من القهر و الإستبداد و الفساد و التسليم لأمر الواقع إلى الثورة و التحرر

يشكل الشباب في العالم العربي اليوم الفئة الاكبر عددا والأهم نوعا والاقدر فاعلية وفي جميع المستويات وخاصة في العملية الانتاجية. وبالرغم من ان المجتمعات العربية هي مجتمعات شابة وحيوية اساسا، الا ان هذه الفئة الواسعة من السكان هي الأكثر عرضة للتحديات المصيرية الكبرى واكثر استهدافا من غيرها من قبل الحكومات الاستبدادية التي تخشى غضبهم وثورتهم، وفي ذات الوقت، فهي لا تهتم باوضاعهم المعيشية وبمستقبلهم باعتبارهم اجيال المستقبل ووضع الاستراتيجيات الكفيلة بتوظيف طاقاتهم الانتاجية بشكل افضل وذلك بتوفير فرص العمل التي تؤمن لهم لقمة العيش الكريمة وهامش من الحرية والاستقلالية التي تجعلهم احرارا في التعبير عن حقوقهم وتطلعاتهم وتحرك في نفوسهم جميع الطاقات والامكانات الابداعية الخلاقة.

والاهم من كل ذلك وقف هدر طاقات الشباب الذين يمتلخهم المجتمع الاستهلاكي الجديد من جذورهم ويتركهم يركضون لاهثين وراء بضائع المدنية الزاهية ولا يستطيعون مجابهة بريقها الآخاذ، مما يدفع البعض منهم الى استخدام وسائل غير قانونية والانخراط في اعمال العنف والمخدرات وغيرها من الطرق اللامشروعة. في هذا الجو من التهميش والقمع تتصاعد أزمات الحرمان والشعور بالغبن وتنحسر فرص العمل واشباع الحاجات ويتراكم البؤس والقمع والحقد وتتحول بذلك طاقات الشباب الخلاقة الى بؤر متنوعة تغلي بنار خامدة سرعان ما تتفجر لهيبا حارقا وعنفا مشروعا وغير مشروع، كما حدث في تونس ولحقتها مصر وسوف تصل رياح التغيير الجذري الى جميع المجتمعات العربية وغيرها.

ان تداعيات ثورة الياسمين في تونس ولهيبها المشع كان لها اصداء واسعة خصوصا بين الشباب، الفئة الأوسع عددا والاكثر حساسية وقمعا في المجتمعات العربية الأبوية. ولذلك كان الشباب محرك هذه الثورات ووقودها الذين يجمع بينهم قاسم مشترك واحد هو دورهم الطليعي ويساندهم في ذلك بقايا الطبقة الوسطى التى كادت ان تضمر.

و لذلك نشهد حربا على الطبقة الوسطى من قبل الطبقات الغنية التي تريد أن تدمر هذه الطبقة لأنها الطبقة الأساسية في الإصلاح و في تغيير أنظمة الدول الفاسدة ، لأن هذه الطبقة يتسنى لها الفرص في التفكير في وطن أفضل و بما يحدث حولها.
وقد ساهمت وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة كالانترنت والتلفزيون والموبايل والفيس بوك والتويتر وغيرها على نشر افكارهم وطموحاتهم وتحولت الى وسائل توعية وتثقيف تنويرية، بل والى اسلحة عصرية استخدمها الشباب لمواجهة الدكتاتورية ولكن بصورة سلمية، بل واصبحت اقوى من جميع الاسلحة اليوم.
تبلغ نسبة الشباب في العالم العربي اكثر من 60% من عدد السكان.

ويبلغ عدد الفئات العمرية بين 15-29 سنة عام 2009 حوالي 113 مليون شخص، حسب احدث تقديرات الأمم المتحدة. وهو ما يساوي ثلث مجموع سكان العالم العربي وحوالي 47% منهم تقريبا حسب تقديرات اخرى.
فان القاسم المشترك بين هذه الدول يضم ثلاث نقاط ضعف اساسية هي:
اولا-اخفاق نظم التعليم في تعزيز التطلع الى التطور الذاتي
ثانيا – ان اقتصاديات هذه الدول لا تطلق الامكانيات الكاملة لطاقات الشباب ومواهبهم
وثالثا – ان نظم الحكم السياسية التي تتعامل مع الشباب والبالغين على حد سواء كأتباع وعبيد لها وليس كمواطنين يتمتعون بحقوق سياسية وطنية وانسانية ومساءلة اصحاب القرار في السلطة ومحاسبتهم.
ان غالبية الشباب في العالم العربي يشعرون بوجود قيود اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية وأمنية تحد من حرياتهم وحركتهم في الحياة ولا تتيح لهم امكانية التعبير عن شخصياتهم وافكارهم وقيمهم بصورة كاملة وخاصة في المسائل السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية، كما و أن ذلك يحد من طموحاتهم و يعزز اليأس لديهم.

ومن حيث القيم فان اغلب الشباب منقسمون الى اما معجبون بقيم الحداثة والمعاصرة والتقدم أو متمسكون بالقيم التقليدية ، بالرغم من ان الواقع هو اكثر تعقيدا من هذا التقسيم التعسفي.
وفي الواقع، فان المجتمعات العربية تواجه اليوم معضلة حقيقية اساسية وكبيرة .فالى جانب الفقر والاستبداد والقمع هناك البطالة والبطالة المقنعة، التي تفوق في معدلاتها ما هو مسجل على مستوى العالم بكثير، حيث وصل معدل مستوى البطالة الى اربعة عشر ونصف بالمئة، بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي لا يتجاوز 7،5 % في أسوءالاحوال.
ان معدل البطالة في العالم العربي هو المعدل الاعلى على مستوى العالم.
ان هدر هذه الطاقات والامكانات والكفاءات الشبابية من خلال ابعادها عن المشاركة في القضايا المصيرية هو دليل على فشل الحكومات والاحزاب والايديولوجيات التقليدية عن تحقيق طموحاتها، وحيث لم يعد للاحزاب التقليدية والقيادات الكلاسيكية، وخصوصا بعد تفكك الايديولوجيات الكبرى التي لم تعد لها صورة واضحة وشفافة وبعد ان تخطى الشباب خطاب الحزبيين والمؤدلجين وسماسرة السياسة التقليديين، فلا الاحزاب اليسارية ولا اليمينية تستطيع اليوم اللحاق بهم وهم يطلبون بالحرية والعدالة والخبز.
ان ثورة الشباب تدعو للأمل والتفاؤل. ومن المؤكد ان الشباب اصبح اكثر وعيا وتنظيما واخذ يعي واقعه ويقدر مستقبله ويرغب في تقرير مصيره وان يعيش بحرية وكرامة، وهذا ما يحمل بلا شك معاول التغير والتغيير القادمة. فالركود السياسي الذي كان من المفروض ان تحركه الاحزاب التقليدية لم يعد ممكنا، فثمة حركة شبابية جديدة بدأت تأخذ مكانها في التاريخ، بعد ان كسروا جدار الصمت والخوف والانكسار واخذوا ينادون بقلوب دامية وصوت هادر بتغيير الانظمة جذريا ويصرخون بوجه الطاغية: ارحل!

فالناس في الشارع غاضبون ، غاضبون من الحقرة ، ومن فساد الإدارة ،غاضبون من حالة الإنسداد ومن مجالسنا العاجزة أفقيا وعموديا ، في البرلمان تدفع الخزينة لأشخاص لايمثلون إلا أنفسهم آلاف الدولارات سنويا دون مقابل في حين ملايين العاطلين ينتظرون في طوابير المسابقات المغشوشة.

ختاما ، على الأنظمة في الشرق الأوسط كافة أن يتعلموا مما يحدث في يومنا هذا ، و أن لا يستخفوا بعقول الشباب و بعقول المواطنين كافة ، لأن المواطن أصبح أكثر يقينا و علما بما يدور حوله … المواطن بدأ يتحرر و الشباب أصبح أكثر جرأة فإبدؤوا بالإصلاح الإداري و السياسي و بمحاربة الفساد و إلا نعدكم أن دوركم آتي… أما على الصعيد اللبناني فما يحصل في الدول الطاغية لا يعني أنكم غير معنيين فأنتم تتحدثون عن الديمقراطية في لبنان و لكن على أرض الواقع لا يوجد ديمقراطية فهي ديمقراطية مزيفة… فنصيحة لكم جميعا إبدؤوا بالإصلاح و إلا دوركم آتي أيضا.

فنحن لن نركع و لن نيأس ، ربما مرت بنا فترة إستسلام و ربما ذلك الوقت الضائع سوف يكون وقود لأجل تحقيق العدالة الإجتماعية .

2 ردود

التعليقات مغلقة