مقالات

من دكاكين السياسة إلى دكاكين القضاء في لبنان… هل ننتقل إلى دكاكين الأمن؟

يعاني لبنان منذ استقلاله حتى اليوم من أزمة هوية ونظام، في كل فترة يتم تعديل مقومات النظام تارة بطرق مباشرة من خلال تعديل الدستور، وتارة أخرى من خلال الحروب، وأحياناً من خلال استعمال النفوذ الخارجي. كل هذه العوامل لم تنتج دولة بل أسقطت كل مفاهيم المؤسسات.
قبل الطائف
ما قبل اتفاق الطائف الفترة الذهبية التي كانت في لبنان بموضوع دولة المؤسسات وبدء رحلة الألف ميل كانت خلال عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب حيث طور الكثير من القوانين وفعّل الإدارة العامة. ففي عهده أقر قانون الضمان الاجتماعي، وتنظيم المالية ومصرف لبنان، والإنعاش الاجتماعي، ونظم الجيش وقوى الأمن الداخلي، وحدّث التربية والتعليم، والبنية التحتية في كافة المجالات إضافة إلى حقوق الإنسان.
ولكن في الوقت عينه كان يأخذ في الاعتبار المعوقات الداخلية والخارجية. فوضع الحد الأدنى لبناء دولة خارج إمارة الطوائف، ولكن مع حدوث المتغيرات في المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية والحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، جرى تجميد كل الإصلاحات التي بدأ بها شهاب وأصبحت الأولوية للصراع على النفوذ ومن بعدها دخلنا في نفق الحرب الأهلية.
ما بعد اتفاق الطائف
جاء اتفاق الطائف وأوقف الحرب حيث كانت طموحات اللبنانيين أكبر بكثير مما تحقق، حيث لم تعمد السلطة إلى تطبيق الإصلاحات المذكورة في الطائف، وطوقت إصلاحات شهاب من معظم النواحي. لعب الدور السوري في ضبط الإيقاع داخلياً من خلال القوة والأمن، وأصبح لبنان يعيش بدولة من دون هيكل أو يمكن أن نسميها بالسلطة الوهمية من دون أي تطوير للمؤسسات والعمل على بناء دولة القانون والمؤسسات، فأصبح يوماً بعد يوم يتدمر خط الطريق الذي رسمه فؤاد شهاب.
ما بعد اغتيال الرئيس الحريري
جاء اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقصم ظهر البعير حيث عدنا إلى نقطة الصفر، ورجعنا إلى الخلافات والصراعات الداخلية على النفوذ والدخول مجدداً بلعبة المحاور. أصبح كل فريق يريد أن يضع أوراق قوته على الطاولة والعمل على استقطاب حاشيته تارة بخطابات طائفية وتارة بالزبائنية السياسية.
طبعاً عملت هذه السلطة على تطويق شهاب والطائف من جديد، ما أدى إلى انهيار شبه كامل في المرحلة الحالية لأسباب داخلية بسبب تفشي وباء الفساد وعدم التخطيط،هدر المال العام، عدم بناء دولة المؤسسات، والعوامل الخارجية بسبب المتغيرات السياسية في المنطقة منذ بداية الربيع العربي حتى اليوم، إضافة إلى المتغيرات السياسية الدولية حيث أرضخت الطبقة السياسية في لبنان إلى اللعبة الخارجية بسبب بناء كانتوناتها الطائفية وتدمير نهج المؤسسات. أصبح القضاء مسيساً، الأمن مسيساً، التوظيف مسيساً، حتى الرغيف مسيساً، فالنظام اللبناني أصبحت ركيزته الأساسية هي الزبائنية السياسية.
استقلالية القضاء
في الأيام الأخيرة شهدنا نزاعاً قضائياً، فضح هشاشة السلطة القضائية التي كان البعض يتفاخر بها، فلبنان يعيش الاستنسابية القضائية حسب المثل اللبناني “كل من إيدو إلو” رغم حساسية الملفات وأهميتها والتي يجب أن يحاسب كل من هو مرتكب في جميع الملفات التي أوصلت المواطن اللبناني إلى الذل وإفلاس المالية العامة.
ولكن أهم ركن من أركان القضاء هو المصداقية والاستقلالية ومن هنا لكل من يتحدث عن اهتراء القضاء وفساده، فلتتفضل الكتل النيابية بإقرار قانون استقلالية القضاء وفصل القضاء عن السياسة، من خلال تعزيز استقلالية المؤسسات الناظمة للقضاء مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي، تعزيز ضمانات استقلالية القاضي، ضمان حقوق المتقاضين في حسن أداء المرفق العام وتقديم شكاوى ومحاسبة المخالفات القضائية والتوفيق بين التنظيم الهرمي للنيابة العامة واستقلالية القضاة العاملين.
فقانون استقلالية القضاء يجب أن ينطلق من مسودة مشروع قانون للمفكرة القانونية منذ عام 2018 والتي مضى عليها 352 قاضياً، وليس مثل القوانين التي يقرها مجلس النواب التي تكون مفرغة من أدواتها التنفيذية أو مبهمة.
هشاشة مختلف قطاعات الدولة
هذه الهشاشة التي شهدناها في أحد أهم خصائص الدولة أي العدل، موجودة في جميع مؤسسات الدولة حتى في الأمن، ما قد يفتح الباب في مرحلة لاحقة إلى تخبط واستنسابية فاضحة حتى في هذه القطاعات وكل ذلك سيؤدي إلى هشاشة أمنية وصدامات في الشارع من قبل موالي السلطة نفسها.
كل هذا السياق يأتي من ضمن العنوان الأهم في المرحلة المقبلة أي توزيع الخسائر جراء الانهيار المالي وكل فريق سيعمل على حماية نفسه وأزلامه وكل فريق سيستعمل جميع أوراقه. سيأتي ذلك من ضمن سياق الاستمرار بتدمير دولة المؤسسات وتكريس الزبائنية السياسية والحل لن يكون إلا بالعودة إلى ذهنية شهاب وتحقيق الإصلاحات المطلوبة لبناء الجمهورية الثالثة تحت عنوان العدل، الشفافية والمساواة.

لماذا طرابلس ؟

إن عدنا الى التاريخ طرابلس لم تشعر بوجود الدولة سوى بالأمن ما قبل الحرب الاهلية حتى اليوم، وذلك يؤدي الى ازمة هوية لطرابلس حيث بعد استقلال لبنان انتمت الى الخط العروبي خلال حقبة الرئيس جمال عبدالناصر و من بعدها سيطرة عليها القضية الفلسطينية حيث عاش فيها ايضا الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات، و من بعدها بسبب الفراغ السياسي و الفوضى لجأت الى الفكر الاسلامي من خلال حركة التوحيد الاسلامي و من بعدها تخلت عن هذه العباءة لصالح الدولة في لبنان، و لكن لم تشعر بوجود الدولة اللبنانية منذ اتفاق الطائف، تشعر بأن هناك قرار سياسي ما ببقاء منطقة شمال لبنان بعيدة عن منطق المواطنة، و لكن رغم كل تلك الظروف التي همشت فيها المدينة أراد ابناء الشمال اثبات انتماءهم الى لبنان خلال انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 حيث لقبت بعروسة الثورة.

الاهمال خلال حقبة ما بعد اتفاق الطائف

خلال تلك الحقبة كان يوجد قيادات و احزاب متنوعة في المدينة مثل رئيس الحكومة الاسبق الشهيد رشيد كرامي و الراحل الدكتور عبدالمجيد الرافعي و الشهيد خليل عكاوي (ابو عربي)، كانت المدينة تشعر بجزء من الانتماء بسبب وجود قيادة محلية و ايضا لعب دور الوسيط و جلب الحقوق لابناء المدينة من الدولة، و لكن تلك الحقبة كانت خلال الحرب الاهلية و الفوضى، ما بعد اغتيال كرامي و المضي باتفاق الطائف، بدأ مشهد الشعور بالتهميش بالتنامي يوما بعد يوم وسنة بعد سنة.

مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري

خلال تلك المرحلة وضعت اجندة انماء المدينة على الرفوف، حيث عاش المواطن على الاقتصاد الذاتي و لكن كانت حاضنة اقتصادية لمنطقة الشمال تجاريا في تلك الحقبة ، من دون تطوير بنيته التحتية و استثمار المرافق الاقتصادية المختلفة في المدينة و الشمال (معرض رشيد كرامي، مرفأ طرابلس ، المنطقة الاقتصادية و غيرها)، يقال ان اسباب هذا التهميش كان جراء قرار سياسي، و لكن ان ذهبنا الى ارض الواقع السبب هو غياب القيادة السياسية في المدينة، اضافة الى اولوية السلطة المركزية بانماء العاصمة و سيطرة منطق المحاصصة.

مرحلة ما بعد استشهاد الرئيس الحريري

خلال هذه المرحلة تخبطت المدينة سياسيا و اقتصاديا، على الصعيد السياسي تخبطت المدينة بمنعطفات مختلفة اثرت سلبا بدأت من اغتيال الرئيس الحريري، احداث نهر البارد 2007، الى احداث 7 ايار 2008، 22 جولة  عنف في المدينة، الحرب السورية و انحسار دور القيادة السياسية. جميع تلك المراحل ادت الى الشعور بالتهميش السياسي للمدينة ما ادى الى رحلة البحث عن بديل للخروج من هذا الشعور، حاول البعض استغلال غضب الشماليين لجرهم الى التطرف كمشروع بديل و لكن لم ينجح، فالمدينة و اهالي الشمال بشكل عام وقفوا دائما الى جانب المؤسسات الامنية خلال المحن الرئيسية مثل احداث نهر البارد، احداث طرابلس، الاحداث مع بعض المجموعات المتطرفة.

اما على الصعيد الاقتصادي انهار ما تبقى من المقومات الاقتصادية في المدينة ، فخسرت الحاضنة الاقتصادية شمالا خاصة بعد جولات العنف حيث عمدت المناطق المجاورة على خلق بديل اقتصادي مثل عكار و الكورة و زغرتا، هذا ناهيك عن ازمة اللجوء السوري و المؤثرات الاقتصادية و الاجتماعية لتلك الازمة، اضافة الى اختفاء مبادرات السلطة المركزية لانماء الشمال.

المرحلة الحالية

 شهدت الاشهر الماضية جمود سياسي تخللها بعض المبادرات و لكن على الصعيد الاجتماعي بظل انهيارالاقتصاد الوطني و فلول جائحة كورونا لم تعمد السلطة السياسية على تحريك جفن و لعب دور المبادرة حيث اصبح المواطن يغرد وحيدا. ما ادى للوصول الى ارقام مخيفة في لبنان عامة و في الشمال خاصة، فبدأنا نتحدث شمالا عن اكثر من 70 بالمئة دون خط الفقر و نسب البطالة ارتفعت بشكل كبير حيث الارقام تتحدث عن انها اكثر من سبعون بالمئة لدى الشباب، ناهيك عن نسب التسرب المدرسي و اقفال المؤسسات و غيرها من الارقام.

هذا على الصعيد الاقتصادي اما على الصعيد السياسي المدينة تشهد فراغا سياسيا كبيرا لا قيادة لا ادراة و لا مبادرة ، مما يؤدي الى مزيد من التوتر الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي.

هذا في العام اما ان اردنا ان نتعمق، المشكلة في المدينة اكبر من ازمة اقتصادية و سياسية بل يوجد فيها ازمة ثقة في الدولة و يوجد فيها شعور بالتهميش جراء تراكم ممارسات خلال العقود الماضية، هذا الغضب اصبح يؤدي الى الافتراق الجزئي عن هوية لبنان و عن الدستور اللبناني حيث اصبح فكر الانفصال عن السلطة المركزية مقبول ، وهذا الشعور ليس فقط في طرابلس بل في معظم المناطق التي اهملت خلال العقود الماضية.

ما حصل في طرابلس حله ليس امني، بل حله بقرار سياسي جدي في احتضانها و احتضان جميع المناطق المهمشة و الا الذهاب الى مشروع شبه “فدرلة” يعطي القوى المحلية ان تلعب دورا اكبر في انماء مناطقها لتكون بديل لتلك الازمة.

للاسف اعتقد ان السلطة المركزية بفضل ممارساتها، لا يوجد مؤشر ايجابي للذهاب الى هذا المنطق، فلنذهب الى اللامركزية الموسعة بطريقة سلمية افضل من ان يسقط دم مستقبلا للوصول الى هذا الحل، لأن السلطة المركزية سقطت لدى مختلف المكونات اللبنانية التي اوصلت لبنان الى ما هو عليه اليوم.

زيارة مدير كلية العلوم السياسية في جامعة العلوم سياسية في باريس

11947527_10153043674377811_5787954227177912135_nقام شادي نشابة بزيارة  خبير ملف الشرق الاوسط في جامعة العلوم السياسية في باريس حيث تم التباحث في امور الشرق الاوسط و الوضع في المنطقة كما تم التطرق حول وضع الشباب اللبناني و حاجاتهم، إضافة تم التباحث إلى وضع المؤسسات الرسمية و كيفية تبادل الخبرات في سبيل تحسين وضع المؤسسات الحكومية و تبادل القدرات في مواضيع مشاريع القوانين التي تساهم في تقدم الخدمة العامة. 

زيارة نشابة إلى البرلمان في السويد

chadi and roger haddadقام شادي نشابة بزيارة النائب في البرلمان السويدي روجيه حداد في مجلس النواب في السويد حيث تباحثا في وضع الشباب في منطقة شرق الأوسط و الوضع السياسي و الإجتماعي في لبنان و دول الجوار. حيث إتفق الطرفين على مزيد من التعاون و التنسيق لما فيه مصلحة البلدين و المجتمعين. كما جال نشابة بعد الإجتماع على آلية العمل في البرلمان و تم تبادل الهدايا بين الطرفين و في الختام شكر نشابة النائب الشاب على إستقباله و إهتمامه و حيثوا أن الشعب اللبناني يفتخر بلبنانييه في الإغتراب.

chadi gift swedish parliament

زيارة نشابة رئيس حركة شباب لبنان

11749617_10206974257852412_6869478_n

 

قام شادي نشابة بزيارة رئيس حركة شباب لبنان ايلي شوقي صليبا  حيث جرى البحث في أبرز الشؤون الوطنية لا سيما الطرابلسية منها والتأكيد على اعتدال الطرابلسيين لا سيما الشباب منهم وبعدهم عن التطرف، كما أثنى نشابة على أهمية التواصل بين كافة شرائح المجتمع اللبناني من جنوبه إلى شماله حيث لبنان بحاجة إلى طاقة جديدة تخدم الوطن  كما

أثنى صليبا على دور نشابة في انماء مدينة طرابلس ومساعدة أهلها وتوجيه شبابها وأكد الطرفان على التعاون بين الحركة و نشابة.

دراسة حول أهمية اللامركزية الإدارية في لبنان

اللامركزية الإدارية في لبنان

إننا كلبنانيين نفتقر جميعنا إلى مزيد من التضامن ، و إلى مزيد من الأصالة ، و الإنسجام في السلوك في القضايا العامة. فاللامركزية الإدارية  هي ممكن أن تكون حل و ذلك عبر  توزيع السلطة جغرافيا و عبر إنشاء حالة من الإنماء المتوازن و إشراك المجتمع المحلي في تحديد حاجاته و أولوياته.

فعانت اللامركزية الإدارية في المجال الثقافي اللبناني إما تقليصا لها ، بوصفها مجرد تقسيم جديد للمحافظات و الأقضية ، و إما توسيعا لمفهومها لتستوعب الإصلاح برمته. فهي ليست مجرد تقسيم إداري، و ليست كل الإصلاح كذلك.

فمثلت اللامركزية الإدارية إتجاها عالميا واسعا منذ أوائل السبعينات . فقد أدركت حكومات عدة في كل أنحاء أوروبا و آسيا و أميركا ، أن إدارة الموارد و توفير الخدمات و تقنين المشاركة السياسية هي من الإتساع بحيث لا يمكن أن تتولاها جهة مركزية واحدة. و إنه يمكن بل ينبغي، أن تدار المهام الحكومية و العمليات السياسية من مستويات مختلفة. وقد قامت بلدان عدة، كفرنسا و إسبانيا و إيطاليا و بريطانيا و هولندا و بلجيكا و ألمانيا، بإعادة هيكلة بناها الإدارية المحلية و منحتها سلطات أوسع ، و هو ما فعلته أيضا الولايات المتحدة و كندا و المكسيك و الهند و نيجيريا و البرازيل و غيرها.

فهذا الإتجاه العالمي نحو اللامركزية الإدارية ما هو إلا إجراء تصحيحي للمركزية المفرطة التي رافقت مراحل بناء الدولة الحديثة في القرن التاسع عشر و أوائل القرن عشرين.

فالسجال بين المركزية الإدارية و اللامركزية مستقل تماما عن المفاضلة بين الدول الموحدة و الدول الفدرالية التي شغلت بناة الأمم في القرن التاسع عشر و أوائل القرن عشرين. فمسألة الدولة الموحدة أو الفدرالية هي مسألة سياسية مرتبطة بالسيادة السياسية و أسس المجتمع السياسي.

فاللامركزية الإدارية تقوم في جوهرها على عدم إتخاذ كل القرارات و الأعمال المتعلقة بالشؤون العامة من قبل السياسيين و البيروقراطيين في العاصمة و على توزع السلطات و الصلاحيات على كل أنحاء البلاد.

فلا بد من الإشارة إلى الإختلاف المهم بين اللامركزية الإدارية و اللاحصرية الإدارية. فاللاحصرية الإدارية هي عنصر موجود حتى في المؤسسات الشديدة المركزية، كالجيش على سبيل المثال، و هو مصطلح يطلق على التفويض المباشر للسلطة .

و بخلاف اللاحصرية تدل اللامركزية على التنازل عن بعض السلطات لمؤسسات محلية تمارس هذه السلطات بوساطة مسؤولين محليين منخبين. فممكن أن تكون جغرافية أو قطاعية ، و الصورة الأكثر شيوعا لها تتمثل بيتقسيم البلاد إلى مقاطعات جغرافية _ إدارية مثل : البلديات و الأقضية و المحافظات في لبنان.

فهي لا تنفصل جغرافيا فقط بل تنفصل هيكليا عن الحكومة المركزية و تحول إلى مؤسسات وطنية عامة أخرى. فعلى سبيل المثال لا ينتخب في بعض البلدات في الولايات المتحدة رئيس البلدية و أعضاء المجلس البلدي فحسب، بل ناظر محاسبتها و قائد شرطتها و رئيس قضائها و رئيس إطفائيتها و المدعي العام و أعضاء المجلس التعليمي و المفتش العام و غيرهم.

فجوهر اللامركزية الإدارية لا يتعلق بإضعاف السلطة المركزية بل بتقوية السلطات المحلية، و الحصيلة النهائية ليست مجرد إعادة توزيع سلطات الحكم بل زيادة في السلطات الحكومية ككل. لنأخذ المصرف التجاري كنموذج: إن إنشاء و تعزيز فروع محلية لأي مصرف قد يؤديان إلى خفض نسبي لموقع المركز الرئيسي للمصرف، إلا أنه يقوي المصرف ككل.

فاللامركزية لا تنحصر بالضرورة في القطاع الحكومي ، أي إنها لا تنحصر بإنتقال المسؤوليات و المهام من جهاز الحكم المركزي إلى السلطات المحلية ، بل إنها يمكن أن تمثل أيضا إبتعاد بعض من السلطة من الحكومة بإتجاه المجتمع المدني و القطاع الخاص.

فهنا أود التكلم عن بعض مشاكل المركزية:

–          إن مركزية الإدارة و صنع القرار تبعد المواطن من السياسات و من الدولة نفسها. فلا تتسنى له الفرصة في إبداء رأيه في أعمال الحكومة أو السياسات التي تتبناها و تعمل على تحقيقها فهو ينتخب فقط البرلمان .

–          المركزية المفرطة تقلص من عملية المساءلة و قدرة المواطنين على تحديد ما هي مسؤوليات المسؤولين و محاسبتهم عليها إلى الحد الذي يجعلها تكاد تختفي كليا.

–          في النظام الإداري الشديد المركزية الذي يتخذ القرار ات كافة، تكون السياسات و البرامج الحكومية نتيجة المساومات بين حفنة من السياسيين و ليست الحاجات و المطالب  المحلية.

–          من المنظار المالي من المرجح أن يواجه النظام الشديد المركزية الذي يعتمد بشكل كلي على الضرائب الوطنية الموحدة و على الإنفاق الموحد ، صعوبات هائلة في تحصيل الإيرادات ، و يعود ذلك إلى عدة أسباب: الضرائب المجباة تذهب إلى الحكم المركزي في  حين أن المواطن العادي لا يملك أي رأي في سبل إنفاقها. ثانيا، الأموال المحصلة ليست مرصودة لمشاريع معينة و لمناطق معينة.

–          من المنظار التنموي، فإنه من المرجح أن تكون السياسات التي تنبع من المساومات و ليس من الإستجابة إلى الحاجات و الأولويات الحقيقية للبلاد خاطئة في جوهرها و وجهتها.

–          من المرجح أن تنمو العقلية الإتكالية بحيث يفقد المواطنون روح المبادرة سياسيا و إجتماعيا و يزداد تدريجا إعتمادهم على الدولة في توفير كل شيء من الطرق و الكهرباء و المدارس و المستشفيات و الماء إلى فرص العمل و الإزدهار الإقتصادي.

أما فوائد اللامركزية الإدارية :

–          اللامركزية الإدارية تؤدي إلى تركيز إهتمام الموظفين العامين على مطالب الشعب الحقيقية و ليس على إملاءات النخبة الحاكمة المركزية و أوامرها.

–          تساعد اللامركزية على تقريب القرارات العامة من الناس و تبعدهم من السياسيين و يعود ذلك إلى سببين:

الأول ، في ما يتعلق بالشؤون المحلية ، سيكون الأهالي قادرين على فهم القضايا التي تكون مطروحة للمناقشة. و الثاني الأهالي ليسوا بعيدين أو غائبين عن الساحة السياسية المحلية كما هي الحال غالبا على المستوى الوطني العام.

–          اللامركزية هي وسيلة لزيادة مساءلة الشعب للحكومة و ذلك لثلاثة أسباب هي :

أولا، من السهل على المستوى المحلي تحديد الأشخاص المسؤولين عن الأداء الإداري و ذلك بخلاف الحكومة المركزية بحجمها الواسع و بنيتها المعقدة. ثانيا ، إن تحقيق الشفافية في الإدارة أمر سهل على مستوى الحكم المحلي و بالتالي يمكن الأهالي أن يعرفوا بشكل دقيق كل ما يتعلق بعمل الإدارة، و خصوصا ما هي الأعمال التي تقوم بها أو لا تقوم بها.

–          تمتاز الشؤون المطروحة على المستوى الإداري المحلي ببساطتها و قابليتها للفهم من قبل الأهالي ، و بالتالي فإنه من المرجح أن يختار الأهالي مسؤوليهم المحليين بناء على إدراكهم الواضح لأولوياتهم و مصالحهم.

–          أما على الصعيد النمو الإقتصادي فإن اللامركزية تنحو إلى تشجيع النمو المتوازن و المتكافىء، و يعود ذلك إلى أن اللامركزية تعطي الشعب دورا أكبر كثيرا في عملية صنع القرار من النظام المركزي، و تتطلب توافقا وطنيا على خطط التنمية الوطنية أكثر إتساعا مما تطلبه الأنظمة المركزية التي يصنع القرار فيها بعض النخب في العاصمة.

–          تسمح اللامركزية بإعتماد برنامج للتنمية الوطنية أكثر عقلانية و صقلا. و يعود ذلك نظرا إلى إختلاف الحاجات و الفرص بإختلاف المناطق.

–          تساهم اللامركزية الإدارية بالطبع في عدم تمركز رأس المال و الإستثمار في العاصمة  و بالتالي تساعد على اللامركزية الإقتصادية.  و تساعد المقاربة المتنوعة للتنمية  على التنافس بين المناطق لتأمين إستثمارات و فرص عمل.

–          اللامركزية الإدارية تتفادى مشكلة الجمود الإداري ، إذ أن وجود هيئة واحدة في البلاد لصنع القرار يجعل من عملية صنع القرار عملية بطيئة جدا وقد تتعطل تماما أحيانا.

–          كما ساجل العديد  من المنظرين السياسيين، فإن الإدارة المحلية تساهم بشكل متكامل في تثقيف و تكوين المواطنين ديمقراطيين قادرين و فاعلين ، فهي تعطيهم المعلومات و الخبرات المتعلقة بالشؤون العامة في مستوى يمكنهم في فهمها و التفاعل معها بسهولة.

–          على صعيد التمثيل الديمقراطي ، هو الآلية الرئيسية في الأنظمة الديمقراطية التحديثية التي تحافظ على دور الشعب في صنع القرار، يؤسس الحكم المحلي لنظام تمثيلي يتميز ببقائه على مسافة قريبة من الناخبين.

–          يعزز الحكم المحلي الإنسجام و التوافق الإجتماعي، فهو يتيح للسكان المحليين و ممثليهم فرصة إكتساب الخبرة في مجال حل الأزمات و الصراعات في إطار مجتمع محلي يمكن إدارته.

–          يحدد الحكم المحلي طابع العمل السياسي و ينحو إلى توجيهه بإتجاه المقاربات الأكثر هدوءا و عقلانية.

–          تنمي اللامركزية المساواة السياسية عبر توسيع هامش المشاركة السياسية في أنحاء البلاد كافة و مضاعفة الفرص و المستويات للناس من كل الأنواع للمساهمة في صنع القرار.

اللامركزية و اللاحصرية في جهاز الإداري اللبناني:

إن الهيكلية الإدارية في لبنان هي وريثة النظام العثماني و نظام الإنتداب الفرنسي و كلاهما شديد المركزية. و من الأسباب الرئيسية لعدم تطور الإدارة و لركودها في لبنان هو إستمرار الخلط بين اللامركزية الإدارية و المركزية السياسية، أي بين اللامركزية و الفدرالية. فمعاناة لبنان مع الفدرالية و مخاطر التفكك السياسي هي معاناة تاريخية و بنيوية.

فالإدارة في لبنان تقوم على مستويين :

–          مستوى الحكومة المركزية الوطنية و مستوى البلديات المحلية. و تمارس الحكومة المركزية سلطتها بصورة مباشرة من العاصمة و عبر الوزارات المركزية المتمركزة فيها التي لها فروع في المحافظات الخمس ، و كذلك تبسط الحكومة المركزية سلطتها عبر المحافظين المعينين الذين يمثلون الحكومة المركزية في مناطقهم و ينسقون أعمال الوزارات المختلفة في محافظاتهم، إضافة إلى القائمقامين المعينين الذين يمثلون الحكومة و المحافظين في الأقضية، و حتى على مستوى القرية أو المحلة فهناك المختار و هو منتخب و ليس معينا إلا أنه يخضع أيضا للسلطة المركزية و يمثلها في المعاملات المحلية.

الإدارة المحلية في وجهها المركزي :

المحافظات :

–          مقسم لبنان اليوم إلى ثمان محافظات و يدير شؤون كل محافظة المحافظ الذي يعين من حملة الإجازة في الحقوق أو ما يعادلها         ، بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء و يعد من موظفي الفئة الأولى و يتعين عليه أن يقيم في مركز المحافظة.

و يؤدي المحافظ دورا مهما في نطاق المحافظة شبيها بالدور الذي يؤديه المحافظ في فرنسا. فهو يمثل جميع الوزارات ، ما عدا وزارتي العدل و الدفاع الوطني، و بالتالي هو يدير أجهزة الوزارات في المحافظة ، و هو الرئيس الأعلى لجميع موظفي الدولة في محافظته، و بوساطته يجب أن تتم المخابرات بين الإدارة المركزية في العاصمة و بين دوائرها في الأقاليم، كما يعد الرئيس المباشر لقائمقامي الأقضية التابعة له.

الأقضية:

–          الأقضية هي الحلقة الثانية ، على المستوى الإقليمي للإدارة المركزية و هي تشبه إلى حد بعيد الدوائر في فرنسا. و تتوزع الأقضية في نطاق المحافظات على 24 قضاء هي التالية :

–          أقضية صيدا و صور و جزين في محافظة لبنان الجنوبي.

–          أقضية النبطية و مرجعيون و بنت جبيل و حاصبيا في محافظة النبطية.

–          أقضية بعبدا و المتن و كسروان و جبيل و الشوف و عاليه في محافظة جبل لبنان.

–          أقضية طرابلس و عكار و زغرتا و بشري والبترون و الكورة في محافظة لبنان الشمالي.

–          أقضية زحلة و بعلبك و راشيا و البقاع الغربي و الهرمل في محافظة البقاع.

–          قضاء بيروت في محافظة بيروت.

و يدير شؤوون القضاء موظف يدعى القائمقام، يعين مب بين خريجي المعهد الوطني للإدارة و الإنماء، أو من بين موظفي الفئة الثالثة على الأقل في الإدارات العامة الذين يحملون إجازة الحقوق، و أمضوا سنتين على الأقل في الخدمة من الفئة المذكورة بعد نيلهم الإجازة في الحقوق.

المختارية:

–          تمتد إدارة الدولة على المستوى المحلي أيضا إلى القرى و المدن. و هي تقوم إلى جانب البلديات ، و ضمن إطارها و حتى من دون وجود البلديات أحيانا، عن طريق المختار و المجالس الإختيارية.

البلديات:

–          تقوم الإدارة المحلية أو الإدارة اللامركزية في لبنان على مستوى واحد هو البلدية. و البلدية هي الخلية الإجتماعية الأساسية في البلاد، في حين أن التقسيمات الإدارية الأخرى كالمحافظات و الأقضية ، هي تقسيمات مجردة ترتبط بجهاز الدولة المركزي، و لا تعكس واقعا إجتماعيا معينا كما هي البلديات.

صلاحيات المجلس البلدي:

–          إن مسألة تحديد إختصاصات المجالس البلدية هي من مشكلات الكبيرة التي عاناها التشريع الإداري و تطرق إلى معالجتها الفقه الإداري، و ذلك للصعوبة اللامتناهية في تحديد إختصاصات المجالس البلدية و التمييز بينها و بين إختصاصات السلطة المركزية، أي في تعيين المعيار الفاصل بين ما يعد من المرافق العامة المحلية و ما يعد المرافق العامة الوطنية.

رئيس البلدية أو السلطة التنفيذية:

–          يتولى السلطة التنفيذية في البلدية، رئيس المجلس البلدي، يعاونه جهاز إداري يتألف من العاملين في البلدية من إداريين و فنيين و عمال متعاقدين.

ينتخب رئيس المجلس و كذلك نائب الرئيس بالتصويت العام المباشر و لمدة ست سنوات ، مع أعضاء المجلس البلدي.

مقدار ما يحققه النظام البلدي في لبنان من لا مركزية إدارية:

إن اللامركزية الإدارية تقوم على أسس و معايير ثلاث ، يمكن في ضوئها الحكم على نظام قانوني ما ، فيما إذا كان نظاما لا مركزيا أم لا ، و درجة اللامركزية محققة فيه . و هذه العناصر هي الشؤون المحلية و السلطات المحلية و الوصاية الإدارية. فما هو مقدار توافر هذه العناصر في قانون البلديات اللبناني الحالي؟

فالقانون رأى  أن الشؤون المحلية ، التي تتميز عن الشؤون الوطنية محصورة ضمن إطار القرى و المدن. و ليس كل القرى و المدن و إنما تلك التي يزيد عدد أهاليها المقيدين في سجلات الأحوال الشخصية.

بالنسبة إلى سلطة الوصاية:

تقوم اللامركزية الإدارية على عنصر أساسي، مهم و من دونه تفقد معناها و محتواها، و هو عنصر الإستقلال الذاتي للجماعات المحلية. و الإستقلال هنا يبلور في تمكن المجالس المحلية من إتخاذ قراراتها ، في حدود ما سنه القانون من صلاحيات بمعزل عن الدولة، دون أي تدخل أو تأثير من قبلها، و بشكل يؤمن لها حريتها و إستقلالها.

و في النهاية أريد التكلم عن الموازنة و الضريبة:

إن الدستور اللبناني كرس مركزية فرض الضرائب و أناط هذا الحق بممثلي الشعب اللبناني:

” تفرض الضرائب العمومية و لا يجوز إحداث ضريبة ما أو جبايتها في الجمهورية إلا بموجب قانون شامل تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية من دون إستثناء كما أنه لا يجوز تعديل الضريبة أو إلغائها إلا بقانون.

فالضريبة تتمتع بشمولية و تطبق على جميع المواطنين و المقيمين على الأرضي اللبنانية من دون إستثناء. و الضريبة تفترض أن الإستقلال المالي للإدارة المحلية يقتضي توافر الشروط التالية:

حرية تحديد الواردات، فرض ضرائب جديدة، أو على الأقل حرية تحديد معدلات الضرائب أو مبالغها و حرية الإقتراض، حرية تحديد النفقات المحلية، و حرية إعداد و إقرار الموازنة و تنفيذها.

ففي الدول الموحدة، كفرنسا و بريطانيا و لبنان، فليس لها نظام مالي موحد. ففي حين تقرر الإدارة المركزية، في بعض هذه الدول ، الضريبة و تكون واردات الإدارات المحلية علاوات على الضرائب المركزية ، نجد السلطة المركزية ، في بعضها الآخر تكتفي بتحديد مطارح الضرائب التي يمكن الإدارت المحلية فرضها، على أن يكون لها حرية في تحديد معدلاتها و مبالغها ضمن حدود معينة ترسمها الإدارة المركزية.

أسباب عدم تشكيل الحكومة

لبنان يعيش اليوم حالة تأرجح فلا يوجد القرار في يد أحد، فتشكيل الحكومة مرتهن إلى

الأوضاع في الخارج إقليميا و دوليا…فبعد المصالحة السورية-السعودية، ترتب أوضاع جديدة على الصعيد الداخلي اللبناني…فنرى مصالحات كثيرة و هذا مريح للبنانيين، و جرت تقلبات سياسية و تموضعات سياسية جديدة مثل تموضع وليد جنبلاط و سوف يلحقه سياسيين عدة من الطرفين…
فالوضع السياسي اللبناني و تشكيل الحكومة مرتبط بعوامل خارجية عدة:
– قرار الظني للمحكمة الخاصة بشأن إغتيال الرئيس الشهيد الرفيق الحريري و التي ممكن أن تتهم حزب الله فذلك يكون لديه تداعي كبير على الوضع الداخلي اللبناني، و ذلك سبب من الأسباب التي لم تشكل فيه الحكومة حتى الآن.

– المفاوضات الأميركية – السورية التي لم تصل حتى الآن إلى نتائج ملموسة و لكن هناك إيجابيات خصوصا بعد زيارة وفد من وزارة الدفاع الأميركية و من ثم زيارة الرئيس العرقي لسوريا.

– لم يؤخذ بعد قرار بشأن الحرب على حزب الله من قبل الدولة الإسرائيلية. فكل الأمور مرتبطة ببعضها البعض.

– المفاوضات الإيرانية – الأميركية بشأن ملفها النووي فذلك يلعب دورا بشأن الوضع الداخلي و خصوصا ترتيباته تأتي تخص حزب الله في لبنان و تلعب هذه المفاوضات دورا في المنطقة ككل.

– فنتمنى على الجميع أن يحيدوا لبنان من لعبة المحاور فلتحاولوا أن تحيدوا وطنكم و لكي ينعم بإزدها و إستقرار فنتمكن من سد عجزنا و ننطلق إنطلاقة جديدة نتمكن من أن نخفف الهجرة و أن يعيش أبناء لبنان بكرامة و إستقرار.

شكرا