بنك “الطاقة” في لبنان

الكهرباء في لبنان تعد من أكبر المأساة التي مرت و تمر على الشعب اللبناني، إنها عقدة لم يفكها معظم القوى السياسية إستلمت حقيبة وزارة الطاقة منذ إنتهاء الحرب الأهلية حتى اليوم، إنها مورد رزق للمئات و مورد إخضاع و تجويع لمعظم الشعب اللبناني.

لنبدأ بنظرة عامة حول واقع الكهرباء اليوم، فإنتاج لبنان للكهرباء يقدر حوالي 1800 ميغاوات و المشترات من سوريا و تركيا حوالي 500 ميغاوات و حاجة لبنان حاليا حوالي 3500 ميغاوات أي نحن ينقصنا 1700 ميغاوات.

يوجد نوعين من الهدر للطاقة فني حيث يبلغ حوالي 17 بالمئة ذلك بسبب عدم كفاية الطاقة الإنتاجية،استمرار تشغيل المعامل الغازية على الديزل عوضاً عن الغاز الطبيعي و التقادم و قلة الصيانة و غير الفني 18 بالمئة أي بسبب السرقات و التعدي على شبكة الكهرباء.

إن كلفة إنتاج الكيلووات الواحد وفق تقرير لوزارة الطاقة، يبلغ 255 ليرة (63% فيول و37% التوليد)، بينما يكلّف توليد الكهرباء في المعامل الحراريّة كمتوسّط عالمي 62 ليرة.

هكذا، يكلّف الكيلووات اللبناني 4.1 مرّات من نظيره العالمي، بفعل الهدر المستشري في المؤسسة. أمّا تقرير الوزارة، فيعترف مسبقاً بـ40% كنسبة خسائر تقنيّة وغير تقنيّة وفواتير غير محصّلة.

 

التكلفة السنوية للكهرباء في لبنان حوالي ملياري دولار خسارة، و حسب صندوق النقد الدولي إن التكلفة المتراكمة لدعم شركة كهرباء لبنان تعادل نحو 40 بالمئة من إجمالي ديون لبنان أي حوالي 40 مليار دولار، و البنك الدولي يعتبر نقص الكهرباء يأتي في المرتبة الثانية بعد عدم الإستقرار السياسي في عرقلة النشاط التجاري و الإقتصادي و هذا ناهيك عن الأضرار البيئية و الصحية الناتجة عن جراء طريقة إنتاج الطاقة في لبنان.

 

و لكن كل ذلك الأرقام و المصائب التي يدفع ثمنها الشعب اللبناني، تعد نعمة على بعض المستفيدون من تلك الأزمة لأنها ” بنك الطاقة ” لهم.أول مستفيد من تلك الأزمة كارتيل النفط في لبنان الذي يتشارك معه بعض القوى السياسية و النافذة، حيث إستيراد مادة الفيول حوالي ملياري دولار سنويا، فحسب وزارة الطاقة أن 63% من كلفة الإنتاج هي الفيول أي كلفة الإنتاج العالية يعود ربحها لهذا الكارتيل، هذا من ناحية و من ناحية أخرى مافيا المولدات الخاصة حيث يسيطر على معظمها أغلبية القوى السياسية و تجني أرباحا هائلة، تستهلك الفيول أيضا فهنا نتحدث أن هذه الأزمة تفتح الباب أمام هذا الكارتيل أن يستفيد من الدولة و من مافيا المولدات الكهربائية!!

فواقع الكهرباء اليوم هو الأمثل لهذا الكارتيل بحيث يستفيد من هذا الوضع و يفيد معه بعض المتحاصصين و الشركاء و النافذين في الوطن. و هذا عداك عن التلاعب بكمية الفيول التي يتم إستهلاكها و تتقاسم أرباح بين أفراد بنك “الطاقة”.

 

حتى البواخر التي إستوردناها لإنتاج الطاقة  يدفع عليها مبلغ 700 مليون دولار سنويا و من مهام الدولة العمال و الصيانة و “الفيول”، حيث هذا المبلغ فقط لإستئجارها.

أما في المقلب الآخر، جزء من الهدر الغير الفني السرقات التي تغطيها بعض القوى السياسية حيث تعتبر جزء من الخدمات السياسية لمواطنيهم لإعادة إنتخابهم مستقبلا حيث يخدموهم من جيوبهم.

إن حاجة لبنان للطاقة سوف تزداد عام بعد عام و بالتالي نسبة الهدر و خسارة الدولة إلى إزدياد إن بقى الوضع على حاله، و الحلول موجودة لكنها بحاجة إلى إرادة سياسية.

الحل يجب أن يكون على الصعيد الثلاثي: الإنتاج،النقل و التوزيع.على صعيد الإنتاج أهم الحلول بالتوازي مع إنشاء معامل جديدة حيث تكلفة إنشاء معمل جديد حوالي 450 مليون دولار و نحن نستأجر بواخر لإنتاج حوالي 385 ميغاوات فقط، بمبلغ 700 مليون دولار سنويا.  إستبدال مادة الفيول بالغازالطبيعي حيث تكلفته أقل بكثير، يخفض تكلفة الإنتاج التي تعد أكثر بأربع مرات من التسعير العالمية.

الإنتاج أيضا يجب أن لا ينحصر بالمعامل التقليدية، إنما نحن بحاجة أن نبدأ بالإنتقال إلى الطاقة البديلة التي فاتورتها أقل على الصعد المختلفة ماديا و صحيا و بيئيا، تكلفة الميغاوات الواحد من خلال الطاقة الشمسية 8 سنت و الطاقة الهوائية حوالي 12 سنت و نحن ندفع اليوم حوالي 63 سنتا. فلبنان لا يستفيد إلا بخمسة بالمئة من إنتاجه من الطاقة المائية فقط و 53% من إجمالي الغازات الدفينة في لبنان عام 2012 كانت بسبب قطاع الطاقة في لبنان.

أما من ناحية النقل على الدولة إكمال الشبكات و إنشاء جهاز التحكم الوطني للتمكن من تخفيض الهدر الذي صدر قرار بإنشاءه عام 1993 أبان إنشاء و تأهيل قطاع الكهرباء.

و من ناحية التوزيع نحن بحاجة إلى زيادة حلقات المرونة لضبط الهدر الفني و إيقاف الوصلات الغير شرعية المغطاة سياسيا.

الكهرباء في لبنان قابلة أن تربح أو على الأقل لا تخسر و لكن ذلك بحاجة إلى قرار و إرادة.

 

 

 

.

.