لبنان و الدور الاستراتيجي لموسكو

تعود العلاقات الروسية-اللبنانية بجذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث افتتحت أول قنصلية روسية في بيروت عام 1839، بينما كانت البداية الحقيقية للنشاط الدبلوماسي بين الجانبين في نهاية 1943 حين اعترف الاتحاد السوفياتي باستقلال لبنان، كما بذل جهودًا حثيثة من أجل انسحاب القوات الإنكليزية – الفرنسية من بلاد الارز، كما استخدم الاتحاد السوفياتي في عام 1946 لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة حق النقض دفاعًا عن استقلال لبنان واستقلال سوريا.

تشهد العلاقات الروسية-اللبنانية تقاربا متصاعدا منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا. فلم تتجاهل العين الروسية سواحل لبنان، التي تمثل امتداد طبيعيا للساحل السوري- حيث حقول الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية للبلدين.

روسيا و المنطقة

لدى روسيا ثلاثة اهداف رئيسية في منطقة الشرق الأوسط: جذب أكبر عدد ممكن من الدول من مجال النفوذ الغربي إلى مجال نفوذها وتحقيق موقع متميز، تضخيم حجم توريدها للاسلحة، اضافة الى ملف الطاقة. كلٌّ من هذه الاهداف تشمل لبنان.

يسعى الرئيس الروسي إلى ربط الدول الحليفة لموسكو من خلال تقديم المساعدة العسكرية والدعم الإقتصادي. الشيء الجيد بالنسبة إلى الروس هو أن الصديق الصغير يُصبح معتمداً على موسكو.

يسعى بوتين أيضاً إلى تعزيز مصالح الشركات الروسية الكبرى وزيادة أرباحها عبر حلفاء الكرملين الأجانب. لذا، يجب أن يكون كل حليف صغير سليماً من الناحية المالية. كلا النهجين يساعدان موسكو على ملء المساحات المُهمَلة من قبل واشنطن.

التعاون

التعاون الروسي-اللبناني كان مقتصرا على تبادلات تجارية محدودة بعد انتهاء نجم الاتحاد السوفياتي، الذي اكتفى في تلك الحقبة بتقديم منح تعليمية لطلاب من أحزاب يسارية لبنانية.

و في الاونة الاخيرة هناك نمو في التبادل التجاري بين البلدين و لكنه بطيء الى حد، فارتفع التبادل 17.5 بالمئة و لكن لم يتخطى المليار بين البلدين.في المقلب الاخر، هناك اهتمام روسي بمجالات اكبر كالطاقة و اعادة اعمار سوريا من خلال المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس.

فتعزيز العلاقات اللبنانية الروسية يشكل حاليا النتيجة الطبيعية للدور الروسي المحوري في المشرق، الذي يركز خطواته على الاستقرار ومواجهة الإرهاب والاستفادة من ملف الغاز في شرق المتوسط.

الاسباب الاستراتيجية

هناك اهداف استراتيجية مختلفة للاهتمام الروسي بالملف اللبناني، اولها تفعيل دورهم في منطقة الشرق المتوسط و مواجهة المحور الغازي القوي بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، والذي قد يسهم في التأثير على مبيعات الغاز الروسي لأوروبا في حال مد أنبوب شرق المتوسط إلى إيطاليا.

الاقتصاد السوري الذي يتأثر بشكل مباشر و غير مباشر بالاقتصاد اللبناني، ويأمل الروس ان تمكنوا في الحد من الانهيار الحاصل ممكن ان يساعد الاقتصاد السوري، ومما يعني تعزيز دورهم بشكل اقوى و خصوصا ان هناك تمنع استثمار اماراتي، تركي و قطري في ظل قانون قيصر الاميركي.

لبنان ممكن ان يستفيد من روسيا بملفات مختلفة اولها ملف النازحين السوريين حيث هناك اهتمام روسي بهذا الملف حيث يساعدهم على اعطاء مزيد من الشرعية للرئيس الحالي بشار الاسد و لبنان بحاجة الى هكذا تسوية تساعده في تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي.

اضافة الى ذلك ممكن ان تساعد روسيا في حلحلة بعض العقد السياسية الاقليمية وادراج الملف اللبناني في منصات مختلفة اقليمية ودولية، حيث هذا الجمود السياسي قاتل للبنان و في الوقت عينه ممكن اجراء تسوية ربط نزاع تساعد لبنان الخروج من الصراعات الاقليمية الى حد ما.

روسيا تعتبر ان لبنان خاصرة لسوريا، و تعتبر لبنان جزء من امنها الاستراتيجي، فهي نجحت في الاستثمار في منشآت النفط في طرابلس و تبدي اهمية في مجالات اخرى و لكن تنتظر الظرف المناسب الاقليمي و الدولي لكي تبادر بشكل اقوى.

المرحلة المقبلة

يحاول الروسي في ظل الانكفاء الاميركي داخليا وتفويض بعض المهام للحلفاء، ان يستغل هذه الفترة في ايجاد ادوار مختلفة في منطقة الشرق الاوسط منطلقا من هذا الانكفاء و استعمال بعض اوراق القوة التي تمتلكها خصوصا في الملفين السوري و الايراني.

تعد زيارة وزير الخارجية الروسي للامارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية برحلة لملمة الاوراق اقليميا، وكان ابرزها الملف اليمني حيث يحاول الروس ايجاد مساحات مشتركة بين المتصارعين ليلعب دورا اكبر و ليستفيد من تعزيز دوره العسكري و الاقتصادي.

وفي المقلب الاخر دعوة  حزب الله الى موسكو لمناقشة ملفات مختلفة تأتي من ضمن السلة التي ناقش بها دول الخليج العربي منها دوره في سوريا والواقع اللبناني حيث يحاولوا حلحلة بعض العقد التي تصب في مصلحتهم خلال المرحلة الحالية للحد من الانهيار الحاصل في البلدين. ومن ضمن هذا السياق اتى الاجتماع الروسي بالرئيس المكلف سعد الحريري بالامارات العربية المتحدة.

الفترة المقبلة سنشهد مزيدا من الحراك السياسي الذي قد يلعب دورا في الحد من الانهيار المالي و الاقتصادي، او على الاقل ضبط الانهيار لتمرير الوقت بفترة اقل قساوة حتى حصول التسوية الشاملة مستقبلا.