سد النهضة و السيناريوهات المقبلة

يفصلنا شهرين عن اطلاق الملء الثاني لسد النهضة وافق الحل كلما اقترب الوقت يزيد من احتمال التوتر بين مصر والسودان من جهة واثيوبيا المتعنة بقرارها من جهة اخرى. فجولات المفاوضات اثبتت فشلها منذ سنوات حتى اليوم واثيوبيا تلعب على الوقت لتمرير مشاريعها المائية من دون الاخذ بعين الاعتبارالاتفاقات مع دول الجوار، مما قد يؤدي الى ارتفاع منسوب التوتر بين دول حوض النيل. وخصوصا ان اثيوبيا لديها مشاريع سدود اخرى مما قد يؤدي الى دق ناقوس الخطر للامن القومي المائي لمصر.

تاريخ السد

تعود فكرة السد إلى منتصف القرن الماضي بين عامَي 1956-1964 حين قام مكتب الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي بإجراء مسح شامل للنيل الأزرق لتحديد أنسب الأماكن لإقامة سد ضخم على النيل الأزرق، حيث كان من المخطط آنذاك أن يُمَوَّل السد الكبير بواسطة الولايات المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية، ولكن هذه الخطط تعطّلت فجأة إثر انهيار الملكية الإثيوبية، لتسقط إثيوبيا بعد ذلك في حقبة طويلة من الحكم العسكري المدعوم من السوفييت.

  ولكن إثيوبيا وجدت الفرصة سانحة أمامها للمُضي قُدما بالمشروع منذ عام 2011، حين استغلت أديس أبابا انشغال القاهرة بعملية الانتقال السياسي وقامت بوضع حجر الأساس للسد الأضخم في أفريقيا على النيل الأزرق.حسب مهندسو السد ان قدرته الاستعابية للمياه ستكون 74 مليار متر مكعب يتم ملئها على مراحل مختلفة ويكون الاعمار لكل مرحلة خلال فترات الصحو.

بدء الملء الاول عام 2020 حيث احتفظ بحوالي خمسة مليار متر مكعب، وخلال الملء الثاني سيتم حفظ حوالي 13.5 مليار متر مكعب ويقدر تعبئة كامل السد حسب الاوساط الاثيوبية انها ستأخذ بين خمسة الى سبعة سنوات.

قانون الدولي للانهار

تنص اتفاقية قانون استخدام المجارى المائية الدولية فى الأغراض غير الملاحية عام 1997 واعتمدته الامم المتحدة عام 2007، على عدم إقامة مشاريع مائية فى مصادر المياه الدولية المشتركة بدون إخطار، وضرورة العمل بأقصى ما يمكن على مبدأ الإفصاح وتبادل المعلومات الخاصة والتشاور مع الدول الأخرى بهدف التوصل إلى اتفاق بخصوص تقسيم المياه على أسس عادلة مع تفادى إلحاق الضرر الجسيم بحقوق الدول الأخرى.

الملء الثاني ومؤثراته

ان تم الملء الثاني بالتالي اصبح امر واقع، مما يعني انتفاء اي وسيلة ضغط فعلية وبالتالي تكون نجحت اثيوبيا بسياسة تمرير الوقت، طالما بدأت اثيوبيا بالملء الثاني وحسب الخبراء تحتاج كل 5 مليارات متر مكعب الى حوالي ثلاثة اسابيع، فبالتالي لدى مصر والسودان حوالي ثمانية اسابيع لتوقيف هذا الملء او اجراء تسوية معينة تحفظ مصالح الافرقاء كافة. اضافة الى ذلك بعد اجراء الملء الثاني لا يمكن اجراء اي عمل عسكري ضد السد لان ذلك حسب الخبراء ستضرر السودان بشكل كارثي من انهيار السد، فتصبح اثيوبيا لديها مربط الحل والنزاع بشأن السد الكبير.

هواجس مصر والسودان

 لديهم ثلاثة مخاوف رئيسية اصرار اثيوبيا الاستمرار بالسد حيث في مراحله الاولى مولته من معاشات موظفي القطاع العام وبعض المتبرعين والمستثمرين الاثيوبيين من كل انحاء العالم، وهذا الاصرار ستكون نتائجه سلبية لمصر خصوصا ان تسعون بالمئة من حاجتها للمياه تعتمد على النيل، فمع انحدار نسب المياه ستضطر مصر لاستعمال مخزونها في السد العالي وعند انتهاء المخزون ستصيح مصر رهينة اثيوبيا.

اما المشكلة السودانية تختلف من مصر، فهي بحاجة لمعطيات وبيانات من قبل اثيوبيا خلال مراحل تعبئة السد لكي لا يصبح كما حصل في المرة الاولى من انخفاض نسب المياه وانقطاع الكهرباء، حيث صرح وزير الري السوداني ان ملء السد من دون البيانات قد تهدد نصف سكان السودان.

النقطة الثانية وهي الاهم اصرار اثيوبيا على مشاريع بناء سدود اخرى حيث بعض التوقعات تشير الى ان مشاريعها ستحتفظ بمئة مليار متر مكعب من مياه النيل. والهاجس الثالث مطالبة اثيوبيا حصة من نهر النيل الازرق حيث ان تمكنت من الملء الثاني ستصبح اثيوبيا قادرة على المناورة والتفاوض بشكل اكبر.

السيناريوهات المقبلة

بما يخص السيناريوهات المطروحة هناك ثلاثة، إما ان تتراجع اثيوبيا وتقرر التأجيل تخوفا من ضربة عسكرية، إما الخيار الدبلوماسي من خلال ضغط من قبل القوى المؤثرة مثل اميركا والصين والاتحاد الاوروبي حيث ما زال حتى اليوم التدخل خجولا الى حد ما، وإما ان تحدث ضربة عسكرية للسد حيث خيار صعب للجميع ولكن ممكن.

من المتوقع ان تحاول مصر حتى اخر لحظة استعمال نقاط قوتها الناعمة من خلال الضغط الدبلوماسي، اضافة الى نقاط القوة القانونية، ولكن كما يبدو أن اثيوبيا ما زالت مراهنة على لعبة الوقت وان كلما يقترب الانتهاء من الملء كلما تحصل على تفاوض افضل، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل ستنتقل مصر والسودان الى التفاوض الخشن؟ هل سنشهد تحشيد عسكري مصري وسوداني لمزيد من الضغط على اثيوبيا والوصول الى حل من دون مواجهة؟ ام ستحصل مواجهة عسكرية ومن بعدها الاتفاق؟