة الصفر، ورجعنا إلى الخلافات والصراعات الداخلية على النفوذ والدخول مجدداً بلعبة المحاور. أصبح كل فريق يريد أن يضع أوراق قوته على الطاولة والعمل على استقطاب حاشيته تارة بخطابات طائفية وتارة بالزبائنية السياسية.
طبعاً عملت هذه السلطة على تطويق شهاب والطائف من جديد، ما أدى إلى انهيار شبه كامل في المرحلة الحالية لأسباب داخلية بسبب تفشي وباء الفساد وعدم التخطيط،هدر المال العام، عدم بناء دولة المؤسسات، والعوامل الخارجية بسبب المتغيرات السياسية في المنطقة منذ بداية الربيع العربي حتى اليوم، إضافة إلى المتغيرات السياسية الدولية حيث أرضخت الطبقة السياسية في لبنان إلى اللعبة الخارجية بسبب بناء كانتوناتها الطائفية وتدمير نهج المؤسسات. أصبح القضاء مسيساً، الأمن مسيساً، التوظيف مسيساً، حتى الرغيف مسيساً، فالنظام اللبناني أصبحت ركيزته الأساسية هي الزبائنية السياسية.
استقلالية القضاء
في الأيام الأخيرة شهدنا نزاعاً قضائياً، فضح هشاشة السلطة القضائية التي كان البعض يتفاخر بها، فلبنان يعيش الاستنسابية القضائية حسب المثل اللبناني “كل من إيدو إلو” رغم حساسية الملفات وأهميتها والتي يجب أن يحاسب كل من هو مرتكب في جميع الملفات التي أوصلت المواطن اللبناني إلى الذل وإفلاس المالية العامة.
ولكن أهم ركن من أركان القضاء هو المصداقية والاستقلالية ومن هنا لكل من يتحدث عن اهتراء القضاء وفساده، فلتتفضل الكتل النيابية بإقرار قانون استقلالية القضاء وفصل القضاء عن السياسة، من خلال تعزيز استقلالية المؤسسات الناظمة للقضاء مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي، تعزيز ضمانات استقلالية القاضي، ضمان حقوق المتقاضين في حسن أداء المرفق العام وتقديم شكاوى ومحاسبة المخالفات القضائية والتوفيق بين التنظيم الهرمي للنيابة العامة واستقلالية القضاة العاملين.
فقانون استقلالية القضاء يجب أن ينطلق من مسودة مشروع قانون للمفكرة القانونية منذ عام 2018 والتي مضى عليها 352 قاضياً، وليس مثل القوانين التي يقرها مجلس النواب التي تكون مفرغة من أدواتها التنفيذية أو مبهمة.
هشاشة مختلف قطاعات الدولة
هذه الهشاشة التي شهدناها في أحد أهم خصائص الدولة أي العدل، موجودة في جميع مؤسسات الدولة حتى في الأمن، ما قد يفتح الباب في مرحلة لاحقة إلى تخبط واستنسابية فاضحة حتى في هذه القطاعات وكل ذلك سيؤدي إلى هشاشة أمنية وصدامات في الشارع من قبل موالي السلطة نفسها.
كل هذا السياق يأتي من ضمن العنوان الأهم في المرحلة المقبلة أي توزيع الخسائر جراء الانهيار المالي وكل فريق سيعمل على حماية نفسه وأزلامه وكل فريق سيستعمل جميع أوراقه. سيأتي ذلك من ضمن سياق الاستمرار بتدمير دولة المؤسسات وتكريس الزبائنية السياسية والحل لن يكون إلا بالعودة إلى ذهنية شهاب وتحقيق الإصلاحات المطلوبة لبناء الجمهورية الثالثة تحت عنوان العدل، الشفافية والمساواة.

لبنان و الدور الاستراتيجي لموسكو

تعود العلاقات الروسية-اللبنانية بجذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث افتتحت أول قنصلية روسية في بيروت عام 1839، بينما كانت البداية الحقيقية للنشاط الدبلوماسي بين الجانبين في نهاية 1943 حين اعترف الاتحاد السوفياتي باستقلال لبنان، كما بذل جهودًا حثيثة من أجل انسحاب القوات الإنكليزية – الفرنسية من بلاد الارز، كما استخدم الاتحاد السوفياتي في عام 1946 لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة حق النقض دفاعًا عن استقلال لبنان واستقلال سوريا.

تشهد العلاقات الروسية-اللبنانية تقاربا متصاعدا منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا. فلم تتجاهل العين الروسية سواحل لبنان، التي تمثل امتداد طبيعيا للساحل السوري- حيث حقول الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية للبلدين.

روسيا و المنطقة

لدى روسيا ثلاثة اهداف رئيسية في منطقة الشرق الأوسط: جذب أكبر عدد ممكن من الدول من مجال النفوذ الغربي إلى مجال نفوذها وتحقيق موقع متميز، تضخيم حجم توريدها للاسلحة، اضافة الى ملف الطاقة. كلٌّ من هذه الاهداف تشمل لبنان.

يسعى الرئيس الروسي إلى ربط الدول الحليفة لموسكو من خلال تقديم المساعدة العسكرية والدعم الإقتصادي. الشيء الجيد بالنسبة إلى الروس هو أن الصديق الصغير يُصبح معتمداً على موسكو.

يسعى بوتين أيضاً إلى تعزيز مصالح الشركات الروسية الكبرى وزيادة أرباحها عبر حلفاء الكرملين الأجانب. لذا، يجب أن يكون كل حليف صغير سليماً من الناحية المالية. كلا النهجين يساعدان موسكو على ملء المساحات المُهمَلة من قبل واشنطن.

التعاون

التعاون الروسي-اللبناني كان مقتصرا على تبادلات تجارية محدودة بعد انتهاء نجم الاتحاد السوفياتي، الذي اكتفى في تلك الحقبة بتقديم منح تعليمية لطلاب من أحزاب يسارية لبنانية.

و في الاونة الاخيرة هناك نمو في التبادل التجاري بين البلدين و لكنه بطيء الى حد، فارتفع التبادل 17.5 بالمئة و لكن لم يتخطى المليار بين البلدين.في المقلب الاخر، هناك اهتمام روسي بمجالات اكبر كالطاقة و اعادة اعمار سوريا من خلال المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس.

فتعزيز العلاقات اللبنانية الروسية يشكل حاليا النتيجة الطبيعية للدور الروسي المحوري في المشرق، الذي يركز خطواته على الاستقرار ومواجهة الإرهاب والاستفادة من ملف الغاز في شرق المتوسط.

الاسباب الاستراتيجية

هناك اهداف استراتيجية مختلفة للاهتمام الروسي بالملف اللبناني، اولها تفعيل دورهم في منطقة الشرق المتوسط و مواجهة المحور الغازي القوي بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، والذي قد يسهم في التأثير على مبيعات الغاز الروسي لأوروبا في حال مد أنبوب شرق المتوسط إلى إيطاليا.

الاقتصاد السوري الذي يتأثر بشكل مباشر و غير مباشر بالاقتصاد اللبناني، ويأمل الروس ان تمكنوا في الحد من الانهيار الحاصل ممكن ان يساعد الاقتصاد السوري، ومما يعني تعزيز دورهم بشكل اقوى و خصوصا ان هناك تمنع استثمار اماراتي، تركي و قطري في ظل قانون قيصر الاميركي.

لبنان ممكن ان يستفيد من روسيا بملفات مختلفة اولها ملف النازحين السوريين حيث هناك اهتمام روسي بهذا الملف حيث يساعدهم على اعطاء مزيد من الشرعية للرئيس الحالي بشار الاسد و لبنان بحاجة الى هكذا تسوية تساعده في تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي.

اضافة الى ذلك ممكن ان تساعد روسيا في حلحلة بعض العقد السياسية الاقليمية وادراج الملف اللبناني في منصات مختلفة اقليمية ودولية، حيث هذا الجمود السياسي قاتل للبنان و في الوقت عينه ممكن اجراء تسوية ربط نزاع تساعد لبنان الخروج من الصراعات الاقليمية الى حد ما.

روسيا تعتبر ان لبنان خاصرة لسوريا، و تعتبر لبنان جزء من امنها الاستراتيجي، فهي نجحت في الاستثمار في منشآت النفط في طرابلس و تبدي اهمية في مجالات اخرى و لكن تنتظر الظرف المناسب الاقليمي و الدولي لكي تبادر بشكل اقوى.

المرحلة المقبلة

يحاول الروسي في ظل الانكفاء الاميركي داخليا وتفويض بعض المهام للحلفاء، ان يستغل هذه الفترة في ايجاد ادوار مختلفة في منطقة الشرق الاوسط منطلقا من هذا الانكفاء و استعمال بعض اوراق القوة التي تمتلكها خصوصا في الملفين السوري و الايراني.

تعد زيارة وزير الخارجية الروسي للامارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية برحلة لملمة الاوراق اقليميا، وكان ابرزها الملف اليمني حيث يحاول الروس ايجاد مساحات مشتركة بين المتصارعين ليلعب دورا اكبر و ليستفيد من تعزيز دوره العسكري و الاقتصادي.

وفي المقلب الاخر دعوة  حزب الله الى موسكو لمناقشة ملفات مختلفة تأتي من ضمن السلة التي ناقش بها دول الخليج العربي منها دوره في سوريا والواقع اللبناني حيث يحاولوا حلحلة بعض العقد التي تصب في مصلحتهم خلال المرحلة الحالية للحد من الانهيار الحاصل في البلدين. ومن ضمن هذا السياق اتى الاجتماع الروسي بالرئيس المكلف سعد الحريري بالامارات العربية المتحدة.

الفترة المقبلة سنشهد مزيدا من الحراك السياسي الذي قد يلعب دورا في الحد من الانهيار المالي و الاقتصادي، او على الاقل ضبط الانهيار لتمرير الوقت بفترة اقل قساوة حتى حصول التسوية الشاملة مستقبلا.

ماذا ستختار الطبقة السياسية في لبنان الانهيار كامل ام تطبيق الاصلاحات؟

الشعب قال كلمته منذ تشرين الاول 2019 في موضوع تغيير الواقع المذري من هدر للاموال العامة و الفساد و كيفية ادارة مرافق الدولة، و لكن للاسف السلطة ما زالت في زمن ما قبل الانتفاضة الشعبية تراهن على التسويات الخارجية و تبيع و تشتري بشعبها الغاضب على ممارساتها الخاطئة، فتحاول مجددا تدفيعه الثمن بعدما دفعه في مرحلة ما قبل الانهيار.

لبنان و الانهيار

لم يتوقع احدا ان لبنان الذي كان منارة للشرق ان يصبح بمشهد شبه فنزويلي، هل هذا لبنان الذي يفتخر مواطنيه في كافة اصقاع العالم بهويتهم؟ هل هذا لبنان الذي نجح ابناؤه في كافة انحاء العالم؟ هل هذا لبنان الذي كان مرقدا للسياحة؟ هل هذا لبنان جبران خليل جبران او رمال حسن الرمل او مايك دبغي؟ هل هذا هل هذا هل هذا…

اصبحنا نتنافس مع دول تحت خط الانهيار ان ذهبنا الى الحد الادنى للاجور نجن في اخر القائمة فموريتانيا على سبيل المثال 111 دولارا و لبنان حوالي 66 دولارا، مرتبة الفساد 138 من اصل 180، نسب الفقر منافسة بشكل كبير حسب اخر تقارير دولية اكثر من نصف الشعب اللبناني دون خط الفقر، اما على صعيد المؤسسات التجارية فاكثر من 50 بالمئة ستقفل ابوابها.

غضب الشارع

هذا الغضب الذي نشهده اليوم هو اثر احتقان سياسي،اقتصادي واجتماعي وقد اعطيت هذه السلطة الفرصة لاطلاق ذمام المبادرة خلال عام 2020 و لكن للاسف ما حاولت ان تفعله هو  محاولة اعادة صياغة نفسها، ما ادى الى ما وصلنا له اليوم و الشارع مستمر حتى حدوث مبادرة تشفي غليله و هذه المرة محاولة شراء الوقت ستدفعهم الثمن اكثر لان حتى بيئتهم الداعمة كفرت بالوضع القائم.

الطروحات السياسية

بيان بعبدا كان بلا لون و هو لذر الرماد بالعيون و لحلول وهمية، هل محاربة التطبيقات الالكترونية هو الحل في لبنان؟ مضحكة ومبكية الحلول المطروحة، المواطن ينتظر اكثر من ذلك باشواط ينتظر سلطة قوية وجريئة تعمل على انقاذه ولا يريد حلولا نوصفها بالترقيع او بالحلول الجزئية.

الواقع السياسي

حزب الله متفرج و يحاول ربط النزاع بين حلفاؤه و حتى المرحلة الحالية ممكن ان نقول انه منتظر الضوء الاخضر اقليميا ليبدء بفك النزاع، و هناك بعض المؤشرات انه بدء بمسار حلحلة العقد بعد طرح التدويل من قبل البطرك الراعي حيث اصبح من مصلحته وجود حكومة اخرى لتمرير الوقت بشكل افضل من سابقاتها، على ان يبقى الوضع كما هو عليه حيث ممكن ان يخسر اكثر في بيئته الحاضنة.

حركة امل و حزب التقدمي الاشتراكي و تيار المردة يعملون على اضعاف قدرة عون  و الحد من قدراته، اضافة تحجيم الوزير السابق جبران باسيل لاسباب مختلفة منها تختص بالنفوذ المقبل ومن الناحية الاخرى تختص بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

تيار المستقبل بين نارين انفجار الوضع داخليا و الحصول على دعم المملكة العربية السعودية في تشكيل الحكومة حيث يحاول الرئيس الحريري اخذ الضوء الاخضر في ملفي تمثيل حزب الله واسترجاع الاعتبار بعدما حصل الغضب اثر التسوية الرئاسية.

حزب القوات يريد اسقاط العهد باكمله و يأمل بحدوث انتخابات نيابية مبكرة تمكنه من اخذ مقاعد اكثر حيث له طموح بان يصبح اكبر تكتل مسيحي ممكن ان يفرض قراره بشكل اوسع و في المقلب الاخر يحاول وراثة التيار الوطني الحر ايضا حزب الكتائب لرفع اعداد مقاعده.

التيار الوطني الحر الخاسر الاكبر جراء ثورة 17 تشرين يحاول شد العصب الطائفي و العمل مجددا على مشهد المظلومية كما كانت استراتيجية الرئيس عون سابقا بين فترة انتخابات 2005 و توقيع ورقة مارمخايل، بتلك الاستراتيجية هناك محاولة لاستعادة الحاضنة المسيحية. لكنه يعيش بين نارين في المرحلة الحالية وجوده في السلطة و تحالفه مع حزب الله من هنا يأتي قرار الوزير باسيل بعدم اعطاء الثقة ان شكل الحريري الحكومة ونرى احيانا بعض التمايز في الاعلام في موضوع حزب الله و الحديث عن اعادة تقييم ورقة مارمخايل.

الجيش و الغضب الشعبي

تحت الاضواء الجيش اللبناني منتهك من الواقع الاقتصادي المذري الذي نمر به، وان استمر الواقع كما هو عليه ستشهد المؤسسة انتكاسة كبيرة و ممكن ان نرى الجيش الى جانب الناس في الشارع. هناك الكثير من الدول المتخوفة من هذا الوضع حيث يتم ارسال بعض المساعدات الطبية و الغذائية ليستفيد منها الجيش محاولة بقاء تماسكه.

صرخة قائد الجيش كانت دليل على مدى غضب المؤسسة العسكرية و لولا الواقع الطائفي في لبنان لشهدنا “انقلابا عسكريا”، هذه الصرخة دغدغة مشاعر كل مظلوم و كل فقير و كل محتاج واصبح الكثير من المواطنون يطالبونه بالتدخل، ليس فقط بسبب ان الجيش حامي الوطن بل للاسف لانها احدى المؤسسات القليلة في لبنان التي ما زالت تنال ثقة الشعب.

السيناريوهات المقبلة

واهم من يعتقد ان غضب الناس ممكن ان يمتصه خطابات وشعارات وقرارات وهمية، و موهم من يظن انه يمكن تخوين الناس. فنحن سنتجه الى سيناريوهين لا ثالث لهما، الاول استمرار غضب الناس و الذهاب نحو الفوضى لا نعلم مدى حجمها و ما ممكن ان تكون نتائجها و الثاني تشكيل حكومة في وقت قريب و اجراء تسوية تسحب الواقع المتردي من عنق الزجاجة او على الاقل تهدء الامور في ظل غياب اي دور للسلطة في المرحلة الحالية.

لكن ليس تشكيل الحكومة فقط هو الحل، فنحن في مرحلة انهيار شبه كامل سنحتاج الى جولات من الاصلاح و الى عقد سياسي واجتماعي جديد يطور ممارسات الادارة العامة.

فلبنان شئنا ام ابينا يعيش في ازمة نظام وما يحدث من مناورات سياسية داخليا او المتغيرات الاقليمية التي سنتأثر بها، ستأخذنا الى رسم وجة لبنان المقبل، فنحن نعيش بين مرحلة الانهيار وعقد اجتماعي جديد. الصراع سيكون بين تطبيق الطائف و تعديله و لكن لنكون واقعيين و موضوعيين لبنان ليس بحاجة الى تعديل دستوره بل الى تطبيقه بطريقة افضل تأخذنا الى شاطىء الامان.

لبنان بين مرحلتي الانهيار و العقد الاجتماعي الجديد

الشعب قال كلمته منذ تشرين الاول 2019 في موضوع تغيير الواقع المذري من هدر للاموال العامة و الفساد و كيفية ادارة مرافق الدولة، و لكن للاسف السلطة ما زالت في زمن ما قبل الانتفاضة الشعبية تراهن على التسويات الخارجية و تبيع و تشتري بشعبها الغاضب على ممارساتها الخاطئة، فتحاول مجددا تدفيعه الثمن بعدما دفعه في مرحلة ما قبل الانهيار.

لبنان و الانهيار

لم يتوقع احدا ان لبنان الذي كان منارة للشرق ان يصبح بمشهد شبه فنزويلي، هل هذا لبنان الذي يفتخر مواطنيه في كل اصقاع العالم بهويتهم؟ هل هذا لبنان الذي نجح ابناؤه في كافة انحاء العالم؟ هل هذا لبنان الذي كان مرقدا للسياحة؟ هل هذا لبنان جبران خليل جبران او رمال حسن الرمل او مايك دبغي؟ هل هذا هل هذا هل هذا…

اصبحنا نتنافس مع دول تحت خط الانهيار ان ذهبنا الى الحد الادنى للاجور نجن في اخر القائمة فموريتانيا على سبيل المثال 111 دولارا و لبنان حوالي 60 دولارا، مرتبة الفساد 138 من اصل 180، نسب الفقر منافسة بشكل كبير حسب اخر تقارير دولية اكثر من نصف الشعب اللبناني دون خط الفقر، اما على صعيد المؤسسات التجارية فاكثر من 50 بالمئة ستقفل ابوابها.

غضب الشارع

هذا الغضب الذي نشهده اليوم هو اثر احتقان سياسي،اقتصادي واجتماعي وقد اعطيت هذه السلطة الفرصة لاطلاق ذمام المبادرة خلال عام 2020 و لكن للاسف ما حاولت ان تفعله هو  محاولة اعادة صياغة نفسها، ما ادى الى ما وصلنا له اليوم و الشارع مستمر حتى حدوث مبادرة تشفي غليله و هذه المرة محاولة شراء الوقت ستدفعهم الثمن اكثر لان حتى بيئتهم الداعمة كفرت بالوضع القائم.

الطروحات السياسية

بيان بعبدا كان بلا لون و هو لذر الرماد بالعيون و لحلول وهمية، هل محاربة التطبيقات الالكترونية هو الحل في لبنان؟ مضحكة ومبكية الحلول المطروحة، المواطن ينتظر اكثر من ذلك باشواط ينتظر سلطة قوية وجريئة تعمل على انقاذه ولا يريد حلولا نوصفها بالترقيع او بالحلول الجزئية.

الواقع السياسي

حزب الله متفرج و يحاول ربط النزاع بين حلفاؤه و حتى المرحلة الحالية ممكن ان نقول انه منتظر الضوء الاخضر اقليميا ليبدء بفك النزاع، و هناك بعض المؤشرات انه بدء بمسار حلحلة العقد بعد طرح التدويل من قبل البطرك الراعي حيث اصبح من مصلحته وجود حكومة اخرى لتمرير الوقت بشكل افضل من سابقاتها، على ان يبقى الوضع كما هو عليه حيث ممكن ان يخسر اكثر في بيئته الحاضنة.

حركة امل و حزب التقدمي الاشتراكي و تيار المردة يعملون على اضعاف قدرة عون  و الحد من قدراته، اضافة تحجيم الوزير السابق جبران باسيل لاسباب مختلفة منها تختص بالنفوذ المقبل و من الناحية الاخرى تختص بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

تيار المستقبل بين نارين انفجار الوضع داخليا و الحصول على دعم المملكة العربية السعودية في تشكيل الحكومة حيث يحاول الرئيس الحريري اخذ الضوء الاخضر في ملفي تمثيل حزب الله و استرجاع الاعتبار بعدما حصل الغضب اثر التسوية الرئاسية.

حزب القوات يريد اسقاط العهد باكمله و يأمل بحدوث انتخابات نيابية مبكرة تمكنه من اخذ مقاعد اكثر حيث له طموح بان يصبح اكبر تكتل مسيحي ممكن ان يفرض قراره بشكل اوسع و في المقلب الاخر يحاول وراثة التيار الوطني حزب الكتائب لرفع اعداد مقاعده.

التيار الوطني الحر الخاسر الاكبر جراء ثورة 17 تشرين يحاول شد العصب الطائفي و العمل مجددا على مشهد المظلومية كما كانت استراتيجية الرئيس عون سابقا بين فترة انتخابات 2005 و توقيع ورقة مارمخايل، بتلك الاستراتيجية هناك محاولة لاستعادة الحاضنة المسيحية. لكنه يعيش بين نارين في المرحلة الحالية وجوده في السلطة و تحالفه مع حزب الله من هنا يأتي قرار الوزير باسيل بعدم اعطاء الثقة ان شكل الحريري الحكومة ونرى احيانا بعض التمايز في الاعلام في موضوع حزب الله و الحديث عن اعادة تقييم ورقة مارمخايل.

الجيش و الغضب الشعبي

تحت الاضواء الجيش اللبناني منتهك من الواقع الاقتصادي المذري الذي نمر به، وان استمر الواقع كما هو عليه ستشهد المؤسسة انتكاسة كبيرة و ممكن ان نرى الجيش الى جانب الناس في الشارع. هناك الكثير من الدول المتخوفة من هذا الوضع حيث يتم ارسال بعض المساعدات الطبية و الغذائية ليستفيد منها الجيش محاولة بقاء تماسكه.

صرخة قائد الجيش كانت دليل على مدى غضب المؤسسة العسكرية و لولا الواقع الطائفي في لبنان لشهدنا “انقلابا عسكريا”، هذه الصرخة دغدغة مشاعر كل مظلوم و كل فقير و كل محتاج واصبح الكثير من المواطنون يطالبونه بالتدخل، ليس فقط بسبب ان الجيش حامي الوطن بل للاسف لانها احدى المؤسسات القليلة في لبنان التي ما زالت تنال ثقة الشعب.

السيناريوهات المقبلة

واهم من يعتقد ان غضب الناس ممكن ان يمتصه خطابات وشعارات وقرارات وهمية، و موهم من يظن انه يمكن تخوين الناس. فنحن سنتجه الى سيناريوهين لا ثالث لهما، الاول استمرار غضب الناس و الذهاب نحو الفوضى لا نعلم مدى حجمها و ما ممكن ان تكون نتائجها و الثاني تشكيل حكومة في وقت قريب و اجراء تسوية تسحب الواقع المتردي من عنق الزجاجة او على الاقل تهدء الامور في ظل غياب اي دور للسلطة في المرحلة الحالية.

لكن ليس تشكيل الحكومة فقط هو الحل، فنحن في مرحلة انهيار شبه كامل سنحتاج الى جولات من الاصلاح و الى عقد سياسي واجتماعي جديد يطور ممارسات الادارة العامة.

فلبنان شئنا ام ابينا يعيش في ازمة نظام وما يحدث من مناورات سياسية داخليا او المتغيرات الاقليمية التي سنتأثر بها، ستأخذنا الى رسم وجة لبنان المقبل، فنحن نعيش بين مرحلة الانهيار وعقد اجتماعي جديد. الصراع سيكون بين تطبيق الطائف و تعديله و لكن لنكون واقعيين و موضوعيين لبنان ليس بحاجة الى تعديل دستوره بل الى تطبيقه بطريقة افضل تأخذنا الى شاطىء الامان.

لماذا طرابلس ؟

إن عدنا الى التاريخ طرابلس لم تشعر بوجود الدولة سوى بالأمن ما قبل الحرب الاهلية حتى اليوم، وذلك يؤدي الى ازمة هوية لطرابلس حيث بعد استقلال لبنان انتمت الى الخط العروبي خلال حقبة الرئيس جمال عبدالناصر و من بعدها سيطرة عليها القضية الفلسطينية حيث عاش فيها ايضا الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات، و من بعدها بسبب الفراغ السياسي و الفوضى لجأت الى الفكر الاسلامي من خلال حركة التوحيد الاسلامي و من بعدها تخلت عن هذه العباءة لصالح الدولة في لبنان، و لكن لم تشعر بوجود الدولة اللبنانية منذ اتفاق الطائف، تشعر بأن هناك قرار سياسي ما ببقاء منطقة شمال لبنان بعيدة عن منطق المواطنة، و لكن رغم كل تلك الظروف التي همشت فيها المدينة أراد ابناء الشمال اثبات انتماءهم الى لبنان خلال انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 حيث لقبت بعروسة الثورة.

الاهمال خلال حقبة ما بعد اتفاق الطائف

خلال تلك الحقبة كان يوجد قيادات و احزاب متنوعة في المدينة مثل رئيس الحكومة الاسبق الشهيد رشيد كرامي و الراحل الدكتور عبدالمجيد الرافعي و الشهيد خليل عكاوي (ابو عربي)، كانت المدينة تشعر بجزء من الانتماء بسبب وجود قيادة محلية و ايضا لعب دور الوسيط و جلب الحقوق لابناء المدينة من الدولة، و لكن تلك الحقبة كانت خلال الحرب الاهلية و الفوضى، ما بعد اغتيال كرامي و المضي باتفاق الطائف، بدأ مشهد الشعور بالتهميش بالتنامي يوما بعد يوم وسنة بعد سنة.

مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري

خلال تلك المرحلة وضعت اجندة انماء المدينة على الرفوف، حيث عاش المواطن على الاقتصاد الذاتي و لكن كانت حاضنة اقتصادية لمنطقة الشمال تجاريا في تلك الحقبة ، من دون تطوير بنيته التحتية و استثمار المرافق الاقتصادية المختلفة في المدينة و الشمال (معرض رشيد كرامي، مرفأ طرابلس ، المنطقة الاقتصادية و غيرها)، يقال ان اسباب هذا التهميش كان جراء قرار سياسي، و لكن ان ذهبنا الى ارض الواقع السبب هو غياب القيادة السياسية في المدينة، اضافة الى اولوية السلطة المركزية بانماء العاصمة و سيطرة منطق المحاصصة.

مرحلة ما بعد استشهاد الرئيس الحريري

خلال هذه المرحلة تخبطت المدينة سياسيا و اقتصاديا، على الصعيد السياسي تخبطت المدينة بمنعطفات مختلفة اثرت سلبا بدأت من اغتيال الرئيس الحريري، احداث نهر البارد 2007، الى احداث 7 ايار 2008، 22 جولة  عنف في المدينة، الحرب السورية و انحسار دور القيادة السياسية. جميع تلك المراحل ادت الى الشعور بالتهميش السياسي للمدينة ما ادى الى رحلة البحث عن بديل للخروج من هذا الشعور، حاول البعض استغلال غضب الشماليين لجرهم الى التطرف كمشروع بديل و لكن لم ينجح، فالمدينة و اهالي الشمال بشكل عام وقفوا دائما الى جانب المؤسسات الامنية خلال المحن الرئيسية مثل احداث نهر البارد، احداث طرابلس، الاحداث مع بعض المجموعات المتطرفة.

اما على الصعيد الاقتصادي انهار ما تبقى من المقومات الاقتصادية في المدينة ، فخسرت الحاضنة الاقتصادية شمالا خاصة بعد جولات العنف حيث عمدت المناطق المجاورة على خلق بديل اقتصادي مثل عكار و الكورة و زغرتا، هذا ناهيك عن ازمة اللجوء السوري و المؤثرات الاقتصادية و الاجتماعية لتلك الازمة، اضافة الى اختفاء مبادرات السلطة المركزية لانماء الشمال.

المرحلة الحالية

 شهدت الاشهر الماضية جمود سياسي تخللها بعض المبادرات و لكن على الصعيد الاجتماعي بظل انهيارالاقتصاد الوطني و فلول جائحة كورونا لم تعمد السلطة السياسية على تحريك جفن و لعب دور المبادرة حيث اصبح المواطن يغرد وحيدا. ما ادى للوصول الى ارقام مخيفة في لبنان عامة و في الشمال خاصة، فبدأنا نتحدث شمالا عن اكثر من 70 بالمئة دون خط الفقر و نسب البطالة ارتفعت بشكل كبير حيث الارقام تتحدث عن انها اكثر من سبعون بالمئة لدى الشباب، ناهيك عن نسب التسرب المدرسي و اقفال المؤسسات و غيرها من الارقام.

هذا على الصعيد الاقتصادي اما على الصعيد السياسي المدينة تشهد فراغا سياسيا كبيرا لا قيادة لا ادراة و لا مبادرة ، مما يؤدي الى مزيد من التوتر الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي.

هذا في العام اما ان اردنا ان نتعمق، المشكلة في المدينة اكبر من ازمة اقتصادية و سياسية بل يوجد فيها ازمة ثقة في الدولة و يوجد فيها شعور بالتهميش جراء تراكم ممارسات خلال العقود الماضية، هذا الغضب اصبح يؤدي الى الافتراق الجزئي عن هوية لبنان و عن الدستور اللبناني حيث اصبح فكر الانفصال عن السلطة المركزية مقبول ، وهذا الشعور ليس فقط في طرابلس بل في معظم المناطق التي اهملت خلال العقود الماضية.

ما حصل في طرابلس حله ليس امني، بل حله بقرار سياسي جدي في احتضانها و احتضان جميع المناطق المهمشة و الا الذهاب الى مشروع شبه “فدرلة” يعطي القوى المحلية ان تلعب دورا اكبر في انماء مناطقها لتكون بديل لتلك الازمة.

للاسف اعتقد ان السلطة المركزية بفضل ممارساتها، لا يوجد مؤشر ايجابي للذهاب الى هذا المنطق، فلنذهب الى اللامركزية الموسعة بطريقة سلمية افضل من ان يسقط دم مستقبلا للوصول الى هذا الحل، لأن السلطة المركزية سقطت لدى مختلف المكونات اللبنانية التي اوصلت لبنان الى ما هو عليه اليوم.

غيبوبة السلطة ايقظت الشارع مجددا

عندما تتحدث إلى المواطن وتسأله عن دور الدولة خلال جائحة كورونا، فالجواب لدى معظم اللبنانيين عن أيّ دولة تتحدث؟ هذا الجواب لا يأتي من فراغ بل من سوء إدارة وممارسة ورثه اللبنانيون منذ عقود حتى اليوم، ما أدّى إلى غياب هيبة السلطة والعداء معها في مقلب آخر.

الفقر المدقع في لبنان

كشفت دراسة أعدّتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (إسكوا) عن تضاعف نسبة الفقراء من سكّان لبنان لتصل إلى 55% عام 2020، بعدما كانت 28% في 2019، فضلاً عن ارتفاع نسبة الذين يعانون الفقر المدقع 3 أضعاف من 8% إلى 23% خلال الفترة نفسها.

وأشارت الدراسة إلى أنّ العدد الإجمالي للفقراء من اللبنانيين أصبح يفوق 2.7 مليون شخص، حسب خطّ الفقر الأعلى (أي عدد الذين يعيشون على أقلّ من 14 دولاراً في اليوم). هذا يعني عملياً تآكل الطبقة الوسطى بشكل كبير، وانخفاض نسبة ذوي الدخل المتوسط إلى أقل من 40% من السكان.

وأكدت الدراسة أنّ فئة الميسورين ليست بمنأى عن الصدمات، إذ تقلّصت إلى ثلث حجمها هي أيضاً، من 15% في 2019 إلى 5% في 2020.

أثرياء لبنان

حسب منظمة (الإسكوا) أيضاً، لدى لبنان أعلى كثافة في الثروة. ولديه أكبر كثافة أصحاب المليارات في العالم، إذ يملك 10% من الأثرياء نسبة 71% من ثروة البلاد.

تأتي تلك الثروات من خلال سياسة الاحتكار (الغاز، المحروقات، الأدوية وغيرها)، والمصارف اللبنانية التي حققت أرباحاً تفوق الخمسين مليار دولار من خلال الفوائد على الدين الحكومي.

إقفال المؤسسات

40 بالمئة من الماركات العالميّة أَقفلت أو في طور الخروج من لبنان بحسب نقابة التجار. ونحو 60 بالمئة من المؤسسات التجارية أقفلت أبوابها منذ عام 2019. ومن المؤكد أنّ الانهيار سيزداد مع الوقت، وستقفل مزيد من المؤسسات إن بقي الوضع كما هو عليه.

البطالة في لبنان

تشير الاستطلاعات إلى أنّ عدد العاطلين من العمل في لبنان قبل 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، كان نحو 350 ألفاً أي بنسبة 25% من حجم القوى العاملة.

ونتيجة حالة الشلل التي شهدها لبنان منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي ازدادت حدةً مع تفشّي وباء كورونا، وحالة الانهيار الاقتصادي والمالي، قد نصل إلى 65 بالمئة من القوى العاملة في لبنان أي نحو مليون فرد.

هذا ناهيك عمّا يمكن أن يحدث مستقبلاً، وإلى أيّ مدى سنبقى في هذا النفق المظلم، نتيجة عدم المبادرة واللامسؤولية لدى الطبقة الحاكمة، والبقاء في كنف المحاصصة السياسية.

الهجرة من لبنان

خلال عام 2018 هاجر نحو 33 ألف لبناني، فيما هاجر مع نهاية 2019 نحو 66 ألفاً، أي بزيادة الضعف. وهاجر نحو 60 ألفاً عام 2020، ولكانت الأرقام أكبر لولا جائحة كورونا وإغلاق المطارات وإيقاف بعض طلبات الهجرة.

السلطة الغائبة

مع كلّ تلك المعطيات والأرقام والانهيار، لا يجد المواطن اللبناني من يقدم الحلول. أخذت السلطة في لبنان فرصة كبيرة وهي جائحة كورونا، محاولة إعادة إنتاج نفسها ولكن ليس بحلّة جديدة مبنية على ذهنية تغيير الممارسة الفاشلة لإدارة الوطن، بل حاولت استغلال هذا الوباء لإعادة إنتاج نفسها بطريقتها. فقد استمرت ذهنية المحاصصة السياسية والإدارية والاقتصادية فمن يجب أن يحاسب؟

كل ذلك سيؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي، وسيؤدي إلى انفجار في الشارع. والانتفاضة القادمة ليست كسابقاتها بل ستكون أعنف، فالانتفاضة السابقة كانت أكثر ديبلوماسية. وهنا يجب أن لا ننسى شهية الاستثمار في الانتفاضة المقبلة لربح أوراق في فرض الشروط.

والمثل يقول “إذا ما كبرت ما بتزغر”. ولكن ما الحل؟ هل سيكون على حساب المواطن اللبناني مجدداً؟ أم سننطلق لإطلاق الجمهورية الثالثة؟ أم ستحصل تسوية ما بين طرحين؟ ما شكل النظام السياسي المقبل؟

ما هو مؤكد أنّ قيادة لبنان ونظامه وإدارته لن تكون كما كانت قبل 17 تشرين الأول 2019. ونحن نعيش المرحلة الأصعب، وهي الفترة الانتقالية من نهج ونظام سياسي إلى آخر. ولا يمكننا أن نقول سوى “الله يكون بعون الفقراء والمحتاجين”. وحمى الله الأبرياء في هذه الفترة الانتقالية الحرجة.

لماذا يُمكن حدوث إغتيالات سياسية في لبنان؟

لإغتيالات السياسية في لبنان تاريخ طويل. فعلى مدى سنوات مديدة، كان لبنان مسرحاً للعديد من الإغتيالات، بسبب طبيعة الصراعات الفكرية داخل المجتمع اللبناني، وقربه من منطقة التوتر في الشرق الأوسط، بالاخص سوريا واسرائيل، اضافة الى ساحة نزاع إقليمية ودولية بين الولايات المتحدة الاميركية وجمهورية ايران الاسلامية.

تاريخ الإغتيالات

موضوع التصفية السياسية الجسدية بدأ منذ نشؤ دولة لبنان الكبير، عندما تم اغتيال رئيس الحكومة رياض الصلح في الاردن عام 1951. استمر شبه هدوء في الاغتيال السياسي حتى عام 1975 عندما تم اغتيال النائب معروف سعد خلال تظاهرة للصيادين في صيدا، و من بعدها بدأت شرارة الحرب الاهلية، حيث تمت تصفية شخصيات سياسية مع كل انعطاف اقليمي او دولي.

خلال هذه الحرب المشؤومة، تمت إغتيالات مختلفة وابرزها المعلم كمال جنبلاط، خلال شهر آذار 1977، من بعدها اغتيال الوزير طوني فرنجية عام 1978، اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل ورفاقه في الرابع عشر من أيلول 1982 قبل 9 أيام فقط من تسلمه منصبه الرئاسي، إغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي بتفجير عبوة ناسفة في مروحية كان يستقلها من طرابلس إلى بيروت مطلع شهر حزيران من عام 1987،.اغتيال رئيس الجمهورية رينيه معوض في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1989، بعد تسلمه منصبه بمدة وجيزة، عبر تفجير عبوة ناسفة قرب القصر الحكومي في محلة الصنائع في بيروت.

من بعدها تمتع لبنان بشبه فترة من الاستقرار السياسي، من خلال اتفاق اقليمي دولي امتد بين عامي 1990 و2005، حيث جرت تصفيات سياسية متقطعة، تم خلالها اغتيال الامين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي عام 1992، والشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية المشاريع الاسلامية عام 1995، واغتيال الوزير السابق ايلي حبيقة عام 2002، حتى حدوث اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري عام 2005، الذي ادى الى تحوّل سياسي جديد في لبنان.

خلال هذا التحوّل جرت إعادة تموضع سياسي واصبح لبنان في صلب لعبة المحاور مجدداً، مما ادى الى حدوث عمليات اغتيال مختلفة لشخصيات سياسية مثل الوزير السابق بيار الجميل عام 2006، والامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي، والنائبين انطوان غانم ووليد عيدو. وشخصيات أمنية مثل العميد وسام الحسن عام 2012، وصحافية مثل جبران تويني في العام نفسه ايضاً، وإغتيال الصحافي سمير قصير. عدا محاولات اغتيال أخرى مثل محاولة اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة والوزير السابق الياس المر والاعلامية الوزيرة السابقة مي شدياق.

مرحلة تغير جيو سياسي

إثر حدوث الانتخابات الاميركية و فوز جو بايدن، اصبحت الفترة الانتقالية الممتدة حتى الشهر المقبل تُعّدُ فترة حساسة جداً سياسياً وأمنياً بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة وايران وحلفائها من جهة اخرى. ولبنان بعين العاصفة بسبب النفوذ الايراني في لبنان وسياسة الضغط الاميركية عليه.

يعمل الرئيس دونالد ترامب في المرحلة الحالية على شَدّ أحزمة الحلفاء، من خلال تذليل الخلافات بينها، مثلما يحصل في الملف الخليجي و المصالحة التي يتم العمل عليها بين السعودية وقطر، وإعادة قنوات التواصل بين تركيا والسعودية، والتطبيع بين دول عربية واسرائيل، والمزيد من الضغوط الاقتصادية على ايران وحلفائها، وتأتي كل تلك المتغيرات لوضع بايدن امام امر واقع قبل تسلمه الحكم.

هذه المرحلة لا يمكن اختصارها فقط بشدّ الاحزمة السياسية، ولكن الواقع الأمني على الطاولة ايضاً. بدأت بإغتيال العالم النووي الايراني محسن زادة، وطبعاً هناك بنك اهداف محدد قبل تسليم بايدن السلطة، وطالما ان ايران لديها نفوذ كبير في لبنان فسيكون له حصة. ولكن ما مدى حجمها لا نعلم، و طبعاً الرد من الخصم حاضر، ويُمكن ان يكون بطريقة معاكسة ايضا. فإيران محشورة في المرحلة الحالية، وإن تم البدء بتغيير قواعد اللعبة بالملف اللبناني، فلن تقف مكتوفة الايدي للحفاظ على أوراق قوتها ايضاً وجميع الوسائل مفتوحة.

مرحلة سياسية انتقالية

ان اخذنا تاريخياً في لبنان خلال المراحل الانتقالية السياسية دائماً كانت تحدث الاغتيالات السياسية، وتلك العمليات إما تحصل لتصفية خصم، وإما تحضيراً لمرحلة سياسية جديدة، وإزاحة من يمكن اعاقتها، وإما للضغط السياسي من خلال خلق توترات امنية وسياسية وكسب نقاط قوة سياسية، وكل تلك السيناريوهات محتملة في المرحلة الحالية.

لبنان يعيش مرحلة سياسية انتقالية. انهيار مالي واقتصادي، البحث في عقد اجتماعي جديد، توقف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، خلل امني بسبب عدم وجود استقرار سياسي، ضغوط سياسية دولية يمكن ان تؤدي الى تغيّر المعادلات الداخلية. والاهم رسم مشهد سياسي جديد لمنطقة الشرق الاوسط.

من هنا تأتي مؤشرات حدوث اعمال امنية او إغتيالات سياسية، لأننا في مراحل مشابهة لمتغيرات سياسية داخلياً و إقليمياً ادت في السابق الى حدوث تصفيات جسدية لساسة لبنانيين.

قد تُطيح تلك التصفيات الجسد، لكنها أبدًا لاتستطيع قتل الأفكار والمباديء الإنسانية العظيمة. وقد أوردت الكتب الدينية المقدسة: أن الإغتيال عملية قديمة قِدم خلق الإنسانية، وأشهر مثال على ذلك؛ هو قتل قابيل لأخيه هابيل.