ماذا تريد تركيا من مصر؟

إن توزيع القوى العالمية والإقليمية في حقبة الحرب الباردة، أثر في معظم جوانب العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا، كدولتين مستقلتين. كما أن سياسة أنقرة والقاهرة الإقليمية والعلاقات الثنائية لم تكن بمنأى عن هذا التوزيع.

 تعتبر مشاركة تركيا في حلف شمال الأطلسي ردًا على العلاقات الوثيقة التي بناها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مع الاتحاد السوفيتي بعد وصوله إلى السلطة، من أهم المؤشرات التي تدل على حالة التذبذب التي شهدتها تاريخيا العلاقات التركية المصرية.

 اما في موضوع العلاقة مع اسرائيل كانت تركيا تدعم المبادرات العربية خلال الحرب الباردة حيث كانت تعد من النقاط المشتركة في السياسة الخارجية للبلدين.

وفي فترة ما بعد الحرب الباردة، لم يكن هناك تغيير كبير في مسار العلاقات الثنائية، سلبا أو إيجابا، إلى أن جاء عام 1998، حيث لعب الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، دورًا مهمًا في نزع فتيل الأزمة بين تركيا وسوريا، والتي نشأت على خلفية دعم سوريا وقتها لمنظمة “بي كا كا”.

ومن بعدها جاءت مرحلة الربيع العربي و كانت نتيجته قطع العلاقات الدبلوماسية عام 2013 بين البلدين، ما ادى الى توترات مختلفة بينهما سياسية و اقتصادية و امنية.

عودة الاتصالات

اثر المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية وفوز بايدن بالانتخابات الاميركية واحداث بعض المتغيرات في سياسة اميركا في المنطقة، ادى ذلك الى خلط الاوراق السياسية و تبدل للاولويات. فتركيا من جهة تريد فك العزلة وفتح قنوات تواصل جديدة ومصر تريد تحصين نفسها وفتح افاق سياسية وامنية واقتصادية. ولكن هذه الاتصالات حتى اليوم ليست سوى زيارات استطلاعية وفتح ثغرات لبناء المصالح المشتركة وتذليل العقد ان كان على الصعيد الثنائي او الاقليميي.

ابرز نقاط الحوار الثنائي

من الواضح ان هناك رغبة تركية في تذليل التوترات مع مختلف دول المنطقة وخاصة في الشرق الاوسط، وبدأت ملامح هذه السياسة مع تولي بايدن منصبه واعترافه بالابادة الارمنية، ومن اهم الدول التي تعتبرها تركيا التي ممكن ان تفتح ابواب لها لاسباب مختلفة هي مصر. من هنا حصل اقرار البرلمان التركي بالإجماع تشكيل لجنة صداقة برلمانية مع مصر، اضافة الى تصريحات المسؤولين الاتراك والاجتماعات الثنائية التي تحصل خلال الفترة الماضية.

ولكن اجراء اتفاق سريع بين البلدين ليس من السهل لأن هناك ملفات شائكة مختلفة ومائدة المفاوضات الرئيسية هي كالتالي: يأتي على رأسها مناقشة عودة العلاقات الدبلوماسية، والتنسيق في الملف الليبي، وشرق المتوسط بما قد يفضي إلى توقيع اتفاق في المنطقة الغنية بالغاز، إلى جانب أوضاع المعارضة في كلا البلدين.

والسيناريو الاكثر ترجيحا ان تعود العلاقة بين البلدين من خلال المراحل التالية توقف التصريحات الهجومية بين البلدين، عودة العلاقات الدبلوماسية والبدء بالتنسيق بالملفات الاستراتيجية التي ذكرناها اعلاه اضافة الى الزيارات الثنائية بين البلدين من خلال اللجنات البرلمانية و غيرها لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي.

الملف الليبي

اي تقارب يحصل بين البلدين سيؤثر بشكل ايجابي على ليبيا، يبدو ان هناك وجهات نظر قريبة تشوبها احيانا بعض المناكفات ولكنهما متفقين على اجراء انتخابات في موعدها المحدد نهاية العام، اضافة الى اعتراف تركيا في ملتقى الحوار السياسي التي اطلقته مصر بخصوص ليبيا واعادة فتح السفارة المصرية في ليبيا.  ولكن هذا التقارب بالملف الليبي بحاجة الى ترجمته بادوات تنفيذية من خلال حلحلة العقد بخصوص الحدود البحرية وغيرها.

شرق المتوسط

نجحت القاهرة في اطلاق منتدى الغاز للشرق المتوسط، وانطلقت من خلاله ترسيم العلاقات بين دول الاقليم على اسس ومنهج محدد، وهو يعد فرصة لتركيا في حال تقدمت بطلب و تمكنت من التفاوض والانتقال إلى مرحلة أخرى من المشاورات، وهو ما سيحتاج إلى مهارات كبيرة للمفاوض المصري على أكثر من مسار، وعبر أكثر من أسلوب تفاوض ما بين الأمني والسياسي والاستخباراتي.

جماعة المعارضة للبلدين

انعكست التهدئة بين البلدين بصورة مباشرة على وضع المعارضة المصرية في تركيا وعلى الجانب الآخر ظهرت دعوات تتحدث عن ردود فعل مصرية متوقعة ضد “جماعة غولن. وهذا يصب في المصلحة المشتركة للتخفيف من الحرب السياسية والاعلامية للطرفين داخليا مما يخلق اجواء استقرار داخلي بشكل افضل ولكن ما زال هناك حالة تروي لكيفية حلحلة هذا الموضوع بعدما وصل الشرخ الى حد كبير.

مسار جديد في المنطقة

اي تغير بمسار العلاقات بين البلدين سيلعب دورا رئيسيا في تغير الخريطة السياسية في المنطقة، فكل دولة تبحث عن دور جديد لها وعن حماية مصالحها السياسية،الامنية و الاقتصادية. ولكن هنا نتحدث عن دولتين نافذتين ولكل منها نقاط قوة مهمة تؤدي الى قلب الموازين في منطقة الشرق الاوسط. خلال المرحلة القريبة سيصبح التقارب بين الدول المتخاصمة خلال السنوات الماضية الى حاجة بفضل المتغيرات السياسية الجديدة في الشرق الاوسط وذلك بفعل تغير الاولويات الاميركية مما سيؤدي الى تسويات شاملة والى حروب في مقلب اخر بفعل هذه المتغيرات.