مقالات

المؤسسات المانحة بين الفساد في داخلها و تمويل المجتمع المدني

إن العمل الإجتماعي هو عبارة عن جمع الطاقات العاملة الفردية و الجماعية و الذي يجب أن يعتمد على النظرة الوظيفية   المهنية في المؤسسة أو المؤسسات أي أن يكون الجميع قيادات و هيئات في خدمة الفكرة أو المشروع و ليس في خدمة الشخص أو الفرد، إلا أن مجتمعاتنا لم تتعود حتى الآن العمل بروح فريق، و لا تزال العقلية العشائرية و الإعتماد على الفرد هي السمة الغالبة في بلاد العالم الثالث و من ضمنها لبنان. و لقد إزدهرت هذه العقلية خلال فترة الإقتتال الأهلي و لم تبقى فقط في الأرياف بل غزت المدينة حيث ترسخت علاقات الإنتماء و الولاء على حساب البنى المؤسسية الوظيفية.

و هذا المنهج بدل من أن تصلحه المؤسسات المانحة فدخلته و عززته و أصبح الفساد ينخرها أيضا. فبعض المنظمات الدولية و المؤسسات المانحة التي تنفذ برامجها مباشرة ، لا يروق لها وجود شبكات قوية للهيئات الأهلية تراقب و تحاسب. لذلك نرى البعض منها يعمل مثل عدد من المسؤولين في الحكومة في إشاعة أجواء التشكيك حول دور الهيئات الأهلية و عن غياب التنسيق بينها و بالتالي إضعاف دورها.

  • إستمرار العديد من الهيئات المانحة في التعاطي بذهنية “المشروع و المساعدة”  الموروثة عن الإستعمار بدل التعاطي بروح المشاركة أي أن نتشارك فيما بيننا كل حسب إمكاناته و توجهاته من أجل توفير التنمية و السلام و العدالة الإجتماعية.
  • إتخاذ القرارت السريعة في البلاد المانحة بالتوجه في مساعدة الشبكات و ليس الجمعيات ، مما يدفع الهيئات الأهلية المحلية الإسراع في إنشاء الشبكات غير المبنية على قواعد صلبة من أجل الحصول على المساعدات ، و هذا يؤكد مرة جديدة إستمرار التبعية و الإلتحاق الجنوب بالشمال.
  • تخصيص الجزء الأكبر من المساعدات على إنجاز الدراسات و إقامة المؤتمرات و برامج التدريب و التأهيل و ليس العمل على تقوية القدرات الذاتية لكل جمعية و للشبكات القائمة في سبيل بناء مجتمع مدني ديمقراطي و تعزيز برامج التنمية الذاتية.

و للأسف إن أغلبية المؤسسات المانحة في لبنان دخلت هذه اللعبة و نخرها الفساد و أصبح عمل هذه المؤسسات ، لكسب ربح فردي أو دخول بيت المحسوبيات. فعلى سبيل المثال إحدى المؤسسات المانحة أعطت مبلغا من المال لإحدى المؤسسات التابعة لفريق سياسي و ذلك بسبب الضغط السياسي الذي مارسه هذا الفريق عليها و ليس بسبب كفاءته، و على صعيد آخر مؤسسة مانحة أخرى تمول بعض الجمعيات الفاسدة و ذلك لتقسيم الأموال بين رؤساء الجمعية و موظفي المؤسسة.

أنا بصراحة كنت أنتظر أن تأتي هكذا مؤسسات لنشر ثقافة الشفافية و تعزيز الإنتماء للوطن و محاربة الفساد و لكن للأسف ما نشاهده العكس ، لأن هذه المؤسسات نخرها الفساد الداخلي و أصبحت تبني منحها على هوى الفاسدين.

ما نطلبه من هذه المؤسسات أن تعمل على إصلاح الجمعيات و وضع برامج ممنهجة، لأننا أولا نحن بحاجة إلى إعادة ترميم وضع الجمعيات في الداخل، و من بعدها تبني مشاريعها على أساس الحاجة و أن يأتي التمويل للجهات الكفوءة و ليس للجهات المدعومة و محاسبة و مراقبة موظفيها لكي لا يدخل العام بالخاص.

أخيرا ، بالطبع نشكر كل من يريد أن يساعد لبنان و أن ينميه و يعمل على خلق فرص العمل و لكن ما نبتغيه أن يحصل ذلك بطريقة صحيحة و فعالة و ذلك لغيرتنا على وطننا و على الأموال المهدورة فيه.

فالمؤسسات المانحة في لبنان  يوما بعد يوم تزيد من ميزانيتها و تدخل بيوت الناس و أحياءهم و خاصة المجتمعات الفقيرة. ونحن فعلا بحاجة إلى هذه المساعدات و إلى تنمية مناطقنا المهمشة و إلى تنمية قدرات شاباتنا و شباننا ، و تحديث و تفعيل صناعاتنا .

و لكن هذا الدعم نتمناه أن يحدث بشكل شفاف و مميز ، لأننا في الوقت عينه نريد تنمية قدرات جميع الفئات و لا نريد المحسوبيات و الضغوط سياسية في خانة الإنماء و الدعم.