ما بين الترسيم و العرقلة.. هل سنشهد حربا

يمر لبنان منذ العام 2006 بشبه هدنة غير مباشرة مع إسرائيل حيث تتخللها من حين إلى آخر أجواء توحي بالحرب أو خروقات متكررة من قبل الأخيرة. تلك الهدنة أتت نتيجة قرار 1701 الذي صدر عن الأمم المتحدة ونتيجة للتحولات السياسية في المنطقة من العراق وصولاً إلى سوريا واليمن وأخيرا لبنان. حيث تبدلت قواعد اللعبة ما بين الإيراني والإسرائيلي.

نشأة حزب الله

في العام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان وصولاً إلى بيروت ونتيجة لذلك استشهد حوالي 14000 مدني من اللبنانيين والفلسطينيين على إثرها بدأ تأسيس حزب الله اللبناني، إلا أن جذوره الفكرية تعود إلى ما يعرف “بالصحوة الإسلامية الشيعية” في لبنان في الستينيات والسبعينيات التي شهدت ظهور نشاط علمي شيعي ومرجعيات دينية في جنوب لبنان كمرجعية السيد محمد حسين فضل الله وكان قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة آية الله الخميني دافعاً قوياً لنمو حزب الله، وذلك للارتباط المذهبي والسياسي والعقائدي بين الطرفين.

تاريخ الحروب بين حزب الله وإسرائيل

خلال انطلاقة حزب الله لم يكن اللاعب الوحيد في الصراع اللبناني-الإسرائيلي بل كانت هناك قوى أخرى مثل المقاومة الفلسطينية والوطنية ومع مرور الوقت واكتمال المصالح السورية-الإيرانية تم القضاء على القوى المختلفة وأبقي اللاعب الأوحد في هذا الملف؛ حزب الله.

وأحد أبرز الحروب بين الطرفين هو عدوان نيسان عام 1996 “عناقيد الغضب” حيث سقط حوالي 200 شهيد وآلاف الجرحى. أما العدوان الأخير كان في تموز 2006 حيث استشهد حوالي 1200 شخص وسقط آلاف الجرحى.

احتمال حدوث حرب جديدة

خلال الفترة الماضية تصاعدت وتيرة الضربات الإسرائيلية لمواقع حزب الله في سوريا تارة يعلن عنها وتارة يخيم الصمت. وحسب المعلومات، فإن تلك الضربات تكون على شكل إرسال رسائل وتارة لضرب منظومة الصواريخ الذكية تعود لحزب الله لعدم التمكن من إيصالها إلى لبنان.

مفاوضات الترسيم

صادقت الحكومة الإسرائيلية في حزيران 2020 على التنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع لبنان المسماة “ألون دي” التي تقع بمحاذاة البلوك رقم 9 اللبناني، وقد بدأ الضغط الأميركي على لبنان قبل هذا الإعلان على موضوع ضرورة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بكافة الوسائل، حتى بدأت ورقة العقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس. وقد ساهمت في تسريع الإعلان عن تلك المفاوضات. لكن خلال الفترة الماضية ظهرت عقبات في هذا المسار، تلك المفاوضات حيث كان يوجد تشدد من الفريق اللبناني بخصوص المسار الجغرافي الذي يفصل بين البلدين، وبالتالي إبقاء هذا الملف من دون حلول يؤدي إلى خسائر مادية لإسرائيل بسبب عدم ثقة الشركات النفطية بمناطق غير مستقرة أمنياً وقيمة التأمين سيكون ضخماً جداً. إضافة إلى ذلك أصبحت إسرائيل جزءاً من منتدى شرق المتوسط وهي تلعب دوراً أساسياً في ملعب النفط والغاز في تلك البقعة الجغرافية، فهي بحاجة إلى حلحلة كافة العقد التي تقف بوجه موقعها الريادي. إضافة إلى ذلك إن حصل الترسيم قد يخفف من حاجة وجود سلاح حزب الله لأن بعد الترسيم البحري قد يبدأ الترسيم البري وبالتالي يصبح لبنان بحالة هدنة غير مباشرة مع إسرائيل.

الصواريخ الدقيقة

في مناسبات مختلفة تحدث الطرف الإسرائيلي عن هذا الموضوع، فحسب تقاريرهم أنه تم نقل جزء من هذه الصواريخ بين عامي 2013 و2015، وفي المفاوضات السرية التي تجري من تحت الطاولة بطريقة غير مباشرة، فهذا البند أي التخلص من الصواريخ الذكية يعد أساسياً لهم، حيث يتم إدراج التخلص من تلك المنظومة كأساس لأي تسوية سياسية في المنطقة وأي هدنة بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي. ولكن حتى اليوم لم تحصل تلك التسوية. ومع خروج ترامب من البيت الأبيض يزداد الهاجس الإسرائيلي جراء هذا الموضوع ويطمع الإسرائيلي بنزع هذه الورقة من يد إيران قبل بدء التفاوض بينها وبين الإدارة الأميركية الجديدة.

خسارة ترامب

بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الأميركية هناك تخوف من أخذه قرارات متهورة إن كان على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وخصوصا أن ترامب يعد من المتشددين في السياسة الخارجية ويريد أن يبني على انجازات في السياسة الخارجية قد تساعده داخلياً وخارجياً في المرحلة الحالية والمستقبلية، فقد حاول ترامب جر الطرف الإيراني إلى المعركة سابقاً ولكن الأخيرة كان لها سياسة الصبر.

في المقابل نرى نتانياهو في مأزق داخلي بعد هزيمة حليفه ترامب، كما سيستغل خصومه أكثر ملفات الفساد حيث كان ترامب الداعم الأكبر له وأهداه إنجازات مختلفة، فكانت مصالح مشتركة بين الطرفين. ولكن نتانياهو بعد هزيمة ترامب قد يجد نفسه وحيدا في الساحة وبالتالي عليه أن يعمل على ضربات استباقية كأسلافه، مثل عمليات نوعية ضد حزب الله قد تعطيه أوكسجيناً داخلياً وتفرض على الإدارة الأميركية الجديدة مستقبلاً يحدد بمعايير محددة بالملف الإيراني.

إضافة إلى كل تلك المواضيع، هناك سياسة واضحة من قبل الولايات المتحدة الأميركية بعد اغتيال قاسم سليماني وهي تقويض أجنحة إيران في المنطقة وبالأخص العراق، لبنان، سوريا واليمن. وبالتالي هي بحاجة إلى ضربة قوية للجناح الأقوى أي حزب الله، حيث يخفف من نفوذ إيران في الخارج ويخفف الأجواء الضاغطة والرافضة لاتفاقات السلام في المنطقة.