كاراباخ الأزمات المؤجلة

 

تصاعدت الاشتباكات على طول الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، في أحدث جولة من صراع طويل الأمد بين البلدين اللذين خرجا من رحم الاتحاد السوفيتي السابق. في العنوان العام، هو نزاع تاريخي بين أرمينيا واذربيجان على إقليم “ناغورنو كاراباخ”، ولكن في الأبعاد الاستراتيجية والجغرافيا السياسية والاقتصادية، هو صراع يحضر فيه لاعبون كثر، من روسيا إلى تركيا إلى أميركا إلى إيران و إسرائيل.

ناغورني- كاراباخ

توجد منطقة ناغورني-قره باغ في محور العلاقات المتوترة بين يريفان وباكو. وقد ألحقت السلطات السوفياتية هذا الجيب الذي تسكنه أغلبية أرمينية بأذربيجان عام 1921، لكنه أعلن استقلاله عام 1991 بدعم من أرمينيا.

تلى ذلك حرب أدت إلى مقتل 30 ألف شخص ونزوح مئات الآلاف. ورغم توقيع اتفاق وقف لإطلاق النار عام 1994 وقيام وساطة روسية أميركية فرنسية تحت اسم “مجموعة مينسك”، لا تزال الاشتباكات المسلحة متواترة وجرت آخر المعارك الجديرة بالذكر في نيسان/ابريل 2016، وقد أدت إلى مقتل 110 أشخاص.

روسيا – تركيا و ايران

جعلت تركيا التي لها طموحات جيواستراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى، من أذربيجان الثرية بالمحروقات والتي يتحدث شعبها لغة متفرعة من التركية، حليفها الأساسي في المنطقة، وهي صداقة يعززها العداء المشترك لأرمينيا. وتدعم أنقرة باكو في رغبتها في استعادة ناغورني-قره باغ.

و يدخل ذلك من ضمن صراعها الشرق المتوسطي مع فرنسا و بعض دول الاقليمية و العربية، و التصعيد اليوم هي ورقة يستعملها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كإحدى اوراق الضغط و خصوصا ان اذربيجيان بلد نفطي و تسعى أن تكون بديل للنفط الروسي و بالتالي تصبح اوروبا بحاجة الى تركيا.

أما روسيا أكبر قوة إقليمية، وهي تقيم مع أرمينيا علاقات أوثق من علاقاتها مع أذربيجان، لكنها تبيع الأسلحة للطرفين انضمت يريفان إلى أحلاف سياسية واقتصادية وعسكرية تهيمن عليها موسكو، أبرزها منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

و لكن ترتبط موسكو بعلاقة صعبة مع الزعيم الأرميني الجديد الذي تولى منصبه في عام 2018، نيكول باشينيان، لذا من المرجح أن تفضل يريفان أن تتعامل مع هذا التصعيد بالاعتماد على نفسها لأكبر قدر ممكن. فستحاول روسيا اكبر قدر ممكن التزام الحياد ان لم يحصل تدخل تركي و ظل الصراع في منطقة محددة، لأن روسيا تعتبر هذه المنطقة حيوية لها و تؤثر على مصالحها الاستراتيجية بالمباشر.

أما بخصوص إيران تشعر بالقلق لأن القتال قريب من حدودها، وقد أدى أيضا إلى احتجاجات من قبل الأقلية الأذرية في إيران. وإضافة إلى ذلك فإن إيران أقرب إلى أرمينيا، لكنها تريد التجارة والسلام مع جيرانها في هذه المنطقة، بحسب تصريحات طهران.

ويعيش في إيران ملايين الأذريين الذين يشتركون في القومية مع سكان جارتهم أذربيجان، والذين يتعاطفون مع المطالب الأذربيجانية في إقليم ناغورنو قره باغ، ويناصبون أرمينيا العداء بسبب صراعها مع أذربيجان. لذا تحاول ايران طرح ميادرات دبلوماسية لعدم توسع رقعة القتال و بالتالي يتهدد امنها القومي.

لذا نشهد محاولات دبلوماسية مختلفة تارة عبر تحالف مينسك الذي يضم روسيا و الولايات المتحدة و فرنسا و تارة اخرى تصريحات ايرانية بانها على تواصل مع الطرفين و في اخر خطوة مباحثات ثنائية برعاية روسية و لكن هناك اشبه باصرار من قبل الطرفين بالتصلب بمواقفه مما يستدعي مزيدا من جولات القتال حتى يتحقق خرق ميداني و عسكري يدير الدفة الى احد الطرفين للبدء بجولات دبلوماسية لاجراء اتفاق هدنة او سلام بين الطرفين و على الارجع سيكون اتفاق هدنة و ليس سلام في المستقبل القريب..

مقاربة عسكرية للطرفين المتنازعتين

بحسب موقع “سي اي اي فاكت بوك” يبلغ تعداد سكان ارمينيا 3021324 نسمة، و قد أنفقت في عام 2019 ما يقارب 4.9 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، والذي كان في 2017 عند حدود 28.34 مليار دولار.

وتتألف القوات المسلحة الأرمنية من 45 ألف جندي عاملين بشكل دائم، 42 ألف منهم يتبعون للقوة البرية، في حين يخدم 3 آلاف منهم في القوة الجوية. وتمتلك أرمينيا التي يحتل جيشها المرتبة 111 عالميا ترسانة أسلحة معظمها روسية أو تعود للحقبة السوفيتية، علما بأن معظم الأسلحة التي قامت باستيرادها منذ عام 2010 روسية الصنع.

أما أذربيجان التي يبلغ تعدادها السكاني 10205810 نسمة، فقد أنفقت السنة الماضية ما يقارب الـ4 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، والذي كان في 2017 عند حدود 172.2 مليار دولار.

ويعمل في الجيش الأذري 126 ألف جندي دائم، هذا إلى جانب 300 ألف جندي احتياطي، ويحتل الجيش في أذربيجان المرتبة 64 عالميا بمؤشر أقوى الجيوش في العالم.

وفيما يتعلق بميزانية الدفاع للبلدين، تشير أرقام “غلوبال فاير باور” إلى أنها تبلغ مليارين و805 ملايين دولار بالنسبة لأذربيجان، ومليار و385 ملايين دولار تخصصها أرمينيا لهذا الغرض.