خطر التسرب المدرسي في لبنان و وصولنا إلى حافة الهاوية

يشهد كل موسم خريفي فصلاً جديداً من قصة التسرب المدرسي. هي قصة للأطفال، لكنها لا تسرّ أحداً، بل تفتح الواقع على احتمالات تناهز الخيال:الضياع، البطالة، الدخول المبكر إلى سوق العمل وبطريقة عشوائية تؤدي إلى انخراط من يفترض أن يكونوا على مقاعد الدراسة، ودروب الحلم بالمستقبل، في أعمال لا تتناسب مع أعمارهم وأوضاعهم الجسدية والنفسية.

بات التسرب المدرسي ظاهرة تطال معظم القرى والعوائل الفقيرة والمتوسطة على حد سواﺀ. ورغم تشدد القانون اللبناني نحو هذه الظاهرة وذلك بهدف العمل على محو ظواهرها السلبية على المجتمع إلا انه كان للواقع كلام مغاير و كارثي.

فمبدأ  تطبيق الزامية التعليم وبالتالي مجانيته يلغيان ٪٨٠ من الأسباب التي تحول دون الالتحاق المدرسي لدى الأطفال في لبنان، ومن بينها تلك العائدة الى عدم رغبة الأهل بذلك وعدم وجود مدرسة رسمية وكلفة التعليم المرتفعة هذا اذا صحت فرضية ان الفقر هــو وراﺀ رغبة الأهل في ايقاف الدراسة”.

فهناك اسباباً مادية تقف عائقا اساسيا في تعليم الأولاد، كما يدفع الرسوب فــي الـــمـــدارس كسبب اضــافــي التلامذة الــى تــرك الــدراســة في غياب توجيه مهني يصحح اوضاع الراسبين، مع الاشارة الى ان مقدار التسرب الكبير يحصل مــا بين المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، كما ان النسبة الاكبر من الأطفال غير المسجلين في المدارس هم اما من الأولاد الفقراﺀ او من الأطفال الــمــعــوقــيــن الــذيــن يهمشهم المجتمع”.

فتشير الفقرة “ب” من مقدمة الدستور اللبناني والمادة العاشرة مــنــه، الـــى اقــــرار لــبــنــان بــأولــويــة التعليم، الا ان الــواقــع لا يبدو كذلك، فمبدأ مجانية التعليم في المرحلة الابتدائية، وان كان قد ذكر في المرسوم الاشتراعي رقم ١٣٤ تاريخ / ١٢ / ٦ ١٩٥٩ ثم في وثيقة الوفاق الوطني () ١٩٨٩، كذلك أكد المجلس النيابي على الإلزامية والمجانية في التعليم الابتدائي، في القانون رقم ٦٨٦ الصادر بتاريخ / ١٦ / ٣. ١٩٩٨ وفي الحالتين التشريعيتين، صيغ هذا المبدأ بمادة وحيدة من دون أي تفاصيل. ولم يصدر أي مرسوم لتحديد دقائق تطبيق الأحكام المنصوص عليهما، كما لم تتخذ الحكومات المتعاقبة أي تدابير في هذا المجال.

وفي منتصف عقد التسعينات، اعتمدت هيكلية جديدة للتعليم في لبنان أدرج فيها للمرة الأولى تعبير “التعليم الأساسي” على أنه تعليم يمتد على تسع سنوات دراسية ويغطي مرحلتي التعليم الابتدائي والمتوسط ولا تقتصر على المرحلة الابتدائية فقط كما هي الحال في القانون الحالي، التي هي شبه محققة في لبنان من دون تدخل مباشر.

اضــافــة الـــى الــحــاجــة للعمل والمساهمة فــي تحسين دخل الأســـرة بخاصة فــي الـــدول التي تعاني من الأزمات كلبنان، فإن من مسببات التسرب المدرسي، النظام التعليمي وتخلفه عــن مواكبة المعارف الجديدة والتطوير في المناهج وطرق التعليم الحديثة، وعــدم توفير التدريبات اللازمة للمعلمين والأساتذة، الخلل في تــوزيــع الــمــدارس فــي المناطق والأديان والقرى النائية والاعتماد على المدن ومراكز السكن، واخيراً ولــيــس آخــــراً عـــدم وجـــود خطة نــهــوض اجــتــمــاعــي اقــتــصــادي تبنى عليها البرامج والمشاريع التربوية التعليمية ذات الجدوى الاقتصادية الاجتماعية.

“ان المستوى التكميلي او الحلقة الثالثة مــن التعليم الأساسي تعاني من خلل تربوي، كما ان الحد الأدنى المقبول والذي يتخطى معه الفرد خطر الوقوع في الأمية بعد تركه المدرسة، طبقا للمستوى الدراسي ضعيف جدا”. ودقت شرارة ناقوس الخطر من خلال أرقام ومعلومات رسمية لبنانية حديثة منها على سبيل المثال ان ٪١٣ هي نسبة الرسوب المتكرر، كما ان النمو المتكرر للرسوب هو ٪١، اضافة الى رقم مرعب كما تشير الدراسة يفيد ان ٪٣٥ من الرسوب في المرحلة الأساسية “واذ تحذّر شــرارة من مغبة المضي في هذا الاتجاه ومن آثاره القاتلة على الناس والمجتمع والمؤسسات، تطالب بوجود خطة نهوض اجتماعية وطنية شاملة.

و مع ازدياد الازمة السياسية الاجتماعية الاقتصادية يطل برأسه التسرب المدرسي ليتحول مشكلة تبقى فيها الحلول نظرية حتى الساعة..

فالتسرب بالغة الخطورة بما تحمله من اهدار لأعمار الاولاد واعادة تغذية المجتمع بمرشحين محتملين للسقوط في الأمية واحباط خطط التنمية البشرية ورفع الكلفة الفعلية للتعليم. ويرى ان الترفيع الآلي الميسر الذي اعتمد في المناهج الجديدة لم يؤد الى حل المشكلة بل عمل الى ارجائها سنوات.
وتزيد نسب التسرب خصوصا في المراحل الانتقالية، وهي في ارتفاع ملحوظ منذ العام 2000 – 2001 وهي أشد تفاقما لدى الذكور منها لدى الاناث. كما سجلت نسبة التسرب مستوى عاليا قارب 4 في المئة في صفوف الحلقة الثانية من التعليم الاساسي (الرابع والخامس والسادس) للعام 2005 – 2006 وارتفعت هذه النسبة الى 8,1 في المئة في الصف السابع أساسي و6,8 في المئة في الصف الثامن وتناهز 19 في المئة في الصف التاسع. غير ان هذه النسبة الاخيرة تشير الى الذين خرجوا من مسار التعليم العام وتشمل بالضرورة المتسربين الفعليين بالاضافة الى الذين اختاروا الالتحاق بالتعليم المهني اذ يسمح النظام التعليمي بالتحاق عدد من الراسبين في امتحانات الشهادة المتوسطة في اطار التعليم المهني. لكن تبين ان 25 في المئة من التلامذة يتسربون من المدرسة قبل الوصول الى التاسع الاساسي.
أما الاسباب التربوية المدرسية فتشمل عدم تتابع مراحل المدارس الرسمية من الروضة حتى الثانوي بشكل كلي (في 1394 مدرسة رسمية في لبنان) كما تفتقر الابنية الى مواصفات البناء الملائم للمنهاج الجديد (ملاعب – مختبرات – مكتبات – غرف تدريس – مياه شرب ومراحيض ملائمة – مرشد صحي – مرشد تربوي). أما الكفاءة فلا تعتمد كمعيار غالب او وحيد لاختيار مديري المدارس.
فابرز العوامل المؤدية الى التسرب وتقسمها فئات عدة علما انها لا تشكل في ذاتها أسبابا حتمية للتسرب. فمن العوامل ذات المصدر السياسي والاداري غياب الزامية التعليم، ومحدودية الموازنة المخصصة للتربية، والفساد، والاهدار، وعدم مواءمة المباني المدرسية للمعايير العالمية.

ومن العوامل ذات المصدر التعليمي – التعلّمي، الصعوبات التعليمية المتأتية من عوامل فيزيولوجية مثل التعسر في القراءة والكتابة، والتعسر في الحساب، والحركة الزائدة، والبطء، والتأخر الدراسي وايضا طرائق التدريس، وادارة الصف، وخلفية المعلم التربوية والنفسية، وتصورات التلميذ عن المادة. أما العوامل ذات المصدر النفسي – العلائقي فتشمل الاضطرابات النفسية (كالاكتئاب، والقلق، والانطوائية) وانعكاساتها (كالغش، والكذب)
فلكي نتمكن من نهضة قطاعنا التربوي و محاربة التسرب المدرسي يجب أن نطبق الحلول التالية :
ـالعمل على إلزامية و مجانية التعليم

تجهيز المدارس الرسمية بكافة المستلزمات والاحتياجات البيئية والصحية والتعليمية والترفيهية (بناء، ترميم، أجهزة كومبيوتر، مختبرات، مكتبات، مولدات كهربائية، ماكينات تصوير…).
ـ تعريف الأطفال على حقوقهم ورفع مستوى الوعي لديهم وزيادة مشاركتهم في الحياة العامة.

تعديل طريقة التعليم و إعتماد الأسلوب التشاركي و ليس التلقيني

إختيار الشخص المناسب في المكان المناسب و خصوصا المدراء

تأمين حقوق الأساتذة و رفع دخلهم و ذلك لكي نولد أكثر إنتاجية
ـ إنشاء مكتبة عامة خاصة بالشباب والأطفال.
ـ إنشاء نادٍ للأطفال لتفعيل النشاطات التربوية والترفيهية مخيمات، رحلات، جلسات توعية وتثقية. و تفعيل روح التطوع عند الطالب
ـ ضرورة وجود اختصاصي صحي واجتماعي في المدارس لدراسة قضايا وأوضاع الأطفال الاجتماعية والأسرية والتربوية.

أخيرا، إن القطاع التربوي يعد القطاع الرئيسي في الوطن، لأنه هو بناة الأجيال القادمة و من خلاله نؤسس مستقبل الوطن و من خلاله نعزز ثقافة مواطنينا و نعزز مواطنيتهم و لا يمكننا بناء إقتصادنا و تعزيز إستقرارنا من دون الإهتمام بقطاعنا التربوي و الإهتمام بأجيالنا المقبلة . فعلى الدولة أن ترفع ميزانية وزارة التربية و أن تعد خطة إستراتيجية لأجل حماية وطننا و رفعة إسمه عاليا دائما و أبدا. و لكن المشكلة ليست فقط عند الدولة بل هناك دور كبير يجب أن يلعبه المجتمع المدني الناشط منه و هناك أيضا دور للمواطن و ذلك لنكون واقعيين و لكي نمكن نهضة قطاعنا التربوي في أسرع وقت.

4 ردود
  1. الماس
    الماس says:

    أشكرك على الإهتمام والكتابه حول هذا الموضوع الذي يعيشه معظم أبناء الجيل القادم في لبنان |….؟ للأسف

التعليقات مغلقة