مقالات

محاربة الفساد في لبنان بالشكل و ليس بالمضمون

إن مرتبة لبنان عالميا حسب مؤشر مدركات الفساد 143 من أصل 180 عالميا، و هذا الرقم هو بحد ذاته إنذار من العيار الثقيل و يوصف حالة لبنان على صعيدين الفساد و على الصعيد الإقتصادي طبعا.

الفساد مستشري منذ سنوات طويلة و يزداد نهج الفساد عام بعد عام، و كل فريق سياسي يعتبر أن بقاء نفوذه يأتي للأسف عبر تعزيز إمكانياته المالية، و من جهة أخرى تعزيز حياة الرفاهية إلى ولد الولد، و المواطن يدفع ثمن ذلك عبر إزدياد الديون و إنقطاع الخدمات و الموت على أبواب المستشفيات.

بدأت تظهر موضة محاربة الفساد منذ عام 2005، و لكن بالشكل و ليس بالمضمون من يريد أن يحارب الفساد يعمل على مشاريع قوانين في مجلس النواب مثل قانون حماية كاشفي الفساد، مثل رفع السرية المصرفية عن كل موظف أو نائب أو وزير، يعمل على فصل السلطات القضائية عن السلطات السياسية و تطبيق قانون حق الوصول إلى المعلومات.

للأسف في الموضة الجديدة هي العمل بالمفرق مش بالجملة من في السلطة محمي و من خارج السلطة غير محمي، محاربة الفساد لا تكون بالنكايات بل محاربة الفساد تحتاج إلى إستراتيجية واضحة من ضمنها مشاريع قوانين في مجلس النواب كما ذكرنا سابقا و تكون من ضمن إطار مؤسساتي لكي نصل إلى نتيجة.

لكي نكون واضحين، أحد عوامل إزدياد الفساد في لبنان هو شح المال السياسي في الأعوام الأخيرة ما أدى إلى لجوء الطبقة السياسية إلى نهب موارد الدولة لكي تستمر، و لكن الفساد موجود في لبنان منذ تأسيسه و للأسف أصبحت ثقافة و لكي نحارب الفساد علينا محاربة ثقافة الفساد، و إسترجاع هيبة الدولة و الثقة بها التي شبه مفقودة.

ختاما، للأسف معظم من يتحدث عن محاربة الفساد في لبنان من الطبقة السياسية هم أركان الفساد في لبنان و يعملون على ذر الرماد في العيون، و حسب ما نراه اليوم أنه لا يوجد نية فعلية في محاربة الفساد في لبنان إنها فقط حركات إعلامية أو ضغوطات سياسية، ممكن أن نرى بعض الإصلاحات الشكلية بسبب الضغوطات الدولية، ممكن أن نرى بعض الإصلاحات لأن الدولة متجهة نحو الإفلاس إن لم تخفف منه فبالتالي يخسر الجميع، و أخيرا في جميع تلك الخطوات المواطن هو الخاسر الأكبر.

 

كلمة شادي نشابة خلال مؤتمر بعنوان “دور قانون الانتخابات في مكافحة الرشوة وتأثير الرشوة على قطاع الأعمال”

كلمة شادي نشابة خلال مؤتمر بعنوان “دور قانون الانتخابات في مكافحة الرشوة وتأثير الرشوة على قطاع الأعمال” الذي نظمته الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، بلدية طرابلس، غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي بالتعاون مع نقابة المحامين في طرابلس ونقابة موظفي المصارف في الشمال.

 

نص  الكلمة

 

في نظرة سريعة إلى ما تفرزه الانتخابات من طبقة سياسية عاجزة عن متابعة شؤون البلاد وإدارتها، ندرك أهمية قانون الانتخابات ودوره في بلورة نظام سياسي أكثر مسؤولية يؤمن مساحة من الديمقراطية والشفافية والمسائلة التي تعتبر من الركائز الأساسية لمعالجة قضية الفساد والرشوة.

فقانون الانتخابات العادل والقائم على أساس النسبية والدوائر الكبرى يضمن التنوع داخل المجلس، كما يؤمن بالحد الأدنى وصول اشخاص على أساس برامج انتخابية يمثلون كافة الفئات ويسعون لخدمة الجميع وليس فئات محددة. وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى نوعية الأشخاص التي تنتخب ومدى التزامها بدورها التشريعي، فهؤلاء يجب أن يكون لديهم النية  بالعمل  لاستصدار تشريعات جديدة تواكب التطورات الحاصلة في كافة المجالات. وهنا مع احترامنا لجميع النواب، هل تعلمون أن عدّة دراسات أشارت إلى العدد المتدني للنواب الناشطين في التشريع،  كما أن عدد النواب الذين يقرأون مشاريع القوانين ايضاً قليل فهؤلاء ينتظرون رؤساء كتلهم كي يحددوا موقفهم من القوانين فيصوتوا عليها.

وأيضاً يوجد قوانين تساعد على الحد من الفساد والرشوة لم يتم النظر فيها أو إقرارها حتى اليوم كقانون حق الوصول إلى المعلومات، قانون حماية كاشفي الفساد، قانون اللامركزية الادارية….وغيرها

فكيف لنا أن نكافح الرشوة في ظل واقع قانوني وإداري هش وفي ظل نظام سياسي غير ديمقراطي يغيب عنه منطق المسائلة.

وهنا نشير إلى أن لبنان يحتل الموقع 127 من أصل 177 في مؤشرات مدركات الفساد وهو متراجع عن السنوات الماضية…فماذا ننتظر

وبالحديث عن دور المجتمع المدني في صياغة قانون انتخابات عصري يساهم في مكافحة الرشوة والفساد بشكل عام فقد كان هناك عدّة مبادرات أبرزها الحملة المدنية للاصلاح الانتخابي إلا أنه لم تستطع أن تصل إلى إقرار قانون جديد لعّدة أسباب منها ما هو مرتبط بالنظام الطائفي الذي يعرقل المبادرات المدنية إضافةً إلى عدم التمكّن من تحريك الشارع اللبناني الذي يفتقد إلى الوعي الاجتماعي المدني والوضع الأمني الذي يؤدي إلى المزيد من الشحن الطائفي يليها تسويات تفرز قوانين انتخابية على مقياس الكتل السياسية.

فنحن لا نختلف كثيراً عن الأنظمة الديكتاتورية حيث تعرف نتائج الانتخابات سلفاُ،  فنحن نعيش في ديكتاتورية الطوائف.

وفي الشق الآخر لموضوع ورشة العمل اليوم، لا يخفى على أحد حال دوائرنا الرسمية وما وصلت إليه من مستويات عالية من الفساد الاداري وخاصةً الرشوة التي أصبحت جزء من أي معاملة نقوم بها. وهذا الواقع ينعكس سلباً على عالم الأعمال ويؤثر على عملهم في مختلف المراحل بدءً بتسجيل المؤسسات مرروراً بدفع الضرائب والرسوم السنوية إلى عملية إدخال البضائع إلى لبنان وما يعانونه مع الجمارك.

كما لا بد أن نشير إلى ضرورة إجراء التعيينات الادارية التي تلعب دوراً كبيراً في الحد من الفساد إلى جانب السعي من أجل فصل السلطة القضائية عن السلطة السياسية وهذا أيضاً له أثر كبير على الفساد في لبنان.

لذلك في هذا الاطار، لا بد من نسج أطر للتعاون بين المجتمع المدني وقطاع الأعمال في الضغط من أجل قوانين تساهم في تحقيق دولة المؤسسات وبالتالي الحد من الفساد والرشوة.

المؤسسات المانحة بين الفساد في داخلها و تمويل المجتمع المدني

إن العمل الإجتماعي هو عبارة عن جمع الطاقات العاملة الفردية و الجماعية و الذي يجب أن يعتمد على النظرة الوظيفية   المهنية في المؤسسة أو المؤسسات أي أن يكون الجميع قيادات و هيئات في خدمة الفكرة أو المشروع و ليس في خدمة الشخص أو الفرد، إلا أن مجتمعاتنا لم تتعود حتى الآن العمل بروح فريق، و لا تزال العقلية العشائرية و الإعتماد على الفرد هي السمة الغالبة في بلاد العالم الثالث و من ضمنها لبنان. و لقد إزدهرت هذه العقلية خلال فترة الإقتتال الأهلي و لم تبقى فقط في الأرياف بل غزت المدينة حيث ترسخت علاقات الإنتماء و الولاء على حساب البنى المؤسسية الوظيفية.

و هذا المنهج بدل من أن تصلحه المؤسسات المانحة فدخلته و عززته و أصبح الفساد ينخرها أيضا. فبعض المنظمات الدولية و المؤسسات المانحة التي تنفذ برامجها مباشرة ، لا يروق لها وجود شبكات قوية للهيئات الأهلية تراقب و تحاسب. لذلك نرى البعض منها يعمل مثل عدد من المسؤولين في الحكومة في إشاعة أجواء التشكيك حول دور الهيئات الأهلية و عن غياب التنسيق بينها و بالتالي إضعاف دورها.

  • إستمرار العديد من الهيئات المانحة في التعاطي بذهنية “المشروع و المساعدة”  الموروثة عن الإستعمار بدل التعاطي بروح المشاركة أي أن نتشارك فيما بيننا كل حسب إمكاناته و توجهاته من أجل توفير التنمية و السلام و العدالة الإجتماعية.
  • إتخاذ القرارت السريعة في البلاد المانحة بالتوجه في مساعدة الشبكات و ليس الجمعيات ، مما يدفع الهيئات الأهلية المحلية الإسراع في إنشاء الشبكات غير المبنية على قواعد صلبة من أجل الحصول على المساعدات ، و هذا يؤكد مرة جديدة إستمرار التبعية و الإلتحاق الجنوب بالشمال.
  • تخصيص الجزء الأكبر من المساعدات على إنجاز الدراسات و إقامة المؤتمرات و برامج التدريب و التأهيل و ليس العمل على تقوية القدرات الذاتية لكل جمعية و للشبكات القائمة في سبيل بناء مجتمع مدني ديمقراطي و تعزيز برامج التنمية الذاتية.

و للأسف إن أغلبية المؤسسات المانحة في لبنان دخلت هذه اللعبة و نخرها الفساد و أصبح عمل هذه المؤسسات ، لكسب ربح فردي أو دخول بيت المحسوبيات. فعلى سبيل المثال إحدى المؤسسات المانحة أعطت مبلغا من المال لإحدى المؤسسات التابعة لفريق سياسي و ذلك بسبب الضغط السياسي الذي مارسه هذا الفريق عليها و ليس بسبب كفاءته، و على صعيد آخر مؤسسة مانحة أخرى تمول بعض الجمعيات الفاسدة و ذلك لتقسيم الأموال بين رؤساء الجمعية و موظفي المؤسسة.

أنا بصراحة كنت أنتظر أن تأتي هكذا مؤسسات لنشر ثقافة الشفافية و تعزيز الإنتماء للوطن و محاربة الفساد و لكن للأسف ما نشاهده العكس ، لأن هذه المؤسسات نخرها الفساد الداخلي و أصبحت تبني منحها على هوى الفاسدين.

ما نطلبه من هذه المؤسسات أن تعمل على إصلاح الجمعيات و وضع برامج ممنهجة، لأننا أولا نحن بحاجة إلى إعادة ترميم وضع الجمعيات في الداخل، و من بعدها تبني مشاريعها على أساس الحاجة و أن يأتي التمويل للجهات الكفوءة و ليس للجهات المدعومة و محاسبة و مراقبة موظفيها لكي لا يدخل العام بالخاص.

أخيرا ، بالطبع نشكر كل من يريد أن يساعد لبنان و أن ينميه و يعمل على خلق فرص العمل و لكن ما نبتغيه أن يحصل ذلك بطريقة صحيحة و فعالة و ذلك لغيرتنا على وطننا و على الأموال المهدورة فيه.

فالمؤسسات المانحة في لبنان  يوما بعد يوم تزيد من ميزانيتها و تدخل بيوت الناس و أحياءهم و خاصة المجتمعات الفقيرة. ونحن فعلا بحاجة إلى هذه المساعدات و إلى تنمية مناطقنا المهمشة و إلى تنمية قدرات شاباتنا و شباننا ، و تحديث و تفعيل صناعاتنا .

و لكن هذا الدعم نتمناه أن يحدث بشكل شفاف و مميز ، لأننا في الوقت عينه نريد تنمية قدرات جميع الفئات و لا نريد المحسوبيات و الضغوط سياسية في خانة الإنماء و الدعم.