مقالات

خطر التسرب المدرسي في لبنان و وصولنا إلى حافة الهاوية

يشهد كل موسم خريفي فصلاً جديداً من قصة التسرب المدرسي. هي قصة للأطفال، لكنها لا تسرّ أحداً، بل تفتح الواقع على احتمالات تناهز الخيال:الضياع، البطالة، الدخول المبكر إلى سوق العمل وبطريقة عشوائية تؤدي إلى انخراط من يفترض أن يكونوا على مقاعد الدراسة، ودروب الحلم بالمستقبل، في أعمال لا تتناسب مع أعمارهم وأوضاعهم الجسدية والنفسية.

بات التسرب المدرسي ظاهرة تطال معظم القرى والعوائل الفقيرة والمتوسطة على حد سواﺀ. ورغم تشدد القانون اللبناني نحو هذه الظاهرة وذلك بهدف العمل على محو ظواهرها السلبية على المجتمع إلا انه كان للواقع كلام مغاير و كارثي.

فمبدأ  تطبيق الزامية التعليم وبالتالي مجانيته يلغيان ٪٨٠ من الأسباب التي تحول دون الالتحاق المدرسي لدى الأطفال في لبنان، ومن بينها تلك العائدة الى عدم رغبة الأهل بذلك وعدم وجود مدرسة رسمية وكلفة التعليم المرتفعة هذا اذا صحت فرضية ان الفقر هــو وراﺀ رغبة الأهل في ايقاف الدراسة”.

فهناك اسباباً مادية تقف عائقا اساسيا في تعليم الأولاد، كما يدفع الرسوب فــي الـــمـــدارس كسبب اضــافــي التلامذة الــى تــرك الــدراســة في غياب توجيه مهني يصحح اوضاع الراسبين، مع الاشارة الى ان مقدار التسرب الكبير يحصل مــا بين المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، كما ان النسبة الاكبر من الأطفال غير المسجلين في المدارس هم اما من الأولاد الفقراﺀ او من الأطفال الــمــعــوقــيــن الــذيــن يهمشهم المجتمع”.

فتشير الفقرة “ب” من مقدمة الدستور اللبناني والمادة العاشرة مــنــه، الـــى اقــــرار لــبــنــان بــأولــويــة التعليم، الا ان الــواقــع لا يبدو كذلك، فمبدأ مجانية التعليم في المرحلة الابتدائية، وان كان قد ذكر في المرسوم الاشتراعي رقم ١٣٤ تاريخ / ١٢ / ٦ ١٩٥٩ ثم في وثيقة الوفاق الوطني () ١٩٨٩، كذلك أكد المجلس النيابي على الإلزامية والمجانية في التعليم الابتدائي، في القانون رقم ٦٨٦ الصادر بتاريخ / ١٦ / ٣. ١٩٩٨ وفي الحالتين التشريعيتين، صيغ هذا المبدأ بمادة وحيدة من دون أي تفاصيل. ولم يصدر أي مرسوم لتحديد دقائق تطبيق الأحكام المنصوص عليهما، كما لم تتخذ الحكومات المتعاقبة أي تدابير في هذا المجال.

وفي منتصف عقد التسعينات، اعتمدت هيكلية جديدة للتعليم في لبنان أدرج فيها للمرة الأولى تعبير “التعليم الأساسي” على أنه تعليم يمتد على تسع سنوات دراسية ويغطي مرحلتي التعليم الابتدائي والمتوسط ولا تقتصر على المرحلة الابتدائية فقط كما هي الحال في القانون الحالي، التي هي شبه محققة في لبنان من دون تدخل مباشر.

اضــافــة الـــى الــحــاجــة للعمل والمساهمة فــي تحسين دخل الأســـرة بخاصة فــي الـــدول التي تعاني من الأزمات كلبنان، فإن من مسببات التسرب المدرسي، النظام التعليمي وتخلفه عــن مواكبة المعارف الجديدة والتطوير في المناهج وطرق التعليم الحديثة، وعــدم توفير التدريبات اللازمة للمعلمين والأساتذة، الخلل في تــوزيــع الــمــدارس فــي المناطق والأديان والقرى النائية والاعتماد على المدن ومراكز السكن، واخيراً ولــيــس آخــــراً عـــدم وجـــود خطة نــهــوض اجــتــمــاعــي اقــتــصــادي تبنى عليها البرامج والمشاريع التربوية التعليمية ذات الجدوى الاقتصادية الاجتماعية.

“ان المستوى التكميلي او الحلقة الثالثة مــن التعليم الأساسي تعاني من خلل تربوي، كما ان الحد الأدنى المقبول والذي يتخطى معه الفرد خطر الوقوع في الأمية بعد تركه المدرسة، طبقا للمستوى الدراسي ضعيف جدا”. ودقت شرارة ناقوس الخطر من خلال أرقام ومعلومات رسمية لبنانية حديثة منها على سبيل المثال ان ٪١٣ هي نسبة الرسوب المتكرر، كما ان النمو المتكرر للرسوب هو ٪١، اضافة الى رقم مرعب كما تشير الدراسة يفيد ان ٪٣٥ من الرسوب في المرحلة الأساسية “واذ تحذّر شــرارة من مغبة المضي في هذا الاتجاه ومن آثاره القاتلة على الناس والمجتمع والمؤسسات، تطالب بوجود خطة نهوض اجتماعية وطنية شاملة.

و مع ازدياد الازمة السياسية الاجتماعية الاقتصادية يطل برأسه التسرب المدرسي ليتحول مشكلة تبقى فيها الحلول نظرية حتى الساعة..

فالتسرب بالغة الخطورة بما تحمله من اهدار لأعمار الاولاد واعادة تغذية المجتمع بمرشحين محتملين للسقوط في الأمية واحباط خطط التنمية البشرية ورفع الكلفة الفعلية للتعليم. ويرى ان الترفيع الآلي الميسر الذي اعتمد في المناهج الجديدة لم يؤد الى حل المشكلة بل عمل الى ارجائها سنوات.
وتزيد نسب التسرب خصوصا في المراحل الانتقالية، وهي في ارتفاع ملحوظ منذ العام 2000 – 2001 وهي أشد تفاقما لدى الذكور منها لدى الاناث. كما سجلت نسبة التسرب مستوى عاليا قارب 4 في المئة في صفوف الحلقة الثانية من التعليم الاساسي (الرابع والخامس والسادس) للعام 2005 – 2006 وارتفعت هذه النسبة الى 8,1 في المئة في الصف السابع أساسي و6,8 في المئة في الصف الثامن وتناهز 19 في المئة في الصف التاسع. غير ان هذه النسبة الاخيرة تشير الى الذين خرجوا من مسار التعليم العام وتشمل بالضرورة المتسربين الفعليين بالاضافة الى الذين اختاروا الالتحاق بالتعليم المهني اذ يسمح النظام التعليمي بالتحاق عدد من الراسبين في امتحانات الشهادة المتوسطة في اطار التعليم المهني. لكن تبين ان 25 في المئة من التلامذة يتسربون من المدرسة قبل الوصول الى التاسع الاساسي.
أما الاسباب التربوية المدرسية فتشمل عدم تتابع مراحل المدارس الرسمية من الروضة حتى الثانوي بشكل كلي (في 1394 مدرسة رسمية في لبنان) كما تفتقر الابنية الى مواصفات البناء الملائم للمنهاج الجديد (ملاعب – مختبرات – مكتبات – غرف تدريس – مياه شرب ومراحيض ملائمة – مرشد صحي – مرشد تربوي). أما الكفاءة فلا تعتمد كمعيار غالب او وحيد لاختيار مديري المدارس.
فابرز العوامل المؤدية الى التسرب وتقسمها فئات عدة علما انها لا تشكل في ذاتها أسبابا حتمية للتسرب. فمن العوامل ذات المصدر السياسي والاداري غياب الزامية التعليم، ومحدودية الموازنة المخصصة للتربية، والفساد، والاهدار، وعدم مواءمة المباني المدرسية للمعايير العالمية.

ومن العوامل ذات المصدر التعليمي – التعلّمي، الصعوبات التعليمية المتأتية من عوامل فيزيولوجية مثل التعسر في القراءة والكتابة، والتعسر في الحساب، والحركة الزائدة، والبطء، والتأخر الدراسي وايضا طرائق التدريس، وادارة الصف، وخلفية المعلم التربوية والنفسية، وتصورات التلميذ عن المادة. أما العوامل ذات المصدر النفسي – العلائقي فتشمل الاضطرابات النفسية (كالاكتئاب، والقلق، والانطوائية) وانعكاساتها (كالغش، والكذب)
فلكي نتمكن من نهضة قطاعنا التربوي و محاربة التسرب المدرسي يجب أن نطبق الحلول التالية :
ـالعمل على إلزامية و مجانية التعليم

تجهيز المدارس الرسمية بكافة المستلزمات والاحتياجات البيئية والصحية والتعليمية والترفيهية (بناء، ترميم، أجهزة كومبيوتر، مختبرات، مكتبات، مولدات كهربائية، ماكينات تصوير…).
ـ تعريف الأطفال على حقوقهم ورفع مستوى الوعي لديهم وزيادة مشاركتهم في الحياة العامة.

تعديل طريقة التعليم و إعتماد الأسلوب التشاركي و ليس التلقيني

إختيار الشخص المناسب في المكان المناسب و خصوصا المدراء

تأمين حقوق الأساتذة و رفع دخلهم و ذلك لكي نولد أكثر إنتاجية
ـ إنشاء مكتبة عامة خاصة بالشباب والأطفال.
ـ إنشاء نادٍ للأطفال لتفعيل النشاطات التربوية والترفيهية مخيمات، رحلات، جلسات توعية وتثقية. و تفعيل روح التطوع عند الطالب
ـ ضرورة وجود اختصاصي صحي واجتماعي في المدارس لدراسة قضايا وأوضاع الأطفال الاجتماعية والأسرية والتربوية.

أخيرا، إن القطاع التربوي يعد القطاع الرئيسي في الوطن، لأنه هو بناة الأجيال القادمة و من خلاله نؤسس مستقبل الوطن و من خلاله نعزز ثقافة مواطنينا و نعزز مواطنيتهم و لا يمكننا بناء إقتصادنا و تعزيز إستقرارنا من دون الإهتمام بقطاعنا التربوي و الإهتمام بأجيالنا المقبلة . فعلى الدولة أن ترفع ميزانية وزارة التربية و أن تعد خطة إستراتيجية لأجل حماية وطننا و رفعة إسمه عاليا دائما و أبدا. و لكن المشكلة ليست فقط عند الدولة بل هناك دور كبير يجب أن يلعبه المجتمع المدني الناشط منه و هناك أيضا دور للمواطن و ذلك لنكون واقعيين و لكي نمكن نهضة قطاعنا التربوي في أسرع وقت.

تفعيل روح المواطنية هي الحل في لبنان

لا يزال مفهوم المواطنية في الدول العربية مفهوما “هلاميًا” تحيط به الضبابية الكثيفة ، فالمفاهيم تتكون و تتبلور عبر تراكم التجارب الإنسانية، و هي تخضع لقانون تطور المجتمعات و الثقافات، و هي ترتبط بشكل مباشر و عضوي بمنظومة القيم و الأعراف السائدة فيها ، علاوةعلى بنية النظام السياسي الخاص بكل دولة و مجتمع .

فرغم أنّ مفهوم المواطنية يخضع لتفسيراتٍ عدّة، ويحتمل كاصطلاحٍ غير تعريف، فهذا المنهاج التدريبي سيقدّم تعريفاً عملياً لمفوم المواطنية، وكذلك بضعة أمثلة عن سبل تفعيلها ضمن النظام الديمقراطي.

تشير المواطنية إلى عضوية الفرد في مجموعةٍ أو مجتمع، على نحوٍ يؤهّله إلى التمتع ببعض الحقوق وإلى تحمّل بعض المسؤوليات. فالمواطنية، والحال هذه، تدلّ في آنٍ واحد على وضعية ومسيرة ارتباط هذا الفرد بالعالم الاجتماعي. أما المواطنية كمفهومٍ، فتعود جذورها إلى فكرة “المواطن العالمي” أو، بكلّ بساطة، إلى فكرة الفرد الذي يشارك في مؤسسات صنع القرار في الحياة العامة.

ويقوم مفهوم المواطنية على ثلاثة عناصر أساسية. يتناول أولى هذه العناصر المواطنية كوضعٍ شرعي، تحدده الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية. فالمواطن، في هذا السياق، يرمز إلى شخص قانوني، يحق له أن يتصرف بحرية وفقاً لأحكام القانون، وأن يطالب بحماية القانون ضمن الجماعة؛ بينما يتناول العنصر الثاني المواطن كفاعل سياسي، يشارك في المؤسسات السياسية العاملة ضمن المجتمع، ويؤثّر، أو قل يحاول التأثير، على قيم المجتمع المحلي. أما العنصر الثالث، فيشير إلى المواطنية على أنها حسّ الانتماء إلى جماعةٍ سياسية، تحمل هوية تميزها عن سائر الجماعات. إلا أن هذه العناصر التي تعكس جوانب نفسية واجتماعية معاً، تبقى دوماً موضعَ تفاوض ما بين أبناء المجتمع المحلي على مرّ الزمن.

زِد على أنّ عناصر المواطنية الثلاثة هذه تتفاعل مع بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، تحدد الحقوقُ التي يتمتع بها المواطن، نوعاً ما، مختلفَ النشاطات السياسية المتوافرة التي يمكنه أن يشارك فيها. ونسجاً على المنوال نفسه، يمكن للهوية المدنية القوية أن تشكل، بحدّ ذاتها، حافزاً يحثّ المواطنين على المشاركة بشكل ناشط في الحياة السياسية ضمن مجتمعهم.

و هناك أسباب عديدة تزعزع فكرة المواطنية و هي :

المواطنية والطائفية:
إن معالجة مفهوم المواطنية في مجتمع طائفي، تُعد من أعقد الأمور لا سيما في الدول التي تشهد تنوعًا عرقيًّا ودينيًّا ومذهبيًّا كلبنان..، فالتصوّر السائد عن الطائفية فيها يُعد مكمن الفساد، لأنه يُكرس مفهوم أن الطائفية داخل الدولة هي انعكاس للطائفية داخل المجتمع، وعلى الأفراد القبول بالتعايش داخل الدولة مع ممارسات طائفية عديدة، الأمر الذي أدَّى مع مرور الوقت إلى شرعنة قيام الدولة الطائفية نفسها، بوصفها حتميّة اجتماعية أو تعبيرًا عن خصوصية محلّية لا يمكن التجاوز عنها، من دون ارتكاب مخاطر السير في اتجاه اقتسام غير عادل للسلطة والثروة المرتبطة بها.
هذه المعطيات أفرزت حكومات تخلَّت عن مسؤولياتها في بناء دولة حديثة حقيقية قوامها مفهوم الحق والقانون، وأصبح دورها محصورًا في تقاسم السلطة بين نخب الطوائف وأرباب الكراسي والعشائر القائمة، كما أدّى إلى رفع الممارسات الطائفية عن طاولة النقد واصبحت “الطائفية ” ذلك “اللاهوت المحرم” الذي ينبغي ألا نقترب منه، وهذا التصور وَحَّد تمامًا بين منطق عمل الدولة ومنطق عمل المجتمع الأهلي، ملغيا بذلك أي إمكانية لبناء دولة سياسية ديموقراطية.

لذلك يجد المحلل نفسه أمام إشكالية معقدة ومركبة ومتشعبة في آن، فمعالجة موضوع المواطنية يرتبط قبل كل شيئ بمسألة الهوية عند الكائن الانساني نفسه والخلفية الثقافية والحضارية، كما يرتبط بالديمقراطية والحريات من جهة أخرى.
وكثيرا ما يدور التساؤل حول التناقض بين ثقافة المواطنية و وجود طوائف ومذاهب، وفي واقع الأمر لا يوجد اي تناقض بين المواطنية والطوائف شرط توسيع المجال العام والقضايا المشتركة و توحيد الهمّ والأهداف الوطنية وتحييد الخصوصيات وعدم تسليط الضوءالسلبي على الاختلافات الثقافية، لأن تعدد الثقافات يثري التجربة الإنسانية، فالمواطنية طرح يحتوي الطوائف والتيارات الفكرية جميعها و يتجاوزها في آن من خلال توسيع مجال المشترك العام بين ابناء الوطن الواحد.

لذلك فإن عملية تكوين المواطنية الحقيقية في مجتمع متعدد، تبدأ من إيجاد صيغة ثقافية وتربوية قائمة على أسس فلسفية إنسانية تؤدي الى صهر الطوائف في بوتقة الوطن الواحد دون تلغي دور الأديان في حياة الأفراد، او ان تمس بالحريات الفردية للأشخاص.

فالطائفية السياسية هي ليست مجرد شعور عدائي لأفراد من طائفة نحو طائفة أخرى، بل هي أيضًا استراتيجية موازية تستخدمها بعض فئات النخبة السياسية في التنافس على السلطة أو سياسة منهجية تتبعها سلطة معينة في سبيل تأمين قاعدة اجتماعية شعبية او إثنية أو مذهبية تعزز مواقعها الاستراتيجية وهو ما تعمد إليه “الأحزاب الطائفية المؤدلجة في لبنان “لتكريس الطائفية كحتمية اجتماعية وتاريخية لا ترد.

ويزعم”ملوك الطوائف” اليوم أنهم يريديون تطبيق اتفاق الطائف، بالرغم من ان اتفاق الطائف ليس “مقدسًّا ” وبالرغم من أنه كرّس التمثيل الطائفي في الفئات الأولى، فاتفاق الطائف يطالب ب” إلغاء الطائفية “وفق صيغة نُقلت إلى الدستور اللبناني بعد تعديله بناءً على مضمون وثيقة الوفاق الوطني.
وذلك عبر المادة 95 من الدستور التي ورد فيها:” إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء الفئة الأولى من الموظفين وما يعادل الفئة الأولى، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأ الاختصاص والكفاءة“.
و في المادّة نفسها ورد ايضًا: “على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية“.

هذه الهيئة لم تشكَّل حتّى الآن، و هذه النصوص لم توضع موضع التطبيق بعد اكثر من سبعة عشر عامًا على إعلان اتفاق الطائف، وفي هذا مخالفة للدستورمع العلم أنه كان من الواجب تشكيلها من اوائل التسعينيات وكان بالامكان تجاوز الحالة الطائفية واعتبار هذه الهيئة مرجعية و منبراً للحوار المنتظم في كل شأن وطني، وتسخير السياسات التربوية والانمائية لها.

الديموقراطية والمواطنية الحرة في ظل المتغيرات العصرية:
ساهمت القفزة النوعيّة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصال السريع، الى زعزعة ممالك الأنظمة الشمولية التوتاليتارية المنتشرة في العالم لا سيما العربي منه، وفتحت الأفاق أمام الشعوب في الاطلاع على المعلومات كافّة بما فيها السياسية بطبيعة الحال، فلم تعد الأنظمة الرسمية هي مصدر المعلومات الوحيد، بل على العكس فإن وكالات الانباء الرسمية في هذه الانظمة لم تعد تلقى أي متابعة شعبية على الاطلاق.


فأركان المواطنية ومكوناتها هي:


يمكن ان نستخلص العلاقات المكونة للمواطنية ونحصرها بنقاط أهمها:


العلاقة المكانية: المرتبطة بالأبعاد الجغرافية والتاريخية للوطن.
العلاقة الإنسانية المجتمعية: المتعلقة بالأفراد الذين يعيشون في هذه البقعة الجغرافية.
العلاقة بالسلطة التي ترعى الشؤون العامة في هذا المكان ومع هؤلاء الرعايا الذين ينتمون ويعيشون فيه.
وبالرغم من أهمية العلاقات تلك الا ان المكون الأساسي للمواطنية يبقى مكونًّا فكريًّا قبل كل شيئ يرتكز في الخلفية الذهنية المنغرزة في اللاوعي المجتمعي.


ولعل أهم أركان المواطنية تتحدد بالتالي:


المواطن هو مصدر السلطة وهو الذي يمنحها الشرعية لذلك فهي مرتبطة بالديموقراطية الفعلية قبل كل شيئ.
أن المواطن هو المستند الشرعي للحكومة والقوانين التي تصدر عنها.
يتمتع جميع المواطنين بنفس الحقوق كما يتساوون تمامًا بالواجبات، ودون تمييز سواء كان تمييز عشائري ام طبقي ام مذهبي ام ديني، وذلك وفق المعايير التي حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و وفق معايير المواثيق الدولية.

أمام العناصر والمعطيات الآنفة الذكر نجد ان هناك خللا فادحًا ، في بنية الأنظمة القائمة فالمواطن الحالي “غير تامّ”، سواء على المستوى النظري او في مجال التطبيق والممارسة العملية والعلاقات.
فالسلطة في مجتمعاتنا الطائفية العنصرية منبع قيم سلبي، والمواطن حاليًّا لا مكان له في السلطة التشريعية على الاطلاق لان هذا الامر موكل لأفراد يعملون على تملق الزعيم ووضع القوانين التي تلاءمه وتشرع وجوده وتمنحه الإستمرارية، فالدساتير والقوانين مفصّلة على مقاس المسؤول”…لذلك فإن الاصلاحات الدستورية ووضع قانون إنتخابات عادل يؤدي الى ديموقراطية حقيقية تضمن التنوع الثقافي وأطياف الشعب كافة تعد من أولى الأولويات.

اما على صعيد العلاقة الحالية بين المواطن بالسلطة فهي علاقة مأزومة تاريخيا، ومفهوم المعارضة مرتبط في الاذهان بالطامعين، وهو مفهوم خاطئ، علما ان المعارضة في الدول العصرية لا علاقة لها بالطمع على السلطة، فالمعارضة في الدول الحديثة هي جزء من مكونات المنظومة الديموقراطية والعمل المؤسساتي الذي يضمن الحق القانوني للمواطن بالمسائلة والمحاسبة على المشاريع التي تتبناها الحكومة، ومعالجة قضايا الرشوة والهدر والفساد.. فالمعارضة لا تعني الطمع بالسلطة لان مفهوم الدولة مرتبط بالتداول أصلا ولا وجود لسلطة ابدية.

بعض الاجراءات العملية:

بناء الثقة وعدم التخوين بين أفراد الشعب الواحد:
هذا يتطلب قبل كل شيئ بناء ذاكرة جماعية وطنية تنبذ العنف والعنصرية وتحذر من مخاطر الانقسام وفوائد التضامن، و التحذير من خطورة تكرار التجارب العبثية والحروب الأهلية بحيث يتولد عند الأجيال ” توبة ” تجاه الصراعات الدموية. من خلال ترسيخ المبادئ العامة للحريّات وحقوق الانسان وحمايتها وان يضمن ذلك الدستور كما اقرته المواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
وان يُصاحب كل ذلك توسيع الأمل وترسيخ ايمان عميق بضرورة التغيير والاصلاح والقدرة والارادة الكامنة بأن الوضع ليس ميؤس منه.
ويساهم في ذلك إعادة قراءة جادة للسياق التاريخي الحضاري للمجتمع والوطن من خلال امتدداته الثقافية ومن منطلقات انسانية تدافع عن الانسان وحقوقه وحريته ويُعد لبنان مثالا رائعا وغنيًّا لتاريخ الحريات.

ثقافة المواطنية والديموقراطية:
إن الديمقرطية السليمة هي أكثر من أبنية ومؤسسات، إنها تعتمد بالدرجة الأولى على الخلفية الفكرية والثقافية المنبنية على تطوير ثقافة ديمقراطية ومواطنية، وفي هذا السياق فإن الثقافة المقصودة بالمعنى العام فهي ليست مجموع الاداب والموسيقى والفن… وإن كانت هي امور تعد من الثقافة، بل تعني كافة التركيبات الثقافية والمرتكزات المؤسسة للسلوك والتصرف والممارسات والأعراف التي تتبلور من خلالها قدرة الأفراد الناس على أخذ قراراتهم و حكم أنفسهم بأنفسهم وتحمل تبعات ذلك، فالثقافة بهذا المعنى تعني الوعي المجتمعي والخلفية الذهنية والفكرية المحركة للسلوك عند الأفراد والمجتمعات..

لذلك نجد ان الانظمة التي تكرس سياسة العقل الواحد انما تشجع الثقافة قائمة على الإذعان والخنوع والطاعة العمياء لما يسمى ب”الزعيم ” او “ولي الأمر”..، وذلك بهدف تنشئة أفراد تسهل قيادتهم ويكونوا طيعين فنجد ان القمع مرتكز أساسي في التربية والقيم داخل تلك المجتمع مستخدمين لأجل تكريسه كل المفاهيم المؤدلجة بما فيها النصوص اللاهوتية.
فالأطفال يتربون على القمع بحجة التأديب والمرأة تُقمع بحجة الدين وطاعة ولي الأمر، والرجل يُقمع من قبل مسؤوليه وهكذا في سلسلة لا متناهية من تكريس ثقافة العصا وان كانت هذه العصا معنوية..

وعلى نقيض ذلك فإن ثقافة المواطنية في مجتمع ديمقراطي تشكل بالفعل النشاطات التي تنمي عملية صنع القرار عند الأفراد من جهة وتحترم خياراتهم من جهة اخرى. فالمواطنون في مجتمع حر يعملون لتحقيق أهدافهم ويمارسون حقوقهم ويتحملون مسؤولية حياتهم و خياراتهم إنهم يقررون بأنفسهم من ينتخبون في صناديق الاقتراع وهم يعون ابعاد البرامج التي يطرحها المرشح الذي ينتخبونه ومن ثم فهم يحاسبوه على ما انجز من التزامات تجاه من منحوه أصواتهم.
لذلك فإن الديموقراطية والمواطنية متلازمة بشكل مباشر مع قانون محاسبة المسؤول على كافَّة الصُعد، وهي متلازمة مع مبدأ تكافؤ الفرص، لذلك فإنها تتلازم مع تمثيل شعبي حقيقيّ، وما تنتجه الانتخابات الحالية نظامًا شبه أوتوقراطيّ، تكون قرارات السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية فيه رهن باتفاق أصحاب المحادل الانتخابية.

فالمواطنية هي من صميم الإرادة الحرة والحرية الفردية وهي بشكلها البراغماتي اتقان مهارة صنع القرار؛ وهو أمر تربوي ثقافي يبدأ منذ الصغر في المناخات البيتية والمدرسية ويمتد الى سائر مؤسسات المجتمع التي تعتبر ان الاختلاف حق مشروع للكائن وان خيارات انسان بحق نفسه ليست خيارات ملزمة بحق الآخرين، وفي هذه المجتمعات يكون “الدين ” هو مجرد علاقة روحية حميمية بين الانسان وربه لا يتدخل فيها أحد، و من حق كل كائن أن يعبر- أو لا يُعبر – بها على طريقته وبالشكل الذي يختاره ويريحه…ويصبح دور المرجعيات الدينية دور تنويري يحترم الاختلاف ويعزز الحريات الدينية…في أجواء تسود فيها الديموقراطية الروحية أو حريّة الروح كما أحب ان اسميها.
الديمقراطية والعملية التربوية:
إن العملية التربوية هي عنصر حيوي لأي مجتمع خصوصًا المجتمع الديمقراطي، فإن هدف التربية في في نظام الديموقراطي الحر،هو إيجاد مواطنين مستقلين يتميزون بنزعة المساءلة والتحليل في نظرتهم للأمور، و يتحلون بفهم عميق لمبادئ وممارسات الديمقراطية وذلك بخلاف الانظمة التي تسعى الى تمجيد قائد تذعن له الافراد في كل الاوقات.

إذن فالعملية التربوية من الاهمية بمكان، ان لم تكون المحور الأساس التي من خلاله يتم ترجمة فلسفة المواطنية الى مناهج تعليمية تنمي مهارات التحليل النقدي وتساهم في ارساء الممارسات الديموقراطية وتساهم في صهر ابناء الوطن الواحد، فالمؤسسة المدرسية هي التي تجعل أنواع المعرفة وطبيعة القيم والمبادئ التي يتوقع أن يحملها الناشئ قابلة للترجمة والتحقيق على ارض الواقع، وذلك وفق اعتماد مناهج تربوية وطنية تراعي كافة الشروط المتعلقة بمستويات نمو الناشئة وطبيعة الحياة المدرسية والوسائل التعليمية المتاحة وغير ذلك
فالعلاقات التربوية القائمة يجب ان تنبني على الحرية وتلقائية مرسّخة بالحوار الهادف الحر والمسؤول، واعمال العقل والفكر فيما يتعلمه التلاميذ ضمانًا لتحقيق الوئام وتبادل التقدير داخل المجتمع الصغير. لأن ذلك من شأنه أن يعزز في نفوس التلاميذ الإيمان بحق الاختلاف والتنوع كما يرسخ مبادئ الحوار وجدواه وقيمة التواصل الحضاري مع الآخر ويساهم في التبادل المعرفي المجرد من كل تعصب وأنانيةأو انغلاق او ادعاء مبرم بامتلاك الحقيقة
فالتربية على المواطنة تبدأ من هذه النقطة وتتأسس عليها. ولا يمكن للعلاقات التربوية المدرسية التلقينية المنغلقة على نفسها واللامبالاة بالآخر وبحقوقه وبثقافته أن تدّعي القدرة على التنشئة الحضارية والسياسية التي نسعى تحقيقها.
إن إثارة الأمل والطموح لدى التلاميذ المواطنين الصغار يؤثر في تعزيز صورة الذات الوطنية لديهم، كما يؤثر في مستوى طموحاتهم المستقبلية وذلك من خلال تنشئة تعتمد بث روح المسؤولية وإحاطة الفرد بالمثل العليا والنماذج الوطنية المشرفة.
كما ان تعزيز الاحترام لاختيارات التلاميذ وأذواقهم، وقبول الاختلافات يساهم في خلق أجواء التسامح في فصولنا الدراسية، فالتربية على التسامح لا تعني قبول ان يكون الفرد مختلف  بل أن يقبل تفرد غيره واختلاف الآخرين معه، بحيث يكون منفتحًا عليهم ومدافعًا عن حقهم في الاختلاف.

محاربة التعصب:
التعصب هو ترجمة لاتجاه شعوري نفسي جامد تصاحبه مواقف انفعالية، ويتبلور من خلال إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين، والادعاء المبرم بامتلاك الحقائق المطلقة؛ والتعصب نقيض الديمقراطية وآفة المواطنية لأنه شعور مرَضي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش.
فالوضع السياسي والثقافي القائم حاليًّا،يساهم في اشاعة مناخات نفسية مشحونة بالبغضاء تجاه عدو” او اعداء قد يكونوا حقيقين او مُتخَيلين، وترويج أحكام مسبقة ضد أشخاص أو أفكار دون أن تقوم تلك الأحكام على حجة معقولة أو سند منطقي مقبول.
وكثيرًا ما يتعلم الأطفال التعصب من ذويهم والمجتمع المحيط فيهم، فالفضائيات التي تنقل خطابات الساسة المتشنجة وحين لا نبدي احترامًا للأفراد ولاختيارات الآخرين، ينتقل هذا الأمر الى الاطفال فيشوّه براءتهم.
ترسيخ فلسفة الصفح والتسامح :
إن الصفح ليس فكرة طوباوية، بقدر ماهو قوة روحية كامنة في شيفرة تراكم سيرورة الروح الانسانية في رحلة حياتها، ويكمن دور الكائن الانساني في تحويل تلك القوة الكامنة فيه أصلا من وجود كامن الى وجود بالفعل، وترجمة قدرات الروح الصفحية والتسامحية الى سلوك ظاهر يتجلى من خلال انفتاح حتى على من يُصنف انه “عدّو”، وليس مصادفة أن تصل الثقافات العالمية الكبرى في مجرى تطورها إلى الانفتاح الداخلي والخارجي، لأنها تدرك بفعل منطق التطور الروحي إلى ضرورة تجاوز الحدود التي تفرضها نفسية الغريزة، أو ما كانت بعض الفلسفات القديمة تطلق عليه اسم القوة الغضبية.
إن هذه الحالة لا تبلغها إلا الحضارات المزدهرة دون شك، لأنها تكون قد ارتقت في ذروة إدراكها الروحي حيث يصبح الصفح جزء من حقيقة منظومة تكامل الانسان.
بطبيعة الحال لا يمكن الارتقاء الى هذا المستوى من التسامح بين ليلة وضحاها ما لم يتم تعزيز ذلك بالتربية ومؤسسات المجتمع المدني كافّة.
وترسيخ هذه الفلسفة يكون عبر تقوية النزعة الروحية لحقيقة تساوي الكائنات امام المكون وامام الكون وذلك عبر ترسيخ الآداب الرفيعة والفنون الراقية ولا يمكن ان نغفل دور الفن والتمثيل والمسرح…في تعزيز ثقافة التسامح والرقي بالكائن من طور الغريزة والانانية والجشع إلى مصافي الابداع الروحي والعطاء الوجداني

الأسس الثقافية والفكرية لبناء المواطنية في مجتمع متعدد:
بناء الهوية الوطنية: فالمواطنية هي في الواقع سؤال الهوية، والهوية هي في الحقيقية سؤال الثقافة والحضارة، لذلك لابد من الارتكاز على فلسفة إنسانية وجودية منفتحة قوامها المحبة والسلام والعدل والانفتاح وقبول التنوع واحترام الاخر، وعندها يكون الدين هو مجرد علاقة خاصة بين الانسان وربه أما علاقة المواطن بأخيه فيحددها الانتماء الوطني.

الانفتاح والتسامح هي الخصائص الأساسية للموقف الوطني الجامع، وذلك ينبي من خلال حريّة الفكر ويشتمل على الاعتراف بحق الآخر في تبني أفكار وحقائق قد تكون مخالفة لحقائقنا وأفكارنا. فالرؤية الوطنية للطوائف هي رؤية متسامحة بحيث إنها تتخطى مجال الخلافات وتجعلها تتحاور وتتصالح، ليس فيما بين المذاهب والاديان وحسب بل حتى مع سائر التيارات العلمانية والفكرية.

ترتكز ثقافة المواطنية على مرتكز اساسي مفاده أنه لا يوجد فضاء ثقافي منزه يمكن من خلاله إطلاق الحكم على الآخرين ولا يجوز الحكم على ثقافة ما او فئة ما، لذلك فإن ثقافة المواطنية تقف موقف منفتح إزاء الأديان جميعها و تحترمها.

إن الأخلاق التي تؤسس لمواطنية حقة هي التي تستنكر كل موقف رافض للحوار وللمناقشة، سواء أكان رفض الحوار ذو منشأ سياسي أم حزبي ام عقائدي أم فلسفي…. فالحياة المشتركة تنبني عن توسيع القضايا المشتركة العامة والفهم المشترك المنبني على الاحترام المطلق لكافة التنوعات الاثنية والدينية للجماعات والافراد والتي تجمع فيما بينها الحياة المشتركة على الأرض الواحدة نفسها

المواطنية محورها الإنسان لذلك فهي تقتضي صياغة سياسة اقتصادية تكون في خدمة الكائن الانساني لا العكس، فالاقتصاد ينبغي ان يكون لحماية البشر من خلال تبني فلسفة اقتصادية تحترم الفرد ومتطلبات الشعب.

المواطنية الحقة تقتضي الاعتراف بحق المواطن في اختيار دينه او تغييره  ومن واجب الدولة تأمين نظام مدني للمعاملات لأولئك الذين لا يرغبون باللجوء الى المرجعيات الطائفية في معاملاتهم الخاصة.

إن فلسفة المواطنية تفترض ذهنية منفتحة بعيدة عن التصورات النمطية والاحكام المسبقة عبر اعتماد رؤية ترتكز على نسبية الموضوعية والحقائق فلا يوجد شيئ مطلق من شأنه أن يستبعد الآخر ويقصيه.

فلسفة المواطنية تقوم على الإعتراف بوجود مستويات متعددة للحقائق وأبعاد متعددة القيم وللواقع ايضا، وان كل مستوى قد يحكمه أشكال متنوعة من المنطق، و بناء عليه كل محاولة لاختزال الواقع إلى مستوى واحد ومصادرة الحقائق ببعد واحد من شأنه ان يقوض مفهوم المواطنية نفسه.

كل محاولة لاختزال المواطن الإنسان بدينه او انتمائه او مذهبه وتحويله إلى مجرد رقم انتخابي طائفي وإلى تقليصه في بنى شكلانية، أياً كانت، تتناقض مع مفهوم المواطنية.

الطروحات العملية للاسس النظرية:
بناء الوسائل العمليّة لدعم المشاعر الوطنية المشتركة بين جميع الطوائف والأعراق والمذاهب والتيارات والأحزاب، تكون بمثابة الحصن الثقافي الحامي لمبدأ المواطنية ووعاء قابل لاستيعاب التبعات القانونية والسياسية للمواطنة.

دعم التنوع الثقافي وحرية الرأي والتعبير، فالوحدة الوطنية تكون بدعم التعددية  بوصفها إثراء للتجربة الانسانية.

هذا الأمر يحتاج لآليات تترجم عمليا من خلال إعداد قادة ونخب فكرية ومراكز بحوث ودراسات تساعد في ارساء المفهوم الكوني المنفتح للانسان.

دعم الخطاب الاعلامي المنفتح وتشجيع الكتّاب والمفكرين والأدباء الذين يتبنون افكار تساهم في ارساء فلسفة التسامح والانفتاح.

إنشاء مراكز ثقافية وطنية تهتم بالأطفال والشباب وبناء مكتبات عامة تعني بالمواطنة وتنظيم ندوات وفعاليات تعزز الانتماء الوطني.

المساهمة في توجيه طلاب الدراسات العليا لاختيار أبحاث علمية ودراسات ميدانية تعزز الانتماء الوطني وتساهم في تقديم افكار مبتكرة وآليات لتعزيز مبادئ الديموقراطية والحرية ونبذ العنف.

محاولة تحييد وعزل الخطابات الانعزالية التي من شأنها تكريس العنصرية والطائفية والدعوات المغرضة التي تقضي على وحدة النسيج الوطني وترفض قبول الآخر وذلك من خلال تهميشها إعلاميا ومحاولة محاصرتها وتسليط الضوء على أضرارها.

إعداد خطة تربوية لتنقية الكتب الدراسية من كل ما من شأنه إثارة النزعات الطائفية والمذهبية دون ان يمس بحرية التعليم، أو يحط من شأن طائفة معينة و يطعن فى معتقداتها، مع ضرورة تسليط على تاريخ الليبراليات والحريات والديموقراطية في محاولة لبناء تربية مستدامة قوامها المشاركة العامة والتعاون وبناء الوطن.

التنسيق مع المراجع الدينية والطائفية كافة لبناء خطاب وطني خالي من شحنات التحريض والكراهية ضد الآخر، و استبعاد كل ما يدعو فيه إلى التعصب، وضرورة إحداث تجديد في مستوى الخطاب الديني ، وليس المقصود هنا الخطاب المعلن في المنابر والكنائس وحسب بل الخطاب المؤسِّس للممارسات الدينية، فتجديد الخطاب الديني يعني إعادة قراءة النصوص اللاهوتية المؤسسة للأفعال وتقديم رؤية منفتحة تتلاءم مع العصر الراهن.

جعل مادة حقوق الإنسان فى الكليات الدينية المسيحية والإسلامية والحوزات العلمية مادة الزامية، وتوضيح العلاقة بين مبادئ حقوق الإنسان والعقائد الدينية.

استغلال المناسبات الوطنية العامة والاعياد لتعزيز الوحدة الوطنية:مثل عيدالاستقلال وعيد العلم وعيد الجيش…كما يمكن استحداث مناسبات لها علاقة بالبيئة والاخوة والوحدة والمحبة.

دعم جمعيات المجتمع المدني التي هدفها التنوير، وتوفير الفرصة في الإعلام للمتنورين ودعاة التنوير والانفتاح.

في الختام نود الاشارة الى أن كل الطروحات المذكورة هي طروحات انتقالية بهدف الوصول الى مرتكزات دولة علمانية كاملة و قوامها الديموقراطية وحرية الكائن الانساني و احترام حرمته وحقوقه بغض النظر عن الاعتبارات الاخرى

أما الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطن فهي كالآتي:

الحقوق المدنية؛ والسياسية؛ وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

الحقوق المدنية:

– الحق في الحرية والتعبير عن الرأي قولاً وكتابة

– الحق في الحرية طالما أنّ ممارستها لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الآخرين

– الحق في حرية التنقل واختيار مكان الاقامة داخل حدود الدولة ومغادرتها والرجوع اليها

– الحق في الملكية الخاصة

– الحق في العدالة والمساواة أمام القانون والحق في الحماية القانونية

– الحق في الحياة وعدم إخضاع المرء للتعذيب ولا للمعاملة السيئة أو العقوبة القاسية واللاانسانية

– الحق في التجمّع السلمي

– الحق في الهوية والانتماء واكتساب الجنسية

– الحق في المحاكمات العادلة والأمان وعدم الاعتقال أو التوقيف التعسفي

الحقوق السياسية:

– الحق في الترشح والانتخاب دون ضغط أو اكراه

– الحق في المشاركة في تكوين السلطة التشريعية والسلطات المحلية تشريعاً وتصويتاً

– الحق في الاشتراك مع آخرين في جمعيات سلمية

– الحق في الانتساب إلى الأحزاب وتنظيم تحركات وتجمّعات ومحاولة التأثير على القرار السياسي

وأشكال اتخاذه

– الحق في التجمّع السلمي

– الحق في تقلّد الوظائف العامة في الدولة

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

– الحق في الأمان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي

– الحق في مستوى معيشي لائق

– الحق في الضمان الاجتماعي

– الحق في العمل وفي ظروف منصفة

– الحق في الحماية من البطالة

– الحق في الأجر العادل

– الحق في الصحة والراحة والرفاهية

– الحق في التعليم

– الحق في الخدمات الاجتماعية الضرورية

– الحق في تشكيل النقابات والمشاركة الحرة فيها والحق في الإضراب

– الحق في المشاركة في الحياة الثقافية

– الحق في الغذاء الكافي

– الحق في بيئة نظيفة وغير ملوّثة

– الحق في التنمية المتوازنة

و لكن كما لدينا حقوق فعلينا واجبات تجاه الدولة و هي :

–         التعاطي مع الموظفين بإحترام و تهذيب على أساس أنهم يؤدون خدمة عامة تتطلب درجة عالية من المسؤولية و هي ذات مردود وطني شامل.

–         عدم اللجوء إلى إستغلال النفوذ أو الجوء إلى وسائل و أساليب ضغط على الموظفين لتجاوز القوانين و الأنظمة، أو الرشوة  أو دفع مبلغ غير متوجب عليه على سبيل الرشوة، أو أن يدلي بتصاريح ملغوطة، أو يقدم مزورة أو أن يشجع موظفا من خلال  بدل أو هدية ، أو وعد أو منفعة، للقيام بما هو مناف للوظيفة العامة.

–         فضح أي مخالفة أو عملية إحتيال أو فساد حتى لا يكون متواطئا في أداء الإدارة العامة و هدر المال العام.

–         دفع كل الضرائب و الرسوم حسب القوانين و الأنظمة، و تقديم الوثائق و المستندات المتعلقة بمعاملاته كافة ، و تسهيل عمل الموظفين في القيام بواجباتهم الوظيفية. كما عليه واجب التقيد بقوانين و أنظمة الإدارة العامة، و إحترام المهل المحددة لتقديم الطلبات أو التصاريح، و تسديد الرسوم المتوجبة عليه.

–         المساهمة في تخفيف الأعباء المالية عن الإدارات العامة من خلال حرصه على الملكية العامة و المال العام و حست إستعماله للمنشآت العامة و تقيده بقواعد السلامة العامة و البيئة و الصحة العامة، و المساهمة مع مؤسسات المجتمع المدني و الجمعيات الأهلية و وسائل الإعلام في تعبئة الجهود ، للحؤول دون التعدي على الملكيات العامة.

في النهاية كان واجب المسؤولين أن يعملوا بعد إنتهاء الحرب الأهلية على تطبيق مبدأ المواطنة لكي نتمكن من الحفاظ على دولة المؤسسات و بناء دولة حضارية سيادية مستقلة مبنية على مبدأ المواطنة و ليس التطرف و العصبية المذهبية ، و ذلك فقط لأجل المحافظة على مواقع الساسة. فلنضع المصلحة العامة قبل المصلحة الشخصية.