ماذا على مائدة بايدن و بوتين

إن عدنا قليلا الى الوراء نرى مشهد قاتم للعلاقات الاميركية-الروسية من اتهامات متبادلة بين الرئيسين، ازمة دبلوماسية، عقوابات اميركية، وحرب باردة في بقع جغرافية مختلفة وخاصة في المناطق المجاورة لروسيا والشرق الاوسط. لكن هذه الحرب يبدو انها ليست لمصلحة الطرفين من جهة روسيا لديها ازمة اقتصادية ولا تريد معركة تستنزفها اكثر ومن جهة اخرى الولايات المتحدة لديها هوس تنامي النفوذ الصيني. فمن هنا يعمل الاميركي على ضبط الايقاع لاهم حليفين استراتيجيين للصين ايران وروسيا.

كسر الجليد

بعد حصول التوتر الشديد بين اميركا وحلف الناتو من جهة و روسيا من جهة اخرى شرقي اوكرانيا اخذ الرئيس جو بايدن المبادرة واتصل بنظره الروسي فلاديمير بوتين لعقد قمة ثنائية، ومن بعدها تابع وزيري خارجية البلدين الملف وتم تفويض الملف الى السفراء المختصين سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيقولاي باتروشيف، ومستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان.

عنوان المفاوضات

صرح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ان عنوان المفاوضات هي الاستقرار الاستراتيجي في جميع انحاء العالم، فمن هذه العبارة  ممكن التكهن المادة الدسمة التي ستكون على طبق المفاوضات التي ترمز الى القضايا العسكرية والسياسية والاقتصادية العالقة بين البلدين فإن نجحت ممكن ان تؤدي الى قلب الموازين في بقع جغرافية مختلفة والى تسويات في بقع اخرى.

ابرز نقاط الخلاف

الفجوة بين البلدين كبيرة في ظل عوامل تاريخية سياسية وعسكرية فرضت نفسها على المتنافسين، ولكن ممكن وضع اول طبق على المفاوضات هو روسيا والجوار وابرزها اوكرانيا حيث ستحاول روسيا قدر استطاعتها إقناع الجانب الأميركي بالضغط على أوكرانيا للعودة إلى اتفاقيات مينسك، ومنح إقليم الدونباس حكماً ذاتياً موسّعاً في إطار أوكرانيا. اضافة الى علاقة روسيا مع حلفاء اميركا في تلك البقع الجغرافية حيث تمكنت من زرع انظمة حليفة لها خلال فترة الاحادية، وتعتبره روسيا يهدد امنها القومي والاستراتيجي.

الوجبة الثانية هي الاتفاقيات المشتركة بين البلدين ان كانت دولية  مثل اتفاقية الاجواء المفتوحة التي انسحبت منها روسيا التي تسمح بتسيير رحلات جوية غير مسلحة فوق عشرات الدول الموقعة على الاتفاق، اضافة الى الاتفاقات الثنائية بين البلدين ان كانت اقتصادية او بيئية او سياسية او الكترونية حيث اتهمت اميركا وقوف روسيا وراء حملة قرصنة ضخمة على وكالات حكومية ومراكز صناعة القرار، وطبعا موضوع رفع العقوبات الاقتصادية.

الوجبة الثالثة في ظل عودة بايدن واهتمامه بعودة مؤسسات النظام العالمي من المتوقع ان يتخلل الحوار الثنائي دور مجلس الامن والقرارات التي لا تنفذ، تفعيل عمل الرباعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية التي تضم الولايات المتحدة الاميركية، روسيا، الاتحاد الاوروبي وهيئة الامم المتحدة. 

الوجبة الرابعة تتضمن الواقع السياسي في منطقة الشرق الاوسط وابرزها سوريا وليبيا، سوريا من جهة خارجة من انتخابات رئاسية وتبحث روسيا عن تسوية لها تعيد الاوكسجين الاقتصادي وتسوية سياسية مع اميركا قد تؤدي الى نظام شبه فيدرالي طالما لن يتمكن النظام خلال المرحلة القادمة من السيطرة على شرق سوريا ذو دعم اميركي وادلب ذو دعم تركي وبالتالي روسيا اولويتها في المرحلة الحالية عودة سوريا الى الكنف العربي والدولي، وبدء مشوار اعادة الاعمار من خلال مؤتمرات دولية وعربية وبالتالي عودة الاستقرار من دون استنزاف لروسيا لا اقتصاديا ولا عسكريا. وفي المقلب الاخر روسيا مهتمة في الملف الليبي ولكنها تمشي بين الالغام تدعم من هنا وتساوم من هناك ولكنها لن تخرج من النفق الليبي الا بدور مهم من خلال التسويات السياسية المقبلة.

الوجبة الخامسة ستكون متعلقة بالمفاوضات مع ايران وبحث نقاط الخلاف الباقية وكيفية الوصول الى اتفاق نهائي، اضافة الى مؤثراته السياسية في المنطقة حيث سيتم البحث في كيفية لعب روسيا دور ضابط الايقاع او الضمانة في بقع جغرافية حساسة مثل امن اسرائيل ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

الوجبة السادسة ستتضمن نتائج جائحة كورونا الصحية والاقتصادية وكيفية تعزيز اطر التعاون لتحقيق استقرار صحي واقتصادي في العالم مما يعزز دور البلدين وخاصة ان هناك هاجس اميركي من تزعزع النظام النقدي العالمي وستبذل كل جهدها في عدم خسارة موقعها الاول في النظام النقدي حيث ممكن القول ان الدولار اصبح متزعزع ان اردنا العودة الى الارقام خلال الاشهر الماضية.

النتائج المتوقعة

لا يمكن الحديث انه من اللقاء الاول سنشهد متغيرات سياسية فما زلنا في صلب التفاوض، ولكن الاتفاق هو حاجة للطرفين لاسباب ذكرناها سابقا، وبالتاكيد ان حصل اي اتفاق ثنائي سيؤدي الى مشهد سياسي جديد في بقع مختلفة من انحاء العالم وخاصة في الشرق الاوسط لانها منطقة نزاعات وتنتظر التسويات الكبرى. ولكن الاسئلة التي ممكن ان نطرحها من سيدفع ثمن اي اتفاق ثنائي؟ وماذا سيكون تأثيره على القوى الاقليمية والدولية ؟ وهل سيكون الاتحاد الاوروبي جزء من الاتفاق؟ والسؤال الاهم كيف سيكون الرد الصيني لمحاولة ضبط ايقاع حلفاءها الاستراتيجيين؟

سد النهضة و السيناريوهات المقبلة

يفصلنا شهرين عن اطلاق الملء الثاني لسد النهضة وافق الحل كلما اقترب الوقت يزيد من احتمال التوتر بين مصر والسودان من جهة واثيوبيا المتعنة بقرارها من جهة اخرى. فجولات المفاوضات اثبتت فشلها منذ سنوات حتى اليوم واثيوبيا تلعب على الوقت لتمرير مشاريعها المائية من دون الاخذ بعين الاعتبارالاتفاقات مع دول الجوار، مما قد يؤدي الى ارتفاع منسوب التوتر بين دول حوض النيل. وخصوصا ان اثيوبيا لديها مشاريع سدود اخرى مما قد يؤدي الى دق ناقوس الخطر للامن القومي المائي لمصر.

تاريخ السد

تعود فكرة السد إلى منتصف القرن الماضي بين عامَي 1956-1964 حين قام مكتب الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي بإجراء مسح شامل للنيل الأزرق لتحديد أنسب الأماكن لإقامة سد ضخم على النيل الأزرق، حيث كان من المخطط آنذاك أن يُمَوَّل السد الكبير بواسطة الولايات المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية، ولكن هذه الخطط تعطّلت فجأة إثر انهيار الملكية الإثيوبية، لتسقط إثيوبيا بعد ذلك في حقبة طويلة من الحكم العسكري المدعوم من السوفييت.

  ولكن إثيوبيا وجدت الفرصة سانحة أمامها للمُضي قُدما بالمشروع منذ عام 2011، حين استغلت أديس أبابا انشغال القاهرة بعملية الانتقال السياسي وقامت بوضع حجر الأساس للسد الأضخم في أفريقيا على النيل الأزرق.حسب مهندسو السد ان قدرته الاستعابية للمياه ستكون 74 مليار متر مكعب يتم ملئها على مراحل مختلفة ويكون الاعمار لكل مرحلة خلال فترات الصحو.

بدء الملء الاول عام 2020 حيث احتفظ بحوالي خمسة مليار متر مكعب، وخلال الملء الثاني سيتم حفظ حوالي 13.5 مليار متر مكعب ويقدر تعبئة كامل السد حسب الاوساط الاثيوبية انها ستأخذ بين خمسة الى سبعة سنوات.

قانون الدولي للانهار

تنص اتفاقية قانون استخدام المجارى المائية الدولية فى الأغراض غير الملاحية عام 1997 واعتمدته الامم المتحدة عام 2007، على عدم إقامة مشاريع مائية فى مصادر المياه الدولية المشتركة بدون إخطار، وضرورة العمل بأقصى ما يمكن على مبدأ الإفصاح وتبادل المعلومات الخاصة والتشاور مع الدول الأخرى بهدف التوصل إلى اتفاق بخصوص تقسيم المياه على أسس عادلة مع تفادى إلحاق الضرر الجسيم بحقوق الدول الأخرى.

الملء الثاني ومؤثراته

ان تم الملء الثاني بالتالي اصبح امر واقع، مما يعني انتفاء اي وسيلة ضغط فعلية وبالتالي تكون نجحت اثيوبيا بسياسة تمرير الوقت، طالما بدأت اثيوبيا بالملء الثاني وحسب الخبراء تحتاج كل 5 مليارات متر مكعب الى حوالي ثلاثة اسابيع، فبالتالي لدى مصر والسودان حوالي ثمانية اسابيع لتوقيف هذا الملء او اجراء تسوية معينة تحفظ مصالح الافرقاء كافة. اضافة الى ذلك بعد اجراء الملء الثاني لا يمكن اجراء اي عمل عسكري ضد السد لان ذلك حسب الخبراء ستضرر السودان بشكل كارثي من انهيار السد، فتصبح اثيوبيا لديها مربط الحل والنزاع بشأن السد الكبير.

هواجس مصر والسودان

 لديهم ثلاثة مخاوف رئيسية اصرار اثيوبيا الاستمرار بالسد حيث في مراحله الاولى مولته من معاشات موظفي القطاع العام وبعض المتبرعين والمستثمرين الاثيوبيين من كل انحاء العالم، وهذا الاصرار ستكون نتائجه سلبية لمصر خصوصا ان تسعون بالمئة من حاجتها للمياه تعتمد على النيل، فمع انحدار نسب المياه ستضطر مصر لاستعمال مخزونها في السد العالي وعند انتهاء المخزون ستصيح مصر رهينة اثيوبيا.

اما المشكلة السودانية تختلف من مصر، فهي بحاجة لمعطيات وبيانات من قبل اثيوبيا خلال مراحل تعبئة السد لكي لا يصبح كما حصل في المرة الاولى من انخفاض نسب المياه وانقطاع الكهرباء، حيث صرح وزير الري السوداني ان ملء السد من دون البيانات قد تهدد نصف سكان السودان.

النقطة الثانية وهي الاهم اصرار اثيوبيا على مشاريع بناء سدود اخرى حيث بعض التوقعات تشير الى ان مشاريعها ستحتفظ بمئة مليار متر مكعب من مياه النيل. والهاجس الثالث مطالبة اثيوبيا حصة من نهر النيل الازرق حيث ان تمكنت من الملء الثاني ستصبح اثيوبيا قادرة على المناورة والتفاوض بشكل اكبر.

السيناريوهات المقبلة

بما يخص السيناريوهات المطروحة هناك ثلاثة، إما ان تتراجع اثيوبيا وتقرر التأجيل تخوفا من ضربة عسكرية، إما الخيار الدبلوماسي من خلال ضغط من قبل القوى المؤثرة مثل اميركا والصين والاتحاد الاوروبي حيث ما زال حتى اليوم التدخل خجولا الى حد ما، وإما ان تحدث ضربة عسكرية للسد حيث خيار صعب للجميع ولكن ممكن.

من المتوقع ان تحاول مصر حتى اخر لحظة استعمال نقاط قوتها الناعمة من خلال الضغط الدبلوماسي، اضافة الى نقاط القوة القانونية، ولكن كما يبدو أن اثيوبيا ما زالت مراهنة على لعبة الوقت وان كلما يقترب الانتهاء من الملء كلما تحصل على تفاوض افضل، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل ستنتقل مصر والسودان الى التفاوض الخشن؟ هل سنشهد تحشيد عسكري مصري وسوداني لمزيد من الضغط على اثيوبيا والوصول الى حل من دون مواجهة؟ ام ستحصل مواجهة عسكرية ومن بعدها الاتفاق؟

ماذا تريد تركيا من مصر؟

إن توزيع القوى العالمية والإقليمية في حقبة الحرب الباردة، أثر في معظم جوانب العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا، كدولتين مستقلتين. كما أن سياسة أنقرة والقاهرة الإقليمية والعلاقات الثنائية لم تكن بمنأى عن هذا التوزيع.

 تعتبر مشاركة تركيا في حلف شمال الأطلسي ردًا على العلاقات الوثيقة التي بناها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مع الاتحاد السوفيتي بعد وصوله إلى السلطة، من أهم المؤشرات التي تدل على حالة التذبذب التي شهدتها تاريخيا العلاقات التركية المصرية.

 اما في موضوع العلاقة مع اسرائيل كانت تركيا تدعم المبادرات العربية خلال الحرب الباردة حيث كانت تعد من النقاط المشتركة في السياسة الخارجية للبلدين.

وفي فترة ما بعد الحرب الباردة، لم يكن هناك تغيير كبير في مسار العلاقات الثنائية، سلبا أو إيجابا، إلى أن جاء عام 1998، حيث لعب الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، دورًا مهمًا في نزع فتيل الأزمة بين تركيا وسوريا، والتي نشأت على خلفية دعم سوريا وقتها لمنظمة “بي كا كا”.

ومن بعدها جاءت مرحلة الربيع العربي و كانت نتيجته قطع العلاقات الدبلوماسية عام 2013 بين البلدين، ما ادى الى توترات مختلفة بينهما سياسية و اقتصادية و امنية.

عودة الاتصالات

اثر المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية وفوز بايدن بالانتخابات الاميركية واحداث بعض المتغيرات في سياسة اميركا في المنطقة، ادى ذلك الى خلط الاوراق السياسية و تبدل للاولويات. فتركيا من جهة تريد فك العزلة وفتح قنوات تواصل جديدة ومصر تريد تحصين نفسها وفتح افاق سياسية وامنية واقتصادية. ولكن هذه الاتصالات حتى اليوم ليست سوى زيارات استطلاعية وفتح ثغرات لبناء المصالح المشتركة وتذليل العقد ان كان على الصعيد الثنائي او الاقليميي.

ابرز نقاط الحوار الثنائي

من الواضح ان هناك رغبة تركية في تذليل التوترات مع مختلف دول المنطقة وخاصة في الشرق الاوسط، وبدأت ملامح هذه السياسة مع تولي بايدن منصبه واعترافه بالابادة الارمنية، ومن اهم الدول التي تعتبرها تركيا التي ممكن ان تفتح ابواب لها لاسباب مختلفة هي مصر. من هنا حصل اقرار البرلمان التركي بالإجماع تشكيل لجنة صداقة برلمانية مع مصر، اضافة الى تصريحات المسؤولين الاتراك والاجتماعات الثنائية التي تحصل خلال الفترة الماضية.

ولكن اجراء اتفاق سريع بين البلدين ليس من السهل لأن هناك ملفات شائكة مختلفة ومائدة المفاوضات الرئيسية هي كالتالي: يأتي على رأسها مناقشة عودة العلاقات الدبلوماسية، والتنسيق في الملف الليبي، وشرق المتوسط بما قد يفضي إلى توقيع اتفاق في المنطقة الغنية بالغاز، إلى جانب أوضاع المعارضة في كلا البلدين.

والسيناريو الاكثر ترجيحا ان تعود العلاقة بين البلدين من خلال المراحل التالية توقف التصريحات الهجومية بين البلدين، عودة العلاقات الدبلوماسية والبدء بالتنسيق بالملفات الاستراتيجية التي ذكرناها اعلاه اضافة الى الزيارات الثنائية بين البلدين من خلال اللجنات البرلمانية و غيرها لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي.

الملف الليبي

اي تقارب يحصل بين البلدين سيؤثر بشكل ايجابي على ليبيا، يبدو ان هناك وجهات نظر قريبة تشوبها احيانا بعض المناكفات ولكنهما متفقين على اجراء انتخابات في موعدها المحدد نهاية العام، اضافة الى اعتراف تركيا في ملتقى الحوار السياسي التي اطلقته مصر بخصوص ليبيا واعادة فتح السفارة المصرية في ليبيا.  ولكن هذا التقارب بالملف الليبي بحاجة الى ترجمته بادوات تنفيذية من خلال حلحلة العقد بخصوص الحدود البحرية وغيرها.

شرق المتوسط

نجحت القاهرة في اطلاق منتدى الغاز للشرق المتوسط، وانطلقت من خلاله ترسيم العلاقات بين دول الاقليم على اسس ومنهج محدد، وهو يعد فرصة لتركيا في حال تقدمت بطلب و تمكنت من التفاوض والانتقال إلى مرحلة أخرى من المشاورات، وهو ما سيحتاج إلى مهارات كبيرة للمفاوض المصري على أكثر من مسار، وعبر أكثر من أسلوب تفاوض ما بين الأمني والسياسي والاستخباراتي.

جماعة المعارضة للبلدين

انعكست التهدئة بين البلدين بصورة مباشرة على وضع المعارضة المصرية في تركيا وعلى الجانب الآخر ظهرت دعوات تتحدث عن ردود فعل مصرية متوقعة ضد “جماعة غولن. وهذا يصب في المصلحة المشتركة للتخفيف من الحرب السياسية والاعلامية للطرفين داخليا مما يخلق اجواء استقرار داخلي بشكل افضل ولكن ما زال هناك حالة تروي لكيفية حلحلة هذا الموضوع بعدما وصل الشرخ الى حد كبير.

مسار جديد في المنطقة

اي تغير بمسار العلاقات بين البلدين سيلعب دورا رئيسيا في تغير الخريطة السياسية في المنطقة، فكل دولة تبحث عن دور جديد لها وعن حماية مصالحها السياسية،الامنية و الاقتصادية. ولكن هنا نتحدث عن دولتين نافذتين ولكل منها نقاط قوة مهمة تؤدي الى قلب الموازين في منطقة الشرق الاوسط. خلال المرحلة القريبة سيصبح التقارب بين الدول المتخاصمة خلال السنوات الماضية الى حاجة بفضل المتغيرات السياسية الجديدة في الشرق الاوسط وذلك بفعل تغير الاولويات الاميركية مما سيؤدي الى تسويات شاملة والى حروب في مقلب اخر بفعل هذه المتغيرات.

ماذا بعد اعتراف بايدن بالابادة الارمنية

تتميز علاقة واشنطن وانقرة بعلاقات ثنائية استراتيجية لها بعدين اقليمي ودولي، حيث حرص البلدين خلال العقود الماضية على التعاون المشترك في قضايا مختلفة وابرزها قضايا المنطقة لتحقيق مصالحهم الثنائية ولكن في الوقت عينه واجهوا عددا من الملفات الشائكة، وعلى رأسها الدعم الأميركي للمتمردين الأكراد، وعدم تسليم فتح الله غولن، والتطور المستمر في علاقات أنقرة مع موسكو، بالإضافة إلى التحركات التركية في المنطقة واخيرا الاعتراف بالابادة الارمنية.

المرحلة الجوهرية

العلاقة المميزة والاستراتيجية بين الطرفين كانت خلال مرحلة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية و الاتحاد السوفياتي حيث كانت تعتبرها اميركا المنصة العسكرية الاكثر اهمية في المنطقة لعدة اسباب ولكن ابرزها موقعها الجغرافي، مما اعطى دورا اكبر لتركيا في حلف الشمال الاطلسي حيث تعد ثاني اكبر جيش في المنظمة واتاح لاميركا في توسيع الدعم العسكري من اجل تشكيل خط دفاع لمواجهة الخطر السوفييتي.

ركائز التعاون بين البلدين

لا يمكن تصور الصراع التام بين البلدين في ظل التوترات الأخيرة، وذلك لضرورة تركيا الجيو-ستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فخسارة واشنطن لأنقرة تعني زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. تركيا في المقابل، بدون دعم الولايات المتحدة لن تتمكن من التمتع بامتيازات حلف الناتو، ومن دون واشنطن قد تفقد أنقرة العديد من المزايا الأمنية والعسكرية التي تتمتع بها.

فشراكة حلف الناتو أهم دعامة تقوم عليها تحالفات البلدين هي العضوية في حلف الناتو ومساهمة تركيا الكبيرة فيه، فالجيش التركي يعد ثاني أكبر جيش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وثامن عضو يساهم في ميزانية الحلف، بما يصل إلى 90 مليون يورو، وتستضيف تركيا 26 قاعدة عسكرية للحلف، ومراكز الرصد وجمع المعلومات.

في المقلب الاخر اميركا  بحاجة إلى الحليف التركي في منطقة الشرق الأوسط، للتخفيف من النفوذ الروسي و الايراني، ولهذا منحت الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر للتحرك العسكري التركي في أذربيجان وليبيا؛ لإضعاف الوجود الروسي، كما عملت تركيا على تحقيق توازن للقوى المؤثرة في الداخل السوري. اضافة الى تضارب المصالح بين تركيا وروسيا في دول البلقان حيث كل منهم يعمل ضمن اجندته الخاصة و يتم التعاطي بهذه الملفات كما يشاع بالقطعة ولا يوجد تكامل بين الطرفين بل في مناطق مختلفة يوجد تنافس مثل البحر الاسود و البانيا و ملفات بلقانية مختلفة.

علاقة متوترة

مع مرور الزمن جرى متغيرات مختلفة في الاولويات فيما بين البلدين مما يؤدي الى تباين وانحدار في مسار العلاقة بينهما ولكن ابرز تلك المتغيرات هو الاهتمام التركي بالامن القومي التركي وفي المقابل تطبيق اولويات اميركا من دون الاخذ بعين الاعتبار الهواجس التركية مما يؤدي الى مزيد من الاختلاف في ملفات المنطقة.

بعد ان شعرت تركيا بتغير الاولويات و عدم الحصول على الدعم  الاقتصادي اللازم من قبل حليفتها التاريخية بدأت الهواجس التركية تزداد يوما بعد يوم. مما ادى الى تطبيق سياسات مزدوجة بين الحروب من جهة و اتفاقات اقتصادية وعسكرية حتى مع خصوم اميركا للحفاظ على وجودها واخذ دور اكبر.

فابرز اسباب التوتر هي شراء تركيا منظومة اس-400 من روسيا حيث تعتبره واشنطن تهديدا صريحا لانظمة دفاع حلف الناتو وفي المقابل تعتبره انقرة انها عملية شراء ضرورية بالنسبة لأجهزتها الدفاعية، نظراً لعدم تمكنها من الحصول على صفقات أسلحة بشروط مرضية ضمن حلف الناتو. مما ادى الى وضع هيئة الصناعة التركية على العقوبات اضافة الى بعض الافراد العاملة في هذا القطاع خلال فترة ترامب ومن المتوقع ان يزداد التوتر بين البلدين خلال فترة بايدن.

بالمقابل هناك ملف استراتيجي لتركيا وهو دعم اميركا سياسيا وعسكريا لاكراد سوريا حيث تصنفهم تركيا بالمجموعات الارهابية، وقد عبرت الولايات المتحدة مرات عدة من قلقها بشأن التدخل التركي في شمال سوريا. بعد فوز بايدن تم تعيين بريت ماكجورك مندوبا للولايات المتحدة عن الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي حيث يعد من المدافعين عن الاكراد، اضافة الى التصريحات الاميركية بخصوص زيادة التنسيق مع اكراد شمال سوريا لمحاربة التنظيمات الارهبابية مما سيبقي الخلاف في المرحلة المقبلة.

الاعتراف بالابادة الارمنية و نتائجها

اميركا تعلم جيدا ان حلف الناتو ليس مهم فقط لها بل لتركيا ايضا وتتعامل مع تركيا بالقطعة، ولن يوجد قطيعة بين البلدين سوى التمايز وكل طرف يضغط على الاخر من ضمن وضع اوراق قوته على الطاولة للضغط على الفريق الاخر كمحاولة لارضاخ الاخر.

وهذا ما ادى الى رفع الضغوط الاميركية من خلال اعتراف بايدن بالابادة الارمنية وبممارسة مزيد من الضغوطات الاقتصادية وهذا ما رآه التركي بعد انتخاب بايدن وادى الى ابداء مرونة في ملفات مختلفة في المنطقة واعادة قنوات التواصل مع دول عربية واوروبية، خصوصا ان السياسة الاميركية الجديدة ستكون مرتكزة على تعزيز العلاقة مع الحلفاء.

في العودة الى الاعتراف بالابادة،  فقد تبنى بايدن عام 1987 عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، تحركاً لإقرار قانون «تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية»، الذي نص على جريمة الإبادة الجماعية في القانون الأميركي، وخلال فترة ولايته كنائب للرئيس، حضر بايدن أيضاً ذكرى الإبادة.

 فهذا الملف ليس بجديد بل في عامي 1975 و 1984  ايضا تم طرح مسودتين من قبل مجلس النواب الاميركي بشأن الابادة و لكن تم صدها من قبل مجلس الشيوخ لتفادي ازمة كبرى خصوصا كانت في عز الحرب الباردة مع السوفياتيين.

ولكن في نهاية عام 2019، تبنى مجلسي النواب و الشيوخ الأميركي مشروعا، يصف أحداث عام 1915 بـ”الإبادة الجماعية”، لتكون المرة الاولى التي يتفق المجلسين على هذه النقطة. وفي 24 نيسان 2021 تم الاعتراف من قبل الرئيس الاميركي جو بايدن بالابادة مما سيفتح باب النزاع بين البلدين ضمن خطوط محددة وليس من ضمن قطيعة شاملة نظرا للاسباب التي ذكرناها سابقا.

لبنان و الدور الاستراتيجي لموسكو

تعود العلاقات الروسية-اللبنانية بجذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث افتتحت أول قنصلية روسية في بيروت عام 1839، بينما كانت البداية الحقيقية للنشاط الدبلوماسي بين الجانبين في نهاية 1943 حين اعترف الاتحاد السوفياتي باستقلال لبنان، كما بذل جهودًا حثيثة من أجل انسحاب القوات الإنكليزية – الفرنسية من بلاد الارز، كما استخدم الاتحاد السوفياتي في عام 1946 لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة حق النقض دفاعًا عن استقلال لبنان واستقلال سوريا.

تشهد العلاقات الروسية-اللبنانية تقاربا متصاعدا منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا. فلم تتجاهل العين الروسية سواحل لبنان، التي تمثل امتداد طبيعيا للساحل السوري- حيث حقول الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية للبلدين.

روسيا و المنطقة

لدى روسيا ثلاثة اهداف رئيسية في منطقة الشرق الأوسط: جذب أكبر عدد ممكن من الدول من مجال النفوذ الغربي إلى مجال نفوذها وتحقيق موقع متميز، تضخيم حجم توريدها للاسلحة، اضافة الى ملف الطاقة. كلٌّ من هذه الاهداف تشمل لبنان.

يسعى الرئيس الروسي إلى ربط الدول الحليفة لموسكو من خلال تقديم المساعدة العسكرية والدعم الإقتصادي. الشيء الجيد بالنسبة إلى الروس هو أن الصديق الصغير يُصبح معتمداً على موسكو.

يسعى بوتين أيضاً إلى تعزيز مصالح الشركات الروسية الكبرى وزيادة أرباحها عبر حلفاء الكرملين الأجانب. لذا، يجب أن يكون كل حليف صغير سليماً من الناحية المالية. كلا النهجين يساعدان موسكو على ملء المساحات المُهمَلة من قبل واشنطن.

التعاون

التعاون الروسي-اللبناني كان مقتصرا على تبادلات تجارية محدودة بعد انتهاء نجم الاتحاد السوفياتي، الذي اكتفى في تلك الحقبة بتقديم منح تعليمية لطلاب من أحزاب يسارية لبنانية.

و في الاونة الاخيرة هناك نمو في التبادل التجاري بين البلدين و لكنه بطيء الى حد، فارتفع التبادل 17.5 بالمئة و لكن لم يتخطى المليار بين البلدين.في المقلب الاخر، هناك اهتمام روسي بمجالات اكبر كالطاقة و اعادة اعمار سوريا من خلال المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس.

فتعزيز العلاقات اللبنانية الروسية يشكل حاليا النتيجة الطبيعية للدور الروسي المحوري في المشرق، الذي يركز خطواته على الاستقرار ومواجهة الإرهاب والاستفادة من ملف الغاز في شرق المتوسط.

الاسباب الاستراتيجية

هناك اهداف استراتيجية مختلفة للاهتمام الروسي بالملف اللبناني، اولها تفعيل دورهم في منطقة الشرق المتوسط و مواجهة المحور الغازي القوي بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، والذي قد يسهم في التأثير على مبيعات الغاز الروسي لأوروبا في حال مد أنبوب شرق المتوسط إلى إيطاليا.

الاقتصاد السوري الذي يتأثر بشكل مباشر و غير مباشر بالاقتصاد اللبناني، ويأمل الروس ان تمكنوا في الحد من الانهيار الحاصل ممكن ان يساعد الاقتصاد السوري، ومما يعني تعزيز دورهم بشكل اقوى و خصوصا ان هناك تمنع استثمار اماراتي، تركي و قطري في ظل قانون قيصر الاميركي.

لبنان ممكن ان يستفيد من روسيا بملفات مختلفة اولها ملف النازحين السوريين حيث هناك اهتمام روسي بهذا الملف حيث يساعدهم على اعطاء مزيد من الشرعية للرئيس الحالي بشار الاسد و لبنان بحاجة الى هكذا تسوية تساعده في تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي.

اضافة الى ذلك ممكن ان تساعد روسيا في حلحلة بعض العقد السياسية الاقليمية وادراج الملف اللبناني في منصات مختلفة اقليمية ودولية، حيث هذا الجمود السياسي قاتل للبنان و في الوقت عينه ممكن اجراء تسوية ربط نزاع تساعد لبنان الخروج من الصراعات الاقليمية الى حد ما.

روسيا تعتبر ان لبنان خاصرة لسوريا، و تعتبر لبنان جزء من امنها الاستراتيجي، فهي نجحت في الاستثمار في منشآت النفط في طرابلس و تبدي اهمية في مجالات اخرى و لكن تنتظر الظرف المناسب الاقليمي و الدولي لكي تبادر بشكل اقوى.

المرحلة المقبلة

يحاول الروسي في ظل الانكفاء الاميركي داخليا وتفويض بعض المهام للحلفاء، ان يستغل هذه الفترة في ايجاد ادوار مختلفة في منطقة الشرق الاوسط منطلقا من هذا الانكفاء و استعمال بعض اوراق القوة التي تمتلكها خصوصا في الملفين السوري و الايراني.

تعد زيارة وزير الخارجية الروسي للامارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية برحلة لملمة الاوراق اقليميا، وكان ابرزها الملف اليمني حيث يحاول الروس ايجاد مساحات مشتركة بين المتصارعين ليلعب دورا اكبر و ليستفيد من تعزيز دوره العسكري و الاقتصادي.

وفي المقلب الاخر دعوة  حزب الله الى موسكو لمناقشة ملفات مختلفة تأتي من ضمن السلة التي ناقش بها دول الخليج العربي منها دوره في سوريا والواقع اللبناني حيث يحاولوا حلحلة بعض العقد التي تصب في مصلحتهم خلال المرحلة الحالية للحد من الانهيار الحاصل في البلدين. ومن ضمن هذا السياق اتى الاجتماع الروسي بالرئيس المكلف سعد الحريري بالامارات العربية المتحدة.

الفترة المقبلة سنشهد مزيدا من الحراك السياسي الذي قد يلعب دورا في الحد من الانهيار المالي و الاقتصادي، او على الاقل ضبط الانهيار لتمرير الوقت بفترة اقل قساوة حتى حصول التسوية الشاملة مستقبلا.

قسد و الصراع المعقد

تم الإعلان عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية في مدينة القامشلي، شمال سوريا في تشرين الأول 2015. وأصدرت هذه القوات بياناً للتعريف بنفسها جاء فيه “إنها قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين تجمع العرب والكرد والسريان وكافة المكونات الاخرى”. تنتشر “قسد” على حوالي 23 بالمئة من مساحة سوريا وهي تسمى بسوريا المفيدة حيث تمتلك أهم الموارد وطنياً.

موارد “قسد”

تسيطر على نصف الموارد السورية الاستراتيجية، بما في ذلك العديد من السدود أهمها تشرين والبعث، وحقول النفط ومعظم الأراضي الزراعية الخصبة في المنطقة.

تمتلك المنطقة التي تحتلها قسد معظم النفط السوري، حيث تنتج حوالي 100 ألف برميل يومياً. الرقم ممكن أن يكون صعوداً ونزولاً حسب المشاكل الفنية والأمنية وغيرها.

كما تمتلك “قسد” مورداً أمنياً مهماً تلوّح به دائماً وهو سجناء “داعش”، حيث تهول بإطلاق سراحهم في حال حدوث أي ثغرة ما، إضافة إلى قوتها العسكرية بسبب دعم التحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأميركية.

نقاط ضعف “قسد”

إحدى أهم نقاط الضعف لدى “قسد” يعد ملف العشائر العربية، حيث بدأ بعض التململ بخصوص أداء “قسد”، حيث تم استثمار هذا التشنج من قبل النظام في سوريا وروسيا وإيران وتركيا من خلال عقد مصالحات ودعم. فالنظام في سوريا وروسيا يمكن أن يستفيدا من ذلك من أجل الضغط على أميركا واستنزافها، وفي المقلب الآخر إضعاف “قسد” وفرض تسوية معينة عليها.

أما التوجّه الإيراني إلى دعم العشائر في المنطقة، فهو استنزاف أميركا ضمن الاستراتيجية التي تبنّاها للحصول على نفوذ أكبر وتفاوض بشكل أفضل.

أما تركيا فتستثمر بهم لدعم نفوذها في هذه المنطقة وتحقيق أهدافها، وأهمها الضغط على الأميركي لتنفيذ وعوده بالخروج وتسليم المنطقة لتركيا، والقضاء على “قسد” التي تعتبرها تركيا امتداداً للحزب الديموقراطي الكردستاني في سوريا، وتحسين موقعها وتأثيرها في المشهد السياسي السوري خلال العملية السياسية، والضغط على الروسي، ودفعه إلى القبول بالرؤية السياسية التركية في سوريا.

المشهد المقبل لشمال شرق سوريا

تشكل المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا إحدى أهم صور الصّراع المعقّدة، نتيجة كثرة الأطراف المتصارعين، من فاعلين أصلاء ووكلاء، وتناقض مصالحهم وتوجّهاتهم، وما تتضمّنه هذه الخارطة من موارد وثروات تمنح القوّة لمن يسيطر عليها، وبالتالي هناك سيناريوات مختلفة ستتأثر بها تلك المنطقة.

فالصراع الأقوى هناك بين القطبين الأميركي والروسي مع دور رئيسي تركي الذي لديه نفوذ مهم في شمال سوريا، وأي تسوية مقبلة سيكون جزءاً منه.

وكل منهم يعمل على تعزيز أوراق قوته لحين بدء مسار التسوية الأكبر بحيث يتمكن من كسب مصالح أكثر.

اميركا و”قسد”

الكثير يتساءل عن موقف أميركا من الأزمة السورية وخصوصاً بشأن “قسد” والكثير يتحدث أنه ما زال موقفها رمادياً، ولكن الرد على جميع تلك الأسئلة يأتي من خلال تعيين برييت ماكغورك أحد المدافعين الشرسين عن “قسد” ويعتبر تركيا خصماً، هو الذي استقال من منصبه عام 2018 جراء قرار ترامب الانسحاب من شمال شرق سوريا.

فأميركا تعتبر “قسد” أهم ورقة رابحة لديها، من جهة تعتبرها أهم حليف أمني في سوريا من خلال مواجهة داعش والحفاظ على سيطرتها في المنطقة الأهم استراتيجياً، حيث تمنح لها القرار في موضوع تموين سوريا خاصة بعد قانون “قيصر” والحصار الذي تفرضه على النظام، ومن جهة أخرى تضغط على روسيا في عدم تمكينها من إجراء اتفاق سياسي داخلياً من دون موافقة أميركية.

روسيا و”قسد”

تعد منطقة سيطرة “قسد” أهم حاجز لها لإجراء اتفاق سياسي محلي في سوريا، وتحاول روسيا استعمال سياسة العصا والجزرة معها، تارة تنشر قوات لمنع حدوث صدام مع قوات النظام، وتارة أخرى تتحاور وتدعم العشائر في قاعدة حميميم للضغط على “قسد” والتخفيف من نفوذها، وفي المقلب الآخر تعمل على تعزيز أطر التواصل بين النظام و”قسد” للحد من التوتر كما حصل منذ فترة قصيرة.

السيناريو الأكثر ترجيحاً

من غير المتوقع أن تشهد المرحلة القصيرة المقبلة حلاً جذرياً بخصوص شمال شرق سوريا، ومستقبل المنطقة يترنح بين سيناريوات مختلفة، ولكن الأكثر ترجيحاً مزيد من التشنج رغم الدبلوماسية الروسية وتعزيز قنوات التواصل بين النظام و”قسد”، ولكن ذلك لا يعني أن الحل بدأ، فهذا الملف متعلق بملفات استراتيجية مختلفة. ما بين الضغط الأميركي على سوريا والحد من النفوذ الروسي من جهة ومحاولة تحجيم تركيا من جهة أخرى، إضافة إلى شد الحبال بين أميركا وايران من جهة، عقب الحديث حول الاتفاق النووي.

هذه المنطقة الجغرافية مهما كانت التسويات لكن بالطبع لن تعود كما كانت قبل حصول الأزمة السورية، والسيناريو في سوريا قد يشبه الحل العراقي لأزمة الأكراد، ولكن سيتضمن تسوية بخصوص الموارد الغنية التي تمتلكها هذه البقعة.

روسيا الضعيفة اقتصادية و لكن دولة عظمى لماذا؟

منذ بداية التسعينيات شهد النظام العالمي تحولات جذرية نتج منها الانتقال من الثنائية القطبية إلى القطب الواحد بعد انهيارالاتحاد السوفياتي.أصبحت روسيا خلال تلك الاعوام أشبه بالرجل المريض، حيث كانت تتخبط داخلياً وذات نفوذ محدود خارجياً، ما فتح المجال أمام القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة الاميركية لاستغلال هذا المرض وتحويله إلى مزيد من مكامن النفوذ عالمياً. ولكن سرعان ما تمكنت روسيا من استعادة دورها كقوة كبرى بعد ان كانت دولة تابعة لأميركا خلال فترة بوريس يلسن.

خلفيّة

تبلغ مساحة روسيا حوالى 17 مليون كلم مربع وعدد سكانها نحو 145 مليون نسمة، تتألف من 21 جمهورية فدرالية اتحادية.

الاقتصاد الروسي لا يوازي موقعها السياسي، فإنتاجها المحلي حوالى 1.7 تريليون دولار (الصين 14 ترليون). رغم وجود موارد غنية مختلفة، فهي أكبر منتج للنفط وثاني أكبر مصدّر بعد المملكة العربية السعودية، ولديها أكبر احتياطي للغاز، فحوالى خمسين في المئة من إجمالي الموارد الميزانية الروسية من الطاقة، فهذا يدل على مدى اعتماد الاقتصاد الروسي على تصدير السلاح والطاقة ما يضعها في خانة الارتهان على أسعار النفط العالمية.

أحد المؤثرات السلبية على الاقتصاد الروسي هو عامل الطقس (إقفال الموانئ على سبيل المثال) وعامل عدد السكان حيث يعدّ منخفضاً ما يؤثر على الانتاج والاستهلاك، ويؤدي إلى عدم اقتحام السوق العالمية على صعيد الانتاج الالكتروني وغيرها من الصناعات.

أما المؤثرات الإيجابية فهي تمتلك أكبر طاقة علماء في العالم، وعشرات العلماء حازوا على جوائز نوبل في اختصاصات مختلفة، فهي اول دولة صعدت إلى الفضاء اضافة إلى الحس الوطني والانتماء في روسيا، حجم الانفاق لروسيا السادسة عالمياً ولكن من إيجابياتها ترشيد الانفاق بطريقة جيدة.

روسيا بين عامي 1991 – 2000

بعد انتهاء الحرب الباردة واضمحلال الاتحاد السوفياتي انتخب بوريس يلتسن اول رئيس لروسيا الاتحادية عام 1991 حيث ورث حقبة تحول من نظام القطبين إلى نظام عالمي جديد مبني على الرأسمالية.

هذا الواقع فرض على يلتسن الاندماج بهذا النموذج، وألزمه باتخاذ إجراءات درامية منها خفض الميزانية، تحرير الاسعار، رفع الدعم وخصخصة القطاع الاقتصادي، ما أدى إلى ارتفاع التوتر السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإلى انخفاض الانتاج بالقطاع الزراعي والصناعي، فانخفضت الصادرات الروسية 50 في المئة وأصبحت تستورد 70 في المئة من المواد الغذائية، وبلغ العجز حوالى مئتي مليار دولار.

اما على الصعيد السياسي، فمع المتغيرات السياسية الدولية اضافة إلى التوترات السياسية الداخلية، وقناعة يلتسن بأن روسيا دولة غربية أدت إلى الالتحاق بالقطب الاميركي وخاصة أنه كان بحاجة إلى الدعم الخارجي، فبقت روسيا كذلك حتى مجيء بوتين رئيساً للجمهورية عام 2000.

روسيا وبوتين

ورث بوتين عام 2000 مرحلة ثقيلة جداً على الصعيدين السياسي والاقتصادي. بدأ منذ توليه السلطة بالإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي مكّنه من التخلص بنسب كبيرة من سيطرة المافيا، ومن تحقيق الاستقرار الداخلي، وحلّ مشكلة رئيسية تختص بالأمن القومي وهو موضوع الشيشان.

ففي نهاية عام 2001 كان أفضل أداء للاقتصاد منذ التسعينيات ما أدى إلى جلب الكثير من الاستثمارات، أما اليوم فروسيا في المرتبة 11 اقتصادياً على الصعيد العالمي وكانت في مرتبات افضل خلال فترة غلاء اسعار النفط عالمياً.

أما على الصعيد السياسي، فتمكن بوتين من تفعيل دور روسيا عالمياً، واستطاع من إظهار طاقتها وتفعيل نقاط قوتها مثل الواقع الجيو- سياسي، العسكري، التكنولوجي والطاقوي، ما سمح له بمزاحمة الدول العظمى في مناطق جغرافية مختلفة قريبة وبعيدة عنها. تبنى بوتين في العلاقة مع الغرب منطق الشراكة لا الحلف.

روسيا اليوم

ما يؤرق الامن القومي الروسي هو أسعار النفط حيث يرتكز الاقتصاد الروسي على الطاقة وموضوع التطرف والاعمال الارهابية. أما في المقلب الآخر فروسيا تسعى جاهدة لفرض نفسها في السياسة العالمية وتسعى لنظام عالمي متعدد الاقطاب مثل الصين. وتعتبر روسيا ان البداية تكون من تزّعم منطقة أوراسيا فيمكنها عندئذ من فرض قرارها دولياً.

تعتمد روسيا على منطق القوة الناعمة في المرحلة الحالية، وهي وسيلة مختلفة عن طريقة الاتحاد السوفياتي المرتكزة على بناء قواعد عسكرية، أما على الصعيد الاقتصادي فتعمد إلى توسيع علاقاتها من خلال دخول منظمات مختلفة مثل شانغهاي ورابطة الدول المستقلة اضافة إلى اتفاقات جانبية مع دول مختلفة مثل الصين والهند واليابان.

ولكن لكي تصل روسيا إلى ما تصبو إليه، عليها مواجهة معضلات مختلفة، وبقدر ما تتمكن من تخفيف تأثيرها بقدر ما تنافس أكثر مستقبلياً، مثل فرض نفوذ غربي سياسي في الدول المجاورة لها، حلّ المعضلات الاقتصادية حيث ارقام التضخم تزداد وسعر النفط ينخفض لأسباب مختلفة، حلّ المعضلة السكانية إذ من المتوقع عام 2050 ان يصبح عدد سكان روسيا 22 مليوناً فقط، اضافة إلى المعضلة الأمنية وهي الوجود الاميركي والناتو بالجوار، إضافة إلى المعوقات الامنية الداخلية.

الاتفاق النووي بين المد والجزر

خلال الفترة الماضية، إن أردنا التحدث حول الواقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط، تلقائياً يأتي الجواب حول مسار العلاقات الأميركية -ال إيرانية بعد توتر وانقطاع العلاقة إثر خروج ترامب من الاتفاق النووي ال إيراني، مارس ترامب حصاره الاقتصادي والضربات الهادفة بالتعاون مع إسرائيل وبالمقابل مارست إيران سياسة ضبط النفس وعدم الرد على الأصيل، ولكن حاولت تعزيز قوتها والرد على الحليف في بقع جغرافية مختلفة في المنطقة.
تاريخ العلاقات
بدأت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة عندما بعث شاه فارس ناصر الدين، أول سفير لإيران ميرزا أبو الحسن شيرازي إلى واشنطن في عام 1856. وفي عام 1883 كان صمويل بنجامين أول مبعوث دبلوماسي رسمي للولايات المتحدة في إيران.
عام 1979، اضطر الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يحظى بدعم أميركي، إلى مغادرة إيران، بسبب الثورة الإسلامية وخروج مظاهرات وإضرابات مناهضة لنظام حكمه، وبعد أسبوعين من تلك الأحداث عاد الزعيم الديني آية الله الخميني من منفاه في فرنسا. وبعد انتصار الثورة الإسلامية في 11 شباط 1979، تم تنصيب الخميني على رأس الدولة، وهنا يكمن مسار التحول السياسي بين طهران وواشنطن.
تدهورت العلاقات بين أميركا وإيران، بعد أن وافقت الولايات المتحدة على استقبال الشاه بهلوي للعلاج، حيث غضب طلبة الجامعات الإيرانية، وهاجموا سفارة أميركا في تشرين الثاني 1979، واحتجزوا 52 موظفًا في السفارة الأميركية في إيران، حيث قطعت أميركا علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في نيسان 1980، وبمبادرة من الرئيس السابق كارتر أفرجت إيران عن الرهائن الـ52 يوم تنصيب الرئيس الأميركي رونالد ريغان رئيسًا للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني 1981.
وما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ازدادت العداوة بين الطرفين ووضعت عدوين لها في منطقة الشرق الأوسط هما العراق في تلك المرحلة وإيران أيضاً.
الاتفاق النووي
هي اتفاقية دولية حول البرنامج النووي الإيراني، تم التوصل إليها في تموز 2015 بين إيران ومجموعة خمسة زائداً واحداً (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – بالإضافة إلى ألمانيا) والاتحاد الأوروبي، وفي 8 أيار 2018 انسحب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاقية الدولية المشتركة، وبدأ بمسار الضغط على إيران حيث دعم هذا القرار بعض الدول العربية وإسرائيل وعارضه البعض الآخر مثل الصين وروسيا ومعظم الدول الأوروبية، وأبرز من كان على الحياد مصر وقطر وعمان والهند.
بايدن والاتفاق النووي
خلال حملة بايدن الانتخابية، كان من الواضح رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي. ولكن لم يكن واضحا كثيرا كيف ومن ضمن أي صيغة. ولكن تعيين روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية ومستشار السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما هو دليل نية أميركية بالبدء بتنفيذ وعود بايدن بخصوص إجراء اتفاق نووي مع إيران. وخاصة أن أميركا تريد أن تتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية لها مثل روسيا والصين، إضافة إلى الملفات الداخلية، وتريد الخروج من نفق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وتفويض بعض المهام من خلال الحلفاء (تعزيز منطق العولمة) ومن خلال اتفاقات وتسويات مع الخصوم.
العقبات
الصراع القائم حالياً بين العودة إلى اتفاق عام 2015 كما تطالب إيران، وبين تعديل اتفاق عام 2015 وتوسعته إلى الحوار حول النظام الصاروخي وسياستها الإقليمية كما يطالب بايدن. بايدن من غير الممكن أن يعود فقط إلى اتفاق 2015 لأنه سيواجه معارضة شرسة داخلية (الحزب الجمهوري) ومعارضة خارجية قوية أيضاً من قبل إسرائيل وبعض الدول العربية. يعتبر بايدن أن بإمكانه إجراء ضغوط وتسويات جانبية مع الدول العربية المعارضة، ولكن بخصوص إسرائيل يعول على الانتخابات الإسرائيلية هذا العام من خلال فوز حزب قريب منه وتغيير نتانياهو.
فبالتالي المرحلة الحالية لن تكون مفروشة بالورود، وللالتفاف على ذلك سيحاول بايدن الحصول على بعض التنازلات الإيرانية جراء الضغوطات الاقتصادية التي أنهكتها ومراهنة إيران على الاستفادة من وجود إدارة دبلوماسية وأكثر ليونة في المرحلة الحالية، تمكنه من تسهيل مهمته داخلياً وخارجياً. ولكن حتى الآن يوجد تصلب في الموقف الإيراني جراء المطالبة في العودة إلى الاتفاق القديم.
المخارج
أحد المخارج التي يمكن أن تحصل هو الدمج بين مسار رفع العقوبات والبدء بمشوار المفاوضات بخصوص ملفي الصواريخ الباليستية والسياسة الإقليمية. ولكن هذا المخرج لن يحصل بالسهل بالفترة القريبة، لأنا ما زلنا في فترة طرح أوراق القوة على الطاولة، ومرحلة الضغط من قبل القوى المعارضة للاتفاق، ما يمكن أن يؤجج الصراع في المرحلة المقبلة على الأقل حتى حصول الانتخابات الإسرائيلية.
الفترة المقبلة
سيحاول بايدن إدخال الأوروبيين في هذا المسار، وفوض للفرنسيين تعزيز قنوات التواصل في المنطقة وفتح باب الحوار غير المباشر والبدء بالمفاوضات في الملفات الأقل تأثيراً، كمحاولة لخرق جدار الانقطاع الكامل، وبالتوازي البدء بمسار حلحلة الملفات المعقدة كالملف اليمني في محاولة لتقطيع الأزمات وتسويتها كمنطلق لإبرام اتفاق مقبل.
من هذا المنطلق يتمكن بايدن من تخفيف وهج معارضة الاتفاق حيث يكون أنهى إحدى نقاط تعديل الاتفاق، وهي دور إيران في المنطقة. وفي المقلب الآخر يبقى موضوع الصواريخ الباليستية والجيوش الإيرانية حيث يمكن أن نشهد حروباً جانبية لتسوية هذه النقطة، وعلى نتائج هذه الحروب إن كانت عسكرية أو سياسية تتوضح أكثر معالم الاتفاق المقبل.
والسؤال: من سيدفع ثمناً في المرحلة الحالية؟ ومن سيدفع الثمن بعد حدوث الاتفاق؟ لأن لا تسويات من دون ثمن وأحياناً دم؟

الصراع التاريخي بين بايدن و ترامب

من يتعمق في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية يعرف ملياً ماذا يجري اليوم هناك، وماذا ممكن أن يحدث. ويتضح جلياً أن الذي يحصل ليس نكافاً ترامبياً بل نكاف على هوية اميركا. فبحسب المؤرخ والكاتب الاميركي والتر راسل ان من يصنع سياسة اميركا اربع عقائد وهي الهاملتانية (ألكسندر هاملتن)، الويلسونية (وودرو ويلسون)، الجيفرسونية (توماس جيفرسون) والجاكسونية (أندرو جاكسون).

ألكسندر هاملتن

هو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، عمل كمستشار للجنرال جورج واشنطن إضافة إلى انه كان محارباً ثورياً في فرقة المدفعية، كان مفسراً وداعية للدستور الأميركي، فضلاً عن كونه مؤسس النظام المالي للبلاد، والحزب الاتحادي، وصحيفة نيويورك بوست. يؤمن بالتجارة وأراد البناء على تاريخ بريطانيا العظمى، ويعتبر ان بناء قوة عسكرية رائدة ستحمي مصالح اميركا.

وودرو ويلسون

هو سياسي وأكاديمي أميركي، شغل منصب الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة. كان ويلسون من الحزب الديمقراطي وترأس جامعة برينستون وكان حاكماً على ولاية نيوجيرسي، وكان خلال رئاسته أحد أهم رموز الحركة التقدمية في البلاد، وقاد البلاد خلال الحرب العالمية الأولى، وكان منهجه السياسي خلال تلك الفترة معروفاً باسم الويلسونية. وكانت تعتمد سياسته على القيم الاساسية اي الديمقراطية، حقوق الانسان والرأسمالية، ونهجه يبني على تعزيز التحالفات مع العالم الخارجي.

يَعتبر ويلسون ان نشر قيم الديمقراطية وحقوق الانسان ستلعب دوراً في حماية مصالح بلده، ويُعتبر ويلسون أحد مؤسسي مجلس الامن وصندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية، إذ يَعتبر انه من خلال تلك المنظمات ستتمكن اميركا من نشر العولمة والسيطرة على العالم.

هذا الفكر تم اعتماده طوال الفترة الممتدة بعد الحرب العالمية الاولى من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إذ كان بوصلة المؤسسات الاميركية واستراتيجية تكاملية تختلف في التكتيك ولكن كانت سياسة موحدة، حتى مجيء دونالد ترامب حيث بدأ يعارض هذا النهج بوسائل مختلفة.

توماس جيفرسون

هو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وثالث رئيس لها. كان متحدثاً باسم الديمقراطية،، نادى بمبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان، وكان له تأثير عالمي.

كان لا يؤمن بفرض الديمقراطية حول العالم ولا بفرض الاقتصاد وبالتالي هو ضد الاقتصاد المعولم وضد فرض السياسات الخارجية حسب مصالح الشركات الكبرى، وكان شديد التأييد لتعزيز القيم الداخلية في اميركا. إضافة الى ذلك يعتبر جيفرسون ان التدخل الخارجي قد يهدد الامن القومي الاميركي لأنه يعتبره كلعبة بوكر العنكبوت.

أندرو جاكسون

رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابع. كان قائد القوات الاميركية في معركة نيو اورليانز عام 1815. اشتهر بالصرامة وبعد الحرب درس القانون. نجح في انتخابات الرئاسة سنة 1828 وانتخابات سنة 1832 وقام بتأسيس الحزب الديمقراطي.

ان جاكسون أول رئيس أميركي يولد من عائلة ليست غنية، حيث لم يكن يمتلك ثروة ولا حتى ارتاد الجامعة ولهذه الأسباب اشتهر عنه الدفاع عن المواطنين العاديين الذين لا يملكون الثروات. جاكسون عارض البنك الوطني في الولايات المتحدة الإميركية لأنه شعر ان هذا البنك يدار من قبل الأغنياء وهذا لم يكن يخدم مصلحة المواطن العادي. وقد انتهى البنك الوطني أثناء فترة حكمه حيث فضّل عدم مواصلة عمل البنك. أثناء فترة رئاسته وقّع على قانون ترحيل الشعوب الاميركية الاصيلة.

كان يرفض سياسة هاملتن وويلسون ويختلف ببعض النقاط مع جيفرسون، وأحد الاركان الرئيسية في عقيدته رفاهية المواطن الاميركي، وكانت السياسة الخارجية مبنية على هذا الاساس. لم يكن مع العولمة وحرية التجارة ويعتبر اميركا للاميركيين الاصليين ولا يعتبر حاملي الجنسية انهم اميركيون. ولكن في الوقت عينه إن تم تهديد المصالح الاميركية كان يؤيد التدخل بشكل قاسٍ.

اميركا بين التاريخ القديم والحديث

سياسة هاملتن وويلسون تصدرت اميركا بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن ترامب كان معجب بالسياسة الجاكسونية فعلق صورته في مكتبه وزار منزله عام 2017.

بايدن واوباما شنو حملة ضد جاكسون وحاولوا تغيير صورته عن فئة 20 دولار، اما ترامب حاول تسويق جاكسون مجددا ورفع شعار اميركا أولا.

في المقابل اقتصرت تحالفات ترامب على مصلحة اميركا وغير معني مما يحدث في الخارج، وتعتبر فئة الجاكسونية اكثر تأثيرا في اميركا ويوجد ديمقراطيين وجمهوريين لم تجد من يمثلها ولكنها كانت تقوى مع الازمات ، وجد ترامب ان هذه الفئة موجودة وتريد من يعبر عنها حتى ملأ الفراغ واصبح ملقب باندرو جاكسون الثاني.

بايدن ومواجهة جاكسون الثاني

مشكلة بايدن ستكون امام تغير جديد، اي مواجهة جاكسون الثاني حيث صوّت له 74 مليون صوتاً، رغم الفضائح المالية والجنسية ورغم الوباء ورغم أن الاعلام والدولة العميقة ضده.

فترامب اعلن بأنه سيترشح لانتخابات اميركا الرئاسية عام 2024، وهو أمر يعني أن سنوات بايدن الأربع المقبلة لن تخلو من المناكفة السياسية، والجدل، وتوزيع الإتهامات، والأخطر من ذلك كله تعميق الشرخ في جدار النسيج المجتمعي الأميركي، وربما يصل الأمر إلى حد التصادم. هنا لم نتحدث عن معضلة اميركا الاقتصادية والاجتماعية ومؤثرات جائحة كورونا وغيرها من المشاكل.

نتيجة ذلك سيكون هناك تقليص من التدخل الخارجي في المرحلة المقبلة ووضع اولوية للداخل الاميركي، فالسؤال هنا: من سيحل مكان اميركا خارجيا؟ هل ستبقى اميركا رائدة الاقتصاد العالمي؟ كيف سيتأثر النظام العالمي؟ كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط نتيجة ذلك؟ هل ستبصر تحالفات جديدة؟ وكيف ستحل معضلة اميركا الداخلية؟

الفرق بين الفدرالية و اللامركزية الادارية

تمهيد

تختلف نشأة الأنظمة الفيدرالية بعضها عن بعض، والتي تعتبر مرحلة وسطًا بين اللامركزية الإدارية والاتحاد الكونفدرالي. يقوم النظام الفدرالي على توزيع السلطة بين الحكومة المركزية وكيانات سياسية أصغر كالولايات أو الأقاليم. وتعتبر هذه الكيانات وحدات دستورية لكل منها نظام يحدد سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية.

أما تطبيقات اللامركزية فلها انتشار واسع منذ ثمانينيات القرن الماضي كاستراتيجية فاعلة في مجالات التنمية الإدارية في ظل توسع عملية الديموقراطية خصوصاً على المستويات المحلية من الحكم. وأدى الحديث عن التنمية في السنوات الأخيرة إلى النقاش المستمر حول فاعلية اللامركزية كشرط للوصول إلى التنمية المستدامة وأيضاً كمكون رئيسي من مكونات الحكم الرشيد.

تاريخ الفدرالية ومفاهيمها

يُمكن القول إن الفدرالية وُجدت على أرض الواقع قبل أن ينظر لها الفلاسفة في كتاباتهم، وتالياً فهي تجربة سياسية واجتماعية حية أكثر منها نظرية فلسفية ألهمت خيارات سياسية لاحقا. ففي عام 1291، بدأ مسار كانتونين في سويسرا هما شويز وأنتروالد أسس لاحقاً لقيام الفدرالية السويسرية التي اعتمدت في البداية النظام الكونفدرالي القائم على اتحاد كيانات سياسية مستقلة، وتفويضها صلاحيات سياسية وتنفيذية لحكومة مركزية تُمثل فيها تلك الكيانات. أما الدولة الفدرالية كما هي معروفة اليوم فقامت لأول مرة بموجب دستور الولايات المتحدة الأميركية الصادر في 1787.

في النظام الفدرالي تتوافر الوحدات الفيدرالية على حكومات كاملة الصلاحيات في تدبيرها للشأن المحلي، في حين تؤول للحكومة المركزية السلطات المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع، كما تتولى جميع الشؤون المالية كتحصيل الضرائب ووضع الميزانية الفدرالية، ويكون للوحدات السياسية الفدرالية نصيب من عائدات الضرائب والنشاط الاقتصادي والاستثماري الذي يتم على أراضيها.

تاريخ اللامركزية ومفاهيمها

اللامركزية هي مصطلح متعدد المعاني ويشمل في داخله العديد من الظواهر. قام العديد من الباحثين مثل رودنيلي عام 1981 مع باحثين آخرين بتعريف اللامركزية من منظورات مختلفة. وبالنظر إلى التعريف في قاموس أكسفورد نجد أن مصطلح اللامركزية يدل على نقل سلطة اتخاذ القرار من الحكومة المركزية إلى أفرعها المحلية.

بحسب تعريف البنك الدولي “اللامركزية تعني إسناد مهام جمع الضرائب ومهام الإدارة السياسية إلى مستويات حكومية أقل وهو مفهوم يستخدم في مختلف أنحاء العالم على مستويات مختلفة ولأسباب مختلفة وبوسائل مختلفة”. في هذا التعريف اعتبر البنك الدولي أن اللامركزية هي ظاهرة سياسية وإدارية وأيضاً اقتصادية. وتالياً يمكن أن يفهم أيضاً أن اللامركزية هي تحرك أو الانتقال من الحالة المركزية مما يعطي انطباعاً أن مفهومي المركزية واللامركزية لا يعنون بالضرورة التضاد الكامل ولا يعنون أيضا وجوب حصرية إستخدام مفهوم واحد فقط منهما. ويمكن أن تجتمع الظاهرتان اللامركزية والمركزية في نظام حكم واحد بحيث إن المهام الإدارية والسياسية للحكومة يمكن أن تتنوع في تطبيق المفهومين.

في اللامركزية لا يوجد نمط واحد بل تختلف الى اربعة انماط مختلفة وهي لامركزية المكاتب حيث تتمثل الحكومة المركزية بالمكاتب المحلية كما يحصل في سريلانكا في بضع الوزارات، التفويض هو شكل يعد أكثر لامركزية من الشكل السابق حيث تنقل الحكومة المركزية مسؤولية إدارة المهام وإتخاذ القرار إلى مؤسسات عامة شبه حكومية أو شبه مستقلة لا تخضع بشكل كامل تحت سيطرة الحكومة لكنها تخضع للمحاسبة من الحكومة بشكل رئيسي. النمط الثالث هو نقل السلطة حيث تنقل الحكومة في هذا الشكل جانباً من سلطة اتخاذ القرار والإدارة والتنفيذ والتمويل لمشاريع معينة أو برامج محددة إلى وحدات شبه مستقلة للحكم المحلي ذات طابع مؤسسي. وأخيراً، الخصخصة بحيث يمكن ان تعتبر نوعاً من أنواع اللامركزية، إلا أن بعض الباحثين لا يعتبر الخصخصة كشكل آخر من أشكال اللامركزية. بحسب تعريف رودينلي (1981) فإن اللامركزية تعني توزيع أدوار ووظائف الحكومة ونقلها إلى منظمات تطوعية أو السماح للقطاع الخاص بإدارتها.

مقاربة بين النظامين اللامركزي والفدرالي

في النظام الفدرالي تحدّد اختصاصات كل من دول الاتحاد الفدرالي والولايات في الدستور الفدرالي، أما في نظام اللامركزية فتحدّد اختصاصات الهيئات المحلية في القانون الاعتيادي.

في النظام الفدرالي يوجد في كل ولاية دستور، وهيئات تشريعية، وتنفيذية، وقضائية مستقلة عن الهيئات الفدرالية، بينما لا يوجد ذلك في النظام اللامركزي.

في النظام الفيدرالي لا تخضع الولايات لرقابة الحكومة الفدرالية، وتباشر اختصاصاتها بموجب الدستور الفدرالي والدستور المحلي للولاية بشكل مستقل، أما في نظام اللامركزية الإدارية فتخضع الولايات لرقابة ووصاية الحكومة المركزية عند مباشرتها أعمالها.

في النظام الفدرالي تتقاسم الولايات مع الحكومة الفدرالية السلطة السياسية، أما في نظام اللامركزية الإدارية فإن الولايات تتقاسم مع الحكومة المركزية الوظيفة الإدارية بمعنى ان من يمارس السلطة المحلية في دولة اللامركزية الادارية هم حكام ثانويون اما الحكام الذين يمارسون السلطة المحلية للدولة الفدرالية فهم حكام بالمعنى الدقيق.

اضافة الى هذين الطرحين بدأ التداول في نماذج جديدة في الحوكمة من خلال ابتكار أنظمة جديدة مزيج من الفدرالية واللامركزية خصوصاً في الدول التي من غير الممكن ان تطبق الفدرالية بشكل كامل فيؤخذ ما هو قابل للتطبيق من النظام الفدرالي وما هو غير قابل للتطبيق يبقى ضمن اطار اللامركزية او المركزية وهذا النموذج يمكن أن نضعه تحت عنوان اللامركزية الإدارية الموسعة.