دور الإعلام السلبي في حياتنا السياسية

معروف أن الإعلام يعتبر سلطة. والمتداول أنه السلطة الرابعة، بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. لكن، مع بروز ظاهرة العولمة الإعلامية التي حوّلت العالم كله إلى قرية كونية، والتطوّر السريع والمدهش للتكنولوجيا الإعلامية،

يمكن القول إن الإعلام أصبح اليوم سلطة ثانية. فالسلطة الأولى هي راهناً السلطة الاقتصادية، والثانية الإعلامية والثالثة السياسية، علماً أن الأولى تتحكّم بالثانية، والثانية تؤثر تأثيراً كبيراً على الثالثة.
و هذا الترابط ولد لنا وسائل إعلام تابعة و ألغى المحاسبة و المساءلة بسبب تحكم الساسة بالإعلام و بالقضاء، و هكذا تحكم خطير جدا لأنه ينقلنا من الديمقراطية الفعلية إلى الديمقراطية الموجهة و التي أعتبرها شبه ديكتاتورية.

و هذا الواقع الإعلامي ممكن أن يعيد تاريخنا المأساوي أي الذاكرة البغيضة أي الحرب الأهلية إلى يومنا هذا ، فعلى الجميع أن يعي مخاطر ما يحدث ، و بعض الوسائل الإعلامية تتحمل مسؤولية الفساد الموجود في الوطن بسبب عدم تمعتعها بالشفافية اللازمة.
فمَن هي السلطة المخوّلة وضع الضوابط لحرية التعبير عندما تصل هذه الحرية إلى التحريف والتضليل، أو التحريم والإدانة، أو استثارة مشاعر البغضاء والكره أهي السلطة السياسية أم السلطة الدينية؟
إعلام مزدهر و غير شفاف :

فصحيح أن الاعلام مزدهر في لبنان، لكنه خارج عن أي إطار صحيح. والمفروض أن على وسائل الاعلام العامة أن تحرص على آراء شرائح المجتمع من دون أي انحياز. الا أن التلفزيونات نالت الرخص اساسا وفق اعتبارات مذهبية وسياسية كانت السبب في وجودها. وخلال فترات الاستقرارالسياسي ابدت هذه الوسائل نوعا من الاعتدال لتعود الى الاصطفاف مع السخونة والتوتر، وتحول محطات المرئي والمسموع الى متاريس اعلامية و البعد عن الموضوعية، و أحد أسباب هذه المشكلة  في القانون الموزع طائفيا على رغم ان مواده تنص على التعددية، لكن التطبيق ما زال طائفيا.

فدور الاعلام ليس تصحيح الواقع وانما نقله وفق الضوابط المهنية المفقودة في الوسائل اللبنانية». و أن الاصطفاف الحاصل هو نتيجة التراكمات الثقافية. والمشكلة الموجودة لا تدفع الى التطرف في ادانة الاعلام بشكل عام وشامل.

الإعلام و الإعتدال:

إن الاعتدال الذي ندعو وسائل الإعلام اللبنانية إليه، ليس بأي صورة من الصور تنازلاًَ طوعياً عن بعض الحرية في القول أو الممارسة المهنية وليس إحجاماً عن اتخاذ المواقف ولا مسايرة للجميع أو تجاهلا للاختلاف بينهم أو حياداً في مسائل هذا الاختلاف، بل هو في المقام الأول العقلنة واحترام الآخر والحوار في بلد متنوع يهدد فيه الغلو والتطرف الوحدة والسلم الأهلي والاستقرار.

“. والاعتدال موقف معرفي وأخلاقي يحاكي قواعد السلوك المهني في الإعلام التي تقوم على مبادئ تبدو بديهية غير أن بديهيتها لا تقلل من أهميتها. فالاعتدال يقوم على الحق في المعرفة والتعبير عن الآراء المتنوعة ويعطي الأولوية لفهم الوقائع وهي أولوية الخبر على الرأي.
ويقتضي الاعتدال الإحجام عن نشر كل ما يحض على العنف والكراهية بين اللبنانيين، ويدعو الى الانتقام، ويستخدم لغة الشجار والتحقير والإقذاع والإغلاظ والبذاءة والتهكم المسيء الى كرامات الجماعات والأشخاص. ذلك أننا في هذه الأيام، وهنا أقتبس من رسالة الصوم لغبطة البطريرك صفير “لا نسمع إلاّ ألسنة تنطق على هواها وهي تحمل ما لم يألفه اللبنانيون من ذي قبل من كلام مقذع وألفاظ تحقيرية ومفردات تنحدر بالناس الى مصاف الحيوانات. وهذا دليل على انحدار في الأخلاق ونفوس ملأها الحقد وفتكت بها الضغينة، والكتاب المقدس يقول الإنسان الغضوب يثير النزاع

الاعلام الحر و دوره :
انه بظل التطور العالمي السريع للتقنية الاعلامية والانتشار الواسع للقنوات الإعلامية المحلية والفضائية وتطور قنوات الاتصال عبر “المسموع والمرئي والمكتوب” الذي اصبح من حق المواطن ان يتلقى الخبرية الطبيعية بعيدة عن كل وسائل الفلترة التي يتميز بهما المحرر الصحافي من ذكاء وحرفة لتصل المعلومة الى المشاهد او السامع. الاعلام اذا هو الضمير الحر الذي نرى فيه الانعكس الطبيعي لمرآة الزجاج التي نرى من خلالها الانعكاس الطبيعي لكلما يحدث من حولنا بشفافية وصراحة كاملة، لان من حق كل مواطن ان يحصل على المعلومة كما هي دون الزيادة او النقصان،لان مهمة الاعلام بشخص المحرر الصحافي أن يقدم الخبر دون الاجتهاد به أو إضافة الرأي الشخصي، وإنما تبسيط الخبر دون التحريف والحذف لان المواطن هو الذي باستطاعته فقط إعطاء الرأي النهائي لما يحمل. وهنا يكون الاعلام يؤدي دوره الحيادي والحر في ايصال الخبر والمعلومة الىالمشاهد اوالقارىء.
فإذا دخل الاعلام في التوجية فعليا فلا مانع عندها أن يكون إعلاما موجها راقيا وايجابيا لا سلبيا ورديئا ومحرضا طائفيا ومذهبيا لان للإعلام في لبنان على الأجيال الصاعدة تأثيراً قوياً وفاعلاً على عقولهم وتصرفاتهم.فالاجيال الصاعدة هي اولاد الاعلام والاعلان اكثرمما هي أولاد التربية العائلية والمدارس، الناس هم رهائن المانشيت والجبر وضحايا الشكل الفارغ من المضمون، والمضمون المليء بالالغام.
الاعلام السياسي في الانتخابات:
الاعلام السياسي في الدول الغربية وامريكا هو الوسيلة الانجح في كسب أصوات المقترعين ويكاد ينحصر الإعلام السياسي في الحملات الانتخابية ، منذ ظهوره في العام 1946 في أميركا ومن ثم في فرنسا ، ليشمل بعدها جميع الدول في العالم، مستعيرا في أسلوبه كل وسائله من الاعلام   التسويقي” الماركتينغ” فالاعلام الانتخابي يستخدم في معظم الوسائل الاعلامية الا ان وسيلة  واحدة هي وسيلة التلفاز تبقى الوسيلة الأكثر فعالية اليوم في انتشاره وتسويقه. والاعلانات التي تاخذ كل انواع الشتائم والحملات التحريضة شتى انواعها ولكن تبقى الشعارات التي يطلقها المرشحون عن طريق حملاتهم تحاول الضرب بالوحل للخصم “التراشق بالوحل” والتي أصبحت تأخذ البذاءة والقذارة في اللفظ او كما يقال بالعامية “بالوسخ” والتي تفوق كل الحدود من المسموح والممنوع التداول به من البذاءة وهي اقرب أن تكون تقليدا عمره من عمر الانتخابات والسلبية جزءاً لا يتجزأ من الحملات الإعلانية، ولكن البذاءة في لبنان والدول العربية تجاوزت ما يعتبره البعض الحدود والتي دخلت مرحلة جديدة في لبنان وبعض الدول العربية من التحريض والتخوين والذي يخشى معه أن يؤدي إلى عنف شديد  “الانقسامات الفلسطينية، و7 مايو/أيار2008، في لبنان، والعراق ،الصومال ،السودان ، اليمن الخ… لكن  لبنان ما يزال هو الأبرز في ممارسة  هذه  الحالة.
يظنّ المشاهد أن أقنية التلفزة تلبِّي جميعها حاجاته وعطشه إلى المعلومات وكذلك الصحون اللاقطة ومواقع الرصد الالكتروني، وبات الحديث في الكمّ والاختلاف من باب المسلّمات،  مما لا شك  فيه بان الإعلام اللبناني، بات في مجمله، شديد الارتباط بالمجتمع السياسي، وعلى علاقة  وطيدة ومباشرة مع  الأحزاب والتنظيمات المحلية أو الخارجية.  ولقد شكلت متابعة المواضيع السياسية  على شاشات  التلفزة، متعة للراغب في استقصاء المعلومات، بشكل عام ، ولكن  اذ أحجمت القنوات الناطقة بالحقيقة والشفافية عن مواكبة ما جرى، واستبسلت في الترويح عن وجهة نظرها وولاءها السياسي والحزبي في برامجها وأخبارها، مما عكس ذلك على المشاهد، المنتظر لنوعية من الخدمات الإعلامية ، مما دفعه  بان يتجه تدرجينا نحو البرامج الخفيفة والمنوّعات الضاحكة ، المتفرقة التي تخرجه من سيطرة القنوات وحقنها، بالترويج الإعلامي والسياسي لها ولاتجاهاتها المختلفة .  وهنا لا بد من الإشارة إلى ان التمييز الواضح بين وسائل الإعلام المرئي والإعلام المكتوب في الصحف اليومية  المحلية،  بارز الى الجميع . ومن نافل القول الى  ان الصحافة المكتوبة، رغم مشاكلها  الكثيرة، كانت وما زالت تلتزم بقوانين عالمية وتشيع بعض المبادئ في اقاصي العالم. حيث اشاعت حق حرية الرأي والتعبير المقدس طرداً مع حق الإنسان في الأمن والإطمئنان وحرية المعتقد. وشجبت على الدوام الحروب والنزاعات التي تقوم على اسس دينية او مذهبية او عرقية، ودافعت، منذ درايفوس وحتى اليوم، بنسب متفاوتة من النجاح والحماسة، عن المضطهدين بسبب انتمائهم او معتقدهم او عرقهم او جنسهم. لكن الصحافة المكتوبة تعيش في عالم يختلف اختلافاً جذرياً عن العالم الذي تعيش الصحافة المرئية  وضمنه، مثلما ان المبادئ التي تخدمها الصحافة المكتوبة تبدو مختلفة تمام الاختلاف عن المبادئ التي تحكم الصحافة المرئية في كل مكان من العالم. ولبد لنا من الاعتراف بكفاءة القائمين على جبهة الاعلام، كما يعرِّفها القاموس المعمول به. بيْد أن المنتج في المضمون، قلَّما يلتزم الموضوعية ويستأهل علامة الامتياز. بل ان معدنه يشي باستنساخ حديث من مصدر قديم، معلوم المنبت، طوّر الشعبوية الى مصاف الصناعة المتقنة، وجعل الترويج الدعوي الصاخب بديل الحقائق والمجريات. على هذا النحو، ثمة علاقة رحمية نسبية بين حواضر هذا النمط من الإعلام وارشيف المنظومات الشمولية، ليس أقلَّها تماثل بعض المعروض مع مخلفات مفوّه ألمانيا النازية غوبلز، مهندس الدعاية السياسية الأبرز في القرن العشرين.
الاعلام في ديمقراطية الانتخابات في لبنان:
التحريض،الشتائم، التخوين، كل هذا ليس له علاقة بالاعلام التنافس والديقراطية هما الموجه الفعلى للاعلام الانتخابي، حرية الاعلام في بت ونشر ومراقبة كل الاخبار والافكار والاراء المتعلقة في تطوير هذا التنافس دون الدخول في زواريب السياسة في بت ونشر الافكار التحريضية التي تؤدي الى نمو روح الخلاف والعداء في الشارع ، “كالشارع اللبناني ” الذي هو اصلا جاهز لتلقف هذة النزعات والصراعات وتجسيدها ممارسة ، الاعلام البناني في هذا المرحلة بالذات قد ياخذ الامور بعيدا الى مكان آخر ونحن نعرف جيدا عندما فلتة دفة الأمور في 7 مايو/أيار 2008 ، وما وصلت إليه  الأمور نتيجة الخطاب السياسي للسياسين ” التحريض الإعلامي والسياسي والشتائم” التي كان الإعلام ركائزها الاولى فكان الصدام ،،،والدخول في المجهول مجددا … على الاعلام الانتباه للمادة الانتقائية”الاعلامية” التي تساهم في اشعال الفتيل وإذكاء نار الفتنة ,المستهلك ساذج . .اذا حولنا مراقبة الاعلام اللبناني اليومي كل يوم تستهل القنوات اللبنانية نشراتها الاخبارية اليومية بمواضيع تقوم جميعها على الاثارة والتحريض والتفتيش على إظهار الخلفيات وإحداث نوع من النكد السياسي والمناطقي والمذهبي ، وربما تكون هذه” الخبريات باللبناني” غير المسئولة من قبل القيمين على القناة هي الشرارة الأولى في”الحرب،”لان الوضع في لبنان يمكن ان نصفه كما يقول المثل العربي القائل ” بان الجمر لاتزال تحت الرماد “… اذا لا اعلام يومي محرض، يمارس السياسة بدل الاعلام المهني.

أخيرا، إن الطبقة السياسية الراهنة هي وليدة هذا الإعلام و هي من محفزيه و مؤسسيه ، لأنه هكذا نوع من الإعلام يخدم مصالح الساسة و يمكنهم من البقاء على كراسيهم و تغطية فسادهم و فضائحهم، لأنه هناك أمور كثيرة و كبيرة لا يدري بها الشعب بسبب عدم الإيضاء عليها إعلاميا و إتباع سياسة الفلترة.

فالإعلام اليوم له دورا كبيرا في إصلاح الوطن و في إبراز الصح و الخطأ ، و أين اليوم الإعلام من الساسة المستقلين الغير تابعين؟ لماذا لا يتم الإيضاء عليهم إعلاميا أليست هذه منهجية إعلامية متغطرسة؟

على الوسائل الإعلامية جميعا إتباع سياسة الحياد و إبراز الجميع و نقل الخبر كما هو و من بعدها المواطن يقرر ما هو مناسب له، عسى أن يأتي يوما و نرى وسائل إعلامية فعلا محايدة