مقالات

السلطة تقتبس الحلول الوهمية بانتظار الحل الاعجوبة

في هذه المرحلة الهشة،الحساسة والصعبة شغل شاغل اللبنانيين موضوع رفع الدعم وكيفية تحمل اعباء هكذا قرار، لنكون واقعيين اصبح لبنان بشبه مرحلة رفع الدعم من دون سياسات اقتصادية واضحة توازن هكذا قرار سوى موضوع البطاقة الرشوة او ابرة المورفين التي لن ترفع “الزير من البير” سوى محاولة مزيد من ايضاع الوقت والهاء المواطن باموره اليومية.

البطاقة التمويلية

في قراءة بسيطة لمسودة البطاقة التمويلية في مجلس النواب من الواضح ان هناك تخبط بين عدد العائلات التي سوف يتم ادراجها والية تسجيل العوائل وبين تأمين التمويل اللازم، حسب المعطيات الاولية سيكون البرنامج لمدة عام واحد وسيشمل 750 الف عائلة، 250 الف عائلة عبر برنامجي البنك الدولي والاتحاد الاوروبي و 500 الف سيتم حجز مبلغ 360 مليون دولار التي لا تغطي كافة عدد العوائل حيث يوجد مراهنة ان المنظمات الدولية ستؤمن ما تبقى. هذه البطاقة التي ستكون بمبلغ 93 دولارا، هذه القيمة مع الية رفع الدعم لن تسند خاوية ولن تحل الازمة.

سياسة الهروب الى الامام

السلطة تحاول في كل مرة سياسة الهروب الى الامام ولا تؤتي بالحلول الجذرية المطلوبة منذ اول الازمة، فعلى سبيل المثال منذ عام ونصف كان الاحتياطي في المصرف المركزي 38 مليار دولار ولو اتخذت الاجراءات المطلوبة لكنا تفادينا هذا الانهيار الحاصل، ولكن السلطة تريد تطبيق ما هو مناسب لها وليس للوطن ومن خلال هذه السياسة تعتمد سياسة شراء الوقت من خلال بدع مختلفة بانتظار الاتفاقات الخارجية التي قد تحصل لمساعدة لبنان ولكن من خلال اولويات السلطة وليس تطبيق اصلاحات صندوق النقد الدولي بشق محاربة الفساد واسترداد الاموال المنهوبة بل من خلال سياسة الشحادة التي تعودنا عليها منذ اتفاق الطائف حتى اليوم.

هدف رفع الدعم

من الواضح ان اللبناني كان يعيش حياة كذبة تتمثل بصرف امواله على مشاريع السلطة السياسية وفي الوقت عينه اسكاته من خلال سياسة دعم الليرة على اساس 1500 ليرة مقابل الدولار، والهدف الحقيقي من رفع الدعم غير نفاد النقد الاجنبي في المصرف المركزي، هو سياسة عكسية اعادة المواطن الى الحياة الحقيقية واخراجه من الكذبة، هذه السياسة هي لتخفيف من استهلاك المواطن على صعيد المواد الاساسية وخاصة بالطاقة والصحة. هذه السياسة المتبعة حاليا تفضح الكذبة التي اوهموها الى المواطن اللبناني خلال ثلاثة عقود الماضية، اضافة الى ذلك طبعا هناك محاولة من حاكم مصرف لبنان امتصاص جزء من الليرة اللبنانية من الاسواق.

نتائج رفع الدعم

نتائج رفع الدعم بهذه الطريقة من دون اجراء اصلاحات وان تكون موازية لحل سياسي ورؤية اقتصادية ومالية واضحة هي كارثية على المواطن اللبناني، فنسب الفقر الى مزيد من الارتفاع، المواطنون ذوي الدخل المحدود وما تبقى من الطبقة الوسطى سيكون واقعهم مأساوي جدا، ارتفاع الاسعار سيكون بشكل هستيري سنرى مشهدا لم نراه في لبنان منذ تأسيسه حتى اليوم. هذه النتائج سيكون لها نتائج ايضا على الصعيدين الاجتماعي والامني، ارتفاع لنسب السرقات وجرائم القتل والانتحار والهجرة طبعا التي ستكون وسيلة للهروب من هذه الفترة المأساوية في لبنان.

الحلول

الحل الفعلي رسم منذ سنوات هو تطبيق الاصلاحات التي تهربت منها السلطة السياسية وايقاف هدر المال العام، الحل لن يكون الا من خلال العمل على بناء سلطة فعلية وتوزيع الخسائر بشكل عادل وصارم، الحل باقرار كل التشريعات التي طالب بها صندوق النقد منذ بداية الازمة. انها مرتبطة باستعادة الملاءة المالية العامة وسلامة النظام المالي، وضع ضمانات مؤقتة لتجنب استمرار تدفقات رأس المال إلى الخارج، خطوات أولية لتقليل الخسائر الممتدة في العديد من الشركات المملوكة للدولة، وضع شبكة أمان اجتماعي موسعة لحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً. فهذه العناوين الاربعة التي يرتكز عليها الصندوق ترتبط بتشريعات مختلفة تحاول السلطة السياسية المناورة في تنفيذها وهناك امثلة مختلفة مثل قانون التدقيق الجنائي وثغراته واسترداد الاموال المنهوبة وغيرها من التشريعات. هذا ناهيك عن اهمية استقلالية القضاء والاصلاحات النقدية. هذا الكباش والتعنت اوصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم وسوف ننهار اكثر واكثر ان استمر وللاسف لا يوجد نية فعلية في الافق والمخرج الوحيد حاليا هو الانهيار الشبه كامل واعادة بناء السلطة من جديد، لان لا السلطة ستطبق ما يطلبه الصندوق لانها بمثابة انتحار سياسي لها ولا الصندوق سيساند لبنان ان لم تطبق وبالتالي نحن ندور في دائرة مفرغة لا حل سوى الانهيار او حل اعجوبي تنتظره الطبقة الحاكمة بفعل التسويات في المنطقة.

الفيول قد يولع الشارع اللبناني مجددا

لا يوجد اثنان في لبنان يختلفان على ان لبنان يعيش ابشع الظروف منذ تأسيس لبنان الكبير حتى اليوم، نعيش في زمن المصالح والمحاصصة السياسية، هذه الذهنية التي ادت الى اسقاط ما تبقى من هيكل الدولة، نمر من ازمة الى ازمة، من انهيار الى انهيار، من ذل الى ذل من دون اذان صائغة، من دون الاحساس بمعانات المواطن ضمن وضع سياسة الأنا وليس لبنان اولا.

مسؤولية المواطن

لا يمكن ان نجلد الطبقة السياسية من دون ان نضع المسؤولية على المواطن المستسلم الى هذا الواقع المؤسف والمذري، وهذا الاستسلام ان لم ينتفض قد يودي به الى موت سريري او العيش تحت لواء الذل بين الكرتونة من هنا، والوقوف بالطابورمن هناك وعدم الحصول على الدواء من هنا والقتال على حليب الاطفال من هناك.لا لا ليس هذا لبنان الذي نعرفه، لبنان ليس بخير.

اسباب الازمة

الازمة تندرج اليوم بين الصراع على تحميل المسؤوليات وتوزيع الخسائر، النزاع على الصلاحيات خصوصا ان كل المؤشرات تشير اننا متجهون الى عقد اجتماعي جديد، وايضا بدء الحملات الانتخابية مبكرا بخصوص البرلمانية والرئاسية. كل تلك الامور ستجعل اللبنانيون يعيشوا بفترة جحيم تارة لا يوجد اموال لدى حاكم مصرف لبنان وتارة يوجد، تارة يفتح ملف قضائي للحاكم نفسه وتارة يوضع في الادراج، وتارة يوجد مبادرة للرئيس بري وتارة يكون الرئيس نفسه في المواجهة مع الرئيس عون، وتارة هناك ثورة وتارة الثورة نائمة.

لبنان في مرحلة رسم مشهد سياسي جديد يتم التفاوض من خلال حاجات المواطن، يتم النقاش عبر البيانات التافهة وكاننا نعيش في مدرسة اسمها دولة لبنان.

هذا الاداء السيء في ادارة الازمة قد يودي في الختام الى التفاوض بالشارع قد يدخل الحابل بالنابل بين المصالح السياسية وبين غضب المواطن الفعلي.

الانقسامات السياسية

منذ فترة ويعيش المواطن اللبناني ابشع مشاهد الذل ويأتيك تصريح فولاذي من قبل وزير الطاقة، من لا يتمكن تعبئة البنزين فليجد وسيلة اخرى، كأننا نعيش في لبنان الذي يحلم به اللبنانيون بخصوص النقل العام، مترو بين بيروت وجبيل وباصات نقل عامة في كافة المناطق ووو.

لكن هذه المشاهد ستزداد في المرحلة المقبلة للاسف، ولكن في ظل سياسة الزكزكات بين الافرقاء المتصارعين لا نعلم متى تأتي ساعة الصفر لقلب الطاولة في ظل وجود محورين الرئيسين بري والحريري والوزيرين السابقين جنبلاط و فرنجية اضافة الى حاكم مصرف لبنان من جهة والرئيس عون والتيار الوطني الحر من جهة اخرى وضابط الايقاع حزب الله يتدخل عند انفلات الامور. ولكن حرب الالغاء السياسية بين الطرفين لن تستمر ضمن هذا النطاق فقط، فان استمر الوضع كما هو عليه ستختلف التقنيات والوسائل.

هذا ناهيك عن المتغيرات الخارجية والتسويات السياسية بين اميركا وروسيا، اميركا و ايران، ايران والسعودية والسعودية وسوريا قد تساهم في تغير واضطراب المشهد الداخلي.

ازمة البنزين

حل ازمة البنزين في لبنان لن يكون عبر وقف الاحتكار وتوفير حوالي مبلغ خمسمئة مليون دولار سنويا ممكن استعمالها لدعمه، ولن يكون عبر الحد من هدر المال العام او استرداد الاموال المنهوبة، ولا عبر تطبيق خطة وقف التهريب النائمة في ادراج وزارة الاقتصاد منذ عام حسب مصدر في نقابة اصحاب المحطات،ولا عبر توقيف سياسة الاحتكار في مواد مختلفة في الوطن المقهور، بل سيكون مجددا على حساب المواطن. الحل هو ان تصبح سعر صفيحة البنزين على سعر 3900 ليرة لبنانية لعدة اشهر بينما يتم اقرار البطاقة التمويلية.

لكن حسب التجارب لا يوجد التزام حتى بما يقره مصرف لبنان، وارتفاع صفيحة البنزين الى 65 الف ليرة في المرحلة الاولى قبل رفع الدعم الكلي حيث ستصبح 12 دولارا حسب السوق السوداء فحسب سعر اليوم ستصبح حوالي 200 الف ليرة، ستؤدي الى ارتفاع اسعار السلع بشكل هستيري والى مزيد من ارتفاع نسب الفقر في البلاد.

الغضب الشعبي

السكوت على الواقع المذري في لبنان اصبح في رمقه الاخير منها لاسباب اقتصادية واجتماعية واخرى لاسباب سياسية في ظل ارتفاع منسوب التوتر بين الافرقاء المتخاصمين والمتغيرات الاقليمية. وهذا سيأخذنا الى سيناريوهات مختلفة اما حدوث غضب شعبي بسبب ارتفاع سعر البنزين وانقطاع الكهرباء ومن بعدها نصل الى حل سياسي وتشكيل حكومة برئاسة الرئيس المكلف واحتماله ضعيف، اما استقالة الرئيس المكلف وحدوث فوضى عارمة في البلاد، اواستقالة الرئيس المكلف بعد حدوث الغضب الشعبي ويأتي تماشيا مع غضب الناس، وفي السيناريوهات الثلاثة لا يمكن تشكيل حكومة حل من دون حل مشكلة النظام الاساسية والتوجه نحو شكل ادارة جديد قادران يطبق الاصلاحات، وكانت واضحة رسالة المبعوث الاوروبي بوريل، وفي الثلاثة ايضا نحن متجهون الى حكومة انتخابات وبالتالي من المرجح ان الحريري يكون خارج معادلة التشكيل.

في السيناريوهات الثلاثة لبنان سيمر بالفوضى شئنا ام ابينا ومن بعدها ممكن تحديد شكل الحل حسب التوازنات الداخلية والخارجية، فكيف سيكون الحل وعلى حساب من؟

من دكاكين السياسة إلى دكاكين القضاء في لبنان… هل ننتقل إلى دكاكين الأمن؟

يعاني لبنان منذ استقلاله حتى اليوم من أزمة هوية ونظام، في كل فترة يتم تعديل مقومات النظام تارة بطرق مباشرة من خلال تعديل الدستور، وتارة أخرى من خلال الحروب، وأحياناً من خلال استعمال النفوذ الخارجي. كل هذه العوامل لم تنتج دولة بل أسقطت كل مفاهيم المؤسسات.
قبل الطائف
ما قبل اتفاق الطائف الفترة الذهبية التي كانت في لبنان بموضوع دولة المؤسسات وبدء رحلة الألف ميل كانت خلال عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب حيث طور الكثير من القوانين وفعّل الإدارة العامة. ففي عهده أقر قانون الضمان الاجتماعي، وتنظيم المالية ومصرف لبنان، والإنعاش الاجتماعي، ونظم الجيش وقوى الأمن الداخلي، وحدّث التربية والتعليم، والبنية التحتية في كافة المجالات إضافة إلى حقوق الإنسان.
ولكن في الوقت عينه كان يأخذ في الاعتبار المعوقات الداخلية والخارجية. فوضع الحد الأدنى لبناء دولة خارج إمارة الطوائف، ولكن مع حدوث المتغيرات في المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية والحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، جرى تجميد كل الإصلاحات التي بدأ بها شهاب وأصبحت الأولوية للصراع على النفوذ ومن بعدها دخلنا في نفق الحرب الأهلية.
ما بعد اتفاق الطائف
جاء اتفاق الطائف وأوقف الحرب حيث كانت طموحات اللبنانيين أكبر بكثير مما تحقق، حيث لم تعمد السلطة إلى تطبيق الإصلاحات المذكورة في الطائف، وطوقت إصلاحات شهاب من معظم النواحي. لعب الدور السوري في ضبط الإيقاع داخلياً من خلال القوة والأمن، وأصبح لبنان يعيش بدولة من دون هيكل أو يمكن أن نسميها بالسلطة الوهمية من دون أي تطوير للمؤسسات والعمل على بناء دولة القانون والمؤسسات، فأصبح يوماً بعد يوم يتدمر خط الطريق الذي رسمه فؤاد شهاب.
ما بعد اغتيال الرئيس الحريري
جاء اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقصم ظهر البعير حيث عدنا إلى نقطة الصفر، ورجعنا إلى الخلافات والصراعات الداخلية على النفوذ والدخول مجدداً بلعبة المحاور. أصبح كل فريق يريد أن يضع أوراق قوته على الطاولة والعمل على استقطاب حاشيته تارة بخطابات طائفية وتارة بالزبائنية السياسية.
طبعاً عملت هذه السلطة على تطويق شهاب والطائف من جديد، ما أدى إلى انهيار شبه كامل في المرحلة الحالية لأسباب داخلية بسبب تفشي وباء الفساد وعدم التخطيط،هدر المال العام، عدم بناء دولة المؤسسات، والعوامل الخارجية بسبب المتغيرات السياسية في المنطقة منذ بداية الربيع العربي حتى اليوم، إضافة إلى المتغيرات السياسية الدولية حيث أرضخت الطبقة السياسية في لبنان إلى اللعبة الخارجية بسبب بناء كانتوناتها الطائفية وتدمير نهج المؤسسات. أصبح القضاء مسيساً، الأمن مسيساً، التوظيف مسيساً، حتى الرغيف مسيساً، فالنظام اللبناني أصبحت ركيزته الأساسية هي الزبائنية السياسية.
استقلالية القضاء
في الأيام الأخيرة شهدنا نزاعاً قضائياً، فضح هشاشة السلطة القضائية التي كان البعض يتفاخر بها، فلبنان يعيش الاستنسابية القضائية حسب المثل اللبناني “كل من إيدو إلو” رغم حساسية الملفات وأهميتها والتي يجب أن يحاسب كل من هو مرتكب في جميع الملفات التي أوصلت المواطن اللبناني إلى الذل وإفلاس المالية العامة.
ولكن أهم ركن من أركان القضاء هو المصداقية والاستقلالية ومن هنا لكل من يتحدث عن اهتراء القضاء وفساده، فلتتفضل الكتل النيابية بإقرار قانون استقلالية القضاء وفصل القضاء عن السياسة، من خلال تعزيز استقلالية المؤسسات الناظمة للقضاء مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي، تعزيز ضمانات استقلالية القاضي، ضمان حقوق المتقاضين في حسن أداء المرفق العام وتقديم شكاوى ومحاسبة المخالفات القضائية والتوفيق بين التنظيم الهرمي للنيابة العامة واستقلالية القضاة العاملين.
فقانون استقلالية القضاء يجب أن ينطلق من مسودة مشروع قانون للمفكرة القانونية منذ عام 2018 والتي مضى عليها 352 قاضياً، وليس مثل القوانين التي يقرها مجلس النواب التي تكون مفرغة من أدواتها التنفيذية أو مبهمة.
هشاشة مختلف قطاعات الدولة
هذه الهشاشة التي شهدناها في أحد أهم خصائص الدولة أي العدل، موجودة في جميع مؤسسات الدولة حتى في الأمن، ما قد يفتح الباب في مرحلة لاحقة إلى تخبط واستنسابية فاضحة حتى في هذه القطاعات وكل ذلك سيؤدي إلى هشاشة أمنية وصدامات في الشارع من قبل موالي السلطة نفسها.
كل هذا السياق يأتي من ضمن العنوان الأهم في المرحلة المقبلة أي توزيع الخسائر جراء الانهيار المالي وكل فريق سيعمل على حماية نفسه وأزلامه وكل فريق سيستعمل جميع أوراقه. سيأتي ذلك من ضمن سياق الاستمرار بتدمير دولة المؤسسات وتكريس الزبائنية السياسية والحل لن يكون إلا بالعودة إلى ذهنية شهاب وتحقيق الإصلاحات المطلوبة لبناء الجمهورية الثالثة تحت عنوان العدل، الشفافية والمساواة.

لبنان و الدور الاستراتيجي لموسكو

تعود العلاقات الروسية-اللبنانية بجذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث افتتحت أول قنصلية روسية في بيروت عام 1839، بينما كانت البداية الحقيقية للنشاط الدبلوماسي بين الجانبين في نهاية 1943 حين اعترف الاتحاد السوفياتي باستقلال لبنان، كما بذل جهودًا حثيثة من أجل انسحاب القوات الإنكليزية – الفرنسية من بلاد الارز، كما استخدم الاتحاد السوفياتي في عام 1946 لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة حق النقض دفاعًا عن استقلال لبنان واستقلال سوريا.

تشهد العلاقات الروسية-اللبنانية تقاربا متصاعدا منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا. فلم تتجاهل العين الروسية سواحل لبنان، التي تمثل امتداد طبيعيا للساحل السوري- حيث حقول الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية للبلدين.

روسيا و المنطقة

لدى روسيا ثلاثة اهداف رئيسية في منطقة الشرق الأوسط: جذب أكبر عدد ممكن من الدول من مجال النفوذ الغربي إلى مجال نفوذها وتحقيق موقع متميز، تضخيم حجم توريدها للاسلحة، اضافة الى ملف الطاقة. كلٌّ من هذه الاهداف تشمل لبنان.

يسعى الرئيس الروسي إلى ربط الدول الحليفة لموسكو من خلال تقديم المساعدة العسكرية والدعم الإقتصادي. الشيء الجيد بالنسبة إلى الروس هو أن الصديق الصغير يُصبح معتمداً على موسكو.

يسعى بوتين أيضاً إلى تعزيز مصالح الشركات الروسية الكبرى وزيادة أرباحها عبر حلفاء الكرملين الأجانب. لذا، يجب أن يكون كل حليف صغير سليماً من الناحية المالية. كلا النهجين يساعدان موسكو على ملء المساحات المُهمَلة من قبل واشنطن.

التعاون

التعاون الروسي-اللبناني كان مقتصرا على تبادلات تجارية محدودة بعد انتهاء نجم الاتحاد السوفياتي، الذي اكتفى في تلك الحقبة بتقديم منح تعليمية لطلاب من أحزاب يسارية لبنانية.

و في الاونة الاخيرة هناك نمو في التبادل التجاري بين البلدين و لكنه بطيء الى حد، فارتفع التبادل 17.5 بالمئة و لكن لم يتخطى المليار بين البلدين.في المقلب الاخر، هناك اهتمام روسي بمجالات اكبر كالطاقة و اعادة اعمار سوريا من خلال المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس.

فتعزيز العلاقات اللبنانية الروسية يشكل حاليا النتيجة الطبيعية للدور الروسي المحوري في المشرق، الذي يركز خطواته على الاستقرار ومواجهة الإرهاب والاستفادة من ملف الغاز في شرق المتوسط.

الاسباب الاستراتيجية

هناك اهداف استراتيجية مختلفة للاهتمام الروسي بالملف اللبناني، اولها تفعيل دورهم في منطقة الشرق المتوسط و مواجهة المحور الغازي القوي بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، والذي قد يسهم في التأثير على مبيعات الغاز الروسي لأوروبا في حال مد أنبوب شرق المتوسط إلى إيطاليا.

الاقتصاد السوري الذي يتأثر بشكل مباشر و غير مباشر بالاقتصاد اللبناني، ويأمل الروس ان تمكنوا في الحد من الانهيار الحاصل ممكن ان يساعد الاقتصاد السوري، ومما يعني تعزيز دورهم بشكل اقوى و خصوصا ان هناك تمنع استثمار اماراتي، تركي و قطري في ظل قانون قيصر الاميركي.

لبنان ممكن ان يستفيد من روسيا بملفات مختلفة اولها ملف النازحين السوريين حيث هناك اهتمام روسي بهذا الملف حيث يساعدهم على اعطاء مزيد من الشرعية للرئيس الحالي بشار الاسد و لبنان بحاجة الى هكذا تسوية تساعده في تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي.

اضافة الى ذلك ممكن ان تساعد روسيا في حلحلة بعض العقد السياسية الاقليمية وادراج الملف اللبناني في منصات مختلفة اقليمية ودولية، حيث هذا الجمود السياسي قاتل للبنان و في الوقت عينه ممكن اجراء تسوية ربط نزاع تساعد لبنان الخروج من الصراعات الاقليمية الى حد ما.

روسيا تعتبر ان لبنان خاصرة لسوريا، و تعتبر لبنان جزء من امنها الاستراتيجي، فهي نجحت في الاستثمار في منشآت النفط في طرابلس و تبدي اهمية في مجالات اخرى و لكن تنتظر الظرف المناسب الاقليمي و الدولي لكي تبادر بشكل اقوى.

المرحلة المقبلة

يحاول الروسي في ظل الانكفاء الاميركي داخليا وتفويض بعض المهام للحلفاء، ان يستغل هذه الفترة في ايجاد ادوار مختلفة في منطقة الشرق الاوسط منطلقا من هذا الانكفاء و استعمال بعض اوراق القوة التي تمتلكها خصوصا في الملفين السوري و الايراني.

تعد زيارة وزير الخارجية الروسي للامارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية برحلة لملمة الاوراق اقليميا، وكان ابرزها الملف اليمني حيث يحاول الروس ايجاد مساحات مشتركة بين المتصارعين ليلعب دورا اكبر و ليستفيد من تعزيز دوره العسكري و الاقتصادي.

وفي المقلب الاخر دعوة  حزب الله الى موسكو لمناقشة ملفات مختلفة تأتي من ضمن السلة التي ناقش بها دول الخليج العربي منها دوره في سوريا والواقع اللبناني حيث يحاولوا حلحلة بعض العقد التي تصب في مصلحتهم خلال المرحلة الحالية للحد من الانهيار الحاصل في البلدين. ومن ضمن هذا السياق اتى الاجتماع الروسي بالرئيس المكلف سعد الحريري بالامارات العربية المتحدة.

الفترة المقبلة سنشهد مزيدا من الحراك السياسي الذي قد يلعب دورا في الحد من الانهيار المالي و الاقتصادي، او على الاقل ضبط الانهيار لتمرير الوقت بفترة اقل قساوة حتى حصول التسوية الشاملة مستقبلا.

ماذا ستختار الطبقة السياسية في لبنان الانهيار كامل ام تطبيق الاصلاحات؟

الشعب قال كلمته منذ تشرين الاول 2019 في موضوع تغيير الواقع المذري من هدر للاموال العامة و الفساد و كيفية ادارة مرافق الدولة، و لكن للاسف السلطة ما زالت في زمن ما قبل الانتفاضة الشعبية تراهن على التسويات الخارجية و تبيع و تشتري بشعبها الغاضب على ممارساتها الخاطئة، فتحاول مجددا تدفيعه الثمن بعدما دفعه في مرحلة ما قبل الانهيار.

لبنان و الانهيار

لم يتوقع احدا ان لبنان الذي كان منارة للشرق ان يصبح بمشهد شبه فنزويلي، هل هذا لبنان الذي يفتخر مواطنيه في كافة اصقاع العالم بهويتهم؟ هل هذا لبنان الذي نجح ابناؤه في كافة انحاء العالم؟ هل هذا لبنان الذي كان مرقدا للسياحة؟ هل هذا لبنان جبران خليل جبران او رمال حسن الرمل او مايك دبغي؟ هل هذا هل هذا هل هذا…

اصبحنا نتنافس مع دول تحت خط الانهيار ان ذهبنا الى الحد الادنى للاجور نجن في اخر القائمة فموريتانيا على سبيل المثال 111 دولارا و لبنان حوالي 66 دولارا، مرتبة الفساد 138 من اصل 180، نسب الفقر منافسة بشكل كبير حسب اخر تقارير دولية اكثر من نصف الشعب اللبناني دون خط الفقر، اما على صعيد المؤسسات التجارية فاكثر من 50 بالمئة ستقفل ابوابها.

غضب الشارع

هذا الغضب الذي نشهده اليوم هو اثر احتقان سياسي،اقتصادي واجتماعي وقد اعطيت هذه السلطة الفرصة لاطلاق ذمام المبادرة خلال عام 2020 و لكن للاسف ما حاولت ان تفعله هو  محاولة اعادة صياغة نفسها، ما ادى الى ما وصلنا له اليوم و الشارع مستمر حتى حدوث مبادرة تشفي غليله و هذه المرة محاولة شراء الوقت ستدفعهم الثمن اكثر لان حتى بيئتهم الداعمة كفرت بالوضع القائم.

الطروحات السياسية

بيان بعبدا كان بلا لون و هو لذر الرماد بالعيون و لحلول وهمية، هل محاربة التطبيقات الالكترونية هو الحل في لبنان؟ مضحكة ومبكية الحلول المطروحة، المواطن ينتظر اكثر من ذلك باشواط ينتظر سلطة قوية وجريئة تعمل على انقاذه ولا يريد حلولا نوصفها بالترقيع او بالحلول الجزئية.

الواقع السياسي

حزب الله متفرج و يحاول ربط النزاع بين حلفاؤه و حتى المرحلة الحالية ممكن ان نقول انه منتظر الضوء الاخضر اقليميا ليبدء بفك النزاع، و هناك بعض المؤشرات انه بدء بمسار حلحلة العقد بعد طرح التدويل من قبل البطرك الراعي حيث اصبح من مصلحته وجود حكومة اخرى لتمرير الوقت بشكل افضل من سابقاتها، على ان يبقى الوضع كما هو عليه حيث ممكن ان يخسر اكثر في بيئته الحاضنة.

حركة امل و حزب التقدمي الاشتراكي و تيار المردة يعملون على اضعاف قدرة عون  و الحد من قدراته، اضافة تحجيم الوزير السابق جبران باسيل لاسباب مختلفة منها تختص بالنفوذ المقبل ومن الناحية الاخرى تختص بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

تيار المستقبل بين نارين انفجار الوضع داخليا و الحصول على دعم المملكة العربية السعودية في تشكيل الحكومة حيث يحاول الرئيس الحريري اخذ الضوء الاخضر في ملفي تمثيل حزب الله واسترجاع الاعتبار بعدما حصل الغضب اثر التسوية الرئاسية.

حزب القوات يريد اسقاط العهد باكمله و يأمل بحدوث انتخابات نيابية مبكرة تمكنه من اخذ مقاعد اكثر حيث له طموح بان يصبح اكبر تكتل مسيحي ممكن ان يفرض قراره بشكل اوسع و في المقلب الاخر يحاول وراثة التيار الوطني الحر ايضا حزب الكتائب لرفع اعداد مقاعده.

التيار الوطني الحر الخاسر الاكبر جراء ثورة 17 تشرين يحاول شد العصب الطائفي و العمل مجددا على مشهد المظلومية كما كانت استراتيجية الرئيس عون سابقا بين فترة انتخابات 2005 و توقيع ورقة مارمخايل، بتلك الاستراتيجية هناك محاولة لاستعادة الحاضنة المسيحية. لكنه يعيش بين نارين في المرحلة الحالية وجوده في السلطة و تحالفه مع حزب الله من هنا يأتي قرار الوزير باسيل بعدم اعطاء الثقة ان شكل الحريري الحكومة ونرى احيانا بعض التمايز في الاعلام في موضوع حزب الله و الحديث عن اعادة تقييم ورقة مارمخايل.

الجيش و الغضب الشعبي

تحت الاضواء الجيش اللبناني منتهك من الواقع الاقتصادي المذري الذي نمر به، وان استمر الواقع كما هو عليه ستشهد المؤسسة انتكاسة كبيرة و ممكن ان نرى الجيش الى جانب الناس في الشارع. هناك الكثير من الدول المتخوفة من هذا الوضع حيث يتم ارسال بعض المساعدات الطبية و الغذائية ليستفيد منها الجيش محاولة بقاء تماسكه.

صرخة قائد الجيش كانت دليل على مدى غضب المؤسسة العسكرية و لولا الواقع الطائفي في لبنان لشهدنا “انقلابا عسكريا”، هذه الصرخة دغدغة مشاعر كل مظلوم و كل فقير و كل محتاج واصبح الكثير من المواطنون يطالبونه بالتدخل، ليس فقط بسبب ان الجيش حامي الوطن بل للاسف لانها احدى المؤسسات القليلة في لبنان التي ما زالت تنال ثقة الشعب.

السيناريوهات المقبلة

واهم من يعتقد ان غضب الناس ممكن ان يمتصه خطابات وشعارات وقرارات وهمية، و موهم من يظن انه يمكن تخوين الناس. فنحن سنتجه الى سيناريوهين لا ثالث لهما، الاول استمرار غضب الناس و الذهاب نحو الفوضى لا نعلم مدى حجمها و ما ممكن ان تكون نتائجها و الثاني تشكيل حكومة في وقت قريب و اجراء تسوية تسحب الواقع المتردي من عنق الزجاجة او على الاقل تهدء الامور في ظل غياب اي دور للسلطة في المرحلة الحالية.

لكن ليس تشكيل الحكومة فقط هو الحل، فنحن في مرحلة انهيار شبه كامل سنحتاج الى جولات من الاصلاح و الى عقد سياسي واجتماعي جديد يطور ممارسات الادارة العامة.

فلبنان شئنا ام ابينا يعيش في ازمة نظام وما يحدث من مناورات سياسية داخليا او المتغيرات الاقليمية التي سنتأثر بها، ستأخذنا الى رسم وجة لبنان المقبل، فنحن نعيش بين مرحلة الانهيار وعقد اجتماعي جديد. الصراع سيكون بين تطبيق الطائف و تعديله و لكن لنكون واقعيين و موضوعيين لبنان ليس بحاجة الى تعديل دستوره بل الى تطبيقه بطريقة افضل تأخذنا الى شاطىء الامان.

لبنان بين مرحلتي الانهيار و العقد الاجتماعي الجديد

الشعب قال كلمته منذ تشرين الاول 2019 في موضوع تغيير الواقع المذري من هدر للاموال العامة و الفساد و كيفية ادارة مرافق الدولة، و لكن للاسف السلطة ما زالت في زمن ما قبل الانتفاضة الشعبية تراهن على التسويات الخارجية و تبيع و تشتري بشعبها الغاضب على ممارساتها الخاطئة، فتحاول مجددا تدفيعه الثمن بعدما دفعه في مرحلة ما قبل الانهيار.

لبنان و الانهيار

لم يتوقع احدا ان لبنان الذي كان منارة للشرق ان يصبح بمشهد شبه فنزويلي، هل هذا لبنان الذي يفتخر مواطنيه في كل اصقاع العالم بهويتهم؟ هل هذا لبنان الذي نجح ابناؤه في كافة انحاء العالم؟ هل هذا لبنان الذي كان مرقدا للسياحة؟ هل هذا لبنان جبران خليل جبران او رمال حسن الرمل او مايك دبغي؟ هل هذا هل هذا هل هذا…

اصبحنا نتنافس مع دول تحت خط الانهيار ان ذهبنا الى الحد الادنى للاجور نجن في اخر القائمة فموريتانيا على سبيل المثال 111 دولارا و لبنان حوالي 60 دولارا، مرتبة الفساد 138 من اصل 180، نسب الفقر منافسة بشكل كبير حسب اخر تقارير دولية اكثر من نصف الشعب اللبناني دون خط الفقر، اما على صعيد المؤسسات التجارية فاكثر من 50 بالمئة ستقفل ابوابها.

غضب الشارع

هذا الغضب الذي نشهده اليوم هو اثر احتقان سياسي،اقتصادي واجتماعي وقد اعطيت هذه السلطة الفرصة لاطلاق ذمام المبادرة خلال عام 2020 و لكن للاسف ما حاولت ان تفعله هو  محاولة اعادة صياغة نفسها، ما ادى الى ما وصلنا له اليوم و الشارع مستمر حتى حدوث مبادرة تشفي غليله و هذه المرة محاولة شراء الوقت ستدفعهم الثمن اكثر لان حتى بيئتهم الداعمة كفرت بالوضع القائم.

الطروحات السياسية

بيان بعبدا كان بلا لون و هو لذر الرماد بالعيون و لحلول وهمية، هل محاربة التطبيقات الالكترونية هو الحل في لبنان؟ مضحكة ومبكية الحلول المطروحة، المواطن ينتظر اكثر من ذلك باشواط ينتظر سلطة قوية وجريئة تعمل على انقاذه ولا يريد حلولا نوصفها بالترقيع او بالحلول الجزئية.

الواقع السياسي

حزب الله متفرج و يحاول ربط النزاع بين حلفاؤه و حتى المرحلة الحالية ممكن ان نقول انه منتظر الضوء الاخضر اقليميا ليبدء بفك النزاع، و هناك بعض المؤشرات انه بدء بمسار حلحلة العقد بعد طرح التدويل من قبل البطرك الراعي حيث اصبح من مصلحته وجود حكومة اخرى لتمرير الوقت بشكل افضل من سابقاتها، على ان يبقى الوضع كما هو عليه حيث ممكن ان يخسر اكثر في بيئته الحاضنة.

حركة امل و حزب التقدمي الاشتراكي و تيار المردة يعملون على اضعاف قدرة عون  و الحد من قدراته، اضافة تحجيم الوزير السابق جبران باسيل لاسباب مختلفة منها تختص بالنفوذ المقبل و من الناحية الاخرى تختص بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

تيار المستقبل بين نارين انفجار الوضع داخليا و الحصول على دعم المملكة العربية السعودية في تشكيل الحكومة حيث يحاول الرئيس الحريري اخذ الضوء الاخضر في ملفي تمثيل حزب الله و استرجاع الاعتبار بعدما حصل الغضب اثر التسوية الرئاسية.

حزب القوات يريد اسقاط العهد باكمله و يأمل بحدوث انتخابات نيابية مبكرة تمكنه من اخذ مقاعد اكثر حيث له طموح بان يصبح اكبر تكتل مسيحي ممكن ان يفرض قراره بشكل اوسع و في المقلب الاخر يحاول وراثة التيار الوطني حزب الكتائب لرفع اعداد مقاعده.

التيار الوطني الحر الخاسر الاكبر جراء ثورة 17 تشرين يحاول شد العصب الطائفي و العمل مجددا على مشهد المظلومية كما كانت استراتيجية الرئيس عون سابقا بين فترة انتخابات 2005 و توقيع ورقة مارمخايل، بتلك الاستراتيجية هناك محاولة لاستعادة الحاضنة المسيحية. لكنه يعيش بين نارين في المرحلة الحالية وجوده في السلطة و تحالفه مع حزب الله من هنا يأتي قرار الوزير باسيل بعدم اعطاء الثقة ان شكل الحريري الحكومة ونرى احيانا بعض التمايز في الاعلام في موضوع حزب الله و الحديث عن اعادة تقييم ورقة مارمخايل.

الجيش و الغضب الشعبي

تحت الاضواء الجيش اللبناني منتهك من الواقع الاقتصادي المذري الذي نمر به، وان استمر الواقع كما هو عليه ستشهد المؤسسة انتكاسة كبيرة و ممكن ان نرى الجيش الى جانب الناس في الشارع. هناك الكثير من الدول المتخوفة من هذا الوضع حيث يتم ارسال بعض المساعدات الطبية و الغذائية ليستفيد منها الجيش محاولة بقاء تماسكه.

صرخة قائد الجيش كانت دليل على مدى غضب المؤسسة العسكرية و لولا الواقع الطائفي في لبنان لشهدنا “انقلابا عسكريا”، هذه الصرخة دغدغة مشاعر كل مظلوم و كل فقير و كل محتاج واصبح الكثير من المواطنون يطالبونه بالتدخل، ليس فقط بسبب ان الجيش حامي الوطن بل للاسف لانها احدى المؤسسات القليلة في لبنان التي ما زالت تنال ثقة الشعب.

السيناريوهات المقبلة

واهم من يعتقد ان غضب الناس ممكن ان يمتصه خطابات وشعارات وقرارات وهمية، و موهم من يظن انه يمكن تخوين الناس. فنحن سنتجه الى سيناريوهين لا ثالث لهما، الاول استمرار غضب الناس و الذهاب نحو الفوضى لا نعلم مدى حجمها و ما ممكن ان تكون نتائجها و الثاني تشكيل حكومة في وقت قريب و اجراء تسوية تسحب الواقع المتردي من عنق الزجاجة او على الاقل تهدء الامور في ظل غياب اي دور للسلطة في المرحلة الحالية.

لكن ليس تشكيل الحكومة فقط هو الحل، فنحن في مرحلة انهيار شبه كامل سنحتاج الى جولات من الاصلاح و الى عقد سياسي واجتماعي جديد يطور ممارسات الادارة العامة.

فلبنان شئنا ام ابينا يعيش في ازمة نظام وما يحدث من مناورات سياسية داخليا او المتغيرات الاقليمية التي سنتأثر بها، ستأخذنا الى رسم وجة لبنان المقبل، فنحن نعيش بين مرحلة الانهيار وعقد اجتماعي جديد. الصراع سيكون بين تطبيق الطائف و تعديله و لكن لنكون واقعيين و موضوعيين لبنان ليس بحاجة الى تعديل دستوره بل الى تطبيقه بطريقة افضل تأخذنا الى شاطىء الامان.

الاتفاق النووي بين المد والجزر

خلال الفترة الماضية، إن أردنا التحدث حول الواقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط، تلقائياً يأتي الجواب حول مسار العلاقات الأميركية -ال إيرانية بعد توتر وانقطاع العلاقة إثر خروج ترامب من الاتفاق النووي ال إيراني، مارس ترامب حصاره الاقتصادي والضربات الهادفة بالتعاون مع إسرائيل وبالمقابل مارست إيران سياسة ضبط النفس وعدم الرد على الأصيل، ولكن حاولت تعزيز قوتها والرد على الحليف في بقع جغرافية مختلفة في المنطقة.
تاريخ العلاقات
بدأت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة عندما بعث شاه فارس ناصر الدين، أول سفير لإيران ميرزا أبو الحسن شيرازي إلى واشنطن في عام 1856. وفي عام 1883 كان صمويل بنجامين أول مبعوث دبلوماسي رسمي للولايات المتحدة في إيران.
عام 1979، اضطر الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يحظى بدعم أميركي، إلى مغادرة إيران، بسبب الثورة الإسلامية وخروج مظاهرات وإضرابات مناهضة لنظام حكمه، وبعد أسبوعين من تلك الأحداث عاد الزعيم الديني آية الله الخميني من منفاه في فرنسا. وبعد انتصار الثورة الإسلامية في 11 شباط 1979، تم تنصيب الخميني على رأس الدولة، وهنا يكمن مسار التحول السياسي بين طهران وواشنطن.
تدهورت العلاقات بين أميركا وإيران، بعد أن وافقت الولايات المتحدة على استقبال الشاه بهلوي للعلاج، حيث غضب طلبة الجامعات الإيرانية، وهاجموا سفارة أميركا في تشرين الثاني 1979، واحتجزوا 52 موظفًا في السفارة الأميركية في إيران، حيث قطعت أميركا علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في نيسان 1980، وبمبادرة من الرئيس السابق كارتر أفرجت إيران عن الرهائن الـ52 يوم تنصيب الرئيس الأميركي رونالد ريغان رئيسًا للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني 1981.
وما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ازدادت العداوة بين الطرفين ووضعت عدوين لها في منطقة الشرق الأوسط هما العراق في تلك المرحلة وإيران أيضاً.
الاتفاق النووي
هي اتفاقية دولية حول البرنامج النووي الإيراني، تم التوصل إليها في تموز 2015 بين إيران ومجموعة خمسة زائداً واحداً (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – بالإضافة إلى ألمانيا) والاتحاد الأوروبي، وفي 8 أيار 2018 انسحب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاقية الدولية المشتركة، وبدأ بمسار الضغط على إيران حيث دعم هذا القرار بعض الدول العربية وإسرائيل وعارضه البعض الآخر مثل الصين وروسيا ومعظم الدول الأوروبية، وأبرز من كان على الحياد مصر وقطر وعمان والهند.
بايدن والاتفاق النووي
خلال حملة بايدن الانتخابية، كان من الواضح رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي. ولكن لم يكن واضحا كثيرا كيف ومن ضمن أي صيغة. ولكن تعيين روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية ومستشار السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما هو دليل نية أميركية بالبدء بتنفيذ وعود بايدن بخصوص إجراء اتفاق نووي مع إيران. وخاصة أن أميركا تريد أن تتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية لها مثل روسيا والصين، إضافة إلى الملفات الداخلية، وتريد الخروج من نفق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وتفويض بعض المهام من خلال الحلفاء (تعزيز منطق العولمة) ومن خلال اتفاقات وتسويات مع الخصوم.
العقبات
الصراع القائم حالياً بين العودة إلى اتفاق عام 2015 كما تطالب إيران، وبين تعديل اتفاق عام 2015 وتوسعته إلى الحوار حول النظام الصاروخي وسياستها الإقليمية كما يطالب بايدن. بايدن من غير الممكن أن يعود فقط إلى اتفاق 2015 لأنه سيواجه معارضة شرسة داخلية (الحزب الجمهوري) ومعارضة خارجية قوية أيضاً من قبل إسرائيل وبعض الدول العربية. يعتبر بايدن أن بإمكانه إجراء ضغوط وتسويات جانبية مع الدول العربية المعارضة، ولكن بخصوص إسرائيل يعول على الانتخابات الإسرائيلية هذا العام من خلال فوز حزب قريب منه وتغيير نتانياهو.
فبالتالي المرحلة الحالية لن تكون مفروشة بالورود، وللالتفاف على ذلك سيحاول بايدن الحصول على بعض التنازلات الإيرانية جراء الضغوطات الاقتصادية التي أنهكتها ومراهنة إيران على الاستفادة من وجود إدارة دبلوماسية وأكثر ليونة في المرحلة الحالية، تمكنه من تسهيل مهمته داخلياً وخارجياً. ولكن حتى الآن يوجد تصلب في الموقف الإيراني جراء المطالبة في العودة إلى الاتفاق القديم.
المخارج
أحد المخارج التي يمكن أن تحصل هو الدمج بين مسار رفع العقوبات والبدء بمشوار المفاوضات بخصوص ملفي الصواريخ الباليستية والسياسة الإقليمية. ولكن هذا المخرج لن يحصل بالسهل بالفترة القريبة، لأنا ما زلنا في فترة طرح أوراق القوة على الطاولة، ومرحلة الضغط من قبل القوى المعارضة للاتفاق، ما يمكن أن يؤجج الصراع في المرحلة المقبلة على الأقل حتى حصول الانتخابات الإسرائيلية.
الفترة المقبلة
سيحاول بايدن إدخال الأوروبيين في هذا المسار، وفوض للفرنسيين تعزيز قنوات التواصل في المنطقة وفتح باب الحوار غير المباشر والبدء بالمفاوضات في الملفات الأقل تأثيراً، كمحاولة لخرق جدار الانقطاع الكامل، وبالتوازي البدء بمسار حلحلة الملفات المعقدة كالملف اليمني في محاولة لتقطيع الأزمات وتسويتها كمنطلق لإبرام اتفاق مقبل.
من هذا المنطلق يتمكن بايدن من تخفيف وهج معارضة الاتفاق حيث يكون أنهى إحدى نقاط تعديل الاتفاق، وهي دور إيران في المنطقة. وفي المقلب الآخر يبقى موضوع الصواريخ الباليستية والجيوش الإيرانية حيث يمكن أن نشهد حروباً جانبية لتسوية هذه النقطة، وعلى نتائج هذه الحروب إن كانت عسكرية أو سياسية تتوضح أكثر معالم الاتفاق المقبل.
والسؤال: من سيدفع ثمناً في المرحلة الحالية؟ ومن سيدفع الثمن بعد حدوث الاتفاق؟ لأن لا تسويات من دون ثمن وأحياناً دم؟

لماذا يُمكن حدوث إغتيالات سياسية في لبنان؟

لإغتيالات السياسية في لبنان تاريخ طويل. فعلى مدى سنوات مديدة، كان لبنان مسرحاً للعديد من الإغتيالات، بسبب طبيعة الصراعات الفكرية داخل المجتمع اللبناني، وقربه من منطقة التوتر في الشرق الأوسط، بالاخص سوريا واسرائيل، اضافة الى ساحة نزاع إقليمية ودولية بين الولايات المتحدة الاميركية وجمهورية ايران الاسلامية.

تاريخ الإغتيالات

موضوع التصفية السياسية الجسدية بدأ منذ نشؤ دولة لبنان الكبير، عندما تم اغتيال رئيس الحكومة رياض الصلح في الاردن عام 1951. استمر شبه هدوء في الاغتيال السياسي حتى عام 1975 عندما تم اغتيال النائب معروف سعد خلال تظاهرة للصيادين في صيدا، و من بعدها بدأت شرارة الحرب الاهلية، حيث تمت تصفية شخصيات سياسية مع كل انعطاف اقليمي او دولي.

خلال هذه الحرب المشؤومة، تمت إغتيالات مختلفة وابرزها المعلم كمال جنبلاط، خلال شهر آذار 1977، من بعدها اغتيال الوزير طوني فرنجية عام 1978، اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل ورفاقه في الرابع عشر من أيلول 1982 قبل 9 أيام فقط من تسلمه منصبه الرئاسي، إغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي بتفجير عبوة ناسفة في مروحية كان يستقلها من طرابلس إلى بيروت مطلع شهر حزيران من عام 1987،.اغتيال رئيس الجمهورية رينيه معوض في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1989، بعد تسلمه منصبه بمدة وجيزة، عبر تفجير عبوة ناسفة قرب القصر الحكومي في محلة الصنائع في بيروت.

من بعدها تمتع لبنان بشبه فترة من الاستقرار السياسي، من خلال اتفاق اقليمي دولي امتد بين عامي 1990 و2005، حيث جرت تصفيات سياسية متقطعة، تم خلالها اغتيال الامين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي عام 1992، والشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية المشاريع الاسلامية عام 1995، واغتيال الوزير السابق ايلي حبيقة عام 2002، حتى حدوث اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري عام 2005، الذي ادى الى تحوّل سياسي جديد في لبنان.

خلال هذا التحوّل جرت إعادة تموضع سياسي واصبح لبنان في صلب لعبة المحاور مجدداً، مما ادى الى حدوث عمليات اغتيال مختلفة لشخصيات سياسية مثل الوزير السابق بيار الجميل عام 2006، والامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي، والنائبين انطوان غانم ووليد عيدو. وشخصيات أمنية مثل العميد وسام الحسن عام 2012، وصحافية مثل جبران تويني في العام نفسه ايضاً، وإغتيال الصحافي سمير قصير. عدا محاولات اغتيال أخرى مثل محاولة اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة والوزير السابق الياس المر والاعلامية الوزيرة السابقة مي شدياق.

مرحلة تغير جيو سياسي

إثر حدوث الانتخابات الاميركية و فوز جو بايدن، اصبحت الفترة الانتقالية الممتدة حتى الشهر المقبل تُعّدُ فترة حساسة جداً سياسياً وأمنياً بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة وايران وحلفائها من جهة اخرى. ولبنان بعين العاصفة بسبب النفوذ الايراني في لبنان وسياسة الضغط الاميركية عليه.

يعمل الرئيس دونالد ترامب في المرحلة الحالية على شَدّ أحزمة الحلفاء، من خلال تذليل الخلافات بينها، مثلما يحصل في الملف الخليجي و المصالحة التي يتم العمل عليها بين السعودية وقطر، وإعادة قنوات التواصل بين تركيا والسعودية، والتطبيع بين دول عربية واسرائيل، والمزيد من الضغوط الاقتصادية على ايران وحلفائها، وتأتي كل تلك المتغيرات لوضع بايدن امام امر واقع قبل تسلمه الحكم.

هذه المرحلة لا يمكن اختصارها فقط بشدّ الاحزمة السياسية، ولكن الواقع الأمني على الطاولة ايضاً. بدأت بإغتيال العالم النووي الايراني محسن زادة، وطبعاً هناك بنك اهداف محدد قبل تسليم بايدن السلطة، وطالما ان ايران لديها نفوذ كبير في لبنان فسيكون له حصة. ولكن ما مدى حجمها لا نعلم، و طبعاً الرد من الخصم حاضر، ويُمكن ان يكون بطريقة معاكسة ايضا. فإيران محشورة في المرحلة الحالية، وإن تم البدء بتغيير قواعد اللعبة بالملف اللبناني، فلن تقف مكتوفة الايدي للحفاظ على أوراق قوتها ايضاً وجميع الوسائل مفتوحة.

مرحلة سياسية انتقالية

ان اخذنا تاريخياً في لبنان خلال المراحل الانتقالية السياسية دائماً كانت تحدث الاغتيالات السياسية، وتلك العمليات إما تحصل لتصفية خصم، وإما تحضيراً لمرحلة سياسية جديدة، وإزاحة من يمكن اعاقتها، وإما للضغط السياسي من خلال خلق توترات امنية وسياسية وكسب نقاط قوة سياسية، وكل تلك السيناريوهات محتملة في المرحلة الحالية.

لبنان يعيش مرحلة سياسية انتقالية. انهيار مالي واقتصادي، البحث في عقد اجتماعي جديد، توقف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، خلل امني بسبب عدم وجود استقرار سياسي، ضغوط سياسية دولية يمكن ان تؤدي الى تغيّر المعادلات الداخلية. والاهم رسم مشهد سياسي جديد لمنطقة الشرق الاوسط.

من هنا تأتي مؤشرات حدوث اعمال امنية او إغتيالات سياسية، لأننا في مراحل مشابهة لمتغيرات سياسية داخلياً و إقليمياً ادت في السابق الى حدوث تصفيات جسدية لساسة لبنانيين.

قد تُطيح تلك التصفيات الجسد، لكنها أبدًا لاتستطيع قتل الأفكار والمباديء الإنسانية العظيمة. وقد أوردت الكتب الدينية المقدسة: أن الإغتيال عملية قديمة قِدم خلق الإنسانية، وأشهر مثال على ذلك؛ هو قتل قابيل لأخيه هابيل.

بين تركيا و السعودية…و توقيت المصالح المشتركة

بدأت العلاقات الحديثة بين الجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية بتاريخ 3 آب 1929، إذ اعترفت تركيا  بالمملكة العربية السعودية، وبنفس التاريخ تم توقيع اتفاقية سلام وصداقة مشتركة بين الطرفين، ولكن على الرغم من هذه الاتفاقية المُشتركة وعلى الرغم من انضمامهم المشترك للقطب الغربي، إبان الحرب العالمية الأولى، لم تكن العلاقة تتسم بالحميمة بين الطرفين طوال الوقت تنمو مع المصالح المشتركة و تنحدر مع اضطراب القواسم.

مسار العلاقات بين البلدين

اتسمت العلاقة بالبرودة حتى الثمانينات من القرن الماضي، حيث كان هناك حرب بين العراق وإيران، وواجهت الدول المُصدرة والمستوردة للنفط مشاكل عديدة في قضية تمديد أنانبيب توصيل نفط جديدة كبديلة لتلك الأنانبيب الممتدة من العراق، ولأن المملكة العربية السعودية، أكبر الدول المُصدرة للنفط، والجمهورية التركية، الدولة المستوردة للنفط من السعودية عبر العراق، كانتا أكثر الدول المتضررة من تلك الأزمة، فاضطرتا إلى الالتقاء المباشر على مستوى رفيع.

انتعشت العلاقات السعودية التركية بعد هذه الزيارات و بعد احتلال العراق للكويت في بداية التسعينيات حيث دعم الرئيس التركي “تورجوت أوزال” الموقف السعودي المعارض لذلك. فتم إبرام اتفاقيات تعاون سياسي واقتصادي وثقافي، بعد هذه الاتفاقيات انتقلت الكثير من شركات البناء التركية إلى السوق السعودية، الأمر الذي عاد بالعملة الصعبة الوفيرة على تركيا ومواطنيه وبدأت حالة ازدهار اقتصادي ملحوظة، في تركيا، على الصعيدين الحكومي والفردي.

التغير المستمر للحكومات التركية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي جعلا السياسة التركية غامضة وغير قادرة على الاستمرار، بشكل مستقر، ليس مع المملكة العربية السعودية بل مع جميع الدول حول العالم، واستمرت حالة الجمود إلى عام 2003.

مع احتلال العراق عام 2003 وماخلفه من تغيرات دفعت المملكة العربية السعودية ان تبادر بإعادة قطار العلاقات السعودية التركية إلى طريقه الصحيح والفعال من جديد، وتُرجمت رغبة المملكة العربية السعودية في إعادة النشاط والحيوية للعلاقات المشتركة بينها وبين الجمهورية التركية، مما ادى الى ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين الى نحو ثمانية مليارات دولارات سنويا.

نقاط الاختلاف الحديثة

في 5 يونيو/ حزيران 2017، أعلنت بعض الدول العربية ومنها السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، مبررين ذلك بتدخلها في شؤونهم الداخلية ودعم الإرهاب. في تلك الأثناء التزمت تركيا الحياد لفترة، لكنها لم تلبث حتى أعربت عن وقوفها إلى جانب قطر. وصرح رجب طيب أردوغان في 9 حزيران 2017 بأن تركيا ستستمر بدعم أشقائها القطريين، ولن تتركهم وحدهم.

رغم ان هذا العام كانت سنة استثمار سعودي كبير في تركيا. إلا أن هذا لم يمنع البلدين من شن حرب إعلامية على بعضهما. في حين انهارت “الهدنة” التي تبناها الإعلام التركي لزمن، وشن هو الآخر هجوماً إعلامياً على السعودية، على خلفية الأزمة مع قطر وصراع الرياض مع الإخوان المسلمين و الملف الكردي.

ادى ذلك الى انفتاح تركي نحو دول الجوار و خاصة ايران و روسيا ما نتج الى مزيد من التوتر بين البلدين و الى مزيد من الحروب الغير المباشرة في مناطق مختلفة في سوريا، العراق، اليمن و ليبيا.

نقاط الالتقاء الحديثة

عززت الثورة السورية سابقا التقارب بين الرياض وأنقرة، لكن هذا التقارب لم يستمر طويلاً. فقد افترقت الدروب وانشغلت السعودية بحرب اليمن، فيما سيطر على تركيا هاجس قيام دولة كردية في شمال سوريا. إضافة الى التنسيق العسكري و السياسي في العراق و دعم تركيا بداية لعاصفة الحزم و لكن مصالح البلدين عادت لتفترق من جديد.

لكن مع فوز بايدن في الانتخابات ثمة تحول في هذا الخلاف بين الطرفين و خصوصا في ظل الهاجز السعودي بظل تصريحات الرئيس المنتخب تجاه حرب اليمن و غيرها من الامور مما ادى الى بداية الالتقاء ثانية بسبب تراكم المصالح المشتركة ثانية. مما ادى الى تجدد قنوات تواصل بين الطرفين منها تعزية السعودية تركيا بضحايا زلزال ازمير، ارسال مساعدات سعودية الى تركيا تحت عنوان مساعدات للاشقاء في تركيا، اتصال الرئيس التركي بملك البحرين و تحدثا عن مسار تطوير العلاقات،الملك سلمان اتصل باردوغان للتنسيق بشأن قمة العشرين ومناقشة العلاقات الثناية، تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في 22 نوفمبر 2020، إن المملكة “لديها علاقات طيبة ورائعة” مع تركيا .

من الناحية السعودية تريد حليف اقليمي قوي يخفف من وطأة الضغوط عليها و خاصة في اليمن، اضافة الى تعزيز التنسيق العسكري و تخفيف من هاجس الاخوان المسلمين حيث تركيا الداعم الاكبر لهم، هدف استباقي قبل تسلم بايدن الحكم و ممارسة سياسة التضييق عليها، تذليل قضية الخاشقجي و ممارسة الضغط على الحكم في المملكة، اضافة الى تخفيف من وطأة الحرب الاعلامية التي تؤثر على الطرفين.

اما من الناحية التركية، العمل على تخفيف من الحرب الاقتصادية و انهيار الليرة التركية، فحسب صحيفة “جمهوريت” التركية بلغ الرقم السنوي للمشاريع الجديدة التي نفذها المقاولون الأتراك في المملكة العربية السعودية في عامي 2017 و2018، 2.1 مليار دولار وتراجعت تلك الأرقام إلى 559 مليون دولار في عام 2019، وخلال التسعة أشهر الأولى من هذا العام انخفض إلى 21 مليون دولار.

في المقابل يعمل اردوغان على تحصين نفسه بالملف الكردي حيث تعد اولوية له بالمرحلة المقبلة و خاصة بايدن يعد داعم لانشاء دولة كردية مستقلة بالعراق، فمن خلال تعزيز التواصل مع المملكة ممكن تخفيف الدعم لهذه القضية و رفع الغطاء العربي عن تلك الملف.

ففي السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم هناك مصالح دائمة “ونستون تشرشل”

لبنان بين وبائين…صحي و اجتماعي

حلّت جائحة كورونا ضيفًا ثقيلًا على لبنان، مثله مثل الكثير من الدول في مختلف أنحاء الأرض، وفرضت الأزمة على الدولة اللبنانيّة إعلان حالة التعبئة العامّة والطوارئ الصحيّة لتخطّي المرحلة. لكنّ لسوء حظ اللبنانيين، شاءت الظروف أن تتقاطع أزمة حلول الكورونا مع مرور البلاد بأسوأ انهيار مالي واقتصادي عرفته البلاد، حيث  من المقرر حسب صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 25٪ هذا العام. وانخفضت الواردات إلى النصف لأن القوة الشرائية اللبنانية تلاشت مع انهيار العملة المحلية، التي فقدت أكثر من 80٪ من قيمتها مقابل الدولار منذ العام الماضي.، وهو ما أنتج محنة قاسية تختلف ظروفها عن الكثير من الدول التي تشهد اليوم أزمة انتشار جائحة الكورونا.

فمن قطاع الاستشفاء الذي كان على حافّة الانهيار قبيل أزمة الكورونا بفعل عدم توفّر الدولار لاستيراد المعدّات، إلى تراجع مخزون الأدوية لدى تجّار الدواء للسبب نفسه و لسبب تهريب الدواء المدعوم، وصولًا إلى المأساة المعيشيّة التي كان يعاني منها اللبنانيون بالأصل اضافة الى الفراغ السياسي الموجود و اللاحس بالمسؤولية من قبل الطبقة الحاكمة و التلهي بشؤون الحصص و حماية المصالح ودخول البلاد في مرحلة الإقفال التام، كان هناك ما يكفي من عوامل لتكون البلاد في أصعب ظروف أمام الفيروس المستجد.

كورونا و قطاع الاستشفاء

في الأشهر الستّة الأخيرة، لم يستورد لبنان سوى 5% فقط من المستلزمات والمعدّات الطبيّة التي تحتاجها المستشفيات عادةً لعمليّاتها اليوميّة، بما فيها أبسط المواد الضروريّة مثل مواد التعقيم والتطهير، والتجهيزات والمواد التي يحتاجها عادةً ذوو الأمراض المزمنة، وهي الفئة الأكثر تأثّرًا عادةً عند الإصابة بفايروس كورونا المستجد. وهكذا، دخلت البلاد أزمة الكورونا بقطاع استشفائي هش وضعيف، يعاني حتى في تشغيل أجهزة التنفّس الإصطناعي الضروريّة لبعض حالات الكورونا، والتي تبيّن لاحقًا أنّ 80% منها لا يعمل بسبب النقص في قطع الغيار المطلوبة لها.

هكذا، دخلت مستشفيات لبنان المعركة في وجه كورونا بلا سلاح، حتّى أنّ منظمة «هيومن رايتس واتش» رفعت الصوت في ظل أزمة الكورونا، محذّرةً من نقص اللوازم الضروريّة لمواجهة فيروس كورونا، ومعربةً عن قلق الطواقم التمريضيّة إزاء عجز الحكومة والمستشفيات عن توفير التجهيزات اللازمة لحماية العاملين في الحقل الطبي من الإصابة بالفيروس.

وباء إجتماعي و إقتصادي

كانت البلاد على شفير الفقر المدقع منذ بداية العام، وقبل دخول فيروس كورونا وتبعات التعبئة العامّة على الخط. فالأرقام المتداولة كانت تفيد بتراجع أعمال الشركات التجاريّة بنسب تراوحت بين 70% و80% منذ بداية العام، فيما كان إقفال المؤسسات وانضمام الشباب إلى صفوف العاطلين عن العمل سيّد الموقف. وبحسب بعض الإحصاءات، بلغت نسبة المؤسسات التي أقفلت جراء الأزمة حدود 20%، فيما بلغت نسبة البطالة 40% وسط توقّعات ببلوغها مستوى 50%. وبشكل عام، يُقدّر عدد الذين باتوا دون خط الفقر بعد الانهيارالاقتصادي بحدود 1.3 مليون شخص. و من تداعيات كورونا ايضا تراجع الناتج المحلي بما لا يقل عن 40%، وهو قابل لزيادة التراجع. وقد قدّر صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد سينكمش من ما يعادل 14500 دولار سنويًا في عام 2019 إلى 10900 دولار في عام 2020.

فشل الادارة الاجتماعية

منذ اليوم الاول لبدء مشوار التعبئة العامة و الاقفال الجزئي و التام، لم تكن السلطة على قدر المسؤولية فتحدثت عن فقاعات وعود لم يلمس المواطن المتألم تلك الالتزامات.

فحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن نظام الحماية الاجتماعية في لبنان غير كاف على الإطلاق، مع انعدام الخدمات الأساسية. فذلك يؤدي إلى انعدام العدالة الاجتماعية، معززا بشبكات الزبائنية والمحسوبية، مع سيطرة الأحزاب السياسية على الخدمات وتقديمها لمؤيديها.

للاسف الخطط الحكومية كالعادة لا تنطلق من خلال استرتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الصحي و الاجتماعي فتنطلق من عين واحدة فقط. و ذلك يؤدي الى مزيد من الانفجار الاجتماعي و الاقتصادي سنشهد تبعاته في الفترة القريبة المقبلة و ممكن القول ان الحلول دائما تأتي على حساب المواطن و ليس لحسابه و متل ما بقول المتل اللبناني “دائما العترة على الفقير”.