مقالات

تجار الهيكل

أقر مجلس الوزراء في فبراير/شباط 2002 مشاريع قوانين لتعديل المرسوم الاشتراعي الصادر في 1967، وتعديلاته في العام 1975، وأحاله الى مجلس النواب لدراسته واقراره. كما أقرّ قانون إلغاء الحماية عن الوكالات الحصرية في مجلس النواب في يناير/كانون الثاني 2004، على أن يصبح سارياً بعد أربع سنوات من تاريخ إقراره، قبل أن يردّ رئيس الجمهورية السابق إميل لحود القانون إلى مجلس النواب. وأودع البرلمان أيضاً مشروع قانون في العام 2007 يهدف الى تنظيم المنافسة، لكنه لم يُقرّ حتى الآن.

القانون الجديد

في أواخر العام الماضي، أنجز وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش مشروع قانون المنافسة وأرسله الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء. كان من المفترض أن يعمد وزير الاقتصاد الحالي راوول نعمة الى سحب المشروع ودراسته إذا ما كان من تعديل يذكر لتحسينه وجعله أكثر ملاءمة مع الانهيار الاقتصادي الحاصل. الا أن نعمة الذي أدخل تعديلات طفيفة عليه لا تمس بالجوهر.غير أن وزير اقتصاد وضّب مشروع القانون في أدراج الوزارة بدلاً من إرساله مجدداً الى مجلس الوزراء، لا لشيء سوى لرضوخه لـلمحتكرين.

لبنان و الاحتكار

تفرض الاحتكارات إرتفاعاً باهظاً بأسعار سلع أساسية لا بديل عنها، مثل الاسمنت المحتكر من ثلاث شركات محلية في الداخل  تبيع الاسمنت  بسعر 90 دولار اميركي للطن الواحد، بينما يتم تصديره بسعر أقل يصل الى 40 دولار اميركي الى خارج لبنان، ويمنع القانون استيراد الاسمنت. كذلك تفرض الاحتكارات ارتفاعاً في أسعار الادوية، وخصوصاً الادوية التي لا بديل لها (جنريك) ويقدر عددها بنحو 400 دواء… وقد استثنى القانون كل شيء يتعلق بالمواد الغذائية التي باتت خارج الوكالات الحصرية.

وينسحب الامر أيضاً على أسعار الفيول والمحروقات والمشتقات النفطية والغاز المنزلي، وتمس أسعارها المرتفعة بسبب الاحتكارات جميع المواطنين وفي مقدمهم ذوي الدخل المحدود، ويتم الاتفاق على الاسعار بين أعضاء تلك الكارتيلات، ويمنع أي طرف آخر من استيراد تلك المواد منعاً لتخفيض الاسعار.

ولا يُخفى أن كارتيلات الغاز والادوية والمحروقات يصعب على أي طرف مواجهتها، بالنظر الى انها تتحكم بالسوق وبأسعاره، وتمنع المنافسة فيه، وهو الحال الذي تنسحب عليه قضية عدم اقرار قانون المنافسة المرتبط بضغوط تمارسها بعض الكارتيلات في عدة قطاعات على السياسيين.

وتغوّلت الوكالات الحصرية في السوق، حيث سجل مستوى الحرّية الاقتصادية في لبنان 51.1 نقطة في مؤشر العام 2019، متراجعا عن العام 2018 حيث سجل 53.2 نقطة ما يجعله يأتي في المرتبة 154 عالميا، بحسب مؤشّر الحرّية الاقتصادية، الصّادر عن مؤسسة البحوث العالمية ” هاريتاج فوندايشن” ويقوم بقياس درجة الحرية الاقتصادية في 186 دولة.

احتكار الدولار

ممكن ان نقول ان “لعبة الدولار” بيد وكيل الإمارة “حاكم مصرف لبنان” و هي احد مكامن الاحتكار في لبنان في وقتنا الحالي حيث يتحكم بالسوق بضعة اشخاص يخفضون و يرفعون قيمة الليرة اللبنانية حسب مصالحهم، تارة تكون لاسباب سياسية و تارة لاسباب مالية. فهؤلاء يلعبون بالمواطن و ممكن ان نقول ان رفع و تخفيض قيمة الليرة يكون وهمي و لكنه النتيجة واحدة اخذ العملة الصعبة من المواطن اللبناني و خفض قيمة اموال المودعين في المصارف اللبنانية  بسبب الحجز و الهدرها من قبل ساسة لبنان و خوفا على مصالحهم  في والقت الحالي محاولين ضخ الايجابية من خلال تعاميم الامارة المذكورة “ضخ دولارات المواطن” في الاسواق لكي يهبط سعر الصرف في الاسواق.

تقديم اوراق الاعتماد

ان ارتكاب جرائم الاحتكار تعد اقصى انواع الجرائم لانها ساهمت و تساهم في القضاء على جنى عمر المواطنين و سببت فلتان في سوق الصرف و بالتالي ارتفاع نسب الفقر و البطالة في البلد.

انها جريمة منظمة ترتقي الى درجة الاعتداء على الامن القومي الاجتماعي ، و بهذا يكون حاكم مصرف لبنان قد قدم اوراق اعتماده مجددا و ديمومته في هذا العمل او تقاعد مبكر دون محاسبة.

 

من يسبق تعديل النظام ام حكومة حل؟

تأسست الجمهورية اللبنانية بالدستور اللبناني الصادر عام 1926، وحصل لبنان على استقلاله من فرنسا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943 وعاصمته بيروت. كان لبنان عضواً مؤسساً في كل من منظمتي الأمم المتحدة  وجامعة الدول العربية، ويستند النظام السياسي اللبناني رسمياً على مبادئ الفصل والتوازن والتعاون بين السلطات.

شهد لبنان حربا أهلية طاحنة لمدة خمسة عشر عاما من 1975 إلى 1990 قتل فيها مئات الآلاف، وضع اتفاق الطائف الذي رعاه المجتمعين العربي و الدولي عام 1990 نهاية للحرب الاهلية اللبنانية حيث تم تعديل الدستور اللبناني الذي كان من نتائجه تعزيز منطق الديمقراطية التشاركية بين الطوائف.

نظم الايقاع السياسي اللبناني بعد اتفاق الطائف حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 الادارة السورية التي كانت تتم عبر المخابرات السورية في لبنان، حيث شهد لبنان فترة استقرار سياسي لمدة خمس عشر عاما.

بعد استشهاد الحريري عام 2005 بدأت التوترات السياسية تستجد في لبنان فكانت تارة سياسية و تارة امنية و تارة طائفية او مذهبية و اصبح لبنان سياسيا يدور في اكثر من فلك سياسي و الهدوء فيه كان رهن التسويات و التفاهمات الاقليمية و الدولية.

و ابرز ثلاث محطات تأثر بها لبنان اقليميا بعد اغتيال الرئيس الحريري هم الحرب السورية حيث اصبح لبنان ساحة امنية، الاتفاق النووي الاميركي-الايراني حيث ادى الى هدوء نسبي و من بعدها فسخه، حيث صعد نجم حرب العقوبات الترامبية و الحرب في اليمن حيث بدأ شبه انقطاع الدعم الخليجي للبنان.

هذه المحطات ادت الى تغير سلم الاولويات في المنطقة و الاهتمامات حيث تأثر بها لبنان بشكل مباشر و غير مباشر، تخللها فترات تسويات لم تدم طويلا تارة س-س و تارة اتفاق الدوحة و تارة مرحلة ربط النزاع و لكنها كانت تسويات لتمرير الوقت لانها لم تكن شاملة و تحل المشكلة الاساسية في لبنان اي النظام السياسي.

بدأت رائحة فشل النظام السياسي تتبلور بعد بدء الانهيار المالي منذ عام 2016 و اصبح اكثر وضوحا بعد ثورة 17 تشرين 2019 حيث بدأت تظهر نتائج السياسات المالية و الادارية التي حصدها لبنان بعد ثلاثة عقود من الحكم الفاشل.

بالتوازي ممكن ان نتحدث عن المتغيرات الاقليمية و الدولية التي دائما و دوما تؤثر في السياسة الداخلية في لبنان و المنطقة، حيث حصدت ايران انتصارات عسكرية في العراق و سوريا و لبنان و اليمن و لكنها بالمقابل تواجه العقوبات الاميركية اضافة الى نفوذ اعلى لقوى اقليمية اخرى في المنطقة منها تركيا حيث تنسجم في مكان و تتنافس في مكان اخر و ايضا الدور الروسي المستجد في المنطقة و خاصة سوريا. اضافة الى اتفاقات السلام بين اسرائيل و دول عربية مختلفة و لعب دور الحماية لتلك الدول، اضافة الى التنافس العربي-التركي على الساحة السنية..

جميع تلك المتغيرات اضافة الى الانهيار المالي الحاصل، ستؤدي حتما الى تعديل في النظام السياسي في لبنان و لكن السؤال متى ممكن ان تظهر حكومة تسوية فعلية هل هي قبل مسار الاتفاق على مسار سياسي جديد؟ ام بعدها؟

جميع المؤشرات تدل على ان لا حكومة تسوية من دون تسوية في المنطقة و الجميع ينتظر الانتخابات الاميركية و اي شكل من اشكال التسوية ممكن ان تحدث ! ما هو الدور الايراني؟ ما هو الدور التركي؟ ما هو الدور الروسي؟ و ما هو الدور الاوروبي؟ و لكن السؤال المهم هل تلك التسوية ستشمل جميع هذه الدول ام لا؟

فمعركة تعديل النظام او الاتفاق على نظام سياسي جديد بدأت منذ فترة، عندما نرى تشبص الثنائي الشيعي بوزارة المالية اي ضمان الامضاء الثالث في السلطة التنفيذية، تلويح نادي رؤساء الحكومات السابقين دائما بورقة دور رئيس الحكومة، و تلويح الوزير السابق جبران باسيل دائما بورقة اللامركزية الادارية.

فالسؤال المهم كيف سيتم الاتفاق على الادارة الجديدة في لبنان هل بعد معارك متفرقة ام بوسائل دبلوماسية؟ و من سينتصر؟ و ما هو الاتفاق؟ ممكن ان نقول ان الحل في لبنان سيكون توافقي و المخرج سيكون بنظام لا مركزي موسع يعطي لكل طائفة او منطقة جغرافية دورها بالمقابل اخذ ثنائي الشيعي التوقيع الثالث في السلطة التنفيذية المركزية.

لا حكومة حل قبل بلورت الامور الشائكة في نظامنا السياسي في لبنان، و نحن اليوم امام خيارين ان طال مسار تسوية  اما تفعيل حكومة تصريف الاعمال حتى حدوث التسوية اما حكومة تشبهها فلا حكومة حل قبل مسار تعديل النظام او بالاحرى تطبيق النظام