لماذا يُمكن حدوث إغتيالات سياسية في لبنان؟

لإغتيالات السياسية في لبنان تاريخ طويل. فعلى مدى سنوات مديدة، كان لبنان مسرحاً للعديد من الإغتيالات، بسبب طبيعة الصراعات الفكرية داخل المجتمع اللبناني، وقربه من منطقة التوتر في الشرق الأوسط، بالاخص سوريا واسرائيل، اضافة الى ساحة نزاع إقليمية ودولية بين الولايات المتحدة الاميركية وجمهورية ايران الاسلامية.

تاريخ الإغتيالات

موضوع التصفية السياسية الجسدية بدأ منذ نشؤ دولة لبنان الكبير، عندما تم اغتيال رئيس الحكومة رياض الصلح في الاردن عام 1951. استمر شبه هدوء في الاغتيال السياسي حتى عام 1975 عندما تم اغتيال النائب معروف سعد خلال تظاهرة للصيادين في صيدا، و من بعدها بدأت شرارة الحرب الاهلية، حيث تمت تصفية شخصيات سياسية مع كل انعطاف اقليمي او دولي.

خلال هذه الحرب المشؤومة، تمت إغتيالات مختلفة وابرزها المعلم كمال جنبلاط، خلال شهر آذار 1977، من بعدها اغتيال الوزير طوني فرنجية عام 1978، اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل ورفاقه في الرابع عشر من أيلول 1982 قبل 9 أيام فقط من تسلمه منصبه الرئاسي، إغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي بتفجير عبوة ناسفة في مروحية كان يستقلها من طرابلس إلى بيروت مطلع شهر حزيران من عام 1987،.اغتيال رئيس الجمهورية رينيه معوض في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1989، بعد تسلمه منصبه بمدة وجيزة، عبر تفجير عبوة ناسفة قرب القصر الحكومي في محلة الصنائع في بيروت.

من بعدها تمتع لبنان بشبه فترة من الاستقرار السياسي، من خلال اتفاق اقليمي دولي امتد بين عامي 1990 و2005، حيث جرت تصفيات سياسية متقطعة، تم خلالها اغتيال الامين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي عام 1992، والشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية المشاريع الاسلامية عام 1995، واغتيال الوزير السابق ايلي حبيقة عام 2002، حتى حدوث اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري عام 2005، الذي ادى الى تحوّل سياسي جديد في لبنان.

خلال هذا التحوّل جرت إعادة تموضع سياسي واصبح لبنان في صلب لعبة المحاور مجدداً، مما ادى الى حدوث عمليات اغتيال مختلفة لشخصيات سياسية مثل الوزير السابق بيار الجميل عام 2006، والامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي، والنائبين انطوان غانم ووليد عيدو. وشخصيات أمنية مثل العميد وسام الحسن عام 2012، وصحافية مثل جبران تويني في العام نفسه ايضاً، وإغتيال الصحافي سمير قصير. عدا محاولات اغتيال أخرى مثل محاولة اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة والوزير السابق الياس المر والاعلامية الوزيرة السابقة مي شدياق.

مرحلة تغير جيو سياسي

إثر حدوث الانتخابات الاميركية و فوز جو بايدن، اصبحت الفترة الانتقالية الممتدة حتى الشهر المقبل تُعّدُ فترة حساسة جداً سياسياً وأمنياً بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة وايران وحلفائها من جهة اخرى. ولبنان بعين العاصفة بسبب النفوذ الايراني في لبنان وسياسة الضغط الاميركية عليه.

يعمل الرئيس دونالد ترامب في المرحلة الحالية على شَدّ أحزمة الحلفاء، من خلال تذليل الخلافات بينها، مثلما يحصل في الملف الخليجي و المصالحة التي يتم العمل عليها بين السعودية وقطر، وإعادة قنوات التواصل بين تركيا والسعودية، والتطبيع بين دول عربية واسرائيل، والمزيد من الضغوط الاقتصادية على ايران وحلفائها، وتأتي كل تلك المتغيرات لوضع بايدن امام امر واقع قبل تسلمه الحكم.

هذه المرحلة لا يمكن اختصارها فقط بشدّ الاحزمة السياسية، ولكن الواقع الأمني على الطاولة ايضاً. بدأت بإغتيال العالم النووي الايراني محسن زادة، وطبعاً هناك بنك اهداف محدد قبل تسليم بايدن السلطة، وطالما ان ايران لديها نفوذ كبير في لبنان فسيكون له حصة. ولكن ما مدى حجمها لا نعلم، و طبعاً الرد من الخصم حاضر، ويُمكن ان يكون بطريقة معاكسة ايضا. فإيران محشورة في المرحلة الحالية، وإن تم البدء بتغيير قواعد اللعبة بالملف اللبناني، فلن تقف مكتوفة الايدي للحفاظ على أوراق قوتها ايضاً وجميع الوسائل مفتوحة.

مرحلة سياسية انتقالية

ان اخذنا تاريخياً في لبنان خلال المراحل الانتقالية السياسية دائماً كانت تحدث الاغتيالات السياسية، وتلك العمليات إما تحصل لتصفية خصم، وإما تحضيراً لمرحلة سياسية جديدة، وإزاحة من يمكن اعاقتها، وإما للضغط السياسي من خلال خلق توترات امنية وسياسية وكسب نقاط قوة سياسية، وكل تلك السيناريوهات محتملة في المرحلة الحالية.

لبنان يعيش مرحلة سياسية انتقالية. انهيار مالي واقتصادي، البحث في عقد اجتماعي جديد، توقف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، خلل امني بسبب عدم وجود استقرار سياسي، ضغوط سياسية دولية يمكن ان تؤدي الى تغيّر المعادلات الداخلية. والاهم رسم مشهد سياسي جديد لمنطقة الشرق الاوسط.

من هنا تأتي مؤشرات حدوث اعمال امنية او إغتيالات سياسية، لأننا في مراحل مشابهة لمتغيرات سياسية داخلياً و إقليمياً ادت في السابق الى حدوث تصفيات جسدية لساسة لبنانيين.

قد تُطيح تلك التصفيات الجسد، لكنها أبدًا لاتستطيع قتل الأفكار والمباديء الإنسانية العظيمة. وقد أوردت الكتب الدينية المقدسة: أن الإغتيال عملية قديمة قِدم خلق الإنسانية، وأشهر مثال على ذلك؛ هو قتل قابيل لأخيه هابيل.