مقالات

من دكاكين السياسة إلى دكاكين القضاء في لبنان… هل ننتقل إلى دكاكين الأمن؟

يعاني لبنان منذ استقلاله حتى اليوم من أزمة هوية ونظام، في كل فترة يتم تعديل مقومات النظام تارة بطرق مباشرة من خلال تعديل الدستور، وتارة أخرى من خلال الحروب، وأحياناً من خلال استعمال النفوذ الخارجي. كل هذه العوامل لم تنتج دولة بل أسقطت كل مفاهيم المؤسسات.
قبل الطائف
ما قبل اتفاق الطائف الفترة الذهبية التي كانت في لبنان بموضوع دولة المؤسسات وبدء رحلة الألف ميل كانت خلال عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب حيث طور الكثير من القوانين وفعّل الإدارة العامة. ففي عهده أقر قانون الضمان الاجتماعي، وتنظيم المالية ومصرف لبنان، والإنعاش الاجتماعي، ونظم الجيش وقوى الأمن الداخلي، وحدّث التربية والتعليم، والبنية التحتية في كافة المجالات إضافة إلى حقوق الإنسان.
ولكن في الوقت عينه كان يأخذ في الاعتبار المعوقات الداخلية والخارجية. فوضع الحد الأدنى لبناء دولة خارج إمارة الطوائف، ولكن مع حدوث المتغيرات في المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية والحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، جرى تجميد كل الإصلاحات التي بدأ بها شهاب وأصبحت الأولوية للصراع على النفوذ ومن بعدها دخلنا في نفق الحرب الأهلية.
ما بعد اتفاق الطائف
جاء اتفاق الطائف وأوقف الحرب حيث كانت طموحات اللبنانيين أكبر بكثير مما تحقق، حيث لم تعمد السلطة إلى تطبيق الإصلاحات المذكورة في الطائف، وطوقت إصلاحات شهاب من معظم النواحي. لعب الدور السوري في ضبط الإيقاع داخلياً من خلال القوة والأمن، وأصبح لبنان يعيش بدولة من دون هيكل أو يمكن أن نسميها بالسلطة الوهمية من دون أي تطوير للمؤسسات والعمل على بناء دولة القانون والمؤسسات، فأصبح يوماً بعد يوم يتدمر خط الطريق الذي رسمه فؤاد شهاب.
ما بعد اغتيال الرئيس الحريري
جاء اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقصم ظهر البعير حيث عدنا إلى نقطة الصفر، ورجعنا إلى الخلافات والصراعات الداخلية على النفوذ والدخول مجدداً بلعبة المحاور. أصبح كل فريق يريد أن يضع أوراق قوته على الطاولة والعمل على استقطاب حاشيته تارة بخطابات طائفية وتارة بالزبائنية السياسية.
طبعاً عملت هذه السلطة على تطويق شهاب والطائف من جديد، ما أدى إلى انهيار شبه كامل في المرحلة الحالية لأسباب داخلية بسبب تفشي وباء الفساد وعدم التخطيط،هدر المال العام، عدم بناء دولة المؤسسات، والعوامل الخارجية بسبب المتغيرات السياسية في المنطقة منذ بداية الربيع العربي حتى اليوم، إضافة إلى المتغيرات السياسية الدولية حيث أرضخت الطبقة السياسية في لبنان إلى اللعبة الخارجية بسبب بناء كانتوناتها الطائفية وتدمير نهج المؤسسات. أصبح القضاء مسيساً، الأمن مسيساً، التوظيف مسيساً، حتى الرغيف مسيساً، فالنظام اللبناني أصبحت ركيزته الأساسية هي الزبائنية السياسية.
استقلالية القضاء
في الأيام الأخيرة شهدنا نزاعاً قضائياً، فضح هشاشة السلطة القضائية التي كان البعض يتفاخر بها، فلبنان يعيش الاستنسابية القضائية حسب المثل اللبناني “كل من إيدو إلو” رغم حساسية الملفات وأهميتها والتي يجب أن يحاسب كل من هو مرتكب في جميع الملفات التي أوصلت المواطن اللبناني إلى الذل وإفلاس المالية العامة.
ولكن أهم ركن من أركان القضاء هو المصداقية والاستقلالية ومن هنا لكل من يتحدث عن اهتراء القضاء وفساده، فلتتفضل الكتل النيابية بإقرار قانون استقلالية القضاء وفصل القضاء عن السياسة، من خلال تعزيز استقلالية المؤسسات الناظمة للقضاء مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي، تعزيز ضمانات استقلالية القاضي، ضمان حقوق المتقاضين في حسن أداء المرفق العام وتقديم شكاوى ومحاسبة المخالفات القضائية والتوفيق بين التنظيم الهرمي للنيابة العامة واستقلالية القضاة العاملين.
فقانون استقلالية القضاء يجب أن ينطلق من مسودة مشروع قانون للمفكرة القانونية منذ عام 2018 والتي مضى عليها 352 قاضياً، وليس مثل القوانين التي يقرها مجلس النواب التي تكون مفرغة من أدواتها التنفيذية أو مبهمة.
هشاشة مختلف قطاعات الدولة
هذه الهشاشة التي شهدناها في أحد أهم خصائص الدولة أي العدل، موجودة في جميع مؤسسات الدولة حتى في الأمن، ما قد يفتح الباب في مرحلة لاحقة إلى تخبط واستنسابية فاضحة حتى في هذه القطاعات وكل ذلك سيؤدي إلى هشاشة أمنية وصدامات في الشارع من قبل موالي السلطة نفسها.
كل هذا السياق يأتي من ضمن العنوان الأهم في المرحلة المقبلة أي توزيع الخسائر جراء الانهيار المالي وكل فريق سيعمل على حماية نفسه وأزلامه وكل فريق سيستعمل جميع أوراقه. سيأتي ذلك من ضمن سياق الاستمرار بتدمير دولة المؤسسات وتكريس الزبائنية السياسية والحل لن يكون إلا بالعودة إلى ذهنية شهاب وتحقيق الإصلاحات المطلوبة لبناء الجمهورية الثالثة تحت عنوان العدل، الشفافية والمساواة.

الاتفاق النووي بين المد والجزر

خلال الفترة الماضية، إن أردنا التحدث حول الواقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط، تلقائياً يأتي الجواب حول مسار العلاقات الأميركية -ال إيرانية بعد توتر وانقطاع العلاقة إثر خروج ترامب من الاتفاق النووي ال إيراني، مارس ترامب حصاره الاقتصادي والضربات الهادفة بالتعاون مع إسرائيل وبالمقابل مارست إيران سياسة ضبط النفس وعدم الرد على الأصيل، ولكن حاولت تعزيز قوتها والرد على الحليف في بقع جغرافية مختلفة في المنطقة.
تاريخ العلاقات
بدأت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة عندما بعث شاه فارس ناصر الدين، أول سفير لإيران ميرزا أبو الحسن شيرازي إلى واشنطن في عام 1856. وفي عام 1883 كان صمويل بنجامين أول مبعوث دبلوماسي رسمي للولايات المتحدة في إيران.
عام 1979، اضطر الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يحظى بدعم أميركي، إلى مغادرة إيران، بسبب الثورة الإسلامية وخروج مظاهرات وإضرابات مناهضة لنظام حكمه، وبعد أسبوعين من تلك الأحداث عاد الزعيم الديني آية الله الخميني من منفاه في فرنسا. وبعد انتصار الثورة الإسلامية في 11 شباط 1979، تم تنصيب الخميني على رأس الدولة، وهنا يكمن مسار التحول السياسي بين طهران وواشنطن.
تدهورت العلاقات بين أميركا وإيران، بعد أن وافقت الولايات المتحدة على استقبال الشاه بهلوي للعلاج، حيث غضب طلبة الجامعات الإيرانية، وهاجموا سفارة أميركا في تشرين الثاني 1979، واحتجزوا 52 موظفًا في السفارة الأميركية في إيران، حيث قطعت أميركا علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في نيسان 1980، وبمبادرة من الرئيس السابق كارتر أفرجت إيران عن الرهائن الـ52 يوم تنصيب الرئيس الأميركي رونالد ريغان رئيسًا للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني 1981.
وما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ازدادت العداوة بين الطرفين ووضعت عدوين لها في منطقة الشرق الأوسط هما العراق في تلك المرحلة وإيران أيضاً.
الاتفاق النووي
هي اتفاقية دولية حول البرنامج النووي الإيراني، تم التوصل إليها في تموز 2015 بين إيران ومجموعة خمسة زائداً واحداً (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – بالإضافة إلى ألمانيا) والاتحاد الأوروبي، وفي 8 أيار 2018 انسحب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاقية الدولية المشتركة، وبدأ بمسار الضغط على إيران حيث دعم هذا القرار بعض الدول العربية وإسرائيل وعارضه البعض الآخر مثل الصين وروسيا ومعظم الدول الأوروبية، وأبرز من كان على الحياد مصر وقطر وعمان والهند.
بايدن والاتفاق النووي
خلال حملة بايدن الانتخابية، كان من الواضح رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي. ولكن لم يكن واضحا كثيرا كيف ومن ضمن أي صيغة. ولكن تعيين روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية ومستشار السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما هو دليل نية أميركية بالبدء بتنفيذ وعود بايدن بخصوص إجراء اتفاق نووي مع إيران. وخاصة أن أميركا تريد أن تتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية لها مثل روسيا والصين، إضافة إلى الملفات الداخلية، وتريد الخروج من نفق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وتفويض بعض المهام من خلال الحلفاء (تعزيز منطق العولمة) ومن خلال اتفاقات وتسويات مع الخصوم.
العقبات
الصراع القائم حالياً بين العودة إلى اتفاق عام 2015 كما تطالب إيران، وبين تعديل اتفاق عام 2015 وتوسعته إلى الحوار حول النظام الصاروخي وسياستها الإقليمية كما يطالب بايدن. بايدن من غير الممكن أن يعود فقط إلى اتفاق 2015 لأنه سيواجه معارضة شرسة داخلية (الحزب الجمهوري) ومعارضة خارجية قوية أيضاً من قبل إسرائيل وبعض الدول العربية. يعتبر بايدن أن بإمكانه إجراء ضغوط وتسويات جانبية مع الدول العربية المعارضة، ولكن بخصوص إسرائيل يعول على الانتخابات الإسرائيلية هذا العام من خلال فوز حزب قريب منه وتغيير نتانياهو.
فبالتالي المرحلة الحالية لن تكون مفروشة بالورود، وللالتفاف على ذلك سيحاول بايدن الحصول على بعض التنازلات الإيرانية جراء الضغوطات الاقتصادية التي أنهكتها ومراهنة إيران على الاستفادة من وجود إدارة دبلوماسية وأكثر ليونة في المرحلة الحالية، تمكنه من تسهيل مهمته داخلياً وخارجياً. ولكن حتى الآن يوجد تصلب في الموقف الإيراني جراء المطالبة في العودة إلى الاتفاق القديم.
المخارج
أحد المخارج التي يمكن أن تحصل هو الدمج بين مسار رفع العقوبات والبدء بمشوار المفاوضات بخصوص ملفي الصواريخ الباليستية والسياسة الإقليمية. ولكن هذا المخرج لن يحصل بالسهل بالفترة القريبة، لأنا ما زلنا في فترة طرح أوراق القوة على الطاولة، ومرحلة الضغط من قبل القوى المعارضة للاتفاق، ما يمكن أن يؤجج الصراع في المرحلة المقبلة على الأقل حتى حصول الانتخابات الإسرائيلية.
الفترة المقبلة
سيحاول بايدن إدخال الأوروبيين في هذا المسار، وفوض للفرنسيين تعزيز قنوات التواصل في المنطقة وفتح باب الحوار غير المباشر والبدء بالمفاوضات في الملفات الأقل تأثيراً، كمحاولة لخرق جدار الانقطاع الكامل، وبالتوازي البدء بمسار حلحلة الملفات المعقدة كالملف اليمني في محاولة لتقطيع الأزمات وتسويتها كمنطلق لإبرام اتفاق مقبل.
من هذا المنطلق يتمكن بايدن من تخفيف وهج معارضة الاتفاق حيث يكون أنهى إحدى نقاط تعديل الاتفاق، وهي دور إيران في المنطقة. وفي المقلب الآخر يبقى موضوع الصواريخ الباليستية والجيوش الإيرانية حيث يمكن أن نشهد حروباً جانبية لتسوية هذه النقطة، وعلى نتائج هذه الحروب إن كانت عسكرية أو سياسية تتوضح أكثر معالم الاتفاق المقبل.
والسؤال: من سيدفع ثمناً في المرحلة الحالية؟ ومن سيدفع الثمن بعد حدوث الاتفاق؟ لأن لا تسويات من دون ثمن وأحياناً دم؟

لماذا طرابلس ؟

إن عدنا الى التاريخ طرابلس لم تشعر بوجود الدولة سوى بالأمن ما قبل الحرب الاهلية حتى اليوم، وذلك يؤدي الى ازمة هوية لطرابلس حيث بعد استقلال لبنان انتمت الى الخط العروبي خلال حقبة الرئيس جمال عبدالناصر و من بعدها سيطرة عليها القضية الفلسطينية حيث عاش فيها ايضا الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات، و من بعدها بسبب الفراغ السياسي و الفوضى لجأت الى الفكر الاسلامي من خلال حركة التوحيد الاسلامي و من بعدها تخلت عن هذه العباءة لصالح الدولة في لبنان، و لكن لم تشعر بوجود الدولة اللبنانية منذ اتفاق الطائف، تشعر بأن هناك قرار سياسي ما ببقاء منطقة شمال لبنان بعيدة عن منطق المواطنة، و لكن رغم كل تلك الظروف التي همشت فيها المدينة أراد ابناء الشمال اثبات انتماءهم الى لبنان خلال انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 حيث لقبت بعروسة الثورة.

الاهمال خلال حقبة ما بعد اتفاق الطائف

خلال تلك الحقبة كان يوجد قيادات و احزاب متنوعة في المدينة مثل رئيس الحكومة الاسبق الشهيد رشيد كرامي و الراحل الدكتور عبدالمجيد الرافعي و الشهيد خليل عكاوي (ابو عربي)، كانت المدينة تشعر بجزء من الانتماء بسبب وجود قيادة محلية و ايضا لعب دور الوسيط و جلب الحقوق لابناء المدينة من الدولة، و لكن تلك الحقبة كانت خلال الحرب الاهلية و الفوضى، ما بعد اغتيال كرامي و المضي باتفاق الطائف، بدأ مشهد الشعور بالتهميش بالتنامي يوما بعد يوم وسنة بعد سنة.

مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري

خلال تلك المرحلة وضعت اجندة انماء المدينة على الرفوف، حيث عاش المواطن على الاقتصاد الذاتي و لكن كانت حاضنة اقتصادية لمنطقة الشمال تجاريا في تلك الحقبة ، من دون تطوير بنيته التحتية و استثمار المرافق الاقتصادية المختلفة في المدينة و الشمال (معرض رشيد كرامي، مرفأ طرابلس ، المنطقة الاقتصادية و غيرها)، يقال ان اسباب هذا التهميش كان جراء قرار سياسي، و لكن ان ذهبنا الى ارض الواقع السبب هو غياب القيادة السياسية في المدينة، اضافة الى اولوية السلطة المركزية بانماء العاصمة و سيطرة منطق المحاصصة.

مرحلة ما بعد استشهاد الرئيس الحريري

خلال هذه المرحلة تخبطت المدينة سياسيا و اقتصاديا، على الصعيد السياسي تخبطت المدينة بمنعطفات مختلفة اثرت سلبا بدأت من اغتيال الرئيس الحريري، احداث نهر البارد 2007، الى احداث 7 ايار 2008، 22 جولة  عنف في المدينة، الحرب السورية و انحسار دور القيادة السياسية. جميع تلك المراحل ادت الى الشعور بالتهميش السياسي للمدينة ما ادى الى رحلة البحث عن بديل للخروج من هذا الشعور، حاول البعض استغلال غضب الشماليين لجرهم الى التطرف كمشروع بديل و لكن لم ينجح، فالمدينة و اهالي الشمال بشكل عام وقفوا دائما الى جانب المؤسسات الامنية خلال المحن الرئيسية مثل احداث نهر البارد، احداث طرابلس، الاحداث مع بعض المجموعات المتطرفة.

اما على الصعيد الاقتصادي انهار ما تبقى من المقومات الاقتصادية في المدينة ، فخسرت الحاضنة الاقتصادية شمالا خاصة بعد جولات العنف حيث عمدت المناطق المجاورة على خلق بديل اقتصادي مثل عكار و الكورة و زغرتا، هذا ناهيك عن ازمة اللجوء السوري و المؤثرات الاقتصادية و الاجتماعية لتلك الازمة، اضافة الى اختفاء مبادرات السلطة المركزية لانماء الشمال.

المرحلة الحالية

 شهدت الاشهر الماضية جمود سياسي تخللها بعض المبادرات و لكن على الصعيد الاجتماعي بظل انهيارالاقتصاد الوطني و فلول جائحة كورونا لم تعمد السلطة السياسية على تحريك جفن و لعب دور المبادرة حيث اصبح المواطن يغرد وحيدا. ما ادى للوصول الى ارقام مخيفة في لبنان عامة و في الشمال خاصة، فبدأنا نتحدث شمالا عن اكثر من 70 بالمئة دون خط الفقر و نسب البطالة ارتفعت بشكل كبير حيث الارقام تتحدث عن انها اكثر من سبعون بالمئة لدى الشباب، ناهيك عن نسب التسرب المدرسي و اقفال المؤسسات و غيرها من الارقام.

هذا على الصعيد الاقتصادي اما على الصعيد السياسي المدينة تشهد فراغا سياسيا كبيرا لا قيادة لا ادراة و لا مبادرة ، مما يؤدي الى مزيد من التوتر الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي.

هذا في العام اما ان اردنا ان نتعمق، المشكلة في المدينة اكبر من ازمة اقتصادية و سياسية بل يوجد فيها ازمة ثقة في الدولة و يوجد فيها شعور بالتهميش جراء تراكم ممارسات خلال العقود الماضية، هذا الغضب اصبح يؤدي الى الافتراق الجزئي عن هوية لبنان و عن الدستور اللبناني حيث اصبح فكر الانفصال عن السلطة المركزية مقبول ، وهذا الشعور ليس فقط في طرابلس بل في معظم المناطق التي اهملت خلال العقود الماضية.

ما حصل في طرابلس حله ليس امني، بل حله بقرار سياسي جدي في احتضانها و احتضان جميع المناطق المهمشة و الا الذهاب الى مشروع شبه “فدرلة” يعطي القوى المحلية ان تلعب دورا اكبر في انماء مناطقها لتكون بديل لتلك الازمة.

للاسف اعتقد ان السلطة المركزية بفضل ممارساتها، لا يوجد مؤشر ايجابي للذهاب الى هذا المنطق، فلنذهب الى اللامركزية الموسعة بطريقة سلمية افضل من ان يسقط دم مستقبلا للوصول الى هذا الحل، لأن السلطة المركزية سقطت لدى مختلف المكونات اللبنانية التي اوصلت لبنان الى ما هو عليه اليوم.

لماذا يُمكن حدوث إغتيالات سياسية في لبنان؟

لإغتيالات السياسية في لبنان تاريخ طويل. فعلى مدى سنوات مديدة، كان لبنان مسرحاً للعديد من الإغتيالات، بسبب طبيعة الصراعات الفكرية داخل المجتمع اللبناني، وقربه من منطقة التوتر في الشرق الأوسط، بالاخص سوريا واسرائيل، اضافة الى ساحة نزاع إقليمية ودولية بين الولايات المتحدة الاميركية وجمهورية ايران الاسلامية.

تاريخ الإغتيالات

موضوع التصفية السياسية الجسدية بدأ منذ نشؤ دولة لبنان الكبير، عندما تم اغتيال رئيس الحكومة رياض الصلح في الاردن عام 1951. استمر شبه هدوء في الاغتيال السياسي حتى عام 1975 عندما تم اغتيال النائب معروف سعد خلال تظاهرة للصيادين في صيدا، و من بعدها بدأت شرارة الحرب الاهلية، حيث تمت تصفية شخصيات سياسية مع كل انعطاف اقليمي او دولي.

خلال هذه الحرب المشؤومة، تمت إغتيالات مختلفة وابرزها المعلم كمال جنبلاط، خلال شهر آذار 1977، من بعدها اغتيال الوزير طوني فرنجية عام 1978، اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل ورفاقه في الرابع عشر من أيلول 1982 قبل 9 أيام فقط من تسلمه منصبه الرئاسي، إغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي بتفجير عبوة ناسفة في مروحية كان يستقلها من طرابلس إلى بيروت مطلع شهر حزيران من عام 1987،.اغتيال رئيس الجمهورية رينيه معوض في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1989، بعد تسلمه منصبه بمدة وجيزة، عبر تفجير عبوة ناسفة قرب القصر الحكومي في محلة الصنائع في بيروت.

من بعدها تمتع لبنان بشبه فترة من الاستقرار السياسي، من خلال اتفاق اقليمي دولي امتد بين عامي 1990 و2005، حيث جرت تصفيات سياسية متقطعة، تم خلالها اغتيال الامين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي عام 1992، والشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية المشاريع الاسلامية عام 1995، واغتيال الوزير السابق ايلي حبيقة عام 2002، حتى حدوث اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري عام 2005، الذي ادى الى تحوّل سياسي جديد في لبنان.

خلال هذا التحوّل جرت إعادة تموضع سياسي واصبح لبنان في صلب لعبة المحاور مجدداً، مما ادى الى حدوث عمليات اغتيال مختلفة لشخصيات سياسية مثل الوزير السابق بيار الجميل عام 2006، والامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي، والنائبين انطوان غانم ووليد عيدو. وشخصيات أمنية مثل العميد وسام الحسن عام 2012، وصحافية مثل جبران تويني في العام نفسه ايضاً، وإغتيال الصحافي سمير قصير. عدا محاولات اغتيال أخرى مثل محاولة اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة والوزير السابق الياس المر والاعلامية الوزيرة السابقة مي شدياق.

مرحلة تغير جيو سياسي

إثر حدوث الانتخابات الاميركية و فوز جو بايدن، اصبحت الفترة الانتقالية الممتدة حتى الشهر المقبل تُعّدُ فترة حساسة جداً سياسياً وأمنياً بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة وايران وحلفائها من جهة اخرى. ولبنان بعين العاصفة بسبب النفوذ الايراني في لبنان وسياسة الضغط الاميركية عليه.

يعمل الرئيس دونالد ترامب في المرحلة الحالية على شَدّ أحزمة الحلفاء، من خلال تذليل الخلافات بينها، مثلما يحصل في الملف الخليجي و المصالحة التي يتم العمل عليها بين السعودية وقطر، وإعادة قنوات التواصل بين تركيا والسعودية، والتطبيع بين دول عربية واسرائيل، والمزيد من الضغوط الاقتصادية على ايران وحلفائها، وتأتي كل تلك المتغيرات لوضع بايدن امام امر واقع قبل تسلمه الحكم.

هذه المرحلة لا يمكن اختصارها فقط بشدّ الاحزمة السياسية، ولكن الواقع الأمني على الطاولة ايضاً. بدأت بإغتيال العالم النووي الايراني محسن زادة، وطبعاً هناك بنك اهداف محدد قبل تسليم بايدن السلطة، وطالما ان ايران لديها نفوذ كبير في لبنان فسيكون له حصة. ولكن ما مدى حجمها لا نعلم، و طبعاً الرد من الخصم حاضر، ويُمكن ان يكون بطريقة معاكسة ايضا. فإيران محشورة في المرحلة الحالية، وإن تم البدء بتغيير قواعد اللعبة بالملف اللبناني، فلن تقف مكتوفة الايدي للحفاظ على أوراق قوتها ايضاً وجميع الوسائل مفتوحة.

مرحلة سياسية انتقالية

ان اخذنا تاريخياً في لبنان خلال المراحل الانتقالية السياسية دائماً كانت تحدث الاغتيالات السياسية، وتلك العمليات إما تحصل لتصفية خصم، وإما تحضيراً لمرحلة سياسية جديدة، وإزاحة من يمكن اعاقتها، وإما للضغط السياسي من خلال خلق توترات امنية وسياسية وكسب نقاط قوة سياسية، وكل تلك السيناريوهات محتملة في المرحلة الحالية.

لبنان يعيش مرحلة سياسية انتقالية. انهيار مالي واقتصادي، البحث في عقد اجتماعي جديد، توقف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، خلل امني بسبب عدم وجود استقرار سياسي، ضغوط سياسية دولية يمكن ان تؤدي الى تغيّر المعادلات الداخلية. والاهم رسم مشهد سياسي جديد لمنطقة الشرق الاوسط.

من هنا تأتي مؤشرات حدوث اعمال امنية او إغتيالات سياسية، لأننا في مراحل مشابهة لمتغيرات سياسية داخلياً و إقليمياً ادت في السابق الى حدوث تصفيات جسدية لساسة لبنانيين.

قد تُطيح تلك التصفيات الجسد، لكنها أبدًا لاتستطيع قتل الأفكار والمباديء الإنسانية العظيمة. وقد أوردت الكتب الدينية المقدسة: أن الإغتيال عملية قديمة قِدم خلق الإنسانية، وأشهر مثال على ذلك؛ هو قتل قابيل لأخيه هابيل.

بين تركيا و السعودية…و توقيت المصالح المشتركة

بدأت العلاقات الحديثة بين الجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية بتاريخ 3 آب 1929، إذ اعترفت تركيا  بالمملكة العربية السعودية، وبنفس التاريخ تم توقيع اتفاقية سلام وصداقة مشتركة بين الطرفين، ولكن على الرغم من هذه الاتفاقية المُشتركة وعلى الرغم من انضمامهم المشترك للقطب الغربي، إبان الحرب العالمية الأولى، لم تكن العلاقة تتسم بالحميمة بين الطرفين طوال الوقت تنمو مع المصالح المشتركة و تنحدر مع اضطراب القواسم.

مسار العلاقات بين البلدين

اتسمت العلاقة بالبرودة حتى الثمانينات من القرن الماضي، حيث كان هناك حرب بين العراق وإيران، وواجهت الدول المُصدرة والمستوردة للنفط مشاكل عديدة في قضية تمديد أنانبيب توصيل نفط جديدة كبديلة لتلك الأنانبيب الممتدة من العراق، ولأن المملكة العربية السعودية، أكبر الدول المُصدرة للنفط، والجمهورية التركية، الدولة المستوردة للنفط من السعودية عبر العراق، كانتا أكثر الدول المتضررة من تلك الأزمة، فاضطرتا إلى الالتقاء المباشر على مستوى رفيع.

انتعشت العلاقات السعودية التركية بعد هذه الزيارات و بعد احتلال العراق للكويت في بداية التسعينيات حيث دعم الرئيس التركي “تورجوت أوزال” الموقف السعودي المعارض لذلك. فتم إبرام اتفاقيات تعاون سياسي واقتصادي وثقافي، بعد هذه الاتفاقيات انتقلت الكثير من شركات البناء التركية إلى السوق السعودية، الأمر الذي عاد بالعملة الصعبة الوفيرة على تركيا ومواطنيه وبدأت حالة ازدهار اقتصادي ملحوظة، في تركيا، على الصعيدين الحكومي والفردي.

التغير المستمر للحكومات التركية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي جعلا السياسة التركية غامضة وغير قادرة على الاستمرار، بشكل مستقر، ليس مع المملكة العربية السعودية بل مع جميع الدول حول العالم، واستمرت حالة الجمود إلى عام 2003.

مع احتلال العراق عام 2003 وماخلفه من تغيرات دفعت المملكة العربية السعودية ان تبادر بإعادة قطار العلاقات السعودية التركية إلى طريقه الصحيح والفعال من جديد، وتُرجمت رغبة المملكة العربية السعودية في إعادة النشاط والحيوية للعلاقات المشتركة بينها وبين الجمهورية التركية، مما ادى الى ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين الى نحو ثمانية مليارات دولارات سنويا.

نقاط الاختلاف الحديثة

في 5 يونيو/ حزيران 2017، أعلنت بعض الدول العربية ومنها السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، مبررين ذلك بتدخلها في شؤونهم الداخلية ودعم الإرهاب. في تلك الأثناء التزمت تركيا الحياد لفترة، لكنها لم تلبث حتى أعربت عن وقوفها إلى جانب قطر. وصرح رجب طيب أردوغان في 9 حزيران 2017 بأن تركيا ستستمر بدعم أشقائها القطريين، ولن تتركهم وحدهم.

رغم ان هذا العام كانت سنة استثمار سعودي كبير في تركيا. إلا أن هذا لم يمنع البلدين من شن حرب إعلامية على بعضهما. في حين انهارت “الهدنة” التي تبناها الإعلام التركي لزمن، وشن هو الآخر هجوماً إعلامياً على السعودية، على خلفية الأزمة مع قطر وصراع الرياض مع الإخوان المسلمين و الملف الكردي.

ادى ذلك الى انفتاح تركي نحو دول الجوار و خاصة ايران و روسيا ما نتج الى مزيد من التوتر بين البلدين و الى مزيد من الحروب الغير المباشرة في مناطق مختلفة في سوريا، العراق، اليمن و ليبيا.

نقاط الالتقاء الحديثة

عززت الثورة السورية سابقا التقارب بين الرياض وأنقرة، لكن هذا التقارب لم يستمر طويلاً. فقد افترقت الدروب وانشغلت السعودية بحرب اليمن، فيما سيطر على تركيا هاجس قيام دولة كردية في شمال سوريا. إضافة الى التنسيق العسكري و السياسي في العراق و دعم تركيا بداية لعاصفة الحزم و لكن مصالح البلدين عادت لتفترق من جديد.

لكن مع فوز بايدن في الانتخابات ثمة تحول في هذا الخلاف بين الطرفين و خصوصا في ظل الهاجز السعودي بظل تصريحات الرئيس المنتخب تجاه حرب اليمن و غيرها من الامور مما ادى الى بداية الالتقاء ثانية بسبب تراكم المصالح المشتركة ثانية. مما ادى الى تجدد قنوات تواصل بين الطرفين منها تعزية السعودية تركيا بضحايا زلزال ازمير، ارسال مساعدات سعودية الى تركيا تحت عنوان مساعدات للاشقاء في تركيا، اتصال الرئيس التركي بملك البحرين و تحدثا عن مسار تطوير العلاقات،الملك سلمان اتصل باردوغان للتنسيق بشأن قمة العشرين ومناقشة العلاقات الثناية، تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في 22 نوفمبر 2020، إن المملكة “لديها علاقات طيبة ورائعة” مع تركيا .

من الناحية السعودية تريد حليف اقليمي قوي يخفف من وطأة الضغوط عليها و خاصة في اليمن، اضافة الى تعزيز التنسيق العسكري و تخفيف من هاجس الاخوان المسلمين حيث تركيا الداعم الاكبر لهم، هدف استباقي قبل تسلم بايدن الحكم و ممارسة سياسة التضييق عليها، تذليل قضية الخاشقجي و ممارسة الضغط على الحكم في المملكة، اضافة الى تخفيف من وطأة الحرب الاعلامية التي تؤثر على الطرفين.

اما من الناحية التركية، العمل على تخفيف من الحرب الاقتصادية و انهيار الليرة التركية، فحسب صحيفة “جمهوريت” التركية بلغ الرقم السنوي للمشاريع الجديدة التي نفذها المقاولون الأتراك في المملكة العربية السعودية في عامي 2017 و2018، 2.1 مليار دولار وتراجعت تلك الأرقام إلى 559 مليون دولار في عام 2019، وخلال التسعة أشهر الأولى من هذا العام انخفض إلى 21 مليون دولار.

في المقابل يعمل اردوغان على تحصين نفسه بالملف الكردي حيث تعد اولوية له بالمرحلة المقبلة و خاصة بايدن يعد داعم لانشاء دولة كردية مستقلة بالعراق، فمن خلال تعزيز التواصل مع المملكة ممكن تخفيف الدعم لهذه القضية و رفع الغطاء العربي عن تلك الملف.

ففي السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم هناك مصالح دائمة “ونستون تشرشل”

من يسبق تعديل النظام ام حكومة حل؟

تأسست الجمهورية اللبنانية بالدستور اللبناني الصادر عام 1926، وحصل لبنان على استقلاله من فرنسا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943 وعاصمته بيروت. كان لبنان عضواً مؤسساً في كل من منظمتي الأمم المتحدة  وجامعة الدول العربية، ويستند النظام السياسي اللبناني رسمياً على مبادئ الفصل والتوازن والتعاون بين السلطات.

شهد لبنان حربا أهلية طاحنة لمدة خمسة عشر عاما من 1975 إلى 1990 قتل فيها مئات الآلاف، وضع اتفاق الطائف الذي رعاه المجتمعين العربي و الدولي عام 1990 نهاية للحرب الاهلية اللبنانية حيث تم تعديل الدستور اللبناني الذي كان من نتائجه تعزيز منطق الديمقراطية التشاركية بين الطوائف.

نظم الايقاع السياسي اللبناني بعد اتفاق الطائف حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 الادارة السورية التي كانت تتم عبر المخابرات السورية في لبنان، حيث شهد لبنان فترة استقرار سياسي لمدة خمس عشر عاما.

بعد استشهاد الحريري عام 2005 بدأت التوترات السياسية تستجد في لبنان فكانت تارة سياسية و تارة امنية و تارة طائفية او مذهبية و اصبح لبنان سياسيا يدور في اكثر من فلك سياسي و الهدوء فيه كان رهن التسويات و التفاهمات الاقليمية و الدولية.

و ابرز ثلاث محطات تأثر بها لبنان اقليميا بعد اغتيال الرئيس الحريري هم الحرب السورية حيث اصبح لبنان ساحة امنية، الاتفاق النووي الاميركي-الايراني حيث ادى الى هدوء نسبي و من بعدها فسخه، حيث صعد نجم حرب العقوبات الترامبية و الحرب في اليمن حيث بدأ شبه انقطاع الدعم الخليجي للبنان.

هذه المحطات ادت الى تغير سلم الاولويات في المنطقة و الاهتمامات حيث تأثر بها لبنان بشكل مباشر و غير مباشر، تخللها فترات تسويات لم تدم طويلا تارة س-س و تارة اتفاق الدوحة و تارة مرحلة ربط النزاع و لكنها كانت تسويات لتمرير الوقت لانها لم تكن شاملة و تحل المشكلة الاساسية في لبنان اي النظام السياسي.

بدأت رائحة فشل النظام السياسي تتبلور بعد بدء الانهيار المالي منذ عام 2016 و اصبح اكثر وضوحا بعد ثورة 17 تشرين 2019 حيث بدأت تظهر نتائج السياسات المالية و الادارية التي حصدها لبنان بعد ثلاثة عقود من الحكم الفاشل.

بالتوازي ممكن ان نتحدث عن المتغيرات الاقليمية و الدولية التي دائما و دوما تؤثر في السياسة الداخلية في لبنان و المنطقة، حيث حصدت ايران انتصارات عسكرية في العراق و سوريا و لبنان و اليمن و لكنها بالمقابل تواجه العقوبات الاميركية اضافة الى نفوذ اعلى لقوى اقليمية اخرى في المنطقة منها تركيا حيث تنسجم في مكان و تتنافس في مكان اخر و ايضا الدور الروسي المستجد في المنطقة و خاصة سوريا. اضافة الى اتفاقات السلام بين اسرائيل و دول عربية مختلفة و لعب دور الحماية لتلك الدول، اضافة الى التنافس العربي-التركي على الساحة السنية..

جميع تلك المتغيرات اضافة الى الانهيار المالي الحاصل، ستؤدي حتما الى تعديل في النظام السياسي في لبنان و لكن السؤال متى ممكن ان تظهر حكومة تسوية فعلية هل هي قبل مسار الاتفاق على مسار سياسي جديد؟ ام بعدها؟

جميع المؤشرات تدل على ان لا حكومة تسوية من دون تسوية في المنطقة و الجميع ينتظر الانتخابات الاميركية و اي شكل من اشكال التسوية ممكن ان تحدث ! ما هو الدور الايراني؟ ما هو الدور التركي؟ ما هو الدور الروسي؟ و ما هو الدور الاوروبي؟ و لكن السؤال المهم هل تلك التسوية ستشمل جميع هذه الدول ام لا؟

فمعركة تعديل النظام او الاتفاق على نظام سياسي جديد بدأت منذ فترة، عندما نرى تشبص الثنائي الشيعي بوزارة المالية اي ضمان الامضاء الثالث في السلطة التنفيذية، تلويح نادي رؤساء الحكومات السابقين دائما بورقة دور رئيس الحكومة، و تلويح الوزير السابق جبران باسيل دائما بورقة اللامركزية الادارية.

فالسؤال المهم كيف سيتم الاتفاق على الادارة الجديدة في لبنان هل بعد معارك متفرقة ام بوسائل دبلوماسية؟ و من سينتصر؟ و ما هو الاتفاق؟ ممكن ان نقول ان الحل في لبنان سيكون توافقي و المخرج سيكون بنظام لا مركزي موسع يعطي لكل طائفة او منطقة جغرافية دورها بالمقابل اخذ ثنائي الشيعي التوقيع الثالث في السلطة التنفيذية المركزية.

لا حكومة حل قبل بلورت الامور الشائكة في نظامنا السياسي في لبنان، و نحن اليوم امام خيارين ان طال مسار تسوية  اما تفعيل حكومة تصريف الاعمال حتى حدوث التسوية اما حكومة تشبهها فلا حكومة حل قبل مسار تعديل النظام او بالاحرى تطبيق النظام

كاراباخ الأزمات المؤجلة

 

تصاعدت الاشتباكات على طول الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، في أحدث جولة من صراع طويل الأمد بين البلدين اللذين خرجا من رحم الاتحاد السوفيتي السابق. في العنوان العام، هو نزاع تاريخي بين أرمينيا واذربيجان على إقليم “ناغورنو كاراباخ”، ولكن في الأبعاد الاستراتيجية والجغرافيا السياسية والاقتصادية، هو صراع يحضر فيه لاعبون كثر، من روسيا إلى تركيا إلى أميركا إلى إيران و إسرائيل.

ناغورني- كاراباخ

توجد منطقة ناغورني-قره باغ في محور العلاقات المتوترة بين يريفان وباكو. وقد ألحقت السلطات السوفياتية هذا الجيب الذي تسكنه أغلبية أرمينية بأذربيجان عام 1921، لكنه أعلن استقلاله عام 1991 بدعم من أرمينيا.

تلى ذلك حرب أدت إلى مقتل 30 ألف شخص ونزوح مئات الآلاف. ورغم توقيع اتفاق وقف لإطلاق النار عام 1994 وقيام وساطة روسية أميركية فرنسية تحت اسم “مجموعة مينسك”، لا تزال الاشتباكات المسلحة متواترة وجرت آخر المعارك الجديرة بالذكر في نيسان/ابريل 2016، وقد أدت إلى مقتل 110 أشخاص.

روسيا – تركيا و ايران

جعلت تركيا التي لها طموحات جيواستراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى، من أذربيجان الثرية بالمحروقات والتي يتحدث شعبها لغة متفرعة من التركية، حليفها الأساسي في المنطقة، وهي صداقة يعززها العداء المشترك لأرمينيا. وتدعم أنقرة باكو في رغبتها في استعادة ناغورني-قره باغ.

و يدخل ذلك من ضمن صراعها الشرق المتوسطي مع فرنسا و بعض دول الاقليمية و العربية، و التصعيد اليوم هي ورقة يستعملها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كإحدى اوراق الضغط و خصوصا ان اذربيجيان بلد نفطي و تسعى أن تكون بديل للنفط الروسي و بالتالي تصبح اوروبا بحاجة الى تركيا.

أما روسيا أكبر قوة إقليمية، وهي تقيم مع أرمينيا علاقات أوثق من علاقاتها مع أذربيجان، لكنها تبيع الأسلحة للطرفين انضمت يريفان إلى أحلاف سياسية واقتصادية وعسكرية تهيمن عليها موسكو، أبرزها منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

و لكن ترتبط موسكو بعلاقة صعبة مع الزعيم الأرميني الجديد الذي تولى منصبه في عام 2018، نيكول باشينيان، لذا من المرجح أن تفضل يريفان أن تتعامل مع هذا التصعيد بالاعتماد على نفسها لأكبر قدر ممكن. فستحاول روسيا اكبر قدر ممكن التزام الحياد ان لم يحصل تدخل تركي و ظل الصراع في منطقة محددة، لأن روسيا تعتبر هذه المنطقة حيوية لها و تؤثر على مصالحها الاستراتيجية بالمباشر.

أما بخصوص إيران تشعر بالقلق لأن القتال قريب من حدودها، وقد أدى أيضا إلى احتجاجات من قبل الأقلية الأذرية في إيران. وإضافة إلى ذلك فإن إيران أقرب إلى أرمينيا، لكنها تريد التجارة والسلام مع جيرانها في هذه المنطقة، بحسب تصريحات طهران.

ويعيش في إيران ملايين الأذريين الذين يشتركون في القومية مع سكان جارتهم أذربيجان، والذين يتعاطفون مع المطالب الأذربيجانية في إقليم ناغورنو قره باغ، ويناصبون أرمينيا العداء بسبب صراعها مع أذربيجان. لذا تحاول ايران طرح ميادرات دبلوماسية لعدم توسع رقعة القتال و بالتالي يتهدد امنها القومي.

لذا نشهد محاولات دبلوماسية مختلفة تارة عبر تحالف مينسك الذي يضم روسيا و الولايات المتحدة و فرنسا و تارة اخرى تصريحات ايرانية بانها على تواصل مع الطرفين و في اخر خطوة مباحثات ثنائية برعاية روسية و لكن هناك اشبه باصرار من قبل الطرفين بالتصلب بمواقفه مما يستدعي مزيدا من جولات القتال حتى يتحقق خرق ميداني و عسكري يدير الدفة الى احد الطرفين للبدء بجولات دبلوماسية لاجراء اتفاق هدنة او سلام بين الطرفين و على الارجع سيكون اتفاق هدنة و ليس سلام في المستقبل القريب..

مقاربة عسكرية للطرفين المتنازعتين

بحسب موقع “سي اي اي فاكت بوك” يبلغ تعداد سكان ارمينيا 3021324 نسمة، و قد أنفقت في عام 2019 ما يقارب 4.9 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، والذي كان في 2017 عند حدود 28.34 مليار دولار.

وتتألف القوات المسلحة الأرمنية من 45 ألف جندي عاملين بشكل دائم، 42 ألف منهم يتبعون للقوة البرية، في حين يخدم 3 آلاف منهم في القوة الجوية. وتمتلك أرمينيا التي يحتل جيشها المرتبة 111 عالميا ترسانة أسلحة معظمها روسية أو تعود للحقبة السوفيتية، علما بأن معظم الأسلحة التي قامت باستيرادها منذ عام 2010 روسية الصنع.

أما أذربيجان التي يبلغ تعدادها السكاني 10205810 نسمة، فقد أنفقت السنة الماضية ما يقارب الـ4 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، والذي كان في 2017 عند حدود 172.2 مليار دولار.

ويعمل في الجيش الأذري 126 ألف جندي دائم، هذا إلى جانب 300 ألف جندي احتياطي، ويحتل الجيش في أذربيجان المرتبة 64 عالميا بمؤشر أقوى الجيوش في العالم.

وفيما يتعلق بميزانية الدفاع للبلدين، تشير أرقام “غلوبال فاير باور” إلى أنها تبلغ مليارين و805 ملايين دولار بالنسبة لأذربيجان، ومليار و385 ملايين دولار تخصصها أرمينيا لهذا الغرض.

بين الانتداب الفرنسي و السلطنة العثمانية طموحات متجددة

وافق البرلمان الفرنسي في نهاية شهر كانون الأول 2011 على مشروع قانون يتضمن تجريم إنكار “وقوع عمليات إبادة”بحق الأرمن من قِبل العثمانيين في عام 1915.

لطالما اعتمدت العلاقات التركية-الفرنسية على عنصر ثالث خارج إطار المعادلة الثنائية في التقارب أو التباعد، التفاهم أو التخاصم بين البلدين، فالتحالف الذي تم بين العثمانيين في عهد سليمان القانوني والفرنسيين في عهد فرانسوا الأول كان سببه عداء الأخير لملك إسبانيا شارل الخامس، وقد استمرت العلاقات الجيدة هذه لأكثر من قرنين، وقد تخاصما فيما بعدُ بسبب احتلال نابليون لمصر.

وإن كان التقلب هو السمة العامة التي صبغت العلاقات الثنائية فيما بعد، فإنّ اختراقات مهمة لهذا النمط كانت تحصل بين الفترة والأخرى، فبعد انهيار الدولة العثمانية استولت فرنسا على أجزاء واسعة منها، ولم يحُل هذا دون تأثر النخب العلمانية التركية – التي أنشأت الدولة التركية الحديثة على أنقاض السلطنة العثمانية- بالفرنسيين، ويمكن إدراك هذا المعطَى اليوم من خلال العديد من المفردات الفرنسية في اللغة التركية الحديثة والتي حلَّت غالبًا محل نظيرتها العربية.

الاشتباك المتجدد

اعترفت فرنسا عام 2001 بوقوع عمليات “ابادة للارمن كحقيقة تاريخية. و يعتبر ذلك بداية الانشقاق الثنائي في التاريخ الحديث، حيث ترافق مع وصول حزب العدالة و التنمية الى السلطة عام 2002 و من حينها تبدلت المعطيات لدى تركيا في علاقاتها مع دول الاقليم و الدولية.

ففي عهد اردوغان رئيسا للجكومة في الفترة من 2003 وحتى 2014، تحولت تركيا إلى دولة صناعية ومصدرة كما أبقت وزارته معدلات التضخم تحت السيطرة بعدما شهدت ارتفاعاً أعلى 100% خلال فترة التسعينيات.

ونما حجم الناتج المحلي الإجمالي لتركيا من 311.823 مليار دولار في عام 2003 ليصل إلى 851.102 مليار دولار في عام 2017 في البلد التي يقدر عدد سكانها بنحو 80.745 مليون نسمة ، وفقاً لإحصاءات البنك الدولي.

من خلال ذلك تسارع صعود النفوذ التركي الاقليمي و الدولي و السياسي و الاقتصادي مما ادى الى تضارب المصالح بين البلدين. مما ادى الى الاشتباك في محاور مختلفة حول العالم.

 

 

المحور الاوروبي

تُعد فرنسا فيه قائدة التيار المتشدد المعارض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، و رفض رؤسائها المتعاقبين بشدة الدخول التركي الى الاتحاد تحت اسباب او ذرائع مختلفة منها دينية و منها اتنية و منها حقوق انسان و منها اقتصادية و غيرهاز

المحور الإفريقي

شهد النفوذ التركي تصاعدًا هائلاً في إفريقيا منذ العام 2005 وتحديدًا خلال السنوات القليلة الماضية، إذ ارتفع عدد السفارات على سبيل المثال من 12 سفارة بداية عام 2009 إلى 35 حاليًا، علمًا بأن عدد السفارات التركية في إفريقيا عام 2002 بلغ بضعة سفارات فقط لا غير. أما التبادل التجاري مع دول القارة فقد ارتفع من حوالي 5 مليارات عام 2003 إلى حوالي 186 مليار عام 2019، وقد أثار ذلك حفيظة الفرنسيين الذي يملكون نفوذًا واسعًا في إفريقيا لاسيما في مستعمراتهم السابقة.

المحور العربي

وفيه يبرز نوع من الصراع على الدور والتأثير يختلط فيه التاريخ (السلطنة العثمانية وفرنسا المستعمرة) مع الحاضر (الجمهورية التركية والجمهورية الفرنسية) في منطقة كانت في وقت من الأوقات مكونًا أساسيًا للإمبراطورية العثمانية، وتعرضت أجزاء واسعة منها بعد انهيارها للاستعمار الفرنسي.

ومع الصعود الذي رافق العلاقات التركية-العربية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا خلال هذه الفترة وتحديدًا 2007-2010، شعر الفرنسيون بشيء من المزاحمة مترافقًا مع تراجع دورهم وتأثيرهم.

الثورات العربية: حصل تطور جديد بداية العام 2011 تمثّل باندلاع الثورات العربية، الأمر الذي زاد من التعقيد في العلاقات التركية-الفرنسية وأضفى عليها مزيدًا من التشنج. وكان لافتًا تقدّم الموقف الفرنسي كثيرًا على العديد من الدول الأوروبية وحتى على واشنطن في دعم الثورات العربية، وأحد المعطيات المفسِّرة لذلك هو حرص فرنسا على حجز موقع جيد لها على الصعيد الدولي والإقليمي في التحولات الجيو-سياسية الجارية، وذلك لإعادة تقديم الدور الفرنسي الإقليمي والدولي بشكل جديد، وكذلك محاولة التأثير على الأنظمة الوليدة وعلى توجهاتها وسياساتها في المنطقة.

و في المقابل حاول التركي دخول الخط العربي من خلال نقاط مختلفة منها القضية الفلسطينية و غياب دور العربي جراء نكسات مختلفة، و النمو الاقتصادي لتركيا و حاجة الشعوب العربية و خاصة السنية منها الى القيادة.

و اخرها التوتر بين الطرفين بخصوص الملف الليبي حيث كان على وشك ان يحدث توتر عسكري مباشر، عندما ذهبت الفرقاطة الفرنسية كوربيه لتفتيش سفينة شحن تركية ترفع علم تنزانيا للتحقق مما إذا كانت تقوم بتهريب أسلحة إلى ليبيا.

و هذا الصراع في ليبيا قد يصل شظاياه الى المنطقة المغاربية حيث كل دولة تسعى الى تنامي نفوذها في الدول المجاورة لليبيا.

فاليوم الصراع بين الطرفين على القيادة و الثروات في مدن بحر المتوسط منها ليبيا و لبنان و العراق و سوريا، و بالتالي فرنسا نسجت تحالفات مع دول عربية لمواجهة التمدد التركي مثل مصر و الامارات و في المقابل تستثمر في نقاط الضعف لدى تركيا و منها الملف الكردي حيث تجري اتفقات مع العراق، اضافة الى تشابك مصالح مع الدولة السورية بخصوص الخصم المشترك تركيا.

و في المقابل تستثمر تركيا بزعامة السلطنة العثمانية و خصوصا في جل وجود خيبات لدى الشعوب العربي و الفراغ الذي انتجته السلطة السياسية العربية اضافة الى الاستثمار بالفوضى الموجودة في المنطقة، اضافة الى ملف الهجرة الغير الشرعية.

اضف الى ذلك هناك خيبات لدى الدولتين على سبيل المثال فرنسا لم تحصل على دعم الاتحاد الاوروبي في مواجهتها مع تركيا و خصوصا في المواجهة الليبية و تركيا ينحسر دورها الاقتصادي بفعل تأثرها بجائحة كورونا مما يؤدي الى ضغوط داخلية على الساسة الاتراك.

المرحلة المقبلة ستكون حساسة على الطرفين و الجميع يحاول ان يكسب في الوقت الضائع الى حين حدوث تسوية اميركية-ايرانية التي قد تحدث خرقا بهذا التوتر بين الطرفين و خاصة ان لا رغبة بالمواجهة المباشرة مما سيؤدي الى حروب باردة طويلة الامد و يتأثر بها دول عديدة في المنطقة.

التدقيق المالي الجنائي في لبنان من “كرول” الى “ألفاريز” فمن هي ؟

اذا كان تدقيق الاحتيال هو الكشف عن أسباب حصول أخطاء جوهرية، فإن وظيفة المحاسبة الجنائية أبعد من ذلك. فهي تقوم على تقييم الخسائر وتوثيق الأدلّة وليس عملها مرتبطاً بوجود الشكّ أو الشكوى أو غيرها، بل عليها أن تقدّم خدمات الدعم القضائي والتحقيق المحاسب للدوائر والشركات والوحدات الحكومية لمساعدتها على إصدار أحكامها، ومنع واكتشاف الجرائم الاقتصادية ذات الأبعاد المحاسبية من خلال منظومة من المعارف والخبرات في مجال المحاسبة والتدقيق والقانون والكمبيوتر مدعومة بقدرات ومهارات شخصية في مجالَي التواصل والتحقيق.

والمحاسبة الجنائية من أقدم المهن التي مارسها المصريون. فقد كان للفرعون شخص يعمل كمحاسب جنائي، ويراقب مخزونات الحبوب والذهب وغيرهما من الأصول. ويتم انتقاء هذا الشخص لكونه جديراً بالثقة ومسؤولاً وقادراً على التعامل مع مواقع النفوذ.

غالباً، يتم استدعاء المحاسبين الجنائيين مباشرة بعد ظهور أدلّة أو شكّ في وجود احتيال من خلال ادّعاء أو شكوى أو اكتشاف. يسهم المحاسبون الجنائيون في ترجمة المعاملات المالية المعقدة والبيانات الكمية إلى مصطلحات يمكن أن يفهمها الأشخاص غير المتخصصين. ويعتمد المحاسب الجنائي على موارد مختلفة للحصول على أدلّة مالية ذات صلة وتفسيرها وتقديمها بطريقة مفيدة. إن إشراك المحاسب الجنائي يكون دائماً تفاعلياً، وهذا يميّزه عن مدقّقي الاحتيال، إذ يميل إلى المشاركة بنشاط في الوقاية والكشف في بيئة مؤسّسية أو تنظيمية.

على سبيل المثال، في حالة عدم التزام أحد المصارف بمتطلبات معيار الأدوات المالية (IFRS9)، يتوجّب على المدقّق المالي الإشارة في تقريره إلى هذا الخطأ بصفته من «الأخطاء الجوهرية» التي تؤثّر على قرارات مستخدمي البيانات المالية. بينما يتولى مدقّق الاحتيال والمحاسب الجنائي البحث عن الأسباب الذي أدّت إلى حدوث الخطأ وإذا كانت تنطوي على عمليات احتيال، بالإضافة إلى احتساب كلفة الخسائر الناتجة من هذا الخطأ.

مجالات خبرة المحاسبين الجنائيين تتعدّى المحاسبة والتدقيق إلى مهارات التحقيق الجنائي والمقابلات وكتابة التقارير والشهادة كشهود خبراء. يدرَّب المحاسبون الجنائيون على الرّد على الشكاوى الناشئة في المسائل الجنائية، وبيانات المطالبات الناشئة في الدعاوى المدنية، والشائعات والاستفسارات الناشئة في تحقيقات الشركات. تُعطى موضوعية واستقلالية مدققي الاحتيال والمحاسبين الجنائيين أهمية قصوى.

وقد بدأ التدقيق المالي الجنائي بالمؤسسات مع أول احتيال كبير للشركات هو الاحتيال المعروف باسم فقاعة بحر الجنوب). حيث تأسّست شركة بحر الجنوب (SSC) في بريطانيا عام 1711، بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأعطيت لاحقاً الحقّ الحصري بالمتاجرة في بحار قارة أميركا الجنوبية. في عام 1719 اقترحت الشركة مخططاً يقضي بتحملها الدين العام في بريطانيا، والمقدر بأكثر من 30 مليون جنيه إسترليني، عن طريق دعوة المستثمرين بالاكتتاب في أسهم الشركة مقابل السندات الحكومية التي يحملونها. ورغم أن بنك إنكلترا عرض تحمّل الدين، إلّا أن البرلمان وافق على تولّي الشركة هذا الدين. قادت شركة بحر الجنوب ارتفاع سعر السهم من خلال وسائل اصطناعية، موهمة المستثمرين بعوائد على الأسهم تفوق بكثير تلك المحققة من السندات الحكومية، ما أدّى إلى تهافت المستثمرين على الاكتتاب في أسهم الشركة. وفي جنون المضاربة هذا، ارتفعت قيمة سهم الشركة من 128 جنيهاً إسترلينياً إلى 1000 جنيه إسترليني خلال الفترة بين كانون الثاني وآب من عام 1720. وبعدما شاع خبر أن الأسعار المتداولة تفوق بكثير القيمة الحقيقية لأسهم الشركة، بدأت عمليات بيع الأسهم بالتسارع من قِبل مديري المحافظ بداية، ثم المستثمرين للاستفادة من أرباح الأسهم الضخمة. وبحلول نهاية شهر أيلول من السنة نفسها، انخفض سعر السهم إلى 150 جنيهاً إسترلينياً.

ألفاريز آند مارسال

تأسست شركة ألفاريز آند مارسال عام 1983 بجهود مشتركة بين طوني الفاريز و براين مارسال لمساعدة القطاعين العام و الخاص على تطوير انفسهم و لمساعدتهم في التدقيق الحسابي و التدقيق المالي الجنائي و مقرها الرئيسي في نيو يورك.

وهي أحد الشركات الرائدة على المستوى العالمي والتي تختص في تقديم الخدمات الاستشارية لتحسين أداء الأعمال ومراحل إدارة التحول.

وتمتلك ألفاريز آند مارسال أكثر من 4500 مختص من نخبة كبار الاستشاريين ذوي الخبرات العالمية موزعين على أربع قارات حول العالم، وتقدم ألفاريز آند مارسال خدمات استشارية مميزة للشركات، ومجالس الإدارة، وشركات الأسهم الخاصة، وشركات المحاماة والجهات الحكومية التي تواجه تحديات معقدة وتسعى إلى تحقيق نتائج ملموسة. إضافة إلى مجموعة من الخبراء في هذا القطاع الذين يكرسون خبراتهم لمساعدة قادة الأعمال على تحويل التغيير إلى أحد الأصول التجارية، وإدارة المخاطر وتحقيق قيمة أفضل في جميع المراحل، مستفيدين من إرث الشركة وسجلها في تحقيق النجاحات.

الشركة لديها مكاتب في حوالي ثلاثون دولة ، وقد عملت في ملفات مختلفة حول العالم و في منطقة شرق الاوسط تعمل في ملفات مختلفة في الخليج العربي و ابرزها في المملكة العربية السعودية حيث تم تعيين أول سيدة سعودية دينا ابو عنق في منصب رئيس تنفيذية للشركة عام 2018 في الممكلة حيث دليل على مدى نية الشركة التوسع في المنطقة  ، و بالتوازي لديها وجود أساسي في الامارات العربية المتحدة حيث يوجد لديها مكتب أساسي هناك.

و من أبرز أنشطة الشركة في المنطقة العربية كان التدقيق المالي في مصارف المملكة العربية السعودية و الامارات العربية المتحدة و آخرها كان تقييم لادام مصارف الامارات في الربع الاول لسنة 2020.

لبنان و ألقاريز آند مارسال

لنبدأ اولا بموضوع ماذا أدى إلى الاطاحة بشركة كرول؟ هل فعلا علاقتها بإسرائيل؟ او لديها خبراء يهود؟ رغم انها كانت تتعاون مع مصرف لبنان سابقا؟ و هل هناك من يصدق ان ليس جميع تلك الشركات العالمية لديها موظفون اسرائيليون؟ و لماذا بعد عدة أشهر اتى تقرير امني بذلك؟

من هنا ممكن ان نقول ان الموضوع اكبر ن ذلك و لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو الاتفاق مع هذه الشركة و كيف سيكون و ما هي المعوقات التي كانت مع كرول و ليست مع ألفاريز !!

عسى ان ياخذ التدقيق المالي الجنائي مجراه و يعمل بالتوازي على إنشاء محكمة خاصة بالجرائم المالية لكي يتم محاسبة فعلا المسؤولين و هذا التدقيق الجنائي يجب ان يمتد غلى مؤسسات مختلفة ساهمت في هدر المال العام مثل الكهرباء و مجلس الانماء و الاعمار و مجلس الجنوب و غيرها.

و لكن لكي نكون ايجابيين ان خطوة تلزيم الشركة بالتدقيق المالي الجنائي تعد خطوة متقدمة في ظل الانحطاط السياسي و المالي و المحاسبي في وطن إسمه لبنان.