لماذا طرابلس ؟

إن عدنا الى التاريخ طرابلس لم تشعر بوجود الدولة سوى بالأمن ما قبل الحرب الاهلية حتى اليوم، وذلك يؤدي الى ازمة هوية لطرابلس حيث بعد استقلال لبنان انتمت الى الخط العروبي خلال حقبة الرئيس جمال عبدالناصر و من بعدها سيطرة عليها القضية الفلسطينية حيث عاش فيها ايضا الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات، و من بعدها بسبب الفراغ السياسي و الفوضى لجأت الى الفكر الاسلامي من خلال حركة التوحيد الاسلامي و من بعدها تخلت عن هذه العباءة لصالح الدولة في لبنان، و لكن لم تشعر بوجود الدولة اللبنانية منذ اتفاق الطائف، تشعر بأن هناك قرار سياسي ما ببقاء منطقة شمال لبنان بعيدة عن منطق المواطنة، و لكن رغم كل تلك الظروف التي همشت فيها المدينة أراد ابناء الشمال اثبات انتماءهم الى لبنان خلال انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 حيث لقبت بعروسة الثورة.

الاهمال خلال حقبة ما بعد اتفاق الطائف

خلال تلك الحقبة كان يوجد قيادات و احزاب متنوعة في المدينة مثل رئيس الحكومة الاسبق الشهيد رشيد كرامي و الراحل الدكتور عبدالمجيد الرافعي و الشهيد خليل عكاوي (ابو عربي)، كانت المدينة تشعر بجزء من الانتماء بسبب وجود قيادة محلية و ايضا لعب دور الوسيط و جلب الحقوق لابناء المدينة من الدولة، و لكن تلك الحقبة كانت خلال الحرب الاهلية و الفوضى، ما بعد اغتيال كرامي و المضي باتفاق الطائف، بدأ مشهد الشعور بالتهميش بالتنامي يوما بعد يوم وسنة بعد سنة.

مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري

خلال تلك المرحلة وضعت اجندة انماء المدينة على الرفوف، حيث عاش المواطن على الاقتصاد الذاتي و لكن كانت حاضنة اقتصادية لمنطقة الشمال تجاريا في تلك الحقبة ، من دون تطوير بنيته التحتية و استثمار المرافق الاقتصادية المختلفة في المدينة و الشمال (معرض رشيد كرامي، مرفأ طرابلس ، المنطقة الاقتصادية و غيرها)، يقال ان اسباب هذا التهميش كان جراء قرار سياسي، و لكن ان ذهبنا الى ارض الواقع السبب هو غياب القيادة السياسية في المدينة، اضافة الى اولوية السلطة المركزية بانماء العاصمة و سيطرة منطق المحاصصة.

مرحلة ما بعد استشهاد الرئيس الحريري

خلال هذه المرحلة تخبطت المدينة سياسيا و اقتصاديا، على الصعيد السياسي تخبطت المدينة بمنعطفات مختلفة اثرت سلبا بدأت من اغتيال الرئيس الحريري، احداث نهر البارد 2007، الى احداث 7 ايار 2008، 22 جولة  عنف في المدينة، الحرب السورية و انحسار دور القيادة السياسية. جميع تلك المراحل ادت الى الشعور بالتهميش السياسي للمدينة ما ادى الى رحلة البحث عن بديل للخروج من هذا الشعور، حاول البعض استغلال غضب الشماليين لجرهم الى التطرف كمشروع بديل و لكن لم ينجح، فالمدينة و اهالي الشمال بشكل عام وقفوا دائما الى جانب المؤسسات الامنية خلال المحن الرئيسية مثل احداث نهر البارد، احداث طرابلس، الاحداث مع بعض المجموعات المتطرفة.

اما على الصعيد الاقتصادي انهار ما تبقى من المقومات الاقتصادية في المدينة ، فخسرت الحاضنة الاقتصادية شمالا خاصة بعد جولات العنف حيث عمدت المناطق المجاورة على خلق بديل اقتصادي مثل عكار و الكورة و زغرتا، هذا ناهيك عن ازمة اللجوء السوري و المؤثرات الاقتصادية و الاجتماعية لتلك الازمة، اضافة الى اختفاء مبادرات السلطة المركزية لانماء الشمال.

المرحلة الحالية

 شهدت الاشهر الماضية جمود سياسي تخللها بعض المبادرات و لكن على الصعيد الاجتماعي بظل انهيارالاقتصاد الوطني و فلول جائحة كورونا لم تعمد السلطة السياسية على تحريك جفن و لعب دور المبادرة حيث اصبح المواطن يغرد وحيدا. ما ادى للوصول الى ارقام مخيفة في لبنان عامة و في الشمال خاصة، فبدأنا نتحدث شمالا عن اكثر من 70 بالمئة دون خط الفقر و نسب البطالة ارتفعت بشكل كبير حيث الارقام تتحدث عن انها اكثر من سبعون بالمئة لدى الشباب، ناهيك عن نسب التسرب المدرسي و اقفال المؤسسات و غيرها من الارقام.

هذا على الصعيد الاقتصادي اما على الصعيد السياسي المدينة تشهد فراغا سياسيا كبيرا لا قيادة لا ادراة و لا مبادرة ، مما يؤدي الى مزيد من التوتر الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي.

هذا في العام اما ان اردنا ان نتعمق، المشكلة في المدينة اكبر من ازمة اقتصادية و سياسية بل يوجد فيها ازمة ثقة في الدولة و يوجد فيها شعور بالتهميش جراء تراكم ممارسات خلال العقود الماضية، هذا الغضب اصبح يؤدي الى الافتراق الجزئي عن هوية لبنان و عن الدستور اللبناني حيث اصبح فكر الانفصال عن السلطة المركزية مقبول ، وهذا الشعور ليس فقط في طرابلس بل في معظم المناطق التي اهملت خلال العقود الماضية.

ما حصل في طرابلس حله ليس امني، بل حله بقرار سياسي جدي في احتضانها و احتضان جميع المناطق المهمشة و الا الذهاب الى مشروع شبه “فدرلة” يعطي القوى المحلية ان تلعب دورا اكبر في انماء مناطقها لتكون بديل لتلك الازمة.

للاسف اعتقد ان السلطة المركزية بفضل ممارساتها، لا يوجد مؤشر ايجابي للذهاب الى هذا المنطق، فلنذهب الى اللامركزية الموسعة بطريقة سلمية افضل من ان يسقط دم مستقبلا للوصول الى هذا الحل، لأن السلطة المركزية سقطت لدى مختلف المكونات اللبنانية التي اوصلت لبنان الى ما هو عليه اليوم.