مقالات

لبنان بين مرحلتي الانهيار و العقد الاجتماعي الجديد

الشعب قال كلمته منذ تشرين الاول 2019 في موضوع تغيير الواقع المذري من هدر للاموال العامة و الفساد و كيفية ادارة مرافق الدولة، و لكن للاسف السلطة ما زالت في زمن ما قبل الانتفاضة الشعبية تراهن على التسويات الخارجية و تبيع و تشتري بشعبها الغاضب على ممارساتها الخاطئة، فتحاول مجددا تدفيعه الثمن بعدما دفعه في مرحلة ما قبل الانهيار.

لبنان و الانهيار

لم يتوقع احدا ان لبنان الذي كان منارة للشرق ان يصبح بمشهد شبه فنزويلي، هل هذا لبنان الذي يفتخر مواطنيه في كل اصقاع العالم بهويتهم؟ هل هذا لبنان الذي نجح ابناؤه في كافة انحاء العالم؟ هل هذا لبنان الذي كان مرقدا للسياحة؟ هل هذا لبنان جبران خليل جبران او رمال حسن الرمل او مايك دبغي؟ هل هذا هل هذا هل هذا…

اصبحنا نتنافس مع دول تحت خط الانهيار ان ذهبنا الى الحد الادنى للاجور نجن في اخر القائمة فموريتانيا على سبيل المثال 111 دولارا و لبنان حوالي 60 دولارا، مرتبة الفساد 138 من اصل 180، نسب الفقر منافسة بشكل كبير حسب اخر تقارير دولية اكثر من نصف الشعب اللبناني دون خط الفقر، اما على صعيد المؤسسات التجارية فاكثر من 50 بالمئة ستقفل ابوابها.

غضب الشارع

هذا الغضب الذي نشهده اليوم هو اثر احتقان سياسي،اقتصادي واجتماعي وقد اعطيت هذه السلطة الفرصة لاطلاق ذمام المبادرة خلال عام 2020 و لكن للاسف ما حاولت ان تفعله هو  محاولة اعادة صياغة نفسها، ما ادى الى ما وصلنا له اليوم و الشارع مستمر حتى حدوث مبادرة تشفي غليله و هذه المرة محاولة شراء الوقت ستدفعهم الثمن اكثر لان حتى بيئتهم الداعمة كفرت بالوضع القائم.

الطروحات السياسية

بيان بعبدا كان بلا لون و هو لذر الرماد بالعيون و لحلول وهمية، هل محاربة التطبيقات الالكترونية هو الحل في لبنان؟ مضحكة ومبكية الحلول المطروحة، المواطن ينتظر اكثر من ذلك باشواط ينتظر سلطة قوية وجريئة تعمل على انقاذه ولا يريد حلولا نوصفها بالترقيع او بالحلول الجزئية.

الواقع السياسي

حزب الله متفرج و يحاول ربط النزاع بين حلفاؤه و حتى المرحلة الحالية ممكن ان نقول انه منتظر الضوء الاخضر اقليميا ليبدء بفك النزاع، و هناك بعض المؤشرات انه بدء بمسار حلحلة العقد بعد طرح التدويل من قبل البطرك الراعي حيث اصبح من مصلحته وجود حكومة اخرى لتمرير الوقت بشكل افضل من سابقاتها، على ان يبقى الوضع كما هو عليه حيث ممكن ان يخسر اكثر في بيئته الحاضنة.

حركة امل و حزب التقدمي الاشتراكي و تيار المردة يعملون على اضعاف قدرة عون  و الحد من قدراته، اضافة تحجيم الوزير السابق جبران باسيل لاسباب مختلفة منها تختص بالنفوذ المقبل و من الناحية الاخرى تختص بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

تيار المستقبل بين نارين انفجار الوضع داخليا و الحصول على دعم المملكة العربية السعودية في تشكيل الحكومة حيث يحاول الرئيس الحريري اخذ الضوء الاخضر في ملفي تمثيل حزب الله و استرجاع الاعتبار بعدما حصل الغضب اثر التسوية الرئاسية.

حزب القوات يريد اسقاط العهد باكمله و يأمل بحدوث انتخابات نيابية مبكرة تمكنه من اخذ مقاعد اكثر حيث له طموح بان يصبح اكبر تكتل مسيحي ممكن ان يفرض قراره بشكل اوسع و في المقلب الاخر يحاول وراثة التيار الوطني حزب الكتائب لرفع اعداد مقاعده.

التيار الوطني الحر الخاسر الاكبر جراء ثورة 17 تشرين يحاول شد العصب الطائفي و العمل مجددا على مشهد المظلومية كما كانت استراتيجية الرئيس عون سابقا بين فترة انتخابات 2005 و توقيع ورقة مارمخايل، بتلك الاستراتيجية هناك محاولة لاستعادة الحاضنة المسيحية. لكنه يعيش بين نارين في المرحلة الحالية وجوده في السلطة و تحالفه مع حزب الله من هنا يأتي قرار الوزير باسيل بعدم اعطاء الثقة ان شكل الحريري الحكومة ونرى احيانا بعض التمايز في الاعلام في موضوع حزب الله و الحديث عن اعادة تقييم ورقة مارمخايل.

الجيش و الغضب الشعبي

تحت الاضواء الجيش اللبناني منتهك من الواقع الاقتصادي المذري الذي نمر به، وان استمر الواقع كما هو عليه ستشهد المؤسسة انتكاسة كبيرة و ممكن ان نرى الجيش الى جانب الناس في الشارع. هناك الكثير من الدول المتخوفة من هذا الوضع حيث يتم ارسال بعض المساعدات الطبية و الغذائية ليستفيد منها الجيش محاولة بقاء تماسكه.

صرخة قائد الجيش كانت دليل على مدى غضب المؤسسة العسكرية و لولا الواقع الطائفي في لبنان لشهدنا “انقلابا عسكريا”، هذه الصرخة دغدغة مشاعر كل مظلوم و كل فقير و كل محتاج واصبح الكثير من المواطنون يطالبونه بالتدخل، ليس فقط بسبب ان الجيش حامي الوطن بل للاسف لانها احدى المؤسسات القليلة في لبنان التي ما زالت تنال ثقة الشعب.

السيناريوهات المقبلة

واهم من يعتقد ان غضب الناس ممكن ان يمتصه خطابات وشعارات وقرارات وهمية، و موهم من يظن انه يمكن تخوين الناس. فنحن سنتجه الى سيناريوهين لا ثالث لهما، الاول استمرار غضب الناس و الذهاب نحو الفوضى لا نعلم مدى حجمها و ما ممكن ان تكون نتائجها و الثاني تشكيل حكومة في وقت قريب و اجراء تسوية تسحب الواقع المتردي من عنق الزجاجة او على الاقل تهدء الامور في ظل غياب اي دور للسلطة في المرحلة الحالية.

لكن ليس تشكيل الحكومة فقط هو الحل، فنحن في مرحلة انهيار شبه كامل سنحتاج الى جولات من الاصلاح و الى عقد سياسي واجتماعي جديد يطور ممارسات الادارة العامة.

فلبنان شئنا ام ابينا يعيش في ازمة نظام وما يحدث من مناورات سياسية داخليا او المتغيرات الاقليمية التي سنتأثر بها، ستأخذنا الى رسم وجة لبنان المقبل، فنحن نعيش بين مرحلة الانهيار وعقد اجتماعي جديد. الصراع سيكون بين تطبيق الطائف و تعديله و لكن لنكون واقعيين و موضوعيين لبنان ليس بحاجة الى تعديل دستوره بل الى تطبيقه بطريقة افضل تأخذنا الى شاطىء الامان.

لبنان بين وبائين…صحي و اجتماعي

حلّت جائحة كورونا ضيفًا ثقيلًا على لبنان، مثله مثل الكثير من الدول في مختلف أنحاء الأرض، وفرضت الأزمة على الدولة اللبنانيّة إعلان حالة التعبئة العامّة والطوارئ الصحيّة لتخطّي المرحلة. لكنّ لسوء حظ اللبنانيين، شاءت الظروف أن تتقاطع أزمة حلول الكورونا مع مرور البلاد بأسوأ انهيار مالي واقتصادي عرفته البلاد، حيث  من المقرر حسب صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 25٪ هذا العام. وانخفضت الواردات إلى النصف لأن القوة الشرائية اللبنانية تلاشت مع انهيار العملة المحلية، التي فقدت أكثر من 80٪ من قيمتها مقابل الدولار منذ العام الماضي.، وهو ما أنتج محنة قاسية تختلف ظروفها عن الكثير من الدول التي تشهد اليوم أزمة انتشار جائحة الكورونا.

فمن قطاع الاستشفاء الذي كان على حافّة الانهيار قبيل أزمة الكورونا بفعل عدم توفّر الدولار لاستيراد المعدّات، إلى تراجع مخزون الأدوية لدى تجّار الدواء للسبب نفسه و لسبب تهريب الدواء المدعوم، وصولًا إلى المأساة المعيشيّة التي كان يعاني منها اللبنانيون بالأصل اضافة الى الفراغ السياسي الموجود و اللاحس بالمسؤولية من قبل الطبقة الحاكمة و التلهي بشؤون الحصص و حماية المصالح ودخول البلاد في مرحلة الإقفال التام، كان هناك ما يكفي من عوامل لتكون البلاد في أصعب ظروف أمام الفيروس المستجد.

كورونا و قطاع الاستشفاء

في الأشهر الستّة الأخيرة، لم يستورد لبنان سوى 5% فقط من المستلزمات والمعدّات الطبيّة التي تحتاجها المستشفيات عادةً لعمليّاتها اليوميّة، بما فيها أبسط المواد الضروريّة مثل مواد التعقيم والتطهير، والتجهيزات والمواد التي يحتاجها عادةً ذوو الأمراض المزمنة، وهي الفئة الأكثر تأثّرًا عادةً عند الإصابة بفايروس كورونا المستجد. وهكذا، دخلت البلاد أزمة الكورونا بقطاع استشفائي هش وضعيف، يعاني حتى في تشغيل أجهزة التنفّس الإصطناعي الضروريّة لبعض حالات الكورونا، والتي تبيّن لاحقًا أنّ 80% منها لا يعمل بسبب النقص في قطع الغيار المطلوبة لها.

هكذا، دخلت مستشفيات لبنان المعركة في وجه كورونا بلا سلاح، حتّى أنّ منظمة «هيومن رايتس واتش» رفعت الصوت في ظل أزمة الكورونا، محذّرةً من نقص اللوازم الضروريّة لمواجهة فيروس كورونا، ومعربةً عن قلق الطواقم التمريضيّة إزاء عجز الحكومة والمستشفيات عن توفير التجهيزات اللازمة لحماية العاملين في الحقل الطبي من الإصابة بالفيروس.

وباء إجتماعي و إقتصادي

كانت البلاد على شفير الفقر المدقع منذ بداية العام، وقبل دخول فيروس كورونا وتبعات التعبئة العامّة على الخط. فالأرقام المتداولة كانت تفيد بتراجع أعمال الشركات التجاريّة بنسب تراوحت بين 70% و80% منذ بداية العام، فيما كان إقفال المؤسسات وانضمام الشباب إلى صفوف العاطلين عن العمل سيّد الموقف. وبحسب بعض الإحصاءات، بلغت نسبة المؤسسات التي أقفلت جراء الأزمة حدود 20%، فيما بلغت نسبة البطالة 40% وسط توقّعات ببلوغها مستوى 50%. وبشكل عام، يُقدّر عدد الذين باتوا دون خط الفقر بعد الانهيارالاقتصادي بحدود 1.3 مليون شخص. و من تداعيات كورونا ايضا تراجع الناتج المحلي بما لا يقل عن 40%، وهو قابل لزيادة التراجع. وقد قدّر صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد سينكمش من ما يعادل 14500 دولار سنويًا في عام 2019 إلى 10900 دولار في عام 2020.

فشل الادارة الاجتماعية

منذ اليوم الاول لبدء مشوار التعبئة العامة و الاقفال الجزئي و التام، لم تكن السلطة على قدر المسؤولية فتحدثت عن فقاعات وعود لم يلمس المواطن المتألم تلك الالتزامات.

فحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن نظام الحماية الاجتماعية في لبنان غير كاف على الإطلاق، مع انعدام الخدمات الأساسية. فذلك يؤدي إلى انعدام العدالة الاجتماعية، معززا بشبكات الزبائنية والمحسوبية، مع سيطرة الأحزاب السياسية على الخدمات وتقديمها لمؤيديها.

للاسف الخطط الحكومية كالعادة لا تنطلق من خلال استرتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الصحي و الاجتماعي فتنطلق من عين واحدة فقط. و ذلك يؤدي الى مزيد من الانفجار الاجتماعي و الاقتصادي سنشهد تبعاته في الفترة القريبة المقبلة و ممكن القول ان الحلول دائما تأتي على حساب المواطن و ليس لحسابه و متل ما بقول المتل اللبناني “دائما العترة على الفقير”.