مقالات

ماذا بعد اعتراف بايدن بالابادة الارمنية

تتميز علاقة واشنطن وانقرة بعلاقات ثنائية استراتيجية لها بعدين اقليمي ودولي، حيث حرص البلدين خلال العقود الماضية على التعاون المشترك في قضايا مختلفة وابرزها قضايا المنطقة لتحقيق مصالحهم الثنائية ولكن في الوقت عينه واجهوا عددا من الملفات الشائكة، وعلى رأسها الدعم الأميركي للمتمردين الأكراد، وعدم تسليم فتح الله غولن، والتطور المستمر في علاقات أنقرة مع موسكو، بالإضافة إلى التحركات التركية في المنطقة واخيرا الاعتراف بالابادة الارمنية.

المرحلة الجوهرية

العلاقة المميزة والاستراتيجية بين الطرفين كانت خلال مرحلة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية و الاتحاد السوفياتي حيث كانت تعتبرها اميركا المنصة العسكرية الاكثر اهمية في المنطقة لعدة اسباب ولكن ابرزها موقعها الجغرافي، مما اعطى دورا اكبر لتركيا في حلف الشمال الاطلسي حيث تعد ثاني اكبر جيش في المنظمة واتاح لاميركا في توسيع الدعم العسكري من اجل تشكيل خط دفاع لمواجهة الخطر السوفييتي.

ركائز التعاون بين البلدين

لا يمكن تصور الصراع التام بين البلدين في ظل التوترات الأخيرة، وذلك لضرورة تركيا الجيو-ستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فخسارة واشنطن لأنقرة تعني زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. تركيا في المقابل، بدون دعم الولايات المتحدة لن تتمكن من التمتع بامتيازات حلف الناتو، ومن دون واشنطن قد تفقد أنقرة العديد من المزايا الأمنية والعسكرية التي تتمتع بها.

فشراكة حلف الناتو أهم دعامة تقوم عليها تحالفات البلدين هي العضوية في حلف الناتو ومساهمة تركيا الكبيرة فيه، فالجيش التركي يعد ثاني أكبر جيش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وثامن عضو يساهم في ميزانية الحلف، بما يصل إلى 90 مليون يورو، وتستضيف تركيا 26 قاعدة عسكرية للحلف، ومراكز الرصد وجمع المعلومات.

في المقلب الاخر اميركا  بحاجة إلى الحليف التركي في منطقة الشرق الأوسط، للتخفيف من النفوذ الروسي و الايراني، ولهذا منحت الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر للتحرك العسكري التركي في أذربيجان وليبيا؛ لإضعاف الوجود الروسي، كما عملت تركيا على تحقيق توازن للقوى المؤثرة في الداخل السوري. اضافة الى تضارب المصالح بين تركيا وروسيا في دول البلقان حيث كل منهم يعمل ضمن اجندته الخاصة و يتم التعاطي بهذه الملفات كما يشاع بالقطعة ولا يوجد تكامل بين الطرفين بل في مناطق مختلفة يوجد تنافس مثل البحر الاسود و البانيا و ملفات بلقانية مختلفة.

علاقة متوترة

مع مرور الزمن جرى متغيرات مختلفة في الاولويات فيما بين البلدين مما يؤدي الى تباين وانحدار في مسار العلاقة بينهما ولكن ابرز تلك المتغيرات هو الاهتمام التركي بالامن القومي التركي وفي المقابل تطبيق اولويات اميركا من دون الاخذ بعين الاعتبار الهواجس التركية مما يؤدي الى مزيد من الاختلاف في ملفات المنطقة.

بعد ان شعرت تركيا بتغير الاولويات و عدم الحصول على الدعم  الاقتصادي اللازم من قبل حليفتها التاريخية بدأت الهواجس التركية تزداد يوما بعد يوم. مما ادى الى تطبيق سياسات مزدوجة بين الحروب من جهة و اتفاقات اقتصادية وعسكرية حتى مع خصوم اميركا للحفاظ على وجودها واخذ دور اكبر.

فابرز اسباب التوتر هي شراء تركيا منظومة اس-400 من روسيا حيث تعتبره واشنطن تهديدا صريحا لانظمة دفاع حلف الناتو وفي المقابل تعتبره انقرة انها عملية شراء ضرورية بالنسبة لأجهزتها الدفاعية، نظراً لعدم تمكنها من الحصول على صفقات أسلحة بشروط مرضية ضمن حلف الناتو. مما ادى الى وضع هيئة الصناعة التركية على العقوبات اضافة الى بعض الافراد العاملة في هذا القطاع خلال فترة ترامب ومن المتوقع ان يزداد التوتر بين البلدين خلال فترة بايدن.

بالمقابل هناك ملف استراتيجي لتركيا وهو دعم اميركا سياسيا وعسكريا لاكراد سوريا حيث تصنفهم تركيا بالمجموعات الارهابية، وقد عبرت الولايات المتحدة مرات عدة من قلقها بشأن التدخل التركي في شمال سوريا. بعد فوز بايدن تم تعيين بريت ماكجورك مندوبا للولايات المتحدة عن الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي حيث يعد من المدافعين عن الاكراد، اضافة الى التصريحات الاميركية بخصوص زيادة التنسيق مع اكراد شمال سوريا لمحاربة التنظيمات الارهبابية مما سيبقي الخلاف في المرحلة المقبلة.

الاعتراف بالابادة الارمنية و نتائجها

اميركا تعلم جيدا ان حلف الناتو ليس مهم فقط لها بل لتركيا ايضا وتتعامل مع تركيا بالقطعة، ولن يوجد قطيعة بين البلدين سوى التمايز وكل طرف يضغط على الاخر من ضمن وضع اوراق قوته على الطاولة للضغط على الفريق الاخر كمحاولة لارضاخ الاخر.

وهذا ما ادى الى رفع الضغوط الاميركية من خلال اعتراف بايدن بالابادة الارمنية وبممارسة مزيد من الضغوطات الاقتصادية وهذا ما رآه التركي بعد انتخاب بايدن وادى الى ابداء مرونة في ملفات مختلفة في المنطقة واعادة قنوات التواصل مع دول عربية واوروبية، خصوصا ان السياسة الاميركية الجديدة ستكون مرتكزة على تعزيز العلاقة مع الحلفاء.

في العودة الى الاعتراف بالابادة،  فقد تبنى بايدن عام 1987 عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، تحركاً لإقرار قانون «تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية»، الذي نص على جريمة الإبادة الجماعية في القانون الأميركي، وخلال فترة ولايته كنائب للرئيس، حضر بايدن أيضاً ذكرى الإبادة.

 فهذا الملف ليس بجديد بل في عامي 1975 و 1984  ايضا تم طرح مسودتين من قبل مجلس النواب الاميركي بشأن الابادة و لكن تم صدها من قبل مجلس الشيوخ لتفادي ازمة كبرى خصوصا كانت في عز الحرب الباردة مع السوفياتيين.

ولكن في نهاية عام 2019، تبنى مجلسي النواب و الشيوخ الأميركي مشروعا، يصف أحداث عام 1915 بـ”الإبادة الجماعية”، لتكون المرة الاولى التي يتفق المجلسين على هذه النقطة. وفي 24 نيسان 2021 تم الاعتراف من قبل الرئيس الاميركي جو بايدن بالابادة مما سيفتح باب النزاع بين البلدين ضمن خطوط محددة وليس من ضمن قطيعة شاملة نظرا للاسباب التي ذكرناها سابقا.

الاتفاق النووي بين المد والجزر

خلال الفترة الماضية، إن أردنا التحدث حول الواقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط، تلقائياً يأتي الجواب حول مسار العلاقات الأميركية -ال إيرانية بعد توتر وانقطاع العلاقة إثر خروج ترامب من الاتفاق النووي ال إيراني، مارس ترامب حصاره الاقتصادي والضربات الهادفة بالتعاون مع إسرائيل وبالمقابل مارست إيران سياسة ضبط النفس وعدم الرد على الأصيل، ولكن حاولت تعزيز قوتها والرد على الحليف في بقع جغرافية مختلفة في المنطقة.
تاريخ العلاقات
بدأت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة عندما بعث شاه فارس ناصر الدين، أول سفير لإيران ميرزا أبو الحسن شيرازي إلى واشنطن في عام 1856. وفي عام 1883 كان صمويل بنجامين أول مبعوث دبلوماسي رسمي للولايات المتحدة في إيران.
عام 1979، اضطر الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يحظى بدعم أميركي، إلى مغادرة إيران، بسبب الثورة الإسلامية وخروج مظاهرات وإضرابات مناهضة لنظام حكمه، وبعد أسبوعين من تلك الأحداث عاد الزعيم الديني آية الله الخميني من منفاه في فرنسا. وبعد انتصار الثورة الإسلامية في 11 شباط 1979، تم تنصيب الخميني على رأس الدولة، وهنا يكمن مسار التحول السياسي بين طهران وواشنطن.
تدهورت العلاقات بين أميركا وإيران، بعد أن وافقت الولايات المتحدة على استقبال الشاه بهلوي للعلاج، حيث غضب طلبة الجامعات الإيرانية، وهاجموا سفارة أميركا في تشرين الثاني 1979، واحتجزوا 52 موظفًا في السفارة الأميركية في إيران، حيث قطعت أميركا علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في نيسان 1980، وبمبادرة من الرئيس السابق كارتر أفرجت إيران عن الرهائن الـ52 يوم تنصيب الرئيس الأميركي رونالد ريغان رئيسًا للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني 1981.
وما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ازدادت العداوة بين الطرفين ووضعت عدوين لها في منطقة الشرق الأوسط هما العراق في تلك المرحلة وإيران أيضاً.
الاتفاق النووي
هي اتفاقية دولية حول البرنامج النووي الإيراني، تم التوصل إليها في تموز 2015 بين إيران ومجموعة خمسة زائداً واحداً (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – بالإضافة إلى ألمانيا) والاتحاد الأوروبي، وفي 8 أيار 2018 انسحب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاقية الدولية المشتركة، وبدأ بمسار الضغط على إيران حيث دعم هذا القرار بعض الدول العربية وإسرائيل وعارضه البعض الآخر مثل الصين وروسيا ومعظم الدول الأوروبية، وأبرز من كان على الحياد مصر وقطر وعمان والهند.
بايدن والاتفاق النووي
خلال حملة بايدن الانتخابية، كان من الواضح رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي. ولكن لم يكن واضحا كثيرا كيف ومن ضمن أي صيغة. ولكن تعيين روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية ومستشار السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما هو دليل نية أميركية بالبدء بتنفيذ وعود بايدن بخصوص إجراء اتفاق نووي مع إيران. وخاصة أن أميركا تريد أن تتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية لها مثل روسيا والصين، إضافة إلى الملفات الداخلية، وتريد الخروج من نفق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وتفويض بعض المهام من خلال الحلفاء (تعزيز منطق العولمة) ومن خلال اتفاقات وتسويات مع الخصوم.
العقبات
الصراع القائم حالياً بين العودة إلى اتفاق عام 2015 كما تطالب إيران، وبين تعديل اتفاق عام 2015 وتوسعته إلى الحوار حول النظام الصاروخي وسياستها الإقليمية كما يطالب بايدن. بايدن من غير الممكن أن يعود فقط إلى اتفاق 2015 لأنه سيواجه معارضة شرسة داخلية (الحزب الجمهوري) ومعارضة خارجية قوية أيضاً من قبل إسرائيل وبعض الدول العربية. يعتبر بايدن أن بإمكانه إجراء ضغوط وتسويات جانبية مع الدول العربية المعارضة، ولكن بخصوص إسرائيل يعول على الانتخابات الإسرائيلية هذا العام من خلال فوز حزب قريب منه وتغيير نتانياهو.
فبالتالي المرحلة الحالية لن تكون مفروشة بالورود، وللالتفاف على ذلك سيحاول بايدن الحصول على بعض التنازلات الإيرانية جراء الضغوطات الاقتصادية التي أنهكتها ومراهنة إيران على الاستفادة من وجود إدارة دبلوماسية وأكثر ليونة في المرحلة الحالية، تمكنه من تسهيل مهمته داخلياً وخارجياً. ولكن حتى الآن يوجد تصلب في الموقف الإيراني جراء المطالبة في العودة إلى الاتفاق القديم.
المخارج
أحد المخارج التي يمكن أن تحصل هو الدمج بين مسار رفع العقوبات والبدء بمشوار المفاوضات بخصوص ملفي الصواريخ الباليستية والسياسة الإقليمية. ولكن هذا المخرج لن يحصل بالسهل بالفترة القريبة، لأنا ما زلنا في فترة طرح أوراق القوة على الطاولة، ومرحلة الضغط من قبل القوى المعارضة للاتفاق، ما يمكن أن يؤجج الصراع في المرحلة المقبلة على الأقل حتى حصول الانتخابات الإسرائيلية.
الفترة المقبلة
سيحاول بايدن إدخال الأوروبيين في هذا المسار، وفوض للفرنسيين تعزيز قنوات التواصل في المنطقة وفتح باب الحوار غير المباشر والبدء بالمفاوضات في الملفات الأقل تأثيراً، كمحاولة لخرق جدار الانقطاع الكامل، وبالتوازي البدء بمسار حلحلة الملفات المعقدة كالملف اليمني في محاولة لتقطيع الأزمات وتسويتها كمنطلق لإبرام اتفاق مقبل.
من هذا المنطلق يتمكن بايدن من تخفيف وهج معارضة الاتفاق حيث يكون أنهى إحدى نقاط تعديل الاتفاق، وهي دور إيران في المنطقة. وفي المقلب الآخر يبقى موضوع الصواريخ الباليستية والجيوش الإيرانية حيث يمكن أن نشهد حروباً جانبية لتسوية هذه النقطة، وعلى نتائج هذه الحروب إن كانت عسكرية أو سياسية تتوضح أكثر معالم الاتفاق المقبل.
والسؤال: من سيدفع ثمناً في المرحلة الحالية؟ ومن سيدفع الثمن بعد حدوث الاتفاق؟ لأن لا تسويات من دون ثمن وأحياناً دم؟

الصراع التاريخي بين بايدن و ترامب

من يتعمق في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية يعرف ملياً ماذا يجري اليوم هناك، وماذا ممكن أن يحدث. ويتضح جلياً أن الذي يحصل ليس نكافاً ترامبياً بل نكاف على هوية اميركا. فبحسب المؤرخ والكاتب الاميركي والتر راسل ان من يصنع سياسة اميركا اربع عقائد وهي الهاملتانية (ألكسندر هاملتن)، الويلسونية (وودرو ويلسون)، الجيفرسونية (توماس جيفرسون) والجاكسونية (أندرو جاكسون).

ألكسندر هاملتن

هو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، عمل كمستشار للجنرال جورج واشنطن إضافة إلى انه كان محارباً ثورياً في فرقة المدفعية، كان مفسراً وداعية للدستور الأميركي، فضلاً عن كونه مؤسس النظام المالي للبلاد، والحزب الاتحادي، وصحيفة نيويورك بوست. يؤمن بالتجارة وأراد البناء على تاريخ بريطانيا العظمى، ويعتبر ان بناء قوة عسكرية رائدة ستحمي مصالح اميركا.

وودرو ويلسون

هو سياسي وأكاديمي أميركي، شغل منصب الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة. كان ويلسون من الحزب الديمقراطي وترأس جامعة برينستون وكان حاكماً على ولاية نيوجيرسي، وكان خلال رئاسته أحد أهم رموز الحركة التقدمية في البلاد، وقاد البلاد خلال الحرب العالمية الأولى، وكان منهجه السياسي خلال تلك الفترة معروفاً باسم الويلسونية. وكانت تعتمد سياسته على القيم الاساسية اي الديمقراطية، حقوق الانسان والرأسمالية، ونهجه يبني على تعزيز التحالفات مع العالم الخارجي.

يَعتبر ويلسون ان نشر قيم الديمقراطية وحقوق الانسان ستلعب دوراً في حماية مصالح بلده، ويُعتبر ويلسون أحد مؤسسي مجلس الامن وصندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية، إذ يَعتبر انه من خلال تلك المنظمات ستتمكن اميركا من نشر العولمة والسيطرة على العالم.

هذا الفكر تم اعتماده طوال الفترة الممتدة بعد الحرب العالمية الاولى من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إذ كان بوصلة المؤسسات الاميركية واستراتيجية تكاملية تختلف في التكتيك ولكن كانت سياسة موحدة، حتى مجيء دونالد ترامب حيث بدأ يعارض هذا النهج بوسائل مختلفة.

توماس جيفرسون

هو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وثالث رئيس لها. كان متحدثاً باسم الديمقراطية،، نادى بمبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان، وكان له تأثير عالمي.

كان لا يؤمن بفرض الديمقراطية حول العالم ولا بفرض الاقتصاد وبالتالي هو ضد الاقتصاد المعولم وضد فرض السياسات الخارجية حسب مصالح الشركات الكبرى، وكان شديد التأييد لتعزيز القيم الداخلية في اميركا. إضافة الى ذلك يعتبر جيفرسون ان التدخل الخارجي قد يهدد الامن القومي الاميركي لأنه يعتبره كلعبة بوكر العنكبوت.

أندرو جاكسون

رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابع. كان قائد القوات الاميركية في معركة نيو اورليانز عام 1815. اشتهر بالصرامة وبعد الحرب درس القانون. نجح في انتخابات الرئاسة سنة 1828 وانتخابات سنة 1832 وقام بتأسيس الحزب الديمقراطي.

ان جاكسون أول رئيس أميركي يولد من عائلة ليست غنية، حيث لم يكن يمتلك ثروة ولا حتى ارتاد الجامعة ولهذه الأسباب اشتهر عنه الدفاع عن المواطنين العاديين الذين لا يملكون الثروات. جاكسون عارض البنك الوطني في الولايات المتحدة الإميركية لأنه شعر ان هذا البنك يدار من قبل الأغنياء وهذا لم يكن يخدم مصلحة المواطن العادي. وقد انتهى البنك الوطني أثناء فترة حكمه حيث فضّل عدم مواصلة عمل البنك. أثناء فترة رئاسته وقّع على قانون ترحيل الشعوب الاميركية الاصيلة.

كان يرفض سياسة هاملتن وويلسون ويختلف ببعض النقاط مع جيفرسون، وأحد الاركان الرئيسية في عقيدته رفاهية المواطن الاميركي، وكانت السياسة الخارجية مبنية على هذا الاساس. لم يكن مع العولمة وحرية التجارة ويعتبر اميركا للاميركيين الاصليين ولا يعتبر حاملي الجنسية انهم اميركيون. ولكن في الوقت عينه إن تم تهديد المصالح الاميركية كان يؤيد التدخل بشكل قاسٍ.

اميركا بين التاريخ القديم والحديث

سياسة هاملتن وويلسون تصدرت اميركا بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن ترامب كان معجب بالسياسة الجاكسونية فعلق صورته في مكتبه وزار منزله عام 2017.

بايدن واوباما شنو حملة ضد جاكسون وحاولوا تغيير صورته عن فئة 20 دولار، اما ترامب حاول تسويق جاكسون مجددا ورفع شعار اميركا أولا.

في المقابل اقتصرت تحالفات ترامب على مصلحة اميركا وغير معني مما يحدث في الخارج، وتعتبر فئة الجاكسونية اكثر تأثيرا في اميركا ويوجد ديمقراطيين وجمهوريين لم تجد من يمثلها ولكنها كانت تقوى مع الازمات ، وجد ترامب ان هذه الفئة موجودة وتريد من يعبر عنها حتى ملأ الفراغ واصبح ملقب باندرو جاكسون الثاني.

بايدن ومواجهة جاكسون الثاني

مشكلة بايدن ستكون امام تغير جديد، اي مواجهة جاكسون الثاني حيث صوّت له 74 مليون صوتاً، رغم الفضائح المالية والجنسية ورغم الوباء ورغم أن الاعلام والدولة العميقة ضده.

فترامب اعلن بأنه سيترشح لانتخابات اميركا الرئاسية عام 2024، وهو أمر يعني أن سنوات بايدن الأربع المقبلة لن تخلو من المناكفة السياسية، والجدل، وتوزيع الإتهامات، والأخطر من ذلك كله تعميق الشرخ في جدار النسيج المجتمعي الأميركي، وربما يصل الأمر إلى حد التصادم. هنا لم نتحدث عن معضلة اميركا الاقتصادية والاجتماعية ومؤثرات جائحة كورونا وغيرها من المشاكل.

نتيجة ذلك سيكون هناك تقليص من التدخل الخارجي في المرحلة المقبلة ووضع اولوية للداخل الاميركي، فالسؤال هنا: من سيحل مكان اميركا خارجيا؟ هل ستبقى اميركا رائدة الاقتصاد العالمي؟ كيف سيتأثر النظام العالمي؟ كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط نتيجة ذلك؟ هل ستبصر تحالفات جديدة؟ وكيف ستحل معضلة اميركا الداخلية؟

أميركا و الصين و الحروب المحتملة بين الطرفين

العلاقات الثنائية بين الحكومتين الأميركية و الصينية تمتد منذ القرن الثامن عشر. كانت العلاقات بين البلدين معقدة، وتأرجحت بين الإيجابية والسلبية. توطدت العلاقات الاقتصادية بشكل سريع بعد عام 1980. اتخذت العلاقة شكل التعاون الاقتصادي، التنافسي، والشك المتبادل حول نوايا بعضهما البعض. لذلك، تبنّت كل دولة موقفاً حذراً تجاه الأخرى كخصم محتمل. ولكن باتت تُعتبر هذه العلاقة الأقوى في القرن الحادي والعشرين.

التدهور السريع للعلاقات

تراجعت العلاقات بشكل كبير في عهد الرئيس دونالد ترامب، وخاصة منذ بدء الحرب التجارية الأميركية الصينية، بدأ المراقبون السياسيون في التحذير من إندلاع حربٍ باردة جديدة. بحلول أيار مايو 2020، شهدت العلاقات تراجعاً جديداً، حيث كان لكِلي الجانبين حلفاء لمهاجمة الآخر، في ما يتعلق بمسؤولية نشر جائحة كورونا العالمية.

كما ذكر جون ريد كليف مدير المخابرات الوطنية في صحيفة وول ستريت جورنال، وهو أهم كاتب استخباراتي في اميركا، ان الصين تشكل الخطر رقم واحد على اميركا، وإنها تحاول السيطرة على الارض عسكرياً واقتصادياً و تقنياً.

الخلاف الجيو- سياسي الآسيوي

قضية هونغ كونغ

ألغت وزارة الخارجية الأميركية الوضع التجاري الخاص الذي كانت تتمتع به هونغ كونغ كمركز مالي عالمي، لأنها لم تعد مستقلة بما فيه الكفاية عن الصين. وكانت وراء الإجراء خطة أقرها مجلس الشعب الصيني في ايار 2020 لفرض قانون للأمن الوطني على المدينة.

قضية الأويغور

وّجّهَت إدارة ترامب انتقادات مباشرة للصين، واتهمتها باعتقال أعدادٍ كبيرة من مسلمي الأويغور والأقليات الأخرى في مقاطعة شينجيانغ الصينية. كما فَرَضَ الكونغرس الاميركي عقوبات على المسؤولين الصينيين بسبب عمليات الاعتقال الجماعي.

وضع تايوان

تعتبر الصين أن تايوان الديموقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي، جزءاً من أراضيها التي ستستعيدها يوماً من الايام بالقوة إذا لزم الأمر. لكن واشنطن هي الحليف الرئيسي للجزيرة وتزودها بالأسلحة، من دون أن تعترف بها دبلوماسياً، وبكين تستنكر أي مبيعات أسلحة أو إتصالات رفيعة المستوى بين اميركا وتايوان.

المواجهة في بحر الصين الجنوبي

تواجهت الولايات المتحدة والصين أيضاً حول بحر الصين الجنوبي، وهو ممر مائي غني بالموارد، ومصدر للنزاع في المنطقة. وتؤكد الصين أحقيتها على معظم البحر الذي بنت فيه جزراً اصطناعية لتعزيز قوتها في المنطقة. وتقوم السفن الحربية الأميركية بتمارين تحت مسمى “حرية الملاحة” في البحر، وتُبْحِرُ بالقرب من المعالم التي تؤكد الصين أحقيتها بها، فتؤجج غضب بكين.

اضافة الى تلك الخلافات، نضيف موضوعين مهمين ايضاً، التمايز في ملف كوريا الشمالية، حيث إتّهَمت واشنطن الصين بخرق عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية. والأمر الآخر قضية إقليم التِبِتْ ودفاع الولايات المتحدة عن الدالاي لاما، القائد الروحي لمنطقة التبت، الذي يعيش في المنفى في الهند. والتبت هي مملكة الهيمالايا السابقة في أقصى غرب الصين.

الصراع التكنولوجي وهواوي الواجهة

إتَّهمت الإدارات الأميركية المتعاقبة الصينَ بسرقة التقنيات الأمريكية، و صَعّدَ البيت الابيض بإدارة ترامب الإتهامات من خلال سعيه إدراج شركة هواوي على القائمة السوداء الدولية، بذريعة انها تخترق البنية التحتية للإتصالات في بعض الدول لمصالح استراتيجية، وإنها انتهكت العقوبات الاميركية على ايران، و انها قادرة على التجسس على عملائها.

في المقابل تقول هواوي إن واشنطن تريد إحباط نموّها، لأنه لا توجد شركة أميركية تُقدّم نفس التكنولوجيا بسعر منافس. هذا ناهيك عن الإتهامات الاميركية عبر مدير المخابرات الوطنية جون ريد عن تجنيد الصين لعلماء في اميركا للتعامل مع الاقتصاد الصيني، و ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل تتهمها بسرقة تكنولوجيات عسكرية.

مستقبل العلاقة بين اميركا والصين

عندما يحدث تحوّل أو إشتباك سياسي بين قطبين عالميين، نذهب إلى واحد من سيناريوهين: الأول يتجة الى إشتباك عسكري مباشر او غير مباشر. والثاني يحصل بانتقال سَلِسْ مثلما حصل بين بريطانيا العظمى واميركا.

مما لا شك فيه إننا نعيش صراعاً بين البلدين ولكنه لم يتحوّل الى مواجهة عسكرية حتى الان، إلاّ أن المواجهات تحصل بوسائل اخرى تجارية، عسكرية وتكنولوجية.

ان ازدهار الاقتصاد الصيني وهو القوة الاقتصادية الثانية في العالم، ويُنافس الولايات المتحدة الأميركية على الريادة الاقتصادية العالمية، يفسح أمام الصين المجال في تطوير قدراتها العسكرية، حيث تخطّت ميزانية الصين العسكرية 170 مليار دولار عام 2018، مقابل 77 ملياراً فقط عام 2007. وارتبطت بالزيادة العسكرية زيادة أعداد الجنود لتتخطى المليونين. وإن استمر الوضع كما هو عليه ستصبح الصين القوة الاقتصادية الاولى في العالم.

ومن هنا بعض الساسة في اميركا يُصرّحون بإنه إما يبدأوا بالحد من نفوذ الصين الآن، وإما يكون قد فات الاوان، وهذا الخطاب لا يختلف بين الحزبين الديموقراطي و الجمهوري. ولكن فقط التكتيك يختلف. فترامب واجَهَ تحت شعار اميركا اولاً، و بايدن سيواجه من خلال تعزيز علاقته مع الحلفاء الاستراتيجيين لمواجهة المد الصيني.

في المستقبل القريب من الصعب ان نتحدث عن مواجهة مباشرة عسكرية، ولكن ممكن ان نشهد في مناطق التوتر و خاصة في المنطقة الجغرافية القريبة للصين، بعض المواجهات او توتراً امنياً لأن الصين ستحاول تثبيت سيطرتها في تلك المنطقة، ومحاولة نزع أوراق القوة من يد أميركا، كما فعل الاميركيون في سيطرتهم على الاميركيتين. وسياسة شَدّ الخناق على الصين ستستمر من قِبَل اميركا في المحاور التي تحدثنا حولها سابقاً. وهذا الصراع قد يساهم في تغيير النظام العالمي الجديد، على الصعيد التحالفات السياسية والاقتصادية و المالية.