الفلسطينيين في لبنان بين التغرب و عدم مراعاة حقوقهم الإنسانية

أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان

إن لبنان نتحدث عنه أنه وطن الحضارة و التعايش و أنه رسالة بين الشرق و الغرب ، و هذا ما هو فعلا ما نريده. و لكن للأسف إن أردنا الغوص في وضع حقوق الإنسان في لبنان نجد أننا وطنا نحتاج إلى إستراتيجية فعلية لإصلاح و جلب حقوق المواطن اللبناني و الغير اللبناني، لأننا فعلا نعيش واقع مرير على الصعيد الإنساني.

و إن أردنا الغوص في حقوق الفلسطينيين في لبنان ننصدم، و أنا بالنسبة إلي أننا كلما ظلمنا الفلسطينيين في لبنان كلما عززنا العنف و الحقد و الكراهية في الوطن، لذلك واجب علينا أن نقر بأبسط الحقوق الإنسانية للفلسطينيين و برفض التوطين حالا و مستقبلا، و يتم جلب الحقوق بالتنسيق مع الدول المانحة و المؤسسات المانحة لأن وضعنا الإقتصادي في الداخل تعيس جدا، فيكون إعطاء الحقوق ضمن إستراتيجية تؤمن حق اللبناني و الفلسطيني في الوقت عينه، فإننا لا نريد أن نؤثر على لقمة عيش اللبناني و لا نريد أن نحسس الفلسطيني بالذل و نريد إعطاءه حقوقه الإنسانية.

فحقوق الإنسان هي عبارة تفيد أن تلك الحقوق هي عالمية وغير قابلة للتصرّف أو للتجزئة وأنها مترابطة ومتشابكة. وحقوق الإنسان هنا تشير إلى إطار حقوقي وضعته الأمم المتحدة انطلاقاً من ميثاقها مروراً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين حول الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعشرات من المعاهدات والاتفاقيات الدولية. من جهة ثانية لبنان صادق على معظم تلك الاتفاقيات ووضعها في مقدمة دستوره الذي يفيد في الفقرة (ب) أن “لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء.”

بالرغم من أن المادة ٢ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء” فإن الواقع المُعاش حول العالم يؤكّد التمييز والتفرقة بناء على عوامل اقتصادية وسياسية لا تعنيها مثالية المدافعين عن الحقوق بل وتضع الحقوق في ميزان الربح والخسارة من جهة ومصلحة الدول الكبرى والقوى المسيطرة من جهة أخرى.

مثال على العوامل الاقتصادية هو أولوية الحقوق الفردية التي تحمي الملكية الخاصة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعات (والأفراد). فواقع التنافس الاقتصادي، خاصة تحت “الجزمة الخفية للسوق” يجعل من المستحيل تحقيق حقوق أساسية كالحق في المسكن أو المأكل أو العمل أو التعليم أو الراحة (وهي حقوق في صلب الإعلان العالمي)، خاصة في ظل تحويلها إلى سلع تُشترى وتُباع، وانسحاب الدولة من واجب رعاية مواطنيها والتأكّد من تجسيدها للحقوق دون أي تمييز. فكيف يمكن مثلاً تحقيق “الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر” (المادة ٢٤) في وقت يتحول فيه العمل إلى عمل مؤقّت وجزئي ويتم فيه ضرب النقابات لمنعها من الدفاع عن العمال وتسهيل المهمة أمام الاستثمار الخاص ليتصرف كما يشاء؟

فتشير التقديرات أن من أصل حوالي ٤٠٠٠٠٠ لاجئ فلسطيني مسجّل في لبنان، فإن العدد المتبقي بعد هجرة عدد كبير منهم إلى دول ثالثة هو حوالي ٢٥٠٠٠٠ يعيش معظمهم في ١٢ مخيم رسمي من أصل ١٦ (تم تدمير مخيمات النبطية والدكوانة وجسر الباشا وإخلاء مخيم غورو في بعلبك، بالإضافة إلى نهر البارد الذي يعاد إعماره). يقيم في المخيمات نسبة 45% من مجموع اللاجئين، ويتوزع الباقون في مناطق عدة من لبنان، بالاضافة لمن غادروه باتجاه مختلف بلدان العالم، بقصد العمل وتحصيل لقمة العيش.

و كما و أن بقيت الرقعة الجغرافية، لأي مخيم، محصورة ضمن المساحة التي كانت عليها عام 1948، مما شكّل اكتظاظاً سكانياً، داخل كل مخيم، في بيئة تفتقر لأبسط متطلبات الحياة الصحية والاجتماعية. وزاد الطينة بلةً، ذاك القانون، الذي يمنع على الفلسطيني التملّك، ولو لكوخ يأوي فيه أسرته، تحت عنوان منع التوطين.

وإذا ما قارنا بين وضع الفلسطينيين في لبنان والمعاهدات الدولية التي صادق عليها, نجد عدداً كبيراً من الانتهاكات أهمها: الحق في العمل، الحق في الملكية، الحق في التنقل، الحق بالهوية، الحق بإنشاء الجمعيات، والحق في المشاركة السياسية، بما في ذلك الحقوق المرتبطة بها كالحق في الانتماء إلى النقابات أو الحق في الخدمات العامة.

في مجال الخدمات العامة نجد تدنّي مستوى الرعاية الصحّية في مستوصفات وعيادات الأنروا وعدم وجود مراكز صحّية كافية بالإضافة إلى تدنّي مستوى التعليم في المدارس بسبب الاكتظاظ ودوام التدريس والمعاملة السيّئة. وتعاني المخيمات الحصار الحياتي اليومي كمنع البناء وعدم مراعاة التطور الديموغرافي مما يؤثر على نوعية الحياة بالإضافة إلى انتهاك حرية التنقّل بسبب الحواجز التي تقيّد حركة الفلسطينيين. هذا الواقع أدّى إلى ارتفاع نسبة الكثافة السكانيّة داخل المخيمات وارتفاع نسبة البطالة وزيادة التلوّث البيئي وتزايد الأمراض المزمنة وانتشارها وتضاعف أسعار البناء وارتفاع معدّلات التسرّب المدرسيّ. هذا بالإضافة إلى الأثر النفسي الذي يؤدّي إلى تنامي الإحساس بالعزلة والخوف من الآخر (اللبناني). كما يتم حرمان الفلسطينيين من حق تملك أي عقار في لبنان مما يؤثر سلبياً على السوق العقاري في لبنان ويضرب المبادئ العامة لقانون الإرث.

بالنسبة للحقوق المدنية، خاصة الحق في المشاركة، فإن القوانين المفروضة على أجيال من الفلسطينيين وُلدوا وترعرعوا في لبنان فتقف في وجه عدد كبير من الحقوق خاصة تلك المبنية على المواد ١٨ و١٩ و٢٠ من الإعلان العالمي التي تضمَن حرية التفكير والضمير والدين وحرية الرأي والتعبير وحرية الاشتراك في الجمعيات. فقانون الجمعيات (١٩٠٩) يسمح للفلسطينيين بالمشاركة بنسبة 20% فقط في الجمعيات اللبنانية، أما قانون الجمعيات الشبابية والرياضية (٢٠٠٤) فلا يسمح مطلقاً للفلسطينيين بتأسيس هذا النوع الجمعيات. وبينما تتوجّه معظم الدول المتقدّمة إلى تعزيز المشاركة للجميع في الانتخابات المحلية، بمن فيهم غير المواطنين الذين يعيشون بشكل شرعي في المحلّة، فإن حرمان الفلسطينيين من حق المشاركة السياسية يسمح بتجاهل الدولة والبلديات للمخيمات وعدم تلبية حاجاتها الخدماتية ويؤدي إلى عدم الاعتراف باللجان الشعبية التي تمثّل المخيمات وعدم اشتراك كافة فئات الشعب الفلسطينيّ في هذه اللجان واقتصارها على مندوبين من الفصائل دون أي إمكانية للمساءلة والمحاسبة الشعبية الديمقراطية.

وقد كان إقرار حق العمل للفلسطينيين مؤخراً نتيجة للضغط السياسي الكبير الذي مارسته بعض القوى خطوة إيجابية نحو تحسين مستوى المعيشة ويبقى أن يتم تطبيقه في ظل العنصرية الوقحة التي تتغلغل داخل المجتمع اللبناني ضد الفلسطينيين وغيرهم من فقراء العالم الذين وجدوا أنفسهم هنا لسبب أو لآخر.

إن إقرار حق العمل دون غيره من الحقوق (غير القابلة للتصرف والتجزئة) يبقى خطوة ناقصة جداً، فالعنصرية تنخر المجتمع اللبناني، والعنصرية الظاهرة للعلن لا تعدو عن أن تكون رأس جبل الجليد.لم يكن هذا نتاج الصدفة وهي تعبّر عن نظام سياسي مبني على قاعدة فريدة تُخضِع المواطنين، فنجد أن تاريخ اللجوء الفلسطيني لم يكن بمنأى عن الاستغلال الطائفي منذ البداية. وإذا ظن أحد منّا أن الحرب الأهلية كانت قد أفرغت أسوأ أنواع المقت الطائفي (من قتل على الهوية وما إلى ذلك)، فهذا لا يفسّر ما حصل بعد ٢٠ عاماً من انتهائها حين بدأ الحديث الرسمي عن الحقوق الإنسانية. تصطدم المطالبة بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية الأساسية بحائط الطائفية اللبنانية. فحتى هذا الإطار العام الذي يفتقد إلى أي آلية تطبيق (لا فصل سابع فيما يخص حقوق الإنسان) يتعارض بديهياً مع النظام الطائفي/العنصري.

وبما أن حقوق الإنسان لا تُجتزأ ويجب أن تطال الجميع دون تمييز، يفرض علينا هذا أن ننظر إلى النضالات المتنوعة حول الحقوق كأجزاء من كل واحد نسعى لترابطها والتشبيك بينها، ولهذا يجب أن نضيف أن إلغاء النظام الطائفي هو أيضاً حق من حقوق الفلسطينيين في لبنان.

أخيرا، إنني أرى أننا كلما جلبنا حقوق الإنسان للبنانيين و لغيرهم كلما وصلنا إلى الإستقرار و اللاعنف في الوطن و جسدنا مبدأ إحترام الدولة و التعايش فيما بين الموجودين على الأراضي اللبنانية، و بالتالي نعزز الإزدهار الإقتصادي و الإستقرار في الوطن، علينا جميعا أن نعمل و نكد جهدا لكي نصل إلى مرحلة تطبيق حقوق الإنسان في لبنان.