مقالات

الصراع التاريخي بين بايدن و ترامب

من يتعمق في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية يعرف ملياً ماذا يجري اليوم هناك، وماذا ممكن أن يحدث. ويتضح جلياً أن الذي يحصل ليس نكافاً ترامبياً بل نكاف على هوية اميركا. فبحسب المؤرخ والكاتب الاميركي والتر راسل ان من يصنع سياسة اميركا اربع عقائد وهي الهاملتانية (ألكسندر هاملتن)، الويلسونية (وودرو ويلسون)، الجيفرسونية (توماس جيفرسون) والجاكسونية (أندرو جاكسون).

ألكسندر هاملتن

هو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، عمل كمستشار للجنرال جورج واشنطن إضافة إلى انه كان محارباً ثورياً في فرقة المدفعية، كان مفسراً وداعية للدستور الأميركي، فضلاً عن كونه مؤسس النظام المالي للبلاد، والحزب الاتحادي، وصحيفة نيويورك بوست. يؤمن بالتجارة وأراد البناء على تاريخ بريطانيا العظمى، ويعتبر ان بناء قوة عسكرية رائدة ستحمي مصالح اميركا.

وودرو ويلسون

هو سياسي وأكاديمي أميركي، شغل منصب الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة. كان ويلسون من الحزب الديمقراطي وترأس جامعة برينستون وكان حاكماً على ولاية نيوجيرسي، وكان خلال رئاسته أحد أهم رموز الحركة التقدمية في البلاد، وقاد البلاد خلال الحرب العالمية الأولى، وكان منهجه السياسي خلال تلك الفترة معروفاً باسم الويلسونية. وكانت تعتمد سياسته على القيم الاساسية اي الديمقراطية، حقوق الانسان والرأسمالية، ونهجه يبني على تعزيز التحالفات مع العالم الخارجي.

يَعتبر ويلسون ان نشر قيم الديمقراطية وحقوق الانسان ستلعب دوراً في حماية مصالح بلده، ويُعتبر ويلسون أحد مؤسسي مجلس الامن وصندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية، إذ يَعتبر انه من خلال تلك المنظمات ستتمكن اميركا من نشر العولمة والسيطرة على العالم.

هذا الفكر تم اعتماده طوال الفترة الممتدة بعد الحرب العالمية الاولى من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إذ كان بوصلة المؤسسات الاميركية واستراتيجية تكاملية تختلف في التكتيك ولكن كانت سياسة موحدة، حتى مجيء دونالد ترامب حيث بدأ يعارض هذا النهج بوسائل مختلفة.

توماس جيفرسون

هو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وثالث رئيس لها. كان متحدثاً باسم الديمقراطية،، نادى بمبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان، وكان له تأثير عالمي.

كان لا يؤمن بفرض الديمقراطية حول العالم ولا بفرض الاقتصاد وبالتالي هو ضد الاقتصاد المعولم وضد فرض السياسات الخارجية حسب مصالح الشركات الكبرى، وكان شديد التأييد لتعزيز القيم الداخلية في اميركا. إضافة الى ذلك يعتبر جيفرسون ان التدخل الخارجي قد يهدد الامن القومي الاميركي لأنه يعتبره كلعبة بوكر العنكبوت.

أندرو جاكسون

رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابع. كان قائد القوات الاميركية في معركة نيو اورليانز عام 1815. اشتهر بالصرامة وبعد الحرب درس القانون. نجح في انتخابات الرئاسة سنة 1828 وانتخابات سنة 1832 وقام بتأسيس الحزب الديمقراطي.

ان جاكسون أول رئيس أميركي يولد من عائلة ليست غنية، حيث لم يكن يمتلك ثروة ولا حتى ارتاد الجامعة ولهذه الأسباب اشتهر عنه الدفاع عن المواطنين العاديين الذين لا يملكون الثروات. جاكسون عارض البنك الوطني في الولايات المتحدة الإميركية لأنه شعر ان هذا البنك يدار من قبل الأغنياء وهذا لم يكن يخدم مصلحة المواطن العادي. وقد انتهى البنك الوطني أثناء فترة حكمه حيث فضّل عدم مواصلة عمل البنك. أثناء فترة رئاسته وقّع على قانون ترحيل الشعوب الاميركية الاصيلة.

كان يرفض سياسة هاملتن وويلسون ويختلف ببعض النقاط مع جيفرسون، وأحد الاركان الرئيسية في عقيدته رفاهية المواطن الاميركي، وكانت السياسة الخارجية مبنية على هذا الاساس. لم يكن مع العولمة وحرية التجارة ويعتبر اميركا للاميركيين الاصليين ولا يعتبر حاملي الجنسية انهم اميركيون. ولكن في الوقت عينه إن تم تهديد المصالح الاميركية كان يؤيد التدخل بشكل قاسٍ.

اميركا بين التاريخ القديم والحديث

سياسة هاملتن وويلسون تصدرت اميركا بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن ترامب كان معجب بالسياسة الجاكسونية فعلق صورته في مكتبه وزار منزله عام 2017.

بايدن واوباما شنو حملة ضد جاكسون وحاولوا تغيير صورته عن فئة 20 دولار، اما ترامب حاول تسويق جاكسون مجددا ورفع شعار اميركا أولا.

في المقابل اقتصرت تحالفات ترامب على مصلحة اميركا وغير معني مما يحدث في الخارج، وتعتبر فئة الجاكسونية اكثر تأثيرا في اميركا ويوجد ديمقراطيين وجمهوريين لم تجد من يمثلها ولكنها كانت تقوى مع الازمات ، وجد ترامب ان هذه الفئة موجودة وتريد من يعبر عنها حتى ملأ الفراغ واصبح ملقب باندرو جاكسون الثاني.

بايدن ومواجهة جاكسون الثاني

مشكلة بايدن ستكون امام تغير جديد، اي مواجهة جاكسون الثاني حيث صوّت له 74 مليون صوتاً، رغم الفضائح المالية والجنسية ورغم الوباء ورغم أن الاعلام والدولة العميقة ضده.

فترامب اعلن بأنه سيترشح لانتخابات اميركا الرئاسية عام 2024، وهو أمر يعني أن سنوات بايدن الأربع المقبلة لن تخلو من المناكفة السياسية، والجدل، وتوزيع الإتهامات، والأخطر من ذلك كله تعميق الشرخ في جدار النسيج المجتمعي الأميركي، وربما يصل الأمر إلى حد التصادم. هنا لم نتحدث عن معضلة اميركا الاقتصادية والاجتماعية ومؤثرات جائحة كورونا وغيرها من المشاكل.

نتيجة ذلك سيكون هناك تقليص من التدخل الخارجي في المرحلة المقبلة ووضع اولوية للداخل الاميركي، فالسؤال هنا: من سيحل مكان اميركا خارجيا؟ هل ستبقى اميركا رائدة الاقتصاد العالمي؟ كيف سيتأثر النظام العالمي؟ كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط نتيجة ذلك؟ هل ستبصر تحالفات جديدة؟ وكيف ستحل معضلة اميركا الداخلية؟

ما بين الترسيم و العرقلة.. هل سنشهد حربا

يمر لبنان منذ العام 2006 بشبه هدنة غير مباشرة مع إسرائيل حيث تتخللها من حين إلى آخر أجواء توحي بالحرب أو خروقات متكررة من قبل الأخيرة. تلك الهدنة أتت نتيجة قرار 1701 الذي صدر عن الأمم المتحدة ونتيجة للتحولات السياسية في المنطقة من العراق وصولاً إلى سوريا واليمن وأخيرا لبنان. حيث تبدلت قواعد اللعبة ما بين الإيراني والإسرائيلي.

نشأة حزب الله

في العام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان وصولاً إلى بيروت ونتيجة لذلك استشهد حوالي 14000 مدني من اللبنانيين والفلسطينيين على إثرها بدأ تأسيس حزب الله اللبناني، إلا أن جذوره الفكرية تعود إلى ما يعرف “بالصحوة الإسلامية الشيعية” في لبنان في الستينيات والسبعينيات التي شهدت ظهور نشاط علمي شيعي ومرجعيات دينية في جنوب لبنان كمرجعية السيد محمد حسين فضل الله وكان قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة آية الله الخميني دافعاً قوياً لنمو حزب الله، وذلك للارتباط المذهبي والسياسي والعقائدي بين الطرفين.

تاريخ الحروب بين حزب الله وإسرائيل

خلال انطلاقة حزب الله لم يكن اللاعب الوحيد في الصراع اللبناني-الإسرائيلي بل كانت هناك قوى أخرى مثل المقاومة الفلسطينية والوطنية ومع مرور الوقت واكتمال المصالح السورية-الإيرانية تم القضاء على القوى المختلفة وأبقي اللاعب الأوحد في هذا الملف؛ حزب الله.

وأحد أبرز الحروب بين الطرفين هو عدوان نيسان عام 1996 “عناقيد الغضب” حيث سقط حوالي 200 شهيد وآلاف الجرحى. أما العدوان الأخير كان في تموز 2006 حيث استشهد حوالي 1200 شخص وسقط آلاف الجرحى.

احتمال حدوث حرب جديدة

خلال الفترة الماضية تصاعدت وتيرة الضربات الإسرائيلية لمواقع حزب الله في سوريا تارة يعلن عنها وتارة يخيم الصمت. وحسب المعلومات، فإن تلك الضربات تكون على شكل إرسال رسائل وتارة لضرب منظومة الصواريخ الذكية تعود لحزب الله لعدم التمكن من إيصالها إلى لبنان.

مفاوضات الترسيم

صادقت الحكومة الإسرائيلية في حزيران 2020 على التنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع لبنان المسماة “ألون دي” التي تقع بمحاذاة البلوك رقم 9 اللبناني، وقد بدأ الضغط الأميركي على لبنان قبل هذا الإعلان على موضوع ضرورة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بكافة الوسائل، حتى بدأت ورقة العقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس. وقد ساهمت في تسريع الإعلان عن تلك المفاوضات. لكن خلال الفترة الماضية ظهرت عقبات في هذا المسار، تلك المفاوضات حيث كان يوجد تشدد من الفريق اللبناني بخصوص المسار الجغرافي الذي يفصل بين البلدين، وبالتالي إبقاء هذا الملف من دون حلول يؤدي إلى خسائر مادية لإسرائيل بسبب عدم ثقة الشركات النفطية بمناطق غير مستقرة أمنياً وقيمة التأمين سيكون ضخماً جداً. إضافة إلى ذلك أصبحت إسرائيل جزءاً من منتدى شرق المتوسط وهي تلعب دوراً أساسياً في ملعب النفط والغاز في تلك البقعة الجغرافية، فهي بحاجة إلى حلحلة كافة العقد التي تقف بوجه موقعها الريادي. إضافة إلى ذلك إن حصل الترسيم قد يخفف من حاجة وجود سلاح حزب الله لأن بعد الترسيم البحري قد يبدأ الترسيم البري وبالتالي يصبح لبنان بحالة هدنة غير مباشرة مع إسرائيل.

الصواريخ الدقيقة

في مناسبات مختلفة تحدث الطرف الإسرائيلي عن هذا الموضوع، فحسب تقاريرهم أنه تم نقل جزء من هذه الصواريخ بين عامي 2013 و2015، وفي المفاوضات السرية التي تجري من تحت الطاولة بطريقة غير مباشرة، فهذا البند أي التخلص من الصواريخ الذكية يعد أساسياً لهم، حيث يتم إدراج التخلص من تلك المنظومة كأساس لأي تسوية سياسية في المنطقة وأي هدنة بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي. ولكن حتى اليوم لم تحصل تلك التسوية. ومع خروج ترامب من البيت الأبيض يزداد الهاجس الإسرائيلي جراء هذا الموضوع ويطمع الإسرائيلي بنزع هذه الورقة من يد إيران قبل بدء التفاوض بينها وبين الإدارة الأميركية الجديدة.

خسارة ترامب

بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الأميركية هناك تخوف من أخذه قرارات متهورة إن كان على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وخصوصا أن ترامب يعد من المتشددين في السياسة الخارجية ويريد أن يبني على انجازات في السياسة الخارجية قد تساعده داخلياً وخارجياً في المرحلة الحالية والمستقبلية، فقد حاول ترامب جر الطرف الإيراني إلى المعركة سابقاً ولكن الأخيرة كان لها سياسة الصبر.

في المقابل نرى نتانياهو في مأزق داخلي بعد هزيمة حليفه ترامب، كما سيستغل خصومه أكثر ملفات الفساد حيث كان ترامب الداعم الأكبر له وأهداه إنجازات مختلفة، فكانت مصالح مشتركة بين الطرفين. ولكن نتانياهو بعد هزيمة ترامب قد يجد نفسه وحيدا في الساحة وبالتالي عليه أن يعمل على ضربات استباقية كأسلافه، مثل عمليات نوعية ضد حزب الله قد تعطيه أوكسجيناً داخلياً وتفرض على الإدارة الأميركية الجديدة مستقبلاً يحدد بمعايير محددة بالملف الإيراني.

إضافة إلى كل تلك المواضيع، هناك سياسة واضحة من قبل الولايات المتحدة الأميركية بعد اغتيال قاسم سليماني وهي تقويض أجنحة إيران في المنطقة وبالأخص العراق، لبنان، سوريا واليمن. وبالتالي هي بحاجة إلى ضربة قوية للجناح الأقوى أي حزب الله، حيث يخفف من نفوذ إيران في الخارج ويخفف الأجواء الضاغطة والرافضة لاتفاقات السلام في المنطقة.