ماذا بعد اعتراف بايدن بالابادة الارمنية

تتميز علاقة واشنطن وانقرة بعلاقات ثنائية استراتيجية لها بعدين اقليمي ودولي، حيث حرص البلدين خلال العقود الماضية على التعاون المشترك في قضايا مختلفة وابرزها قضايا المنطقة لتحقيق مصالحهم الثنائية ولكن في الوقت عينه واجهوا عددا من الملفات الشائكة، وعلى رأسها الدعم الأميركي للمتمردين الأكراد، وعدم تسليم فتح الله غولن، والتطور المستمر في علاقات أنقرة مع موسكو، بالإضافة إلى التحركات التركية في المنطقة واخيرا الاعتراف بالابادة الارمنية.

المرحلة الجوهرية

العلاقة المميزة والاستراتيجية بين الطرفين كانت خلال مرحلة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية و الاتحاد السوفياتي حيث كانت تعتبرها اميركا المنصة العسكرية الاكثر اهمية في المنطقة لعدة اسباب ولكن ابرزها موقعها الجغرافي، مما اعطى دورا اكبر لتركيا في حلف الشمال الاطلسي حيث تعد ثاني اكبر جيش في المنظمة واتاح لاميركا في توسيع الدعم العسكري من اجل تشكيل خط دفاع لمواجهة الخطر السوفييتي.

ركائز التعاون بين البلدين

لا يمكن تصور الصراع التام بين البلدين في ظل التوترات الأخيرة، وذلك لضرورة تركيا الجيو-ستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فخسارة واشنطن لأنقرة تعني زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. تركيا في المقابل، بدون دعم الولايات المتحدة لن تتمكن من التمتع بامتيازات حلف الناتو، ومن دون واشنطن قد تفقد أنقرة العديد من المزايا الأمنية والعسكرية التي تتمتع بها.

فشراكة حلف الناتو أهم دعامة تقوم عليها تحالفات البلدين هي العضوية في حلف الناتو ومساهمة تركيا الكبيرة فيه، فالجيش التركي يعد ثاني أكبر جيش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وثامن عضو يساهم في ميزانية الحلف، بما يصل إلى 90 مليون يورو، وتستضيف تركيا 26 قاعدة عسكرية للحلف، ومراكز الرصد وجمع المعلومات.

في المقلب الاخر اميركا  بحاجة إلى الحليف التركي في منطقة الشرق الأوسط، للتخفيف من النفوذ الروسي و الايراني، ولهذا منحت الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر للتحرك العسكري التركي في أذربيجان وليبيا؛ لإضعاف الوجود الروسي، كما عملت تركيا على تحقيق توازن للقوى المؤثرة في الداخل السوري. اضافة الى تضارب المصالح بين تركيا وروسيا في دول البلقان حيث كل منهم يعمل ضمن اجندته الخاصة و يتم التعاطي بهذه الملفات كما يشاع بالقطعة ولا يوجد تكامل بين الطرفين بل في مناطق مختلفة يوجد تنافس مثل البحر الاسود و البانيا و ملفات بلقانية مختلفة.

علاقة متوترة

مع مرور الزمن جرى متغيرات مختلفة في الاولويات فيما بين البلدين مما يؤدي الى تباين وانحدار في مسار العلاقة بينهما ولكن ابرز تلك المتغيرات هو الاهتمام التركي بالامن القومي التركي وفي المقابل تطبيق اولويات اميركا من دون الاخذ بعين الاعتبار الهواجس التركية مما يؤدي الى مزيد من الاختلاف في ملفات المنطقة.

بعد ان شعرت تركيا بتغير الاولويات و عدم الحصول على الدعم  الاقتصادي اللازم من قبل حليفتها التاريخية بدأت الهواجس التركية تزداد يوما بعد يوم. مما ادى الى تطبيق سياسات مزدوجة بين الحروب من جهة و اتفاقات اقتصادية وعسكرية حتى مع خصوم اميركا للحفاظ على وجودها واخذ دور اكبر.

فابرز اسباب التوتر هي شراء تركيا منظومة اس-400 من روسيا حيث تعتبره واشنطن تهديدا صريحا لانظمة دفاع حلف الناتو وفي المقابل تعتبره انقرة انها عملية شراء ضرورية بالنسبة لأجهزتها الدفاعية، نظراً لعدم تمكنها من الحصول على صفقات أسلحة بشروط مرضية ضمن حلف الناتو. مما ادى الى وضع هيئة الصناعة التركية على العقوبات اضافة الى بعض الافراد العاملة في هذا القطاع خلال فترة ترامب ومن المتوقع ان يزداد التوتر بين البلدين خلال فترة بايدن.

بالمقابل هناك ملف استراتيجي لتركيا وهو دعم اميركا سياسيا وعسكريا لاكراد سوريا حيث تصنفهم تركيا بالمجموعات الارهابية، وقد عبرت الولايات المتحدة مرات عدة من قلقها بشأن التدخل التركي في شمال سوريا. بعد فوز بايدن تم تعيين بريت ماكجورك مندوبا للولايات المتحدة عن الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي حيث يعد من المدافعين عن الاكراد، اضافة الى التصريحات الاميركية بخصوص زيادة التنسيق مع اكراد شمال سوريا لمحاربة التنظيمات الارهبابية مما سيبقي الخلاف في المرحلة المقبلة.

الاعتراف بالابادة الارمنية و نتائجها

اميركا تعلم جيدا ان حلف الناتو ليس مهم فقط لها بل لتركيا ايضا وتتعامل مع تركيا بالقطعة، ولن يوجد قطيعة بين البلدين سوى التمايز وكل طرف يضغط على الاخر من ضمن وضع اوراق قوته على الطاولة للضغط على الفريق الاخر كمحاولة لارضاخ الاخر.

وهذا ما ادى الى رفع الضغوط الاميركية من خلال اعتراف بايدن بالابادة الارمنية وبممارسة مزيد من الضغوطات الاقتصادية وهذا ما رآه التركي بعد انتخاب بايدن وادى الى ابداء مرونة في ملفات مختلفة في المنطقة واعادة قنوات التواصل مع دول عربية واوروبية، خصوصا ان السياسة الاميركية الجديدة ستكون مرتكزة على تعزيز العلاقة مع الحلفاء.

في العودة الى الاعتراف بالابادة،  فقد تبنى بايدن عام 1987 عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، تحركاً لإقرار قانون «تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية»، الذي نص على جريمة الإبادة الجماعية في القانون الأميركي، وخلال فترة ولايته كنائب للرئيس، حضر بايدن أيضاً ذكرى الإبادة.

 فهذا الملف ليس بجديد بل في عامي 1975 و 1984  ايضا تم طرح مسودتين من قبل مجلس النواب الاميركي بشأن الابادة و لكن تم صدها من قبل مجلس الشيوخ لتفادي ازمة كبرى خصوصا كانت في عز الحرب الباردة مع السوفياتيين.

ولكن في نهاية عام 2019، تبنى مجلسي النواب و الشيوخ الأميركي مشروعا، يصف أحداث عام 1915 بـ”الإبادة الجماعية”، لتكون المرة الاولى التي يتفق المجلسين على هذه النقطة. وفي 24 نيسان 2021 تم الاعتراف من قبل الرئيس الاميركي جو بايدن بالابادة مما سيفتح باب النزاع بين البلدين ضمن خطوط محددة وليس من ضمن قطيعة شاملة نظرا للاسباب التي ذكرناها سابقا.