سياسة إحتكار القطاع الخاص تؤدي إلى رفع نسبة الفقر و الحرمان

خلال الحرب الأهلية المديدة، ورغم سيطرة الميليشيات على معظم أرض لبنان، ورغم الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته على أجزاء واسعة من الأرض، فإن سلطة الدولة المركزية انحسرت كثيراً ولم تسقط نهائياً.

لقد بقي مجلس النواب الذي تم انتخابه في أوائل السبعينيات قائماً حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، دون تجديد شرعيته عبر انتخابات عامة، بالرغم من كل المتغيرات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي مرّ بها لبنان.

وكانت الحكومات المتتالية تجدد ولاية المجلس النيابي، ويجدد المجلس النيابي شرعية الحكومة، بعيداً عن هموم الجماهير ومتغيرات السياسة وموازين القوى الداخلية والخارجية. وبقيت الحكومات المتتالية تدفع رواتب وأجور موظفيها العاملين وغير العاملين، من عسكريين ومدنيين، مَن كان منهم فوق الأرض اللبنانية أو خارجها. وبقيت الطبقة الحاكمة، المتمثلة سياسياً بمؤسسات السلطة القائمة ورموزها، بفكرها وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، وكأنها خارج إطار الصراع الداخلي أو الصراع ضد العدو المحتل.

إن الطبقة الحاكمة تاريخياً في لبنان والمتمثلة بالمجلس النيابي الذي تلون كثيراً وتمايل مع متغيرات الرياح السياسية في ظل الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، أعادت تجديد النظام اللبناني ذاته، وبإشراف وتدخل قوى إقليمية ودولية عملت على وضع حد للحرب المديدة، وذلك في مؤتمر الطائف.

فالتعديلات الدستورية التي أدخلت على النظام اللبناني كانت تمثل فعلاً فكر ومصالح الطبقة الحاكمة اللبنانية، ضمن تبدل موازين القوى الطائفية، أكثر مما مثلت إرادة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المؤتمر.

وبعد استقرار نسبي في الوضع الداخلي اللبناني، وبعد إعادة توحيد المناطق اللبنانية التي تشظت، وربما كادت تتبلور ككيانات طائفية في ظل حكم الميليشيات، تم تجديد الطبقة الحاكمة بانضمام شرائح برجوازية كبيرة إليها، بنت ثرواتها بأشكال مشبوهة خارج لبنان في قطاعات الخدمات والمقاولات والسمسرات، أو في داخله عبر سلطة الميليشيات أبان الحرب الأهلية. لم تكن هذه الشرائح الجديدة غريبة عن فكر وارتباطات شرائح الطبقة البرجوازية الحاكمة، بل كانت منسجمة كل الانسجام معها، وسرعان ما احتلت مواقع أساسية في الحكومات أو في مجلس النواب. وأصبح بعض رموزها من ثوابت السلطة اللبنانية الحاكمة.

فالطبقة الحاكمة في لبنان كانت تدعو دائماً إلى رفع كل العقبات أمام التجارة الخارجية خاصة- ما عدا بعض القطاعات الاحتكارية للإنتاج في الداخل مثل الإسمنت والكابلات- كما تدعو إلى خفض الضرائب المباشرة أو إلغائها على الأرباح والمداخيل الرأسمالية والريعية. وكانت هذه الطبقة، وما زالت، ترفض رفضاً قاطعاً فرض ضريبة على الثروة، تلك الضريبة التي كثيراً ما تلجأ إليها الدول التي تتفاوت فيها المداخيل والثروات بشكل واسع، وخاصة بعد الحروب، لتعيد توزيع أعباء الحروب بشكل عادل. وتجربة ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية مثال جيد على ذلك.

وكانت هذه الطبقة وما زالت ضد قطاعات الإنتاج السلعي، وخاصة الزراعة والصناعة، إذ يمكن لنمو هذين القطاعين أن يقلص من أعمال وأرباح أصحاب الوكالات الحصرية في الاستيراد ولو على المدى المتوسط والقصير. فلبنان “جمهورية التجار” كما سماه “ألبرت حوراني”، يقوم على “الأعمال في الخارج وعلى العلاقات مع الخارج” كما رءاه وأراده ميشيل شيحا، وليس على الإنتاج المحلي.

كانت المصارف التجارية وما زالت تحتل موقعاً أساسياً ومهيمناً في “جمهورية التجار”. ففي الثلاثينيات من القرن الماضي “كان بنك فرعون وشيحا… يمثل سلطة المال الفعلية في المدينة (بيروت)، كما يمول الحملات الانتخابية للكتلة الدستورية، إلى حد أن اسكندر الرياشي اتهمه بأنه يعين ثلاثة أرباع المجلس النيابي تعييناً، ويسيطر على كتلة من 24 نائباً يتقاضون منه جميعاً المرتبات الشهرية. كما اتهم الرياشي نفس المصرف بأنه كان المسيّر الفعلي لسياسة الدولة الاقتصادية، ومقرر تشريعاتها الضريبية، أيام تولي بشارة الخوري رئاسة الحكومة في الثلاثينيات” كما يذكر فواز طرابلسي. وفي الستينيات من القرن الماضي، احتل بنك أنترا موقعاً مماثلاً في الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية، قبل أن يعلن إفلاسه القسري بأمر وتحريض من قوى فاعلة أجنبية. فقد كان هذا المصرف يدفع رواتب شهرية لأكثر من 65 نائباً ووزيراً.

طور ربحية المصارف وأموالها الخاصة خلال التسعينيات

(بملايين الدولارات)

السنة 1993 1994 1995 1996 1997 1998 1999
ربحية المصارف السنوية 99 182 206 314 429 503 437
الأموال الخاصة 260 410 718 1252 1958 2400 2660

هنا نرى الأرباح التي تجنيها المصارف و التي يحميها الساسة من خلال عدم وضع نظام ضرائبي يمكن المواطنين جميعا الإستفادة من هذه الأرباح و ذلك من خلال إستثمارها في إنماء الوطن، إنني مع أن نرى قطاعاتنا تنهض و تزدهر و تربح و لكن في الوقت عينه يجب وضع قسم من هذه الأرباح لأدل التنمية و مساعدة الفقير … و لكن إرتباط مصالح السياسيين بالإقتصاد الداخلي جعلهم يتغاضون النظر عن هذا القطاع.

نسبة الإنفاق (بالمئة) على بعض الوزارات من مجمل الإنفاق الحقيقي

(مجمل الإنفاق ناقص خدمة الدين)

السنة 1993 1995 2001
وزارة الزراعة 0.293 0.479 0.602
وزارة الصناعة 0.029 0.039 0.052
وزارة الداخلية 12.601 12.027 9.637
وزارة الدفاع الوطني 27.341 28.99 23.017

إن الإنفاق على قطاعي الزراعة و الصناعة ضئيل جدا و هذا ما يعزز الإتجاه إلى القطاعات الأخرى و إضعاف الإنتاج الداخلي و ذلك يعزز بقاء لبنان في الإعتماد على القطاع الخدماتي و ذلك لا يكفي فلبنان بحاجة إلى إستراتيجية إقتصادية تعزز مختلف القطاعات و ذلك يؤدي إلى تعزيز فرص العمل و إلى تطوير قطاعاتنا الزراعية و الصناعية و يخفف من المشاكل الإجتماعية الموجودة لدينا و من الهجرة الداخلية.

أين الإنماء المتوازن؟؟

(بالدولار الأميركي)

المحافظة الاستثمار المقدر الاستثمار المصحح نسبة التصحيح (بالمئة)
بيروت 1515.5 2183 +44
ضواحي بيروت 1948.3 1365.1 -31.2
جبل لبنان 1460.8 1526.2 +4.5
الشمال 1647.5 1408.3 -14.5
الجنوب 1861.1 1419.2 -23.7
النبطية 2391.9 1719.9 -28.1
البقاع 2117.1 1609.1 -24
لبنان 1770.6 1544.3 -12.78

هنا نرى عدمية الإنماء المتوازن و التركيز على محافظات من دون أخرى مما يؤدي إلى الفقر و الحرمان في بعض المناطق و إلى إزدهار مناطق أخرى على حساب المناطق المهمشة، و ذلك من أسبابه إرادة بعض الساسة في مركزي و الإزدهار و التحكم بالإقتصاد اللبناني.

تحكم الساسة بالإقتصاد الوطني

ختاما، للأسف لقد إندمج الإقتصاد في لبنان مع المصالح السياسية مما يؤدي إلى هيمنتهم عليه و هذه الهيمنة تلعب دورا في تفقير و تجويع الناس، نطالب الحكومة اللبنانية بالوقوف أكثر إلى جانب الفقير و إلى فصل المصالح الشخصية و الآنية عن مصلحة الوطن العليا الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية.

يجب أن تعامل كافة القطاعات بالتساوي و ذلك حسب مصلحة الوطن ، و نرفض سياسة  إحتكار الموارد، نريد بقاء أدمغتنا في وطننا الحبيب و ليس تصديرهم إلى الخارج.

2 ردود

التعليقات مغلقة