مقالات

قسد و الصراع المعقد

تم الإعلان عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية في مدينة القامشلي، شمال سوريا في تشرين الأول 2015. وأصدرت هذه القوات بياناً للتعريف بنفسها جاء فيه “إنها قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين تجمع العرب والكرد والسريان وكافة المكونات الاخرى”. تنتشر “قسد” على حوالي 23 بالمئة من مساحة سوريا وهي تسمى بسوريا المفيدة حيث تمتلك أهم الموارد وطنياً.

موارد “قسد”

تسيطر على نصف الموارد السورية الاستراتيجية، بما في ذلك العديد من السدود أهمها تشرين والبعث، وحقول النفط ومعظم الأراضي الزراعية الخصبة في المنطقة.

تمتلك المنطقة التي تحتلها قسد معظم النفط السوري، حيث تنتج حوالي 100 ألف برميل يومياً. الرقم ممكن أن يكون صعوداً ونزولاً حسب المشاكل الفنية والأمنية وغيرها.

كما تمتلك “قسد” مورداً أمنياً مهماً تلوّح به دائماً وهو سجناء “داعش”، حيث تهول بإطلاق سراحهم في حال حدوث أي ثغرة ما، إضافة إلى قوتها العسكرية بسبب دعم التحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأميركية.

نقاط ضعف “قسد”

إحدى أهم نقاط الضعف لدى “قسد” يعد ملف العشائر العربية، حيث بدأ بعض التململ بخصوص أداء “قسد”، حيث تم استثمار هذا التشنج من قبل النظام في سوريا وروسيا وإيران وتركيا من خلال عقد مصالحات ودعم. فالنظام في سوريا وروسيا يمكن أن يستفيدا من ذلك من أجل الضغط على أميركا واستنزافها، وفي المقلب الآخر إضعاف “قسد” وفرض تسوية معينة عليها.

أما التوجّه الإيراني إلى دعم العشائر في المنطقة، فهو استنزاف أميركا ضمن الاستراتيجية التي تبنّاها للحصول على نفوذ أكبر وتفاوض بشكل أفضل.

أما تركيا فتستثمر بهم لدعم نفوذها في هذه المنطقة وتحقيق أهدافها، وأهمها الضغط على الأميركي لتنفيذ وعوده بالخروج وتسليم المنطقة لتركيا، والقضاء على “قسد” التي تعتبرها تركيا امتداداً للحزب الديموقراطي الكردستاني في سوريا، وتحسين موقعها وتأثيرها في المشهد السياسي السوري خلال العملية السياسية، والضغط على الروسي، ودفعه إلى القبول بالرؤية السياسية التركية في سوريا.

المشهد المقبل لشمال شرق سوريا

تشكل المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا إحدى أهم صور الصّراع المعقّدة، نتيجة كثرة الأطراف المتصارعين، من فاعلين أصلاء ووكلاء، وتناقض مصالحهم وتوجّهاتهم، وما تتضمّنه هذه الخارطة من موارد وثروات تمنح القوّة لمن يسيطر عليها، وبالتالي هناك سيناريوات مختلفة ستتأثر بها تلك المنطقة.

فالصراع الأقوى هناك بين القطبين الأميركي والروسي مع دور رئيسي تركي الذي لديه نفوذ مهم في شمال سوريا، وأي تسوية مقبلة سيكون جزءاً منه.

وكل منهم يعمل على تعزيز أوراق قوته لحين بدء مسار التسوية الأكبر بحيث يتمكن من كسب مصالح أكثر.

اميركا و”قسد”

الكثير يتساءل عن موقف أميركا من الأزمة السورية وخصوصاً بشأن “قسد” والكثير يتحدث أنه ما زال موقفها رمادياً، ولكن الرد على جميع تلك الأسئلة يأتي من خلال تعيين برييت ماكغورك أحد المدافعين الشرسين عن “قسد” ويعتبر تركيا خصماً، هو الذي استقال من منصبه عام 2018 جراء قرار ترامب الانسحاب من شمال شرق سوريا.

فأميركا تعتبر “قسد” أهم ورقة رابحة لديها، من جهة تعتبرها أهم حليف أمني في سوريا من خلال مواجهة داعش والحفاظ على سيطرتها في المنطقة الأهم استراتيجياً، حيث تمنح لها القرار في موضوع تموين سوريا خاصة بعد قانون “قيصر” والحصار الذي تفرضه على النظام، ومن جهة أخرى تضغط على روسيا في عدم تمكينها من إجراء اتفاق سياسي داخلياً من دون موافقة أميركية.

روسيا و”قسد”

تعد منطقة سيطرة “قسد” أهم حاجز لها لإجراء اتفاق سياسي محلي في سوريا، وتحاول روسيا استعمال سياسة العصا والجزرة معها، تارة تنشر قوات لمنع حدوث صدام مع قوات النظام، وتارة أخرى تتحاور وتدعم العشائر في قاعدة حميميم للضغط على “قسد” والتخفيف من نفوذها، وفي المقلب الآخر تعمل على تعزيز أطر التواصل بين النظام و”قسد” للحد من التوتر كما حصل منذ فترة قصيرة.

السيناريو الأكثر ترجيحاً

من غير المتوقع أن تشهد المرحلة القصيرة المقبلة حلاً جذرياً بخصوص شمال شرق سوريا، ومستقبل المنطقة يترنح بين سيناريوات مختلفة، ولكن الأكثر ترجيحاً مزيد من التشنج رغم الدبلوماسية الروسية وتعزيز قنوات التواصل بين النظام و”قسد”، ولكن ذلك لا يعني أن الحل بدأ، فهذا الملف متعلق بملفات استراتيجية مختلفة. ما بين الضغط الأميركي على سوريا والحد من النفوذ الروسي من جهة ومحاولة تحجيم تركيا من جهة أخرى، إضافة إلى شد الحبال بين أميركا وايران من جهة، عقب الحديث حول الاتفاق النووي.

هذه المنطقة الجغرافية مهما كانت التسويات لكن بالطبع لن تعود كما كانت قبل حصول الأزمة السورية، والسيناريو في سوريا قد يشبه الحل العراقي لأزمة الأكراد، ولكن سيتضمن تسوية بخصوص الموارد الغنية التي تمتلكها هذه البقعة.

الاتفاق النووي بين المد والجزر

خلال الفترة الماضية، إن أردنا التحدث حول الواقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط، تلقائياً يأتي الجواب حول مسار العلاقات الأميركية -ال إيرانية بعد توتر وانقطاع العلاقة إثر خروج ترامب من الاتفاق النووي ال إيراني، مارس ترامب حصاره الاقتصادي والضربات الهادفة بالتعاون مع إسرائيل وبالمقابل مارست إيران سياسة ضبط النفس وعدم الرد على الأصيل، ولكن حاولت تعزيز قوتها والرد على الحليف في بقع جغرافية مختلفة في المنطقة.
تاريخ العلاقات
بدأت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة عندما بعث شاه فارس ناصر الدين، أول سفير لإيران ميرزا أبو الحسن شيرازي إلى واشنطن في عام 1856. وفي عام 1883 كان صمويل بنجامين أول مبعوث دبلوماسي رسمي للولايات المتحدة في إيران.
عام 1979، اضطر الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يحظى بدعم أميركي، إلى مغادرة إيران، بسبب الثورة الإسلامية وخروج مظاهرات وإضرابات مناهضة لنظام حكمه، وبعد أسبوعين من تلك الأحداث عاد الزعيم الديني آية الله الخميني من منفاه في فرنسا. وبعد انتصار الثورة الإسلامية في 11 شباط 1979، تم تنصيب الخميني على رأس الدولة، وهنا يكمن مسار التحول السياسي بين طهران وواشنطن.
تدهورت العلاقات بين أميركا وإيران، بعد أن وافقت الولايات المتحدة على استقبال الشاه بهلوي للعلاج، حيث غضب طلبة الجامعات الإيرانية، وهاجموا سفارة أميركا في تشرين الثاني 1979، واحتجزوا 52 موظفًا في السفارة الأميركية في إيران، حيث قطعت أميركا علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في نيسان 1980، وبمبادرة من الرئيس السابق كارتر أفرجت إيران عن الرهائن الـ52 يوم تنصيب الرئيس الأميركي رونالد ريغان رئيسًا للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني 1981.
وما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ازدادت العداوة بين الطرفين ووضعت عدوين لها في منطقة الشرق الأوسط هما العراق في تلك المرحلة وإيران أيضاً.
الاتفاق النووي
هي اتفاقية دولية حول البرنامج النووي الإيراني، تم التوصل إليها في تموز 2015 بين إيران ومجموعة خمسة زائداً واحداً (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – بالإضافة إلى ألمانيا) والاتحاد الأوروبي، وفي 8 أيار 2018 انسحب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاقية الدولية المشتركة، وبدأ بمسار الضغط على إيران حيث دعم هذا القرار بعض الدول العربية وإسرائيل وعارضه البعض الآخر مثل الصين وروسيا ومعظم الدول الأوروبية، وأبرز من كان على الحياد مصر وقطر وعمان والهند.
بايدن والاتفاق النووي
خلال حملة بايدن الانتخابية، كان من الواضح رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي. ولكن لم يكن واضحا كثيرا كيف ومن ضمن أي صيغة. ولكن تعيين روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية ومستشار السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما هو دليل نية أميركية بالبدء بتنفيذ وعود بايدن بخصوص إجراء اتفاق نووي مع إيران. وخاصة أن أميركا تريد أن تتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية لها مثل روسيا والصين، إضافة إلى الملفات الداخلية، وتريد الخروج من نفق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وتفويض بعض المهام من خلال الحلفاء (تعزيز منطق العولمة) ومن خلال اتفاقات وتسويات مع الخصوم.
العقبات
الصراع القائم حالياً بين العودة إلى اتفاق عام 2015 كما تطالب إيران، وبين تعديل اتفاق عام 2015 وتوسعته إلى الحوار حول النظام الصاروخي وسياستها الإقليمية كما يطالب بايدن. بايدن من غير الممكن أن يعود فقط إلى اتفاق 2015 لأنه سيواجه معارضة شرسة داخلية (الحزب الجمهوري) ومعارضة خارجية قوية أيضاً من قبل إسرائيل وبعض الدول العربية. يعتبر بايدن أن بإمكانه إجراء ضغوط وتسويات جانبية مع الدول العربية المعارضة، ولكن بخصوص إسرائيل يعول على الانتخابات الإسرائيلية هذا العام من خلال فوز حزب قريب منه وتغيير نتانياهو.
فبالتالي المرحلة الحالية لن تكون مفروشة بالورود، وللالتفاف على ذلك سيحاول بايدن الحصول على بعض التنازلات الإيرانية جراء الضغوطات الاقتصادية التي أنهكتها ومراهنة إيران على الاستفادة من وجود إدارة دبلوماسية وأكثر ليونة في المرحلة الحالية، تمكنه من تسهيل مهمته داخلياً وخارجياً. ولكن حتى الآن يوجد تصلب في الموقف الإيراني جراء المطالبة في العودة إلى الاتفاق القديم.
المخارج
أحد المخارج التي يمكن أن تحصل هو الدمج بين مسار رفع العقوبات والبدء بمشوار المفاوضات بخصوص ملفي الصواريخ الباليستية والسياسة الإقليمية. ولكن هذا المخرج لن يحصل بالسهل بالفترة القريبة، لأنا ما زلنا في فترة طرح أوراق القوة على الطاولة، ومرحلة الضغط من قبل القوى المعارضة للاتفاق، ما يمكن أن يؤجج الصراع في المرحلة المقبلة على الأقل حتى حصول الانتخابات الإسرائيلية.
الفترة المقبلة
سيحاول بايدن إدخال الأوروبيين في هذا المسار، وفوض للفرنسيين تعزيز قنوات التواصل في المنطقة وفتح باب الحوار غير المباشر والبدء بالمفاوضات في الملفات الأقل تأثيراً، كمحاولة لخرق جدار الانقطاع الكامل، وبالتوازي البدء بمسار حلحلة الملفات المعقدة كالملف اليمني في محاولة لتقطيع الأزمات وتسويتها كمنطلق لإبرام اتفاق مقبل.
من هذا المنطلق يتمكن بايدن من تخفيف وهج معارضة الاتفاق حيث يكون أنهى إحدى نقاط تعديل الاتفاق، وهي دور إيران في المنطقة. وفي المقلب الآخر يبقى موضوع الصواريخ الباليستية والجيوش الإيرانية حيث يمكن أن نشهد حروباً جانبية لتسوية هذه النقطة، وعلى نتائج هذه الحروب إن كانت عسكرية أو سياسية تتوضح أكثر معالم الاتفاق المقبل.
والسؤال: من سيدفع ثمناً في المرحلة الحالية؟ ومن سيدفع الثمن بعد حدوث الاتفاق؟ لأن لا تسويات من دون ثمن وأحياناً دم؟