مقالات

النظام السياسي في لبنان و مخالفة معايير حقوق الإنسان

إن النظام اللبناني إن نظرنا إليه من الخارج نستمدح به و نتحدث أنه من أكثر الأنظمة الديمقراطية في الشرق الأوسط ، و لكن إن تمعنا به و نظرنا إلى حقيقته و واقعه ، نكاد نخجل أن نقول عنه وطن ديمقراطي و يحترم معايير حقوق الإنسان للأسف، و واجبنا أن نضوي على بعض النقاط المخالفة لهذه المعايير و ذلك لكي نتمكن مستقبلا من تحسن و تطوير نظامنا و الأهم من ذلك هو التنفيذ.

لقد ادخلت على الدستور اللبناني مقدمة تنفيذاً لوثيقة الوفاق الوطني بموجب القانون الدستوري رقم 18، 21/9/1990.

حيث ورد فيها: “لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل” (ف. ج)، “الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية” (ف.د)، “النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها” (ف.هـ)، “الغاء الطائفية السياسية هدف وطني اساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية” (ف.ح)، “لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك” (ف.ي).

أحد المواطنين توفي بسبب عدم السماح له بدخول المستشفى بسبب إمكانياته المادية

فهنا عن أي عدالة إجتماعية نتحدث أين هي حقوق المواطنين في التعلم و الطبابة المجانية ، أين نحن من ضمان الشيخوخة، أين نحن من تأمين الإستقرار الأمني لمواطنينا، أين إحترام رأي الآخر؟ أين نحن من تطبيق الدستور؟……إلخ

ويبدو من خلال هذه المقدمة الدستورية مدى الالتباس في الاتجاه العام للمشرّع اللبناني، اذ أبقى ضمناً على التمايز بين المواطنين، وولوج باب المساواة، فيما بينهم استناداً للفقرة (ي)، وخلافاً مع ما ورد في الفقرة (ج)، مع انه كرّس مبدأ الغاء الطائفية السياسية بموجب الفقرة (ح)، ادراكاً منه انها تشكل علة هذا الوطن المزمنة، هذا الالتباس، اذا لم نقل التناقض في النصوص، ابقى نسب التذرع بالنص بالعيش المشترك ذريعة يتلطى وراءها كل ذي مصلحة، ويعلن تمسكه بها مظهراً غير ما يضمر. كما ان المادة 19 من الدستور اعطت “الى رؤوساء الطوائف المعترف بها قانوناً في ما يتعلق حصراً بالاحوال الشخصية وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية وحرية التعليم الديني”، حق مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين، يضاف لذلك العرف المطبق في لبنان بحصر الرئاسات الثلاث بطوائف معينة، وتقسيم النيابات والوزارات مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

ان تداخل هذه المبادئ بالحياة السياسية اللبنانية، واعتبارها معايير ثابتة بحكم دستوريتها، كان لها تأثيراتها على مجمل الحركة السياسية وتطلعات المواطنين بالانتماء لوطن ودولة، بديلاً عن اي انتماء طائفي او مذهبي او فئوي، قد ادى ليس فقط لتجميد حركة المجتمع في بنيته وتركيبته عند نقطة معينة، بل تعداها الى تكريس الحالة الشاذة والاستثنائية، وتجاوزت الانقسامات الحالة الطائفية الى الاطر المذهبية، مما ادى لاتساع دائرة نطاق التدخل الخارجي من هذه الدولة او تلك، مما فاقم من عمق الشرخ اللبناني، الذي نشهد ترجماته في كل إنتخابات.

و عند كل مفترق طرق نرى الساسة يتلطون وراء طوائفهم ، و هذه السياسة تؤدي إلى إثارة الفتنة و الحقد ضد الفريق الآخر و هذا تجاوز أساسي لحقوق الإنسان و لمبدأ تكريس إحترام الآخر.

علينا أن نعمل جميعا جهدا و جاهدا لكي نتمكن من تحقيق و تطبيق مبدأ حقوق الإنسان في لبنان ، لأنني أعتبره أنه ركن أساسي لتحقيق المواطنة و الإستقرار في وطننا العزيز.

الإصلاحات المنتظرة للسلطة القضائية في لبنان للوصول إلى إحترام معايير حقوق الإنسان

إن تقسيم السلطات، في الدستور اللبناني، ثلاث: مشترعة وإجرائية وقضائية، أُفرد لها باب خاص هو الباب الثاني، وجرى تعدادها وتوصيفها، في صورة عامة، في الفصل الأول من الباب نفسه.
وفي حين حظيت السلطة المشترعة بتفصيل لمؤسساتها وصلاحياتها ومهامها وتأليفها في الفصل الثاني، وبإجراءات التئامها وانفضاضها وطريقة عملها في الفصل الثالث، وحظيت السلطة الإجرائية بتفصيل لصلاحيات رئيس الجمهورية ومهامه، وتفصيل لصلاحيات مجلس الوزراء ومهامه، في الفصل الرابع، وبقواعد انتخاب رئيس الجمهورية في الباب الثالث، لا يتعدى نصيب السلطة القضائية من أحكام الدستور مادة وحيدة هي المادة 20 من الفصل الأول من الباب الثاني.

لذلك نرى حسب وجهة نظري تعديات قانونية و دستورية على السلطة القضائية التي من المفترض يجب أن تكون سلطة مستقلة و حيادية بعيدة عن التجاذبات السياسية و عن بازاراتها. لأننا من خلالها نتمكن من تحقيق حق المواطن في العدالة و التي هي حق من حقوق الإنسان.

و التي للأسف نعيش في يومنا هذا تعديات مسيئة في السلطة القضائية و ضغوطات شنيعة من السلطة السياسية فالبريء في بعض الأحيان يجرم و القاسي و الداني يبرىء للأسف.

لذا علينا جميعا أن ندعم و نفعل و نحيد السلطة القضائية التي وظيفتها معاقبة الداني و تبرئة البريء، و إنصاف العدالة و تحقيقها في الوطن الحبيب لبنان.

 

و في حين أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة أمور، تصميمها على تهيئة ظروف يمكن في ظلها أن تسود العدالة وعلى تحقيق التعاون الدولي في ميدان تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون أي تمييز،
وحيث أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص خصوصا على مبادئ المساواة أمام القانون وافتراض البراءة، والحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة مستقلة ونزيهة مشكلة وفقا للقانون،
وحيث أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يضمنان كلاهما ممارسة هذه الحقوق بالإضافة إلى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يضمن كذلك الحق في المحاكمة دون تأخير بغير موجب،
وحيث أنه لا تزال توجد في حالات كثيرة فجوة بين الرؤية التي تقوم عليها تلك المبادئ وبين الحالة الفعلية،
وحيث أنه ينبغي أن يسير تنظيم وإدارة شؤون القضاء في كل بلد على هدى تلك المبادئ، كما ينبغي بذل الجهود لتحويلها كاملة إلى واقع ملموس،
وحيث أن القواعد التي تخضع لها ممارسة الوظائف القضائية ينبغي أن تهدف إلى تمكين القضاة من التصرف وفقا لتلك المبادئ،
وحيث أن القضاة مكلفون باتخاذ القرار الأخير بشأن حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وواجباتهم وممتلكاتهم،
وحيث أن مؤتمر الأمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين طلب، في قراره 16، من لجنة منع الجريمة ومكافحتها أن تدرج ضمن أولوياتها وضع مبادئ توجيهية تتعلق باستقلال القضاة واختيار القضاة وأعضاء النيابة، وتدريبهم مهنيا، ومركزهم،
وحيث أن من المناسب، بناء على ذلك، إيلاء الاعتبار أولا لدور القضاة بالنسبة إلى نظام القضاء ولأهمية اختيارهم وتدريبهم وسلوكهم،
فإنه ينبغي للحكومات أن تراعى وتحترم، في إطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية، المبادئ الأساسية التالية التي وضعت لمساعدة الدول الأعضاء في مهمتها المتعلقة بضمان استقلال السلطة القضائية وتعزيزه، وأن تعرض هذه المبادئ على القضاة والمحامين وأعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية والجمهور بوجه عام. مع أن هذه المبادئ وضعت بصورة رئيسية لتنطبق على القضاة المحترفين في المقام الأول، فإنها تنطبق بدرجة مساوية، حسب الاقتضاء، على القضاة غير المحترفين حيثما وجدوا.

 

 

 

و واجب على الدولة أن تكفل السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية.

تفضل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب.

تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون.

لا يجوز أن تحدث أية تدخلات غير لائقة، أو لا مبرر لها، في الإجراءات القضائية ولا تخضع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم لإعادة النظر. ولا يخل هذا المبدأ بإعادة النظر القضائية أو بقيام السلطات المختصة، وفقا للقانون، بتخفيف أو تعديل الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية.

لا يجوز إنشاء هيئات قضائية، لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية، لتنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية.
يكفل مبدأ استقلال السلطة القضائية لهذه السلطة ويتطلب منها أن تضمن سير الإجراءات القضائية بعدالة، واحترام حقوق الأطراف.

من واجب كل دولة عضو أن توفر الموارد الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة.

 

وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، ومع ذلك يشترط أن يسلك القضاة دائما، لدى ممارسة حقوقهم، مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء.

تكون للقضاة الحرية في تكوين جمعيات للقضاة أو غيرها من المنظمات لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي، وفى الانضمام إليها.

 

 

و يجب أن يكون من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفرادا من ذوى النزاهة والكفاءة، وحاصلين على تدريب أو مؤهلات مناسبة في القانون. ويجب أن تشتمل أي طريقة لاختيار القضاة. على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بدوافع غير سليمة. ولا يجوز عند اختيار القضاة، أن يتعرض أي شخص للتمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء، أو المنشأ القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو الميلاد أو المركز، على أنه لا يعتبر من قبيل التمييز أن يشترط في المرشح لوظيفة قضائية أن يكون من رعايا البلد المعنى.

 

 

 

 

و يجب أن يضمن القانون للقضاة بشكل مناسب تمضية المدة المقررة لتوليهم وظائفهم واستقلالهم، وأمنهم، وحصولهم على أجر ملائم، وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم.

يتمتع القضاة، سواء أكانوا معينين أو منتخبين، بضمان بقائهم في منصبهم إلى حين بلوغهم سن التقاعد الإلزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب، حيثما يكون معمولا بذلك.

ينبغي أن يستند نظام ترقية القضاة، حيثما وجد مثل هذا النظام، إلى العوامل الموضوعية ولا سيما الكفاءة والنزاهة والخبرة.

يعتبر إسناد القضايا إلى القضاة ضمن إطار المحكمة التي ينتمون إليهما مسألة داخلية تخص الإدارة القضائية.

 

 

 

 

 

  • و أمام هذا الخلط في المفاهيم قد يفيد التذكير أولاً ببعض المبادئ العامة، بهدف التأكيد أنه وان كانت سيادة القانون لا تتحقق إلا عن طريق حسن سير القضاء، فإن مبدأ فصل السلطات لا يسمح للقضاء بإنشاء القواعد القانونية لتغطية قصور التشريعات الحالية في ضبط العلاقة بين الخدمة العامة والأعمال الخاصة، أو للحد من الصلاحيات الاستنسابية للإدارة في عقد الصفقات ومنح التلزيمات مثلاً، وهي كلها من أسباب الفساد والهدر التي لا جدال فيها. وعملاً بالمبدأ نفسه، لا يجوز كذلك أن يحل القضاء محل أجهزة الرقابة الإدارية من تفتيش مركزي ومجلس تأديبي عام، وإن كان دورها بات يحتاج إلى تفعيل أكيد. ولا يمكن القضاء أيضاً أن يقوم بدور المحاسبة السياسية للمسؤولين، وإن كانت أصول المحاسبة البرلمانية معطلة اليوم في العديد من أوجهها من جرّاء ما نشهده من تشابك بين صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية، أو حتى إن كانت شروط المحاسبة الشعبية مشكوكاً بتوافرها أصلاً، بسبب كل ما عرفته الانتخابات النيابية الأخيرة من شوائب.

  • وبمقتضى مبدأ فصل السلطات فان عدم صلاحية السلطتين التشريعية والتنفيذية بالفصل في الدعاوى وعدم جواز امتناع السلطة التنفيذية عن تنفيذ الأحكام القضائية أو قيام السلطة التشريعية بإصدار قوانين تفسيرية بغية تقرير الحلول للنزاعات المعلقة أمام المحاكم، يقابله عدم جواز امتناع المحاكم عن تطبيق القانون أو إصدار أحكامها في صيغة “الأنظمة
    s أو “القرارات” الإدارية.

  • وتأكيد حدود دور القضاء من ضمن نظرية فصل السلطات يجب ألاّ يعني أنه ليس لعمل القضاء أبعاد سياسية أكيدة. ففي توافر شروط حياد المحاكم المدنية تجسيد لمبدأ المساواة بين المواطنين، وفي وجود أصول للمحاكمات الجزائية حماية للحريات، كما أن في الرقابة القضائية على قرارات الإدارة ضمان لعدم تجاوز المسؤولين فيها حد السلطة.
  • · أما النتائج السياسية لحسن عمل القضاء فتتمثل بما لسيادة القانون وحماية الحريات وضمان الحقوق العامة والخاصة من تأثير مباشر في الاستقرار الاجتماعي والنشاط الاقتصادي في البلاد وفي مصداقية الدولة في الداخل كما في الخارج.

  • والواقع أن من أهم متطلبات إصلاح الحياة العامة في لبنان اليوم هو تعزيز القضاء ليصبح سلطة فعلية موازية للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك من خلال توفير شروط استقلاله وحمايته من إمكان التدخل في شؤونه أو ممارسة الضغوط على أعضائه. فالخطر اليوم لا يكمن في ما يسقطه بعض فئات الرأي العام من رغبات على القضاء تتجاوز وظيفته – وان كانت رغبات مشروعة – ولا هو في إمكان جنوح القضاء إلى ما قد يتعدّى دوره، بل إن الخطر الأكبر يكمن في استمرار اختلال التوازن القائم بين القضاء وكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية وما يعنيه ذلك من تأثير في نتائج عمله والثقة به.

  • فلجهة السلطة التشريعية، نرى أن الدستور، وإن نص في مادته العشرين على أن “السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصها” فإن ذلك أتى من ضمن الفصل الأول حول “الأحكام العامة” للباب المتعلق بالسلطات. فلا فصل يحدد قواعد عمل “السلطة القضائية” أو ينظم كيانها على غرار ما يخص به الدستور كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل إن هذه المادة الوحيدة المتعلقة بالقضاء في الدستور إنما نصت على ترك كل هذه الأمور إلى القوانين العادية. وهذا يعني أن الدستور اللبناني لم يجعل من السلطة القضائية سلطة قائمة ومحصنة بضمانات دستورية مثل السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل ان السلطة التشريعية احتفظت لنفسها بحرية أكبر في تحديد شروط تولية القضاة وإدارة شؤونهم حين تركت ذلك للقانون العادي بدل النص على قواعده في الدستور.
  • · صحيح أن الدستور ينص أيضاً، وفي المادة نفسها، على أن “القضاة مستقلون فـي إجراء وظيفتهم”، لكـن الصحيح أيضاً أن الفرق مهم بين استقلالية القاضي في أثناء قيـامه بـ “وظيفته” وبين استـقلالية القـضاء كـ “سلطة”. فإستقلالية القاضي في مجال إصدار أحكامه تعني أن أي مسؤول، مهما علا مركزه، لا يمكن أن يملي عليه قرارات. فالقاضي يبقى في هذا المجال مستقلاً بينه وبين نفسه، الأمر الذي يمنحه حرية الاحتكام إلى علمه والى ضميره، ولكن في غياب استقلال القضاء كسلطة ليس هنالك ما يحمي القاضي من رجال السياسة لو أرادوا معاقبته على ممارسته استقلاله – “الذاتي” طبعاً – وذلك عن طريق ما يعود للحكومة من صلاحية في إجراء التشكيلات القضائية.
    أما السلطة التنفيذية، فإن المرسوم الاشتراعي رقم 150/83 المعدل بالمرسوم الاشتراعي رقم 22/85 المتعلق بتنظيم القضاء العدلي، يعطيها في مادته الثانية صلاحية تعيين كامل أعضاء مجلس القضاء الأعلى. وهو المجلس المناطة به، بحسب المادة
    الخامسة من المرسوم نفسه،
  • الصلاحيات التالية:

  • “أ – وضع مشروع المناقلات والإلحاقات والانتدابات القضائية الفردية أو الجماعية وعرضها على وزير العدل للموافقة عليه”.
    “ب – الموافقة على مشاريع وزير العدل بإجراء المناقلات والإلحاقات الفردية أو الجماعية والانتدابات القضائية ما لم يرد نص خلاف ذلك”.
    كما تنص المادة نفسها على انه:
     
  • إلا أنه يبقى أن تحويل القضاء اللبناني إلى سلطة على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية يتطلب إنشاء مجلس موحد للسلطة القضائية تتمثل به كل الهيئات القضائية، من عدلية وإدارية ومالية، كما أنه يتطلب أن يجري النص في الدستور على الحصانات والصلاحيات العائدة لهذه السلطة أسوة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية. فهذا هو الإصلاح المنشود، ومن دونه لا توازن بين السلطات، إذ إنه “لا يحد السلطة إلا السلطة” .

 

 

  • · توصيات :
  • · القضاء سلطة مستقلة عن أي سلطة أخرى، تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها وفق أنظمة وضمانات للقضاة والمتقاضين ينص عليها القانون. ويباشر القضاء باسم الشعب اللبناني، ولا يخضع القضاة إلا للقانون.
  • · ينشأ، بموجب هذا القانون، مجلس أعلى للسلطة القضائية يدعى “المجلس الأعلى للقضاء” يتولى بصورة عامة الإشراف على تسيير الهيئات القضائية القائمة (محاكم القضاء العدلي، مجلس شورى الدولة، ديوان المحاسبة) وأي مؤسسات قضائية أخرى تنشأ بقانون. وهو يمارس جميع الاختصاصات المناطة، بموجب النصوص النافذة، بكل من مجلس القضاء الأعلى ومكتب مجلس شورى الدولة ومجلس ديوان المحاسبة.
    ويتولى المجلس الأعلى للقضاء، بصورة خاصة، المهام والصلاحيات الآتية:
    (أ) التنسيق بين مختلف الهيئات القضائية واتخاذ القرارات المتعلقة بشؤونها كافة.
    (ب) تعيين القضاة ونقلهم وانتدابهم وترفيعهم وتأديبهم وتحديد اختصاصاتهم ورواتبهم وتعويضاتهم وأثوابهم وصرفهم من الخدمة أو إحالتهم على التقاعد وفق أحكام القانون.
    (ج) السهر على حسن سير العمل في المحاكم على اختلاف أنواعها.
    (د) تأليف المجلس التأديبـي للقضاة.
    (هـ) دراسة ملف أي قاضٍ والطلب إلى هيئة التفتيش القضائي إجراء التحقيقات اللازمة واتخاذ التدابير المناسبة.
    (و) النظر في طلبات العفو الخاص بمختلف أنواعها.
    (ز) إبداء الرأي في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالهيئات القضائية وتطويرها واقتراح المشاريع والنصوص التي يراها مناسبة وإحالتها على مجلس الوزراء.
    (ح) تعيين المساعدين القضائيين ونقلهم وانتدابهم وترفيعهم وتأديبهم وتحديد اختصاصاتهم ورواتبهم وتعويضاتهم وأثوابهم وصرفهم من الخدمة أو إحالتهم على التقاعد وفق أحكام القانون.
    (ط) تعيين موعد العطلة القضائية ومدتها.
    (ي) قبول القضاة في منصب الشرف وفق أحكام القانون.
  • · يتمتع المجلس الأعلى للقضاء بوصفه ممثل إحدى السلطات العامة وأحد أشخاص القانون العام، بالشخصية القانونية والإستقلال المالي والإداري، ويمارس الصلاحيات المالية والإدارية التي تنيطها القوانين والأنظمة بالوزير، وتكون لقراراته القوة التنفيذية للمراسيم.
    ويفرد للمجلس الباب الرابع من الجزء الأول (قسم النفقات) من قانون الموازنة العامة، ويعطى في سائر معاملات الدولة ومناسباتها الرسمية الاعتبار والمرتبة والإمتيازات الممنوحة لأشخاص السلطات العامة.
  • · مع مراعاة أحكام المادة الأولى من المرسوم الإشتراعي الرقم 151 تاريخ 16 أيلول/سبتمبر 1983 غير المخالفة لأحكام هذا القانون، يخضع جميع قضاة النيابات العامة لسلطة وزير العدل، كما يخضعون لإدارة رؤسائهم ومراقبتهم.
    ولوزير العدل الحق في إعطاء قضاة النيابات العامة أوامر بالملاحقة وتوجيههم في تحريك دعوى الحق العام بموجب تعليمات خطية عند الإقتضاء.
  • · باستثناء المهام والصلاحيات المناطة بموجب هذا القانون بالمجلس الأعلى للقضاء، تتولى وزارة العدل، بتكليف من المجلس، تسيير المرافق والمصالح والخدمات الخاصة بالقضاء. كما تكون صلة الوصل بين السلطة القضائية من جهة وكل من السلطة التشريعية والسلطة الإجرائية من جهة أخرى.
  • · يؤلف المجلس الأعلى للقضاء من خمسة عشر عضواً، عضوية خمسة منهم حكمية دائمة، وعضوية الباقين اختيارية بالإنتخاب وموقتة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك على الوجه الآتي:
    (أ) الأعضاء الحكميون الدائمون
    – الرئيس الأول لمحكمة التمييز.
    -رئيس مجلس شورى الدولة.
    -رئيس ديوان المحاسبة.
    – النائب العام لدى محكمة التمييز.
    – رئيس هيئة التفتيش القضائي.
    (ب) الأعضاء المنتخبون الموقتون
    – رئيس غرفة في محكمة التمييز ينتخبه القضاة لدى محكمة التمييز والنيابة العامة التمييزية.
    – مفوض حكومة أو رئيس غرفة ينتخبه قضاة مجلس شورى الدولة.
    – قاضٍ مستشار ينتخبه قضاة مجلس شورى الدولة.
    – مدعٍ عام أو رئيس غرفة ينتخبه قضاة ديوان المحاسبة.
    – قاضٍ مستشار ينتخبه قضاة ديوان المحاسبة.
    – رئيس غرفة ينتخبه القضاة لدى محاكم الإستئناف والقضاة لدى وزارة العدل والقضاة لدى المحكمة العسكرية.
    – مدعٍ عام ينتخبه القضاة لدى النيابات العامة الاستئنافية.
    – رئيس هيئة ينتخبه القضاة لدى هيئة القضايا وهيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل والقضاة المنتدبون للتدريس في معهد الدروس القضائية.
    – رئيس غرفة ابتدائية ينتخبه القضاة لدى المحاكم الابتدائية والقضاة المنفردون.
    – قاضي تحقيق أول ينتخبه قضاة التحقيق.
  • · يكون للمجلس الأعلى للقضاء أمانة عامة يرئسها حكماً رئيس هيئة التفتيش القضائي ويلحق بها، بقرار من المجلس، عدد من المساعدين القضائيين وفق ما تقتضيه الحاجة.
  • · عند خلو مركز الرئيس أو تعذر حضوره يحل محله نائب الرئيس.
  • · لوزير العدل أن يطلب بكتاب معلل انعقاد المجلس الأعلى للقضاء حين تدعو الحاجة. وإذا استجيب طلبه، فله الحق بأن يحضر الإجتماع ويعرض وجهة نظره من دون أن يشترك في التقرير.
  • · لا يكون اجتماع المجلس الأعلى للقضاء صحيحاً إلا بحضور ثمانية من أعضائه على الأقل، بينهم الرئيس أو نائبه.
  • · يتخذ المجلس الأعلى للقضاء قراراته وتوصياته بأغلبية ثمانية أصوات على الأقل من مجموع عدد أعضائه.
  • · يؤلف المجلس الأعلى للقضاء مجلساً تأديبياً للقضاة مؤلفاً من خمسة أعضاء يكون من بينهم أحد الرؤساء المذكورين في الفقرة (أ) من المادة الخامسة في هذا القانون، وتتمثل فيه الهيئات القضائية الثلاث المحددة في المادة الثانية السابقة الذكر.
    يطبق المجلس التأديبـي الأحكام ويعتمد الإجراءات المنصوص عليها في قانون القضاء العدلي (المرسوم الإشتراعي الرقم 150 تاريخ 16 أيلول/سبتمبر 1983 وتعديلاته).
  • · يضع المجلس الأعلى للقضاء، في مطلع كل سنة قضائية، تقريراً يتضمن عرضاً لأوضاع مختلف الهيئات القضائية ومحاكمها ولجانها وأجهزتها وتقويماً لأعمالها وإنجازاتها في السنة المنصرمة، وبياناً بالإقتراحات التشريعية والتنظيمية والإدارية التي يراها موافقة لمصلحة السلطة القضائية، ويقوم بإبلاغه إلى كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء وينشر في الجريدة الرسمية. إحترام المعاهدات الدولية: المضيّ بعمليات المصادقة وملاءمة التشريعات الوطنية وتدريب القضاةتعديل الدستور اللبناني والقوانين الوطنية التي ترعى تنظيم السلطة القضائية لضمان استقلال القضاء بشكل فعلي عن النظام السياسي والطوائف الدينية وسائر السلطات الأخرى التنظيم القضائي: إصلاح القواعد التي تحكم عملية اختيار القضاة وتدريبهم وتعيينهم وتدرّجهم وشروط وظائفهم، وتكريس الاحترام الكامل لحقّهم بحرية التعبير عن الرأي وتكوين الجمعيات والاجتماع على المستوى القانوني والفعلي
    تحسين مستوى تدريب القضاة: التوعية على المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان / تأمين تدريب مستمرّ
    إلغاء المحاكم الاستثنائية وإحالة صلاحياتها إلى المحاكم العادية

    وضع المحاكم الدينية تحت رقابة مجلس القضاء الأعلى وإشرافه وتكريس مبدأ المراجعة الاختيارية لهذا النوع من القضاء

     

 

 


أخيرا، إنّ المحاكم الاستثنائية هي التي ترتكب الانتهاكات الأكثر مباشرة للحريات وحقوق الإنسان. غالباً ما يُعتبر المجلس العدلي كمحكمة سياسية نظراً إلى عدم إمكانية تكليفه بأي قضية إلاّ من قبل السلطات السياسية، وهو يمثّل انتهاكاً صارخاً لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة نظراً إلى غياب أي طريقة لمراجعة الأحكام الصادرة عنه. أمّا المحاكم العسكرية، فاتساع نطاق الصلاحية الممنوحة إليها وتعزيز دورها يثيران القلق في هذا التقرير. بالتالي، فطريقة تأليف المحاكم الاستثنائية وتنظيمها وطريقة عملها تشكل جميعها انتهاكاً للمبادئ التي تصون الحق بمحاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة. فالقوانين التي تنظم هذه المحاكم هي إلى حدّ ما مخالفة للدستور ولا سيما لمبدأي الاستقلالية والحيادية في إصدارها للأحكام ولاحترام حقوق الدفاع.

و تشكّل مسألة استقلال القضاء موضوع نقاش مستمرّ في لبنان حيث يواجه الرأي العام أزمة ثقة فعليّة بالسلطة القضائية.

و بالطبع هناك دور للمجتمع المدني يجب أن يلعبه ، و هو توعية السكان على مسألة إستقلال القضاء و حياده، و تشجيع المحامين على الاستناد إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان ووضع خطّة عمل للإصلاحات القضائية بالإضافة إلى إستراتيجية ضغط أمام مجلس النواب والحكومة والمؤسسات الوطنية الأوروبية.

فرغم هذه الصورة السلبية عن النظام القضائي في لبنان، غير أنه يحيي في الوقت نفسه الرغبة الفعلية في الإصلاح الموجودة في لبنان والشجاعة التي يبديها العديد من القضاة اللبنانيين في سبيل ضمان استقلال نزيه وعادل للمواطنين. بالإعراب عن تقديره لهؤلاء القضاة، وإنما يرمي إلى تزويدهم بالدعم الملموس لتشجيع مبادرتهم وحثّهم على الاستمرار في الجهود التي يبذلونها من أجل تعزيز استقلال النظام القضائي وحياده.

 

 

 

 

 

 

نشاط حول حقوق الإنسان و حل النزاعات في طرابلس بالتعاون مع صليب الأحمر اللبناني

نظمت لجنة إنماء ضهر المغر، بالتعاون مع صليب الاحمر اللبناني و وزير الشباب و الرياضة في حكومة الظل شادي نشابة،  دورة حول”حقوق الإنسان و مهارات حل النزاعات”، لستين طفل من منطقة ضهر المغر (القبة).

وتهدف الدورة الى بناء الوعي العام، وتعريف الاطفال على حقوق الانسان،و مساعدتهم على فهم بعض العمليات المعقدة التي تؤدي إلى العنف والنزاع ، وتشجع  الطلاب على اتخاذ مواقف تؤدي إلى تفضيل حل النزاع بطريقة بناءة ونشطة وغير عنيفة، و على تطوير مهاراتهم الشخصية والاجتماعية اللازمة للعيش في وئام مع النفسو الآخرين ‏والتصرف بطريقة إيجابية تتسم بالرعاية وتحترم حقوق الإنسان الأساسية. ‏

وفي ختام الدورة، القى نشابة كلمة اكد خلالها على أهمية التنمية الثقافية للأطفال، الامر الذي ينعكس ايجابا على الفرد والمجتمع وبالتالي الامة.

وقال: لا بد من ايلاء هؤلاء الأطفال  عناية واهتمام خاص لانهم قادة المجتمع في المستقبل، ويجب ان يكونوا مسلحين بالعلم والمعرفة، لمواجهة كل التحديات التي ستعترض طريقهم في المستقبل. ولينهضوا بمناطقهم التي لا زالت تعاني من التهميش والحرمان رغم كل نداءات الاستغاثة.

تخلل الدورة نشاطات ترفيهية، وتوزيع هدايا على الأطفال المشاركين

الفلسطينيين في لبنان بين التغرب و عدم مراعاة حقوقهم الإنسانية

أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان

إن لبنان نتحدث عنه أنه وطن الحضارة و التعايش و أنه رسالة بين الشرق و الغرب ، و هذا ما هو فعلا ما نريده. و لكن للأسف إن أردنا الغوص في وضع حقوق الإنسان في لبنان نجد أننا وطنا نحتاج إلى إستراتيجية فعلية لإصلاح و جلب حقوق المواطن اللبناني و الغير اللبناني، لأننا فعلا نعيش واقع مرير على الصعيد الإنساني.

و إن أردنا الغوص في حقوق الفلسطينيين في لبنان ننصدم، و أنا بالنسبة إلي أننا كلما ظلمنا الفلسطينيين في لبنان كلما عززنا العنف و الحقد و الكراهية في الوطن، لذلك واجب علينا أن نقر بأبسط الحقوق الإنسانية للفلسطينيين و برفض التوطين حالا و مستقبلا، و يتم جلب الحقوق بالتنسيق مع الدول المانحة و المؤسسات المانحة لأن وضعنا الإقتصادي في الداخل تعيس جدا، فيكون إعطاء الحقوق ضمن إستراتيجية تؤمن حق اللبناني و الفلسطيني في الوقت عينه، فإننا لا نريد أن نؤثر على لقمة عيش اللبناني و لا نريد أن نحسس الفلسطيني بالذل و نريد إعطاءه حقوقه الإنسانية.

فحقوق الإنسان هي عبارة تفيد أن تلك الحقوق هي عالمية وغير قابلة للتصرّف أو للتجزئة وأنها مترابطة ومتشابكة. وحقوق الإنسان هنا تشير إلى إطار حقوقي وضعته الأمم المتحدة انطلاقاً من ميثاقها مروراً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين حول الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعشرات من المعاهدات والاتفاقيات الدولية. من جهة ثانية لبنان صادق على معظم تلك الاتفاقيات ووضعها في مقدمة دستوره الذي يفيد في الفقرة (ب) أن “لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء.”

بالرغم من أن المادة ٢ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء” فإن الواقع المُعاش حول العالم يؤكّد التمييز والتفرقة بناء على عوامل اقتصادية وسياسية لا تعنيها مثالية المدافعين عن الحقوق بل وتضع الحقوق في ميزان الربح والخسارة من جهة ومصلحة الدول الكبرى والقوى المسيطرة من جهة أخرى.

مثال على العوامل الاقتصادية هو أولوية الحقوق الفردية التي تحمي الملكية الخاصة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعات (والأفراد). فواقع التنافس الاقتصادي، خاصة تحت “الجزمة الخفية للسوق” يجعل من المستحيل تحقيق حقوق أساسية كالحق في المسكن أو المأكل أو العمل أو التعليم أو الراحة (وهي حقوق في صلب الإعلان العالمي)، خاصة في ظل تحويلها إلى سلع تُشترى وتُباع، وانسحاب الدولة من واجب رعاية مواطنيها والتأكّد من تجسيدها للحقوق دون أي تمييز. فكيف يمكن مثلاً تحقيق “الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر” (المادة ٢٤) في وقت يتحول فيه العمل إلى عمل مؤقّت وجزئي ويتم فيه ضرب النقابات لمنعها من الدفاع عن العمال وتسهيل المهمة أمام الاستثمار الخاص ليتصرف كما يشاء؟

فتشير التقديرات أن من أصل حوالي ٤٠٠٠٠٠ لاجئ فلسطيني مسجّل في لبنان، فإن العدد المتبقي بعد هجرة عدد كبير منهم إلى دول ثالثة هو حوالي ٢٥٠٠٠٠ يعيش معظمهم في ١٢ مخيم رسمي من أصل ١٦ (تم تدمير مخيمات النبطية والدكوانة وجسر الباشا وإخلاء مخيم غورو في بعلبك، بالإضافة إلى نهر البارد الذي يعاد إعماره). يقيم في المخيمات نسبة 45% من مجموع اللاجئين، ويتوزع الباقون في مناطق عدة من لبنان، بالاضافة لمن غادروه باتجاه مختلف بلدان العالم، بقصد العمل وتحصيل لقمة العيش.

و كما و أن بقيت الرقعة الجغرافية، لأي مخيم، محصورة ضمن المساحة التي كانت عليها عام 1948، مما شكّل اكتظاظاً سكانياً، داخل كل مخيم، في بيئة تفتقر لأبسط متطلبات الحياة الصحية والاجتماعية. وزاد الطينة بلةً، ذاك القانون، الذي يمنع على الفلسطيني التملّك، ولو لكوخ يأوي فيه أسرته، تحت عنوان منع التوطين.

وإذا ما قارنا بين وضع الفلسطينيين في لبنان والمعاهدات الدولية التي صادق عليها, نجد عدداً كبيراً من الانتهاكات أهمها: الحق في العمل، الحق في الملكية، الحق في التنقل، الحق بالهوية، الحق بإنشاء الجمعيات، والحق في المشاركة السياسية، بما في ذلك الحقوق المرتبطة بها كالحق في الانتماء إلى النقابات أو الحق في الخدمات العامة.

في مجال الخدمات العامة نجد تدنّي مستوى الرعاية الصحّية في مستوصفات وعيادات الأنروا وعدم وجود مراكز صحّية كافية بالإضافة إلى تدنّي مستوى التعليم في المدارس بسبب الاكتظاظ ودوام التدريس والمعاملة السيّئة. وتعاني المخيمات الحصار الحياتي اليومي كمنع البناء وعدم مراعاة التطور الديموغرافي مما يؤثر على نوعية الحياة بالإضافة إلى انتهاك حرية التنقّل بسبب الحواجز التي تقيّد حركة الفلسطينيين. هذا الواقع أدّى إلى ارتفاع نسبة الكثافة السكانيّة داخل المخيمات وارتفاع نسبة البطالة وزيادة التلوّث البيئي وتزايد الأمراض المزمنة وانتشارها وتضاعف أسعار البناء وارتفاع معدّلات التسرّب المدرسيّ. هذا بالإضافة إلى الأثر النفسي الذي يؤدّي إلى تنامي الإحساس بالعزلة والخوف من الآخر (اللبناني). كما يتم حرمان الفلسطينيين من حق تملك أي عقار في لبنان مما يؤثر سلبياً على السوق العقاري في لبنان ويضرب المبادئ العامة لقانون الإرث.

بالنسبة للحقوق المدنية، خاصة الحق في المشاركة، فإن القوانين المفروضة على أجيال من الفلسطينيين وُلدوا وترعرعوا في لبنان فتقف في وجه عدد كبير من الحقوق خاصة تلك المبنية على المواد ١٨ و١٩ و٢٠ من الإعلان العالمي التي تضمَن حرية التفكير والضمير والدين وحرية الرأي والتعبير وحرية الاشتراك في الجمعيات. فقانون الجمعيات (١٩٠٩) يسمح للفلسطينيين بالمشاركة بنسبة 20% فقط في الجمعيات اللبنانية، أما قانون الجمعيات الشبابية والرياضية (٢٠٠٤) فلا يسمح مطلقاً للفلسطينيين بتأسيس هذا النوع الجمعيات. وبينما تتوجّه معظم الدول المتقدّمة إلى تعزيز المشاركة للجميع في الانتخابات المحلية، بمن فيهم غير المواطنين الذين يعيشون بشكل شرعي في المحلّة، فإن حرمان الفلسطينيين من حق المشاركة السياسية يسمح بتجاهل الدولة والبلديات للمخيمات وعدم تلبية حاجاتها الخدماتية ويؤدي إلى عدم الاعتراف باللجان الشعبية التي تمثّل المخيمات وعدم اشتراك كافة فئات الشعب الفلسطينيّ في هذه اللجان واقتصارها على مندوبين من الفصائل دون أي إمكانية للمساءلة والمحاسبة الشعبية الديمقراطية.

وقد كان إقرار حق العمل للفلسطينيين مؤخراً نتيجة للضغط السياسي الكبير الذي مارسته بعض القوى خطوة إيجابية نحو تحسين مستوى المعيشة ويبقى أن يتم تطبيقه في ظل العنصرية الوقحة التي تتغلغل داخل المجتمع اللبناني ضد الفلسطينيين وغيرهم من فقراء العالم الذين وجدوا أنفسهم هنا لسبب أو لآخر.

إن إقرار حق العمل دون غيره من الحقوق (غير القابلة للتصرف والتجزئة) يبقى خطوة ناقصة جداً، فالعنصرية تنخر المجتمع اللبناني، والعنصرية الظاهرة للعلن لا تعدو عن أن تكون رأس جبل الجليد.لم يكن هذا نتاج الصدفة وهي تعبّر عن نظام سياسي مبني على قاعدة فريدة تُخضِع المواطنين، فنجد أن تاريخ اللجوء الفلسطيني لم يكن بمنأى عن الاستغلال الطائفي منذ البداية. وإذا ظن أحد منّا أن الحرب الأهلية كانت قد أفرغت أسوأ أنواع المقت الطائفي (من قتل على الهوية وما إلى ذلك)، فهذا لا يفسّر ما حصل بعد ٢٠ عاماً من انتهائها حين بدأ الحديث الرسمي عن الحقوق الإنسانية. تصطدم المطالبة بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية الأساسية بحائط الطائفية اللبنانية. فحتى هذا الإطار العام الذي يفتقد إلى أي آلية تطبيق (لا فصل سابع فيما يخص حقوق الإنسان) يتعارض بديهياً مع النظام الطائفي/العنصري.

وبما أن حقوق الإنسان لا تُجتزأ ويجب أن تطال الجميع دون تمييز، يفرض علينا هذا أن ننظر إلى النضالات المتنوعة حول الحقوق كأجزاء من كل واحد نسعى لترابطها والتشبيك بينها، ولهذا يجب أن نضيف أن إلغاء النظام الطائفي هو أيضاً حق من حقوق الفلسطينيين في لبنان.

أخيرا، إنني أرى أننا كلما جلبنا حقوق الإنسان للبنانيين و لغيرهم كلما وصلنا إلى الإستقرار و اللاعنف في الوطن و جسدنا مبدأ إحترام الدولة و التعايش فيما بين الموجودين على الأراضي اللبنانية، و بالتالي نعزز الإزدهار الإقتصادي و الإستقرار في الوطن، علينا جميعا أن نعمل و نكد جهدا لكي نصل إلى مرحلة تطبيق حقوق الإنسان في لبنان.