مقالات

ماذا تريد تركيا من مصر؟

إن توزيع القوى العالمية والإقليمية في حقبة الحرب الباردة، أثر في معظم جوانب العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا، كدولتين مستقلتين. كما أن سياسة أنقرة والقاهرة الإقليمية والعلاقات الثنائية لم تكن بمنأى عن هذا التوزيع.

 تعتبر مشاركة تركيا في حلف شمال الأطلسي ردًا على العلاقات الوثيقة التي بناها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مع الاتحاد السوفيتي بعد وصوله إلى السلطة، من أهم المؤشرات التي تدل على حالة التذبذب التي شهدتها تاريخيا العلاقات التركية المصرية.

 اما في موضوع العلاقة مع اسرائيل كانت تركيا تدعم المبادرات العربية خلال الحرب الباردة حيث كانت تعد من النقاط المشتركة في السياسة الخارجية للبلدين.

وفي فترة ما بعد الحرب الباردة، لم يكن هناك تغيير كبير في مسار العلاقات الثنائية، سلبا أو إيجابا، إلى أن جاء عام 1998، حيث لعب الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، دورًا مهمًا في نزع فتيل الأزمة بين تركيا وسوريا، والتي نشأت على خلفية دعم سوريا وقتها لمنظمة “بي كا كا”.

ومن بعدها جاءت مرحلة الربيع العربي و كانت نتيجته قطع العلاقات الدبلوماسية عام 2013 بين البلدين، ما ادى الى توترات مختلفة بينهما سياسية و اقتصادية و امنية.

عودة الاتصالات

اثر المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية وفوز بايدن بالانتخابات الاميركية واحداث بعض المتغيرات في سياسة اميركا في المنطقة، ادى ذلك الى خلط الاوراق السياسية و تبدل للاولويات. فتركيا من جهة تريد فك العزلة وفتح قنوات تواصل جديدة ومصر تريد تحصين نفسها وفتح افاق سياسية وامنية واقتصادية. ولكن هذه الاتصالات حتى اليوم ليست سوى زيارات استطلاعية وفتح ثغرات لبناء المصالح المشتركة وتذليل العقد ان كان على الصعيد الثنائي او الاقليميي.

ابرز نقاط الحوار الثنائي

من الواضح ان هناك رغبة تركية في تذليل التوترات مع مختلف دول المنطقة وخاصة في الشرق الاوسط، وبدأت ملامح هذه السياسة مع تولي بايدن منصبه واعترافه بالابادة الارمنية، ومن اهم الدول التي تعتبرها تركيا التي ممكن ان تفتح ابواب لها لاسباب مختلفة هي مصر. من هنا حصل اقرار البرلمان التركي بالإجماع تشكيل لجنة صداقة برلمانية مع مصر، اضافة الى تصريحات المسؤولين الاتراك والاجتماعات الثنائية التي تحصل خلال الفترة الماضية.

ولكن اجراء اتفاق سريع بين البلدين ليس من السهل لأن هناك ملفات شائكة مختلفة ومائدة المفاوضات الرئيسية هي كالتالي: يأتي على رأسها مناقشة عودة العلاقات الدبلوماسية، والتنسيق في الملف الليبي، وشرق المتوسط بما قد يفضي إلى توقيع اتفاق في المنطقة الغنية بالغاز، إلى جانب أوضاع المعارضة في كلا البلدين.

والسيناريو الاكثر ترجيحا ان تعود العلاقة بين البلدين من خلال المراحل التالية توقف التصريحات الهجومية بين البلدين، عودة العلاقات الدبلوماسية والبدء بالتنسيق بالملفات الاستراتيجية التي ذكرناها اعلاه اضافة الى الزيارات الثنائية بين البلدين من خلال اللجنات البرلمانية و غيرها لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي.

الملف الليبي

اي تقارب يحصل بين البلدين سيؤثر بشكل ايجابي على ليبيا، يبدو ان هناك وجهات نظر قريبة تشوبها احيانا بعض المناكفات ولكنهما متفقين على اجراء انتخابات في موعدها المحدد نهاية العام، اضافة الى اعتراف تركيا في ملتقى الحوار السياسي التي اطلقته مصر بخصوص ليبيا واعادة فتح السفارة المصرية في ليبيا.  ولكن هذا التقارب بالملف الليبي بحاجة الى ترجمته بادوات تنفيذية من خلال حلحلة العقد بخصوص الحدود البحرية وغيرها.

شرق المتوسط

نجحت القاهرة في اطلاق منتدى الغاز للشرق المتوسط، وانطلقت من خلاله ترسيم العلاقات بين دول الاقليم على اسس ومنهج محدد، وهو يعد فرصة لتركيا في حال تقدمت بطلب و تمكنت من التفاوض والانتقال إلى مرحلة أخرى من المشاورات، وهو ما سيحتاج إلى مهارات كبيرة للمفاوض المصري على أكثر من مسار، وعبر أكثر من أسلوب تفاوض ما بين الأمني والسياسي والاستخباراتي.

جماعة المعارضة للبلدين

انعكست التهدئة بين البلدين بصورة مباشرة على وضع المعارضة المصرية في تركيا وعلى الجانب الآخر ظهرت دعوات تتحدث عن ردود فعل مصرية متوقعة ضد “جماعة غولن. وهذا يصب في المصلحة المشتركة للتخفيف من الحرب السياسية والاعلامية للطرفين داخليا مما يخلق اجواء استقرار داخلي بشكل افضل ولكن ما زال هناك حالة تروي لكيفية حلحلة هذا الموضوع بعدما وصل الشرخ الى حد كبير.

مسار جديد في المنطقة

اي تغير بمسار العلاقات بين البلدين سيلعب دورا رئيسيا في تغير الخريطة السياسية في المنطقة، فكل دولة تبحث عن دور جديد لها وعن حماية مصالحها السياسية،الامنية و الاقتصادية. ولكن هنا نتحدث عن دولتين نافذتين ولكل منها نقاط قوة مهمة تؤدي الى قلب الموازين في منطقة الشرق الاوسط. خلال المرحلة القريبة سيصبح التقارب بين الدول المتخاصمة خلال السنوات الماضية الى حاجة بفضل المتغيرات السياسية الجديدة في الشرق الاوسط وذلك بفعل تغير الاولويات الاميركية مما سيؤدي الى تسويات شاملة والى حروب في مقلب اخر بفعل هذه المتغيرات.

بين تركيا و السعودية…و توقيت المصالح المشتركة

بدأت العلاقات الحديثة بين الجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية بتاريخ 3 آب 1929، إذ اعترفت تركيا  بالمملكة العربية السعودية، وبنفس التاريخ تم توقيع اتفاقية سلام وصداقة مشتركة بين الطرفين، ولكن على الرغم من هذه الاتفاقية المُشتركة وعلى الرغم من انضمامهم المشترك للقطب الغربي، إبان الحرب العالمية الأولى، لم تكن العلاقة تتسم بالحميمة بين الطرفين طوال الوقت تنمو مع المصالح المشتركة و تنحدر مع اضطراب القواسم.

مسار العلاقات بين البلدين

اتسمت العلاقة بالبرودة حتى الثمانينات من القرن الماضي، حيث كان هناك حرب بين العراق وإيران، وواجهت الدول المُصدرة والمستوردة للنفط مشاكل عديدة في قضية تمديد أنانبيب توصيل نفط جديدة كبديلة لتلك الأنانبيب الممتدة من العراق، ولأن المملكة العربية السعودية، أكبر الدول المُصدرة للنفط، والجمهورية التركية، الدولة المستوردة للنفط من السعودية عبر العراق، كانتا أكثر الدول المتضررة من تلك الأزمة، فاضطرتا إلى الالتقاء المباشر على مستوى رفيع.

انتعشت العلاقات السعودية التركية بعد هذه الزيارات و بعد احتلال العراق للكويت في بداية التسعينيات حيث دعم الرئيس التركي “تورجوت أوزال” الموقف السعودي المعارض لذلك. فتم إبرام اتفاقيات تعاون سياسي واقتصادي وثقافي، بعد هذه الاتفاقيات انتقلت الكثير من شركات البناء التركية إلى السوق السعودية، الأمر الذي عاد بالعملة الصعبة الوفيرة على تركيا ومواطنيه وبدأت حالة ازدهار اقتصادي ملحوظة، في تركيا، على الصعيدين الحكومي والفردي.

التغير المستمر للحكومات التركية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي جعلا السياسة التركية غامضة وغير قادرة على الاستمرار، بشكل مستقر، ليس مع المملكة العربية السعودية بل مع جميع الدول حول العالم، واستمرت حالة الجمود إلى عام 2003.

مع احتلال العراق عام 2003 وماخلفه من تغيرات دفعت المملكة العربية السعودية ان تبادر بإعادة قطار العلاقات السعودية التركية إلى طريقه الصحيح والفعال من جديد، وتُرجمت رغبة المملكة العربية السعودية في إعادة النشاط والحيوية للعلاقات المشتركة بينها وبين الجمهورية التركية، مما ادى الى ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين الى نحو ثمانية مليارات دولارات سنويا.

نقاط الاختلاف الحديثة

في 5 يونيو/ حزيران 2017، أعلنت بعض الدول العربية ومنها السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، مبررين ذلك بتدخلها في شؤونهم الداخلية ودعم الإرهاب. في تلك الأثناء التزمت تركيا الحياد لفترة، لكنها لم تلبث حتى أعربت عن وقوفها إلى جانب قطر. وصرح رجب طيب أردوغان في 9 حزيران 2017 بأن تركيا ستستمر بدعم أشقائها القطريين، ولن تتركهم وحدهم.

رغم ان هذا العام كانت سنة استثمار سعودي كبير في تركيا. إلا أن هذا لم يمنع البلدين من شن حرب إعلامية على بعضهما. في حين انهارت “الهدنة” التي تبناها الإعلام التركي لزمن، وشن هو الآخر هجوماً إعلامياً على السعودية، على خلفية الأزمة مع قطر وصراع الرياض مع الإخوان المسلمين و الملف الكردي.

ادى ذلك الى انفتاح تركي نحو دول الجوار و خاصة ايران و روسيا ما نتج الى مزيد من التوتر بين البلدين و الى مزيد من الحروب الغير المباشرة في مناطق مختلفة في سوريا، العراق، اليمن و ليبيا.

نقاط الالتقاء الحديثة

عززت الثورة السورية سابقا التقارب بين الرياض وأنقرة، لكن هذا التقارب لم يستمر طويلاً. فقد افترقت الدروب وانشغلت السعودية بحرب اليمن، فيما سيطر على تركيا هاجس قيام دولة كردية في شمال سوريا. إضافة الى التنسيق العسكري و السياسي في العراق و دعم تركيا بداية لعاصفة الحزم و لكن مصالح البلدين عادت لتفترق من جديد.

لكن مع فوز بايدن في الانتخابات ثمة تحول في هذا الخلاف بين الطرفين و خصوصا في ظل الهاجز السعودي بظل تصريحات الرئيس المنتخب تجاه حرب اليمن و غيرها من الامور مما ادى الى بداية الالتقاء ثانية بسبب تراكم المصالح المشتركة ثانية. مما ادى الى تجدد قنوات تواصل بين الطرفين منها تعزية السعودية تركيا بضحايا زلزال ازمير، ارسال مساعدات سعودية الى تركيا تحت عنوان مساعدات للاشقاء في تركيا، اتصال الرئيس التركي بملك البحرين و تحدثا عن مسار تطوير العلاقات،الملك سلمان اتصل باردوغان للتنسيق بشأن قمة العشرين ومناقشة العلاقات الثناية، تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في 22 نوفمبر 2020، إن المملكة “لديها علاقات طيبة ورائعة” مع تركيا .

من الناحية السعودية تريد حليف اقليمي قوي يخفف من وطأة الضغوط عليها و خاصة في اليمن، اضافة الى تعزيز التنسيق العسكري و تخفيف من هاجس الاخوان المسلمين حيث تركيا الداعم الاكبر لهم، هدف استباقي قبل تسلم بايدن الحكم و ممارسة سياسة التضييق عليها، تذليل قضية الخاشقجي و ممارسة الضغط على الحكم في المملكة، اضافة الى تخفيف من وطأة الحرب الاعلامية التي تؤثر على الطرفين.

اما من الناحية التركية، العمل على تخفيف من الحرب الاقتصادية و انهيار الليرة التركية، فحسب صحيفة “جمهوريت” التركية بلغ الرقم السنوي للمشاريع الجديدة التي نفذها المقاولون الأتراك في المملكة العربية السعودية في عامي 2017 و2018، 2.1 مليار دولار وتراجعت تلك الأرقام إلى 559 مليون دولار في عام 2019، وخلال التسعة أشهر الأولى من هذا العام انخفض إلى 21 مليون دولار.

في المقابل يعمل اردوغان على تحصين نفسه بالملف الكردي حيث تعد اولوية له بالمرحلة المقبلة و خاصة بايدن يعد داعم لانشاء دولة كردية مستقلة بالعراق، فمن خلال تعزيز التواصل مع المملكة ممكن تخفيف الدعم لهذه القضية و رفع الغطاء العربي عن تلك الملف.

ففي السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم هناك مصالح دائمة “ونستون تشرشل”

كاراباخ الأزمات المؤجلة

 

تصاعدت الاشتباكات على طول الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، في أحدث جولة من صراع طويل الأمد بين البلدين اللذين خرجا من رحم الاتحاد السوفيتي السابق. في العنوان العام، هو نزاع تاريخي بين أرمينيا واذربيجان على إقليم “ناغورنو كاراباخ”، ولكن في الأبعاد الاستراتيجية والجغرافيا السياسية والاقتصادية، هو صراع يحضر فيه لاعبون كثر، من روسيا إلى تركيا إلى أميركا إلى إيران و إسرائيل.

ناغورني- كاراباخ

توجد منطقة ناغورني-قره باغ في محور العلاقات المتوترة بين يريفان وباكو. وقد ألحقت السلطات السوفياتية هذا الجيب الذي تسكنه أغلبية أرمينية بأذربيجان عام 1921، لكنه أعلن استقلاله عام 1991 بدعم من أرمينيا.

تلى ذلك حرب أدت إلى مقتل 30 ألف شخص ونزوح مئات الآلاف. ورغم توقيع اتفاق وقف لإطلاق النار عام 1994 وقيام وساطة روسية أميركية فرنسية تحت اسم “مجموعة مينسك”، لا تزال الاشتباكات المسلحة متواترة وجرت آخر المعارك الجديرة بالذكر في نيسان/ابريل 2016، وقد أدت إلى مقتل 110 أشخاص.

روسيا – تركيا و ايران

جعلت تركيا التي لها طموحات جيواستراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى، من أذربيجان الثرية بالمحروقات والتي يتحدث شعبها لغة متفرعة من التركية، حليفها الأساسي في المنطقة، وهي صداقة يعززها العداء المشترك لأرمينيا. وتدعم أنقرة باكو في رغبتها في استعادة ناغورني-قره باغ.

و يدخل ذلك من ضمن صراعها الشرق المتوسطي مع فرنسا و بعض دول الاقليمية و العربية، و التصعيد اليوم هي ورقة يستعملها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كإحدى اوراق الضغط و خصوصا ان اذربيجيان بلد نفطي و تسعى أن تكون بديل للنفط الروسي و بالتالي تصبح اوروبا بحاجة الى تركيا.

أما روسيا أكبر قوة إقليمية، وهي تقيم مع أرمينيا علاقات أوثق من علاقاتها مع أذربيجان، لكنها تبيع الأسلحة للطرفين انضمت يريفان إلى أحلاف سياسية واقتصادية وعسكرية تهيمن عليها موسكو، أبرزها منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

و لكن ترتبط موسكو بعلاقة صعبة مع الزعيم الأرميني الجديد الذي تولى منصبه في عام 2018، نيكول باشينيان، لذا من المرجح أن تفضل يريفان أن تتعامل مع هذا التصعيد بالاعتماد على نفسها لأكبر قدر ممكن. فستحاول روسيا اكبر قدر ممكن التزام الحياد ان لم يحصل تدخل تركي و ظل الصراع في منطقة محددة، لأن روسيا تعتبر هذه المنطقة حيوية لها و تؤثر على مصالحها الاستراتيجية بالمباشر.

أما بخصوص إيران تشعر بالقلق لأن القتال قريب من حدودها، وقد أدى أيضا إلى احتجاجات من قبل الأقلية الأذرية في إيران. وإضافة إلى ذلك فإن إيران أقرب إلى أرمينيا، لكنها تريد التجارة والسلام مع جيرانها في هذه المنطقة، بحسب تصريحات طهران.

ويعيش في إيران ملايين الأذريين الذين يشتركون في القومية مع سكان جارتهم أذربيجان، والذين يتعاطفون مع المطالب الأذربيجانية في إقليم ناغورنو قره باغ، ويناصبون أرمينيا العداء بسبب صراعها مع أذربيجان. لذا تحاول ايران طرح ميادرات دبلوماسية لعدم توسع رقعة القتال و بالتالي يتهدد امنها القومي.

لذا نشهد محاولات دبلوماسية مختلفة تارة عبر تحالف مينسك الذي يضم روسيا و الولايات المتحدة و فرنسا و تارة اخرى تصريحات ايرانية بانها على تواصل مع الطرفين و في اخر خطوة مباحثات ثنائية برعاية روسية و لكن هناك اشبه باصرار من قبل الطرفين بالتصلب بمواقفه مما يستدعي مزيدا من جولات القتال حتى يتحقق خرق ميداني و عسكري يدير الدفة الى احد الطرفين للبدء بجولات دبلوماسية لاجراء اتفاق هدنة او سلام بين الطرفين و على الارجع سيكون اتفاق هدنة و ليس سلام في المستقبل القريب..

مقاربة عسكرية للطرفين المتنازعتين

بحسب موقع “سي اي اي فاكت بوك” يبلغ تعداد سكان ارمينيا 3021324 نسمة، و قد أنفقت في عام 2019 ما يقارب 4.9 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، والذي كان في 2017 عند حدود 28.34 مليار دولار.

وتتألف القوات المسلحة الأرمنية من 45 ألف جندي عاملين بشكل دائم، 42 ألف منهم يتبعون للقوة البرية، في حين يخدم 3 آلاف منهم في القوة الجوية. وتمتلك أرمينيا التي يحتل جيشها المرتبة 111 عالميا ترسانة أسلحة معظمها روسية أو تعود للحقبة السوفيتية، علما بأن معظم الأسلحة التي قامت باستيرادها منذ عام 2010 روسية الصنع.

أما أذربيجان التي يبلغ تعدادها السكاني 10205810 نسمة، فقد أنفقت السنة الماضية ما يقارب الـ4 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، والذي كان في 2017 عند حدود 172.2 مليار دولار.

ويعمل في الجيش الأذري 126 ألف جندي دائم، هذا إلى جانب 300 ألف جندي احتياطي، ويحتل الجيش في أذربيجان المرتبة 64 عالميا بمؤشر أقوى الجيوش في العالم.

وفيما يتعلق بميزانية الدفاع للبلدين، تشير أرقام “غلوبال فاير باور” إلى أنها تبلغ مليارين و805 ملايين دولار بالنسبة لأذربيجان، ومليار و385 ملايين دولار تخصصها أرمينيا لهذا الغرض.

بين الانتداب الفرنسي و السلطنة العثمانية طموحات متجددة

وافق البرلمان الفرنسي في نهاية شهر كانون الأول 2011 على مشروع قانون يتضمن تجريم إنكار “وقوع عمليات إبادة”بحق الأرمن من قِبل العثمانيين في عام 1915.

لطالما اعتمدت العلاقات التركية-الفرنسية على عنصر ثالث خارج إطار المعادلة الثنائية في التقارب أو التباعد، التفاهم أو التخاصم بين البلدين، فالتحالف الذي تم بين العثمانيين في عهد سليمان القانوني والفرنسيين في عهد فرانسوا الأول كان سببه عداء الأخير لملك إسبانيا شارل الخامس، وقد استمرت العلاقات الجيدة هذه لأكثر من قرنين، وقد تخاصما فيما بعدُ بسبب احتلال نابليون لمصر.

وإن كان التقلب هو السمة العامة التي صبغت العلاقات الثنائية فيما بعد، فإنّ اختراقات مهمة لهذا النمط كانت تحصل بين الفترة والأخرى، فبعد انهيار الدولة العثمانية استولت فرنسا على أجزاء واسعة منها، ولم يحُل هذا دون تأثر النخب العلمانية التركية – التي أنشأت الدولة التركية الحديثة على أنقاض السلطنة العثمانية- بالفرنسيين، ويمكن إدراك هذا المعطَى اليوم من خلال العديد من المفردات الفرنسية في اللغة التركية الحديثة والتي حلَّت غالبًا محل نظيرتها العربية.

الاشتباك المتجدد

اعترفت فرنسا عام 2001 بوقوع عمليات “ابادة للارمن كحقيقة تاريخية. و يعتبر ذلك بداية الانشقاق الثنائي في التاريخ الحديث، حيث ترافق مع وصول حزب العدالة و التنمية الى السلطة عام 2002 و من حينها تبدلت المعطيات لدى تركيا في علاقاتها مع دول الاقليم و الدولية.

ففي عهد اردوغان رئيسا للجكومة في الفترة من 2003 وحتى 2014، تحولت تركيا إلى دولة صناعية ومصدرة كما أبقت وزارته معدلات التضخم تحت السيطرة بعدما شهدت ارتفاعاً أعلى 100% خلال فترة التسعينيات.

ونما حجم الناتج المحلي الإجمالي لتركيا من 311.823 مليار دولار في عام 2003 ليصل إلى 851.102 مليار دولار في عام 2017 في البلد التي يقدر عدد سكانها بنحو 80.745 مليون نسمة ، وفقاً لإحصاءات البنك الدولي.

من خلال ذلك تسارع صعود النفوذ التركي الاقليمي و الدولي و السياسي و الاقتصادي مما ادى الى تضارب المصالح بين البلدين. مما ادى الى الاشتباك في محاور مختلفة حول العالم.

 

 

المحور الاوروبي

تُعد فرنسا فيه قائدة التيار المتشدد المعارض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، و رفض رؤسائها المتعاقبين بشدة الدخول التركي الى الاتحاد تحت اسباب او ذرائع مختلفة منها دينية و منها اتنية و منها حقوق انسان و منها اقتصادية و غيرهاز

المحور الإفريقي

شهد النفوذ التركي تصاعدًا هائلاً في إفريقيا منذ العام 2005 وتحديدًا خلال السنوات القليلة الماضية، إذ ارتفع عدد السفارات على سبيل المثال من 12 سفارة بداية عام 2009 إلى 35 حاليًا، علمًا بأن عدد السفارات التركية في إفريقيا عام 2002 بلغ بضعة سفارات فقط لا غير. أما التبادل التجاري مع دول القارة فقد ارتفع من حوالي 5 مليارات عام 2003 إلى حوالي 186 مليار عام 2019، وقد أثار ذلك حفيظة الفرنسيين الذي يملكون نفوذًا واسعًا في إفريقيا لاسيما في مستعمراتهم السابقة.

المحور العربي

وفيه يبرز نوع من الصراع على الدور والتأثير يختلط فيه التاريخ (السلطنة العثمانية وفرنسا المستعمرة) مع الحاضر (الجمهورية التركية والجمهورية الفرنسية) في منطقة كانت في وقت من الأوقات مكونًا أساسيًا للإمبراطورية العثمانية، وتعرضت أجزاء واسعة منها بعد انهيارها للاستعمار الفرنسي.

ومع الصعود الذي رافق العلاقات التركية-العربية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا خلال هذه الفترة وتحديدًا 2007-2010، شعر الفرنسيون بشيء من المزاحمة مترافقًا مع تراجع دورهم وتأثيرهم.

الثورات العربية: حصل تطور جديد بداية العام 2011 تمثّل باندلاع الثورات العربية، الأمر الذي زاد من التعقيد في العلاقات التركية-الفرنسية وأضفى عليها مزيدًا من التشنج. وكان لافتًا تقدّم الموقف الفرنسي كثيرًا على العديد من الدول الأوروبية وحتى على واشنطن في دعم الثورات العربية، وأحد المعطيات المفسِّرة لذلك هو حرص فرنسا على حجز موقع جيد لها على الصعيد الدولي والإقليمي في التحولات الجيو-سياسية الجارية، وذلك لإعادة تقديم الدور الفرنسي الإقليمي والدولي بشكل جديد، وكذلك محاولة التأثير على الأنظمة الوليدة وعلى توجهاتها وسياساتها في المنطقة.

و في المقابل حاول التركي دخول الخط العربي من خلال نقاط مختلفة منها القضية الفلسطينية و غياب دور العربي جراء نكسات مختلفة، و النمو الاقتصادي لتركيا و حاجة الشعوب العربية و خاصة السنية منها الى القيادة.

و اخرها التوتر بين الطرفين بخصوص الملف الليبي حيث كان على وشك ان يحدث توتر عسكري مباشر، عندما ذهبت الفرقاطة الفرنسية كوربيه لتفتيش سفينة شحن تركية ترفع علم تنزانيا للتحقق مما إذا كانت تقوم بتهريب أسلحة إلى ليبيا.

و هذا الصراع في ليبيا قد يصل شظاياه الى المنطقة المغاربية حيث كل دولة تسعى الى تنامي نفوذها في الدول المجاورة لليبيا.

فاليوم الصراع بين الطرفين على القيادة و الثروات في مدن بحر المتوسط منها ليبيا و لبنان و العراق و سوريا، و بالتالي فرنسا نسجت تحالفات مع دول عربية لمواجهة التمدد التركي مثل مصر و الامارات و في المقابل تستثمر في نقاط الضعف لدى تركيا و منها الملف الكردي حيث تجري اتفقات مع العراق، اضافة الى تشابك مصالح مع الدولة السورية بخصوص الخصم المشترك تركيا.

و في المقابل تستثمر تركيا بزعامة السلطنة العثمانية و خصوصا في جل وجود خيبات لدى الشعوب العربي و الفراغ الذي انتجته السلطة السياسية العربية اضافة الى الاستثمار بالفوضى الموجودة في المنطقة، اضافة الى ملف الهجرة الغير الشرعية.

اضف الى ذلك هناك خيبات لدى الدولتين على سبيل المثال فرنسا لم تحصل على دعم الاتحاد الاوروبي في مواجهتها مع تركيا و خصوصا في المواجهة الليبية و تركيا ينحسر دورها الاقتصادي بفعل تأثرها بجائحة كورونا مما يؤدي الى ضغوط داخلية على الساسة الاتراك.

المرحلة المقبلة ستكون حساسة على الطرفين و الجميع يحاول ان يكسب في الوقت الضائع الى حين حدوث تسوية اميركية-ايرانية التي قد تحدث خرقا بهذا التوتر بين الطرفين و خاصة ان لا رغبة بالمواجهة المباشرة مما سيؤدي الى حروب باردة طويلة الامد و يتأثر بها دول عديدة في المنطقة.