مفهوم التنمية المستدامة


 

يبدو أن التنمية المستدامة هي التي تصيغ اليوم الجزء الأكبر من السياسة التنموية المعاصرة وقد كان للعمومية التي اتصف بها المفهوم دورا في جعله شعارا شائعا وبراقا مما جعل كل الحكومات تقريبا تتبنى التنمية المستدامة كأجندة سياسية حتى لو عكست تلك الأجندات التزامات سياسية مختلفة جدا تجاه الاستدامة، حيث تم استخدام المبدأ لدعم وجهات نظر متناقضة كليا حيال قضايا بيئية مثل التغير المناخي والتدهور البيئي اعتمادا على زاوية التفسير، فالاستدامة يمكن أن تعني أشياء مختلفة، بل متناقضة أحيانا، للاقتصاديين، وأنصار البيئة، والمحامين، والفلاسفة. ولذا يبدو أن التوافق بين وجهات النظر تلك بعيد المنال.

فهي نظرية في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية تجعل الإنسان منطلقها و غايتها . الشرط الأساسي لتحقيقها هو الطاقات المادية . هدفها ليس فقط الزيادة في الإنتاج و إنما تمكين الإنسان من العيش في حياة أفضل و أطول. و حاجات الإنسان ليست كلها مادية بل كذلك معنوية و اجتماعية نجملها في: التعليم و الثقافة و توفر فرص لممارسة النشاطات الخلاقة و حق المشاركة في تقرير الشؤون العامة و حق التعبير و الحفاظ على البيئة لأجيال لاحقة.

وتقوم على أربعة عناصر أساسية هي :

– الإنتاجية ( قدرة الإنسان على الإنتاج)

– المساواة ( تكافؤ الفرص دون تمييز )

– الاستدامة ( عدم إلحاق الضرر بالأجيال اللاحقة)

– التمكين (التنمية تتم بالناس و ليس من أجلهم فقط أي: الناس فاعلون) هكذا تعزز التنمية قدرة الإنسان على تحقيق ذاته فيصبح هدفا و وسيلة في آن واحد ، انتقلت في الستينات من القرن العشرين إلى حقل السياسة لتهتم بتوجيه البلدان نحو الديمقراطية لمسايرة الدول الصناعية ، و زادت تطورا لتشمل حقل المعرفة و الرفع من مستوى الثقافة فظهرت تنمية اجتماعية و بشرية لدعم قدرات الفرد من أجل تحسين أوضاعه في المجتمع و قياس مستوى معيشته.  فالإنسان سيد الطبيعة هوالذي له الحق في تغييرها لصالحه .

فشهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية إدراكا متزايدا بأن نموذج التنمية الحالي (نموذج الحداثة) لم يعد مستداما، بعد أن ارتبط نمط الحياة الاستهلاكي المنبثق عنه بأزمات بيئية خطيرة مثل فقدان التنوع البيئي، وتقلص مساحات الغابات المدارية، وتلوث الماء والهواء، وارتفاع درجة حرارة الأرض(الدفء الكوني)، والفيضانات المدمرة الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحار والأنهار، واستنفاد الموارد غير المتجددة، مما دفع بعدد من منتقدي ذلك النموذج التنموي إلى الدعوة إلى نموذج تنموي بديل مستدام يعمل على تحقيق الانسجام بين تحقيق الأهداف التنموية من جهة وحماية البيئة واستدامتها من جهة أخرى. ولذلك فإن شيوع فكرة التنمية المستدامة في أدبيات التنمية السياسية منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين مثل في جزء منه محاولة لتجاوز إخفاق النظرية السلوكية في مجال التنمية، التي تبنت نموذج الحداثة، والبحث عن نموذج جديد يعمل على التوفيق بين متطلبات التنمية والحفاظ على بيئة سليمة ومستدامة.

أما على المستوى السياسي فقد بدأ المجتمع الدولي، منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، يدرك مدى الحاجة إلى مزيج من الجهود السياسية والعلمية لحل مشاكل البيئة وعندها أصبح مفهوم التنمية المستدامة يمثل نموذجا معرفيا للتنمية في العالم، وبدأ يحل مكان برنامج “التنمية بدون تدمير” Development without Destruction الذي قدمه برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP في السبعينات ومفهوم “التنمية الإيكولوجية” Ecodevelopment الذي تم تطبيقه في الثمانينات.

وتحاول حركة الاستدامة اليوم تطوير وسائل اقتصادية وزراعية جديدة تكون قادرة على تلبية احتياجات الحاضر وتتمتع باستدامة ذاتية على الأمد الطويل، خاصة بعدما أتضح أن الوسائل المستخدمة حاليا في برامج حماية البيئة القائمة على استثمار قدر كبير من المال والجهد لم تعد مجدية نظرا لأن المجتمع الإنساني ذاته ينفق مبالغا وجهودا أكبر في شركات ومشاريع تتسبب في إحداث مثل تلك الأضرار. وهذا التناقض القائم في المجتمع الحديث بين الرغبة في حماية البيئة واستدامتها وتمويل الشركات والبرامج المدمرة للبيئة في الوقت نفسه هو الذي يفسر سبب الحاجة الماسة لتطوير نسق جديد مستدام يتطلب إحداث تغييرات ثقافية واسعة فضلا عن إصلاحات زراعية واقتصادية.

مشكلة الدراسة

ففي النصف الثاني من القرن العشرين تبنت غالبية الدول الصناعية المتقدمة طريق التقدم المتنامي في العلم، والتقنية، وأساليب الإنتاج مما أدى إلى بروز ما أصبح يعرف بمجتمع المعلومات أو المجتمع ما بعد الصناعي الذي لم يعد يعتمد على نشاط الأفراد ولا على المجتمع ككل بقدر اعتماده على فرضية قدرة البشر على السيطرة على ذلك التقدم. وقد أرتبط تدشين مجتمع المعلومات هذا في الدول الصناعية المتقدمة بهيمنة فكرة “التفاؤل التقني”” التي بشر بها نموذج الحداثة التنموي والتي  تفترض أن بزوغ فجر عصر التقنية يمثل إيذانا بعصر خال من المشاكل سواء في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي، فضلا عن المجالات الأخرى ومن بينها المجال البيئي. إلا أن التطورات غير المنضبطة المصاحبة للتقدم الصناعي قد أسهمت من جانب أخر في تنامي سلسلة من المشاكل ذات الطابع البيئي، حيث أضحت قضايا التدهور البيئي، والتصحر، والفقر، وعدم المساواة الاقتصادية، والدفء الكوني، والانفجار السكاني، وتزايد معدلات انقراض الكائنات الحية بشكل مخيف، والأمطار الحمضية، واستنفاد طبقة الأوزون، وتلوث الماء والهواء والأرض تمثل واقعا مؤلما ملازما للحياة في العصر الحديث وخاصة مع تعزيز نموذج الحداثة المعولم والتقنيات المتطورة لقدرة البشر على الأضرار بالبيئة وببعضهم البعض بوتيرة لم يسبق لها مثيل.

وبسبب تعاظم خطر تلك المشاكل من جهة وتقلص نسبة الموارد على الأرض وإضعاف قدرتها على تجديد ذاتها من جهة أخرى فإن هناك حاجة ملحة لترشيد التعامل الإنساني وذلك لأن نموذج الحداثة القائم الذي يعمل على الإيفاء بالاحتياجات المادية الحالية مع تجاهل تام للبيئة وللمستقبل لم يعد ملائما ولا كفؤا على المدى الطويل.

نموذج الحداثة والتدهور البيئي

يشير التدهور البيئي الذي حدث معظمه خلال القرن الماضي إلى أن النموذج الاقتصادي المهيمن (الليبرالية الرأسمالية) هو “اقتصاد استخلاصي” يستنفد الموارد غير المتجددة، ويستغل الموارد المتجددة بدرجة أكبر من قدرتها على البقاء، ويتسبب في تغيير كيمائية الأرض وتشويه النظم البيئية عليها متسببا في حدوث أضرار لا يمكن إصلاحها لكل من الأرض والماء والهواء.  ولذا يمكن القول أن الاستغلال المفرط والتدمير المصاحب للتنمية هما نتاج للمجتمع الصناعي الحديث، وبخاصة منظومة قيمه ومعتقداته وبناءه السياسي. فبرغم أن لهذا النسق الاعتقادي “الحداثة” إنجازات عديدة إلا أن له جانبه المظلم أيضا متمثلا في الظلم الاجتماعي وإفساد البيئة، إلا أن معظم الناس منغمسون جدا في نموذج الحداثة هذا إلى درجة أنهم غير قادرين على إدراك أن “البناءات والعمليات التي تقوم عليها الحياة اليومية هي السبب في الدمار البيئي والظلم الاجتماعي”.

1- Homo Economicus  / أي أن الأولوية فيه تكون للرفاهية الاقتصادية التي ستقود إلى تحقيق الرفاهية في مجالات الحياة الأخرى.

2- النزعة التقدمية/ أي أن التقنية ستجد حلولا لكل المشاكل وأن الحالة الإنسانية سوف تتحسن بالتدريج من خلال الوفرة.

3- النزعة التصنيعية/ أي أن الإنتاج على نطاق واسع سيؤدي إلى تحقق الوفرة والتي بدورها ستؤدي إلى خلق نزعة استهلاكية.

4- النزعة الاستهلاكية/ إي أن استهلاك السلع المادية هو مصدر السعادة البشرية.

5- النزعة الفردية/ التي تشير إلى التنافس على المنفعة الفردية وإعطاء المصالح الفردية أولوية على المصالح العامة .

ويعكس هذا التحيز المتأصل المعتقدات التي دفعت نحو الاستعمار، والتنمية الصناعية والاقتصادية، فضلا عن طريقة الاستجابة للمشاكل الاجتماعية والبيئية الناتجة عن ممارساتها. وضمن هذا النموذج المتمركز حول الإنسان (الأوربي غالبا) نظر إلى الأرض على أنها مجرد مصدر وافر وغير ناضب للسلع، وركزت عملية التقدم بشكل أعمى على تحويل الموارد الطبيعية (بوساطة التقنية) إلى سلع استهلاكية تتحول بشكل سريع جدا إلى نفايات. وبالفعل فإنه ينظر للاقتصاد المزدهر على أنه “اقتصاد متوسع” ينتج سلع مادية كثيرة لتستهلك ومن ثم يتخلص منها. وأعتبر الإبداع الإنساني من خلال التقنية قادرا على حل كل المشاكل مما يمكن التقدم من الاستمرار بدون توقف.

وبالرغم من حدة وكثافة الانتقادات لذلك النموذج وتنامي الاهتمام الشعبي بالقضايا البيئية إلا أن الناس بشكل عام وكذلك الشركات والحكومات مازالوا يفتقرون لأي دافع لأخذ تلك القضايا على محمل الجد ومن ثم لم ينخرطوا في عمل فعال باتجاه ممارسات مستدامة. وفي ظل غياب رؤية بديلة فإن الاعتقاد في التميز والتقدم والإبداع التقني الإنساني يسهم في خلق مجتمع راض عن/ أو يقبل بالاستغلال البيئي والاجتماعي.

ولذا فمن الضروري الاعتراف بأن القضايا البيئية هي قضايا اجتماعية وثقافية وأنه في ظل غياب التحليل النقدي للمعتقدات الأساسية والأطر السياسية الاجتماعية للمجتمعات الصناعية لن يكون هناك مبادرات ناجحة تجاه العدالة الاجتماعية والبيئية، ولن يصبح المجتمع الحديث في وضع يسمح له بالتكيف مع رؤية عالمية بديلة وبناء سياسي وثقافي واجتماعي قادر على دعم بروز مجتمع مستدام بيئيا وتنمويا.

ومن الواضح أنه لا يمكن إيجاد مجتمع عادل بيئيا واجتماعيا عندما تكون الحياة الاجتماعية فيه واقعة تحت هيمنة وتأثير قوى السوق، والربح، والنمو الاقتصادي، ومعايير الرفاهية المتنامية، كما أن النزعة الاستهلاكية غير المقيدة تؤدي إلى استغلال غير مقيد. وبناء  عليه فإن معالجة تلك القضايا يتطلب تفكيرا جديدا يعترف بالعلاقة المتداخلة بين الإنسان والبيئة في ظل التنمية المستدامة التي توازن بين التغير الإبداعي والتقدمي، والمحافظة على البيئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز سعادة الأفراد، والمجتمع، وتستطيع المعايير والمؤسسات العامة فيها الحفاظ على نوع من التضامن الاجتماعي الذي يمكن من خلاله المساهمة في سعادة وخير الجميع.

محور اهتمام التنمية الاقتصادية المستدامة فيتمثل في تطوير البنى الاقتصادية فضلا عن الإدارة الكفؤة للموارد الطبيعية والاجتماعية.

والقضية هنا أن تلك المجالات الثلاثة للتنمية المستدامة تبدو نظريا منسجمة لكنها ليست كذلك في الواقع الممارس. كذلك فإن المبادئ الأساسية هي الأخرى مختلفة فبينما تمثل الكفاءة المبدأ الرئيس في التنمية الاقتصادية المستدامة تعتبر العدالة محور التنمية الاجتماعية المستدامة، أما التنمية البيئية المستدامة فتؤكد على المرونة أو القدرة الاحتمالية للأرض على تجديد مواردها.

وتتعلق رابع خاصية مشتركة بالتفسيرات المتعددة للتنمية المستدامة. فمع أن كل تعريف يؤكد على تقدير للاحتياجات الإنسانية الحالية والمستقبلية وكيفية الإيفاء بها، إلا انه في الحقيقة لا يمكن لأي تقدير لتلك الاحتياجات أن يكون موضوعيا، فضلا عن أن أية محاولة ستكون محاطة بعدم التيقن.

ومن أهم تلك التعريفات وأوسعها انتشارا ذلك الوارد في تقرير بروندتلاند (نشر من قبل اللجنة عبر الحكومية التي أنشأتها الأمم المتحدة في أواسط الثمانينات من القرن العشرين بزعامة جروهارلن بروندتلاند لتقديم تقرير عن القضايا البيئية)، والذي عرف التنمية المستدامة على أنها “التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”

ومع أن هناك شبه إجماع نظري بأن المساواة (سواء بين أفراد الجيل الحالي من جهة أو بين الأجيال المختلفة من جهة أخرى) تعتبر عنصرا أساسيا للمفهوم إلا أن مضمون تلك المساواة لا يزال غامضا.

وبينما يصف تعريف بروندتلاند بغموض شديد الإجماع العام حول تعريف الاستدامة، إلا أن هناك جدلا واسعا حول وسائل ضمان استقرار الأجيال القادمة. فالتفسيرات المتعلقة بكيفية تنفيذ “التنمية المستدامة” تتباين ما بين تلك التي تتبنى التركيز الضيق على الاقتصاد أو الإنتاج إلى تلك التي تدعو إلى استيعاب واسع للثقافة والبيئة فضلا عن أن هذا التعريف قد أعتبر منحازا إلى نموذج إرشادي تنموي محدد (يتمركز حول الإنسان) ولذلك رفض وانتقد من قبل كثير من الكتّاب.

الاستدامة الضعيفة أو الضحلة (المتمركزة حول الإنسان):

تزعم حركة الاستدامة الضعيفة التي عرفت إيضا “بالبيئية الضحلة” “shallow environmentalism” بأن هناك حاجة لتوسيع نطاق المخزون من الموارد وأن هذا يمكن تحقيقه من خلال تطوير موارد متجددة، وإيجاد بدائل للموارد غير المتجددة، والاستخدام الأمثل للموارد الحالية و/أو البحث عن حلول تكنولوجية لمشاكل من قبيل نفاد الموارد والتلوث. وفي القلب من هذا الخطاب يكمن تفاؤلا ضمنيا يتمثل في الثقة بأن البشر سيجدون حلا لكل مشكلة بيئية تبرز على السطح، كما سيكونون قادرين على تعزيز مخزون الموارد وذلك لأن التقدم التقني كما يفترض سيمكن البشر من التحكم في الأرض لتلبية مطالبهم المتنامية. ومن ثم فإن أي مشكلة تظهر ستحل من خلال التطور التقني. ويجادل أنصار هذا الموقف بأن أسباب الأزمة البيئية التي يعيشها كوكب الأرض لا تكمن في قيم نموذج الحداثة المهيمن المتمركز حول البشر ولا في معاييره أو مؤسساته وممارساته بل أن تلوث الماء والهواء ونفاد الموارد الطبيعية وتناقص التنوع البيئي والفقر وحالات عدم المساواة هي نتيجة للجهل والجشع والممارسات الحمقاء في التعامل مع البيئة. ومن ثم:

يمكن كبح مثل هذه الممارسات الحمقاء الملامة خلقيا عبر سن تشريعات وتغيير السياسة العامة، وزيادة التعليم، وتغيير القوانين الضريبية، وإعادة الأراضي العامة إلى مالكيها ……، والتأكيد على الإلزامات الخلقية نحو الأجيال المستقبلية، وتشجيع الإدارة الحكيمة للطبيعة وتشجيع آخر لاستخدام رشيد للموارد الطبيعية (زيمرمان 2006 ص. 20).

كما أنهم متفائلون بشكل عام حيال قدرة الإنسان على حل أي مشكلة يمكن أن تظهر فيما يتعلق بنفاد الموارد. وينبع هذا التفاؤل من الاعتقاد بأن الخبرة العلمية والتقنية في المجتمع الصناعي الحديث ستردم الفجوة بين الطلب والموارد من خلال التحكم في مخزون الموارد – للإيفاء باحتياجات المجتمع. ومن ثم يزعم أنصار الاستدامة المتمركزة حول الإنسان أنه ليس هناك حاجة لتحويل أو تعديل الخطاب السائد حول الطبيعة والبيئة والتقدم الاقتصادي والتنمية والذي ينظر للطبيعة في الغالب كمورد للبشر حق الهيمنة عليه واستغلاله فضلا عن الاعتقاد بأن التقدم الاقتصادي يعتبر معيارا شرعيا للتقدم.

وبرغم التفاؤل الذي يسود بين أنصار هذا التوجه من أن أحدى أهم النتائج المترتبة على تنامي تطور علاقة الإنسان التبادلية مع الطبيعة في ظل ظروف مجتمع المعلومات أو المجتمع ما بعد الصناعي تتمثل في العملية التي تعرف بـ dematerialization (تقليص الاعتماد على الموارد المادية) والتي تعني الحصول على نفس النتائج أو نتائج أفضل بقدر أقل من استهلاك الموارد المادية من خلال تحويل المنتجات إلى خدمات لدعم وتبرير العمليات الإنتاجية الصديقة (غير الضارة) للبيئة، ونشر التغيرات البنائية المصاحبة لها، إلا أن النسق الاقتصادي الآخذ في التبلور نتيجة لتلك الإبداعات يعاني كما يقول ليفين  Levin  من عدة تشوهات. فعلى سبيل المثال يلاحظ أن فروع الإنتاج المعلوماتي تتميز بنمو متسارع مما قد يتسبب في حدوث عواقب وخيمة، وعندها يمكن الحديث عن ما يعرف بتأثير فقاعة الصابون بالنسبة لهذا القطاع من الاقتصاد التي تعني أن حدوث أدنى قدر من التغيرات في الحالة السياسية والاقتصادية قد يحدث موجات عديدة من التوتر في سوق الأسهم على مستوى العالم كله (Levin, 2006:66).

أما فيما يتعلق بمصطلح dematerialization ذاته فلا يبدو أنه ملائم كعلامة للعمليات القائمة حيث أن أهداف الاستهلاك الإنساني لا يمكن إحلالها كليا بنظائرها الافتراضية. ورغم أن الميزة المحددة للتطور التقني في مجتمع المعلومات تتمثل في الإحلال التدريجي للمتطلبات المادية للاستهلاك بأخرى افتراضية، إلا أن هذه النزعة لا يمكن أن تشمل تماما كل مجالات الاستهلاك، كما أن الاستهلاك غير المادي يظل خطيرا على البيئة التي يعيش فيها الإنسان. فقد أعتقد كثيرون أن تطور أنظمة الاتصال مثلا سيقضي بالتدريج على الروابط القائمة بين الناس، والحاجة إلى الاتصال الشخصي، أو حتى أن الحركة المكانية ستتقلص، حيث سيتم تنفيذ معظم العمليات التي تعتبر سلوكا معتادا للإنسان المتحضر- مثل التسوق، والخدمات البنكية، والعمل- من بعد من خلال أجهزة الحاسوب، ومن ثم يمكن القضاء على واحدة من أكبر الأزمات البيئية المتمثلة في تلوث الهواء الناتج عن عوادم السيارات فضلا عن الازدحام السكاني (Levin 2006: 67).

ومع أنه في ظل هذه الظروف يستطيع الناس أن يقابلوا بعضهم بعضا “افتراضيا”، إلا أنه لا يمكن القيام بكل أشكال النشاط الإنساني بهذه الطريقة ويبقى اللقاء الشخصي هاما. وهذا يؤدي إلى زيادة كبيرة في معدل المسافة التي يقطعها كل شخص أو معدل الرحلات الشخصية. و لا يزال مثل هذا الأمر قائما حتى في الدول المتقدمة. فضلا عن ذلك يجب ألا ننسى عامل أخر لا يقل أهمية فيما يتعلق بمزيد من التطور في المواصلات “الحقيقية”: فمع انتشار الناس وتوزعهم على “قرى الحاسوب” ستزداد المسافة بين المنتج للسلع والمستهلك لها كما هو ملاحظ في تجربة البلدان الأكثر تقدما في هذا المجال. وحيث أنه لا يمكن لثلاجة منزلية مثلا طلبت عن طريق الانترنت أن ترسل عبر الفاكس أو الحاسوب فإن حركات الناس عبر المكان تتزايد بنفس معدل تزايد الاتصالات الاليكترونية بينهم.

وهناك أثر أخر لا يقل أهمية لتطور تقنيات الاتصال يتمثل في تنامي استهلاك الطاقة في البلدان المتقدمة. فكل منزل في البلدان المتقدمة تقريبا لديه الكثير من الأجهزة المصممة لكي تستهلك قدرا مطردا من الطاقة. فالأجهزة التي تعمل ليلا ونهارا بدون توقف تعتبر أمرا معتادا كما هو الحال مع أجهزة الحاسوب، ولا يبدو أن مثل هذه النزعة لاستهلاك المزيد من الطاقة في طريقها للتقلص في المستقبل القريب بل أنها تشهد تناميا مطردا، بل أن الأمر سيتطلب إنتاج قدرا أكبر من الطاقة عندما يتم تطبيق الخطط من أجل ما يعرف “بالبيوت الذكية” التي يتم التحكم في كل وظائف الحياة اللازمة فيها عن طريق الأتممة الذكية. وعندما نأخذ في الاعتبار أن القدر الأكبر من كهرباء العالم يتم توليده من خلال محطات الكهرباء الحرارية (التي تستخدم أساسا الوقود الاحفوري كالنفط الخام أو الغاز الطبيعي)نجد أن فرض مثل ذلك العبء الإضافي يمكن أن يقضي على كل الجهود الهادفة إلى إنجاز تنمية مستدامة.

وهناك اتجاهان يتمتعان بشعبية متزايدة ضمن أدبيات هذا الاتجاه. أولهما: ما يشار إليه أحيانا “التحديث الإيكولوجي” “Ecological Modernization (see for example:    Roberts 2004; Mol 1999 ) ، الذي يزعم أن الممارسات الاقتصادية الحالية متجذرة بشكل عميق في نموذج الحداثة ومرتبطة بالمؤسسات العلمية التقنية الحديثة. وبناءا عليه فإن ” المؤسسات المهيمنة تستطيع بالفعل أن تتعلم وأن تعلمها يمكن أن ينتج تغيرا مفيدا” (Hajer, 1996: 251). ومن ثم يرفض هذا الاتجاه النظرة القائلة بأن قوى السوق قد أدت في الماضي إلى التدهور البيئي أو أنها يمكن أن تتسبب في أزمة بيئية في المستقبل ويزعم بأن الأزمة البيئية ليست إلا نتيجة للجهل والجشع وقلة البصيرة وهو ما يمكن كبحه من خلال تطوير التعليم وسن التشريعات وترشيد استخدام الموارد(زيمرمان 2006أ: 20). وبرغم أن هذا الاتجاه يقدم فهما معقدا للمجتمع ما بعد الصناعي إلا أن فكرته الأساسية تتمحور حول الإبداع التقني. فبعكس الاتجاهات البيئية الأخرى، التي ترى أن التطور التقني يمثل معضلة مما يستدعي كبح الرأسمالية أو عملية التصنيع بهدف حل الأزمة الإيكولوجية، يزعم أنصار التحديث الأيكولوجي أن استمرار التطور التقني والتصنيع يقدم أفضل خيار ممكن للتخلص من الأزمة الإيكولوجية في الدول المتقدمة.

كما يجزم أنصار هذا الاتجاه بأن التوقعات بحدوث ضغوط كبيرة على الناس أو الموارد البيئية أمر غير دقيق، بسبب إغفال قدرة البشر على إيجاد حلول لمشكلات الندرة من خلال إيجاد البدائل وتحسين كفاءة النمو الاقتصادي حتى يستخدم موارد طبيعية أقل وتقليص الاستهلاك (Anderson & Leal 1991:2)، فضلا عن رفض إحداث تغيير جذري في مسار التطور الاقتصادي ومطالب البشر تجاه الأرض. وفي هذا السياق يزعم  Dryzek  أنه  “يمكن النظر للتدهور البيئي كمشكلة بنائية يمكن حلها فقط من خلال الإلمام بكيفية تنظيم الاقتصاد ولكن ليس بطريقة تتطلب نوعا مختلفا تماما من النظام السياسي الاقتصادي” (Dryzek 1997: 141). ولذلك يحاول اتجاه التحديث الإيكولوجي التوفيق بين حتميات السوق والالتزامات الإيكولوجية وهذا يعني ضمنا “شراكة تتعاون فيها الحكومات والشركات وأنصار البيئة المعتدلون والعلماء لإعادة صياغة الاقتصاد السياسي الرأسمالي وفقا لأسس بيئية يمكن الدفاع عنها (Ibid:145).

و يعتبر التحديث الأيكولوجي، كما هو الحال بالنسبة للتنمية المستدامة، مفهوما مطاطيا يفهم ويطبق بطرق مختلفة لكنه يذهب أبعد من التنمية المستدامة في زعمه بأن التوفيق بين البيئة والتنمية ليس فقط ممكنا ولكنه مفيد لقطاع الأعمال أيضا. ويحاول اتجاه التحديث الأيكولوجي أن يأخذ التنمية المستدامة خطوة إلى الأمام لكن في اتجاه مختلف بشكل كبير. فهو يؤكد على أن المجتمع الصناعي لن يكون بمقدوره البقاء فقط بل أنه يستطيع التكيف جيدا وبشكل مثمر مع الضغوط البيئية حيث يزعم أن التحكم المسئول في الضغوط البيئية يمكن أن يكون جيدا لقطاع الأعمال، فالتلوث يعكس عدم الكفاءة وبالتالي يضيف مزيد من التكاليف لقطاع الأعمال. وفي هذا السياق يؤكد  Hajer 1995 “أن التحديث الإيكولوجي يستخدم لغة قطاع الأعمال ويصور التلوث البيئي كنتيجة لانعدام الكفاءة بينما يعمل ضمن حدود التكلفة والفعالية والكفاءة البيروقراطية”(Hajer 1995:.31). ولا ينكر أنصار هذا التوجه حدة وخطورة المشاكل البيئية لكنهم بدلا من تبديد جهدهم في إنكارها يفضلون الاستثمار في حلها لأنهم يدركون أن معالجة مثل تلك المشاكل يمكن أن ينتج عنه نتائج إيجابية اقتصاديا وسياسيا وبيئيا. أي أن الحماية من التلوث والاستثمار في تقنيات جديدة مجدي اقتصاديا، كما أن النظر للطبيعة كمورد ثمين بدلا من مكب نفايات يعني أن تلويث البيئة مكلف بالمعايير الاقتصادية والبيئية. باختصار يمكن القول أن اتجاه التحديث الإيكولوجي يمثل أساسا اقتراب حداثي وتكنوقراطي للبيئة يرى أنه يمكن إيجاد حلول تقنية ومؤسساتية للمشاكل القائمة، وأن الافتراض الأساسي لهذا الاتجاه يتمثل في أن القيم الاقتصادية والإيكولوجية هي /أو يمكن أن تكون متوافقة، وعندما يتحقق مثل هذا التوافق يتم تحويل المبادئ الإجرائية (مثل التنمية المستدامة) إلى معرفة اجتماعية ومؤسساتية.

ومع ذلك فهناك من ينتقد الافتراضات النظرية ونتائج صنع السياسة لاتجاه التحديث الإيكولوجي (وخاصة الجانب الأضعف منه) باعتباره مجرد نموذج “للرأسمالية الخضراء”، حيث يزعم كل من Connelly and Smith  أن التحديث الأيكولوجي، الذي تم تبنيه في كثير من الدول الصناعية المتقدمة وضمن أجندة التنمية المستدامة التي تبنتها الوكالات الدولية، يبرر الوضع القائم ونمط التصنيع الغربي من خلال إعاقة المواقف الأكثر ثورية للاستدامة من الظهور وعدم الاستغلال الكامل للامكانات الثورية لمفهوم التنمية المستدامة وترسيخ النموذج المعرفي المتمركز حول الإنسان والتقنية (Connelly and Smith, 1999:57-59) . كما يتهم هذا الاتجاه بتهميش القضايا البيئية وإخضاعها لاعتبارات الاقتصاد أو إدارة الموارد. ففي صياغة الأجندة البيئية أستخدم التحديث الإيكولوجي لغة قطاع الأعمال التي تنظر للبيئة بمعايير نقدية ولم يهتم بها إلا عندما تحقق عوائد اقتصادية مثل توفير التكاليف أو تحقيق ميزة تفضيلية. وهذا التركيز حال دون أن يتضمن اتجاه التحديث الإيكولوجي الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الأوسع التي تعتبر ضرورية في التحول تجاه مزيد من الاستدامة (Christoff 1996: 485). كذلك ينتقد هذا الاتجاه لاستناده على معايير وقيم للتقدم تتبناها النظرية السائدة للتنمية كقيم الحداثة والعقلانية مما جعل “الخطاب الرسمي” الحالي تجاه صنع السياسة البيئية المتبني للتحديث الإيكولوجي يستبعد بشكل كبير المواقف المختلفة للاستدامة التي تشمل اهتماما أكبر بالحساسية الاجتماعية والثقافية، وتعزيز المشاركة السياسية، وتبني استراتيجيات فرعية -إقليمية ومحلية- للاستدامة ويصفها باللاعقلانية (Gibbs 2000: 9-17). وينتقد الاتجاه أيضا لكونه يمثل مسارا أحاديا للحداثة الإيكولوجية مما يجعله مفضلا في أوساط التوجه الرئيس للنظرية التنموية الذي يعتبره بمثابة المرحلة الضرورية القادمة من العملية التطورية للتحول الصناعي، وهي المرحلة التي تتسم بهيمنة العلم والتقنية الغربيين فضلا عن سيادة ثقافة الاستهلاك(Christoff 1996:487-488) .

أما الاتجاه الثاني الذي يشار إليه أحيانا “بالعدالة البيئية” Environmental Justice وأحيانا “الحركة الخضراء” فيمثل مظلة تستخدم لوصف المنظمات التي تحاول تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة نظرا لحالات عدم العدالة التوزيعية الناتجة عن السياسة البيئية. ويزعم هذا التوجه أن هناك ارتباطا وثيقا بين الجودة البيئية والمساواة الاجتماعية، فحيثما يحدث تدهور للبيئة يكون ذلك مرتبطا في معظم الأحوال بقضايا العدالة الاجتماعية والمساواة، والحقوق ونوعية حياة الناس بشكل عام. ويرى أنصار هذا الاتجاه أن من الظلم تحميل تبعات المخاطر البيئية على كاهل أطراف لم تكن مسئولة عن التسبب فيها وخاصة الفئات الهامشية في المجتمع كالفقراء (Wenz 1988; Low & Gleeson 1998). وفي هذا السياق يزعم (Agyeman 2002: 77-90) أن هناك ثلاثة أبعاد مرتبطة بهذه القضية، أولا: يلاحظ أن البلدان التي لديها توزيع أكثر عدالة للدخل، وقدر أكبر من الحريات المدنية والحقوق السياسية، ومستوى أعلى من التعليم تميل لأن تتمتع ببيئة ذات جودة أعلى مما عليه الحال في البلدان التي تسجل معدلات أقل في مجالات توزيع الدخل والحريات والتعليم. ولا يقتصر هذا الأمر على المستوى العالمي بل يتكرر أيضا على المستويات الإقليمية والمحلية. ثانيا: يتحمل الفقراء العبء الأكبر من تبعات المشاكل البيئية من تلوث الهواء والماء بينما يستطيع الأغنياء ضمان الحصول على بيئة وصحة أفضل لهم ولأطفالهم. ومما يفاقم هذا التوزيع غير العادل للمشاكل البيئية حقيقة أن الفقراء دوليا وقوميا ليسوا المتسببين الرئيسين في التلوث حيث أن معظم التلوث والتدهور البيئي ناتج عن تصرفات الدول الغنية ذات الاستهلاك المرتفع وخاصة الجماعات الثرية فيها. وهذا الوضع هو الذي دفع إلى بروز حركات العدالة البيئية في الولايات المتحدة. أما البعد الثالث فيرتبط بالتنمية المستدامة التي تبنتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية منذ قمة ريو 1992م والتي تركز بدرجة أكبر على ضمان الحصول على نوعية حياة أفضل بأسلوب عادل ومتساو مع العيش ضمن حدود النظم الإيكولوجية الداعمة.  إلا أن هذه الاستدامة وبرغم أهميتها ليست كافية، فالمجتمع المستدام حقا هو ذلك الذي تكون فيه القضايا الأوسع مثل الاحتياجات الاجتماعية والرفاه الاجتماعي والفرص الاقتصادية مرتبطة بشكل تكاملي مع القيود البيئية المفروضة (Agyeman. 2002:87).

ولذلك يؤكد اتجاه العدالة البيئية على قدرة النمو الاقتصادي على الاستمرار ولكن مع التأكيد على إعادة توزيع المنافع والتكاليف بطريقة أكثر عدالة مما يجعله وسيلة للتوفيق بين أجندة التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. ويرتبط هذا بالتأكيد على ضرورة توفر قدر أكبر من العدالة كهدف اجتماعي مرغوب وعادل جوهريا بإدراك أنه بدون نضال المجتمع من أجل قدر أكبر من المساواة الاجتماعية والاقتصادية ضمن المجتمع وبين الدول فإنه من غير المحتمل ضمان تحقيق هدف الوصول إلى مجتمع عالمي أكثر استدامة. وينتقد أنصاره النماذج الأقوى من الاستدامة لتجاهلها الآثار السلبية الناتجة عن حركة استدامة رأس المال البيئي على المساواة الاجتماعية، فضلا عن فشل الحركات البيئية والباحثين في مجالها عن إدراك المظالم في الأنماط الحالية للحصول على السلع البيئية من جهة والتعرض للمخاطر البيئية من جهة أخرى. ولذا ينظر للعدالة البيئية كوسيلة لتجاوز تلك المشاكل من خلال إعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والطبيعة لكي لا تكون مبنية فقط على معايير اقتصادية، ولتسليط الضوء على الأبعاد الاجتماعية الهامة للأطر والمشكلات البيئية.  ويعترف أنصار هذا الموقف بالروابط المباشرة وغير المباشرة بين حماية الموارد الطبيعية وصحة أفراد المجتمع، حيث يدركون أن للبيئة النظيفة أثرا ايجابيا على الصحة العامة للسكان، كما يدركون أيضا أن توزيع خدمات الموارد الطبيعية بين الشعوب لم يكن عادلا. ولذا يزعمون أن الحكومة مسئولة عن حماية الموارد الطبيعية بطريقة تستوعب وجهات نظر واحتياجات الأفراد والحيوانات الأكثر عرضة للضرر حتى يستطيع كل فرد الاستمتاع بمنافع الموارد الصحية والخدمات البيئية.  كذلك يعمل أنصار هذا الموقف على إعادة تشكيل الثقافة السياسية العالمية ما بعد الحرب الباردة في علاقتها بالعولمة الاقتصادية. حيث يركز خطابهم على دور الشركات عبر القومية وسياسات الدولة “النيوليبرالية” في علاقتها بقضايا مثل الاحترار العالمي، وقطع الغابات، وفقدان التنوع البيئي، وانقراض الكائنات الحية، وتلوث الهواء والماء(see: Athanasiou 1996; Korten 1995). ويؤكد هذا الخطاب على وجود علاقة وثيقة بين العولمة النيوليبرالية وحالة عدم المساواة وبين الخطر البيئي والعدالة الاجتماعية وذلك لأن العولمة وسياسات تحرير التجارة المنبثقة عنها تعمل على تسريع وتفاقم الخطر البيئي الذي يحول معظمه وبطريقة ظالمة على لفئات المهمشة الأقل استعدادا لتحمله. ولذلك أعلن أنصار هذا الاتجاه عداءهم للعولمة النيوليبرالية الموجهة من قبل الأقوياء لصالح القلة واتهموها بتهديد البيئة وتحطيم المجتمعات واستغلال موارد العالم الثالث، والتسبب في الحروب وإضعاف الديموقراطية(see for example: Starr 2000).

الاستدامة القوية(المتمركزة حول البيئة):

مع أن الاقترابات الاقتصادية للاستدامة الأضعف لم تطرح مسألة انسجام التنمية المستدامة مع النمو الاقتصادي حيث ركزت بشكل أساسي على النمو الاقتصادي، إلا أن محدودية الفضاء والموارد الطبيعية فضلا عن القدرة المحدودة للغلاف الجوي لاستيعاب وتخزين الغازات الدفئية يجعل التنمية المستدامة التي تتطلب نموا لا محدودا تبدو مستحيلة. ولذا ينظر أنصار الاستدامة القوية(المتمركزة حول البيئة) للأرض كمورد ناضب غير متجدد ومن ثم يزعمون أنه ليس هناك مستقبل بيئي ممكن إلا إذا تم تعديل جذري على جانب الطلب من المعادلة من خلال إعادة التفكير في موقفنا تجاه الطبيعة فضلا عن فكرتنا عن التقدم الاقتصادي والتنمية (see for example the works of: Goldsmith et al. 1995; Henderson 1999).

ولذلك تؤكد وجهة النظر هذه المعروفة أيضا “بالإيكولوجية العميقة”deep ecology” ” أو المذهب الإيكولوجي (التبيئو) ecologism (الذي يهتم بدراسة العلاقة بين الكائن الحي والبيئة التي يعيش فيها) “المتمركزة حول البيئة” “ecocentric” بأنه لابد من حدوث ثورة في النموذج الإرشادي المهيمن إذا ما أريد إنقاذ كوكب الأرض من الفساد البيئي. وتبعا لذلك فإن هذه النظرة ترى أنه لابد أن نعمل على تكييف أنفسنا للحفاظ على الطبيعة المهددة بالفناء بدلا من تكييف الأرض لتناسب احتياجاتنا. وقد تسبب إصرار أنصار هذا الاتجاه على إحداث تغير بنائي وثقافي في إثارة مخاوف كل من قطاع الأعمال والساسة وأولئك الناس الذين كانوا يرغبون في حلول جزئية للمشاكل البيئية. وقد مثل هذا التوجه حركة الرفض ضد سياسات وممارسات الشركات والحكومات المتعلقة بالبيئة في الدول المتقدمة.

ونتيجة لذلك يركز أنصار الجانب الأقوى للاستدامة على تغيير المطالب تجاه الأرض ويتبنون فهما مختلفا للتنمية المستدامة، حيث يعمدون إلى التأكيد على الاستدامة الإحيائية (البيولوجية) كشرط أولي لأي تنمية، بدلا من التركيز على التأثير الإنساني على استراتيجيات التنمية، ومن ثم ينظر للتنمية المستدامة كوسيلة لتحسين نوعية الحياة الإنسانية مع العيش ضمن حدود القدرة الاحتمالية للأنساق الحيوية للأرض.[1]

ويندرج تحت حركة الاستدامة القوية هذه عدة فروع للفلسفة البيئية ومنها الفلسفة الإيكولوجية العميقة  deep ecologyالمتمركزة حول المجال الحيوي(biocentrism) ، والفلسفة الإيكولوجية النسوية (ecofeminism) التي تعبر عن تنمية مستدامة (متمركزة حول المرأة).

وتعود جذور الإيكولوجية العميقة إلى الفيلسوف النرويجي آرني نايسArne Naess  الذي ركز على نقد حركة الاستدامة المتمركزة بشريا التي اهتمت بنظره أساسا بالتلوث واستنزاف الموارد. وتؤكد هذه الفلسفة على اعتبار البشر جزءا مكملا للنسق البيئي الذي يعتبر أعلى وأكبر من أي من أجزائه ومن ضمنهم البشر ومن ثم تضفي قيمة أكبر على الكائنات الحية والأنساق والعمليات البيئية في الطبيعة.

ويعتبر مبدأ نايس Naess’s doctrine of biospheric egalitarianism للمساواة في المجال الحيوي، الذي يزعم أن لكل الكائنات الحية الحق نفسه في الحياة والازدهار، المبدأ الأساس للإيكولوجيا العميقة. ويتكون هذا المبدأ الذي يعتبر “قلب هذا التوجه” من ثمان نقاط هي:

1-            إن سلامة واستمرار الحياة البشرية وغير البشرية على الأرض تمثل قيمة بحد ذاتها مستقلة عن نفع العالم غير البشري للاستهلاك البشري.

2-                             أن ثراء وتنوع أشكال الحياة يسهمان في تحقيق هذه القيم، ولهما قيمة في حد ذاتهما أيضا.

3-                             لا يحق للبشر إنقاص هذا التنوع إلا من خلال تلبية الحاجات الحيوية الأساسية.

4-            يتوافق استمرار الحياة البشرية وثقافاتها، وكذلك الحياة غير البشرية، مع عدد أصغر من السكان على الأرض.

5-                             أن الاستغلال البشري الحالي للطبيعة مفرط جدا ويزداد الوضع سوءا.

6-                             يجب أن تتغير تلك السياسات لأنها تؤثر في البنى الأساسية الاقتصادية والتقنية والإيديولوجية.

7-                             لابد أن يكون التغيير الأيديولوجي الرئيس من النوع الذي يثمن نوعية الحياة أكثر

أخيرا ، يا ليتنا نتمكن من إحداث إستراتيجية طويلة الأمد لنعمل على إحداث التنمية المستدامة و تطويرها و تفعيلها ، لكي نحمي أجيالنا المقبلة و لنطور مجتمعاتنا و نعزز الإزدهار الإقتصادي و بالتالي العمل على محو الفقر و الحرمان .


 

النظم الإنتخابية و إدارة الصراع في لبنان

النظم الانتخابية أو نظم التصويت ، هي نظم تتيح للناخبين الاختيار بين الخيارات ، عادة في وقت الإنتخابات حيث يتم اختيار المرشحين للمناصب العامة. يمكن أن يستخدم التصويت أيضا لمنح الجوائز ، أو للاختيار ما بين مختلف خطط العمل . ويمكن للتصويت أن يتناقض مع صانعي القرار أو مع نظام السلطة.

فما تعنيه الانتخابات من أهمية التأثير على حياة الناس سلباً وايجاباً لتوضح بجلاء وعي المجتمع وانه الاهم فكلما ارتقى مستوى وعيه امكنه التعامل مع قاعدة الانتخاب بمسؤولية مايؤمن لتشكل الحاكم والمحكوم السلامة والصحة في تداول سلطات الولاية العامة الفوقية والتحتية على افضل اوجه النزاهة.

و ما الأهم من الإنتخابات فهو قانون الإنتخابات و التي تؤكد أهميته فيما يتعلق بإدارة الصراعات. فمن الواضح بأن النظم الانتخابية المختلفة من شأنها أن تفاقم من حدة التوتر والصراع في مجتمع ما أو أن تسهم في تهدئته. فعلى المستوى الأول، هناك نزاع بين النظم التي ترتكز إلى إشراك الأقليات وتلك التي تدفع باتجاه تمكين الحزب الواحد من السيطرة على الحكم. وعلى المستوى الآخر، فإذا لم ينظر للنظام الانتخابي على أنه نظام عادل وأن الإطار القانوني القائم قد يمكن المعارضة من الفوز في الانتخابات القادمة، فقد يرى الخاسرون أنفسهم مجبرين على العمل خارج النظام، بما في ذلك اللجوء إلى وسائل غير ديمقراطية، وصدامية أو عنيفة حتى. أخيراً، ولكون النظام الانتخابي يحدد صعوبة أو سهولة عملية الاقتراع، فهو ينعكس بالضرورة على الأقليات والمجموعات المهمشة. وهذا أمر بالغ الأهمية، إلا أن أهميته تتعاظم في المجتمعات التي تكثر فيها أعداد الأميين.

فرسخت تجربة الممارسة الديمقراطية التعددية في العالم ثلاثة أنظمة انتخابية رئيسية هي:
1. نظام تمثيل الاكثرية ويسمى أيضا النظام الفردي أو نظام الأغلبية النسبية، أو الأكثرية.
2. نظام القائمة النسبية، أو التمثيل النسبي.
3. النظام المختلط.
وأثبتت التجربة العالمية أن النظام الانتخابي لا يبنى على فراغ، إنما يعتمد على السياق الاجتماعي والسياسي الخاص بكل بلد. ولا يوجد أي نموذج موحد قابل للتطبيق في كل دول العالم، بل ينبغي أن تختار كل دولة ما يتلاءم مع ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ودرجة تقدمها الحضاري، والمستوى الثقافي والتعليمي السائد. ومن ثم يكون النظام الانتخابي الأصلح لهذه الدولة هو النظام الذي تكون عيوبه اقل من مزاياه على اعتبار ان ما من نظام وطريقة انتخابية تخلو من العيوب والمزايا.
وثمة معايير عديدة للحكم على الأنظمة الانتخابية، من أهمها: مدى تمثيل النظام للناخبين، وتركيبة البرلمان الذي ينتح عن النظام الانتخابي، واستقرار الحكومة وفعاليتها، وتشجيع الأحزاب السياسية، وتعزيز المعارضة والمراقبة التشريعية. ويتفق الباحثون على انه لا يوجد نظام انتخابي واحد يستطيع تجسيد كل هذه المعايير إلى أقصى حد.

ففي مفهومها الأساسي تعمل النظم الانتخابية على ترجمة الأصوات التي يتم الإدلاء بها في الانتخابات إلى عدد المقاعد التي تفوز بها الأحزاب والمرشحين المشاركين بها. أما المتغيرات الأساسية فتتمثل في المعادلة الانتخابية المستخدمة (هل يتم استخدام إحدى نظم التعددية/الأغلبية، أو النسبية، أو المختلطة أو غيرها.

النظم التعددية تتقسم إلى التالي:

  • الفائز الأول
  • الكتلة
  • الكتلة الحزبية
  • الصوت البديل
  • الجولتين

نـظام الفـائـز الأول

يعد نظام الفائز الأول أبسط أنظمة التعددية/الأغلبية، حيث يتم استخدامه ضمن دوائر انتخابية أحادية التمثيل. وهو نظام يتمحور حول المرشحين الأفراد، إذ يقوم الناخب باختيار واحد فقط من مجموع المرشحين المدرجين على ورقة الاقتراع. وببساطة، فإن المرشح الفائز هو الحاصل على أعلى عدد من أصوات الناخبين. ونظرياً فقد يفوز المرشح بصوتين فقط في حال لم يحقق أي من المرشحين الآخرين سوى صوت واحد فقط.

نـظـام الكـتـلـة

يتمثل نظام الكتلة، ببساطة، في استخدام نظام الأغلبية في دوائر

انتخابية متعددة التمثيل (أي التي تنتخب أكثر من ممثل واحدة عن

كل منها). ويتمتع الناخبون بعدد من الأصوات يساوي عدد المقاعد

التي يتم انتخابها عن دوائرهم، بحيث يمكنهم الاقتراع لأي من

المرشحين على ورقة الاقتراع، بغض النظر عادةً عن انتماءاتهم

الحزبية. وفي غالبية نظم الكتلة، يمكن للناخب الإدلاء بما شاء من

الأصوات التي يمتلكها طالما لم يتعدى ذلك عدد المقاعد

المخصصة لدائرته الانتخابية. ولقد استخدم نظام الكتلة في الأردن

في العام 1989، وفي منغوليا في العام 1992، وفي كل من

الفلبين والتايلاند حتى العام 1997، إلا أن هذه البلدان قامت

بتغييره نظراً لعدم الارتياح لنتائجه.

نـظـام الكـتـلـة الحـزبيـة

على عكس ما يحصل في ظل نظام الفائز الأول، يقوم نظام الكتلة

الحزبية على وجود دوائر انتخابية متعددة التمثيل، حيث يملك

الناخب صوتاً واحداً يستخدمه لممارسة خياره بين قوائم حزبية

من المرشحين بدلاً من الاختيار بين المرشحين الأفراد. ويفوز

الحزب (أو القائمة) الحاصل على أعلى الأصوات بكافة مقاعد

الدائرة الانتخابية، وبذلك يتم انتخاب كافة مرشحيه على القائمة.

وكما هي الحال في نظام الفائز الأول لا يتحتم على الفائز الحصول

على الأغلبية المطلقة من الأصوات. وحسب المعطيات المتوفرة

حتى عام 2004، يتم استخدام هذا النظام في أربع دول هي:

الكاميرون، والتشاد، وجيبوتي، وسنغافورة.

نـظام الـصـوت البـديـل

تنتظم الانتخابات في ظل هذا النظام عادةً على أساس الدوائر الانتخابية أحادية التمثيل، كما هي الحال في ظل نظام الفائز الأول. إلا أن نظام الصوت البديل يعطي الناخب خياراً أوسع مما يعطيه نظام الفائز الأول لدى ممارسة الاقتراع. فبدلاً من تحديد مرشحهم المفضل على ورقة الاقتراع، يقوم الناخبون حسب هذا النظام بترتيب المرشحين حسب الأفضلية وذلك من خلال إعطاء المرشح المفضل الرقم “1” ومن ثم إعطاء الذي يليه في الأفضلية الرقم “2” ومن ثم الرقم “3” للذي يليه وهكذا.

نـظام الجـولتيـن

كما يستدل من اسمه، يقوم هذا النظام على انتظام العملية الانتخابية من خلال جولتين انتخابيتين بدلاً من الجولة الواحدة، عادةً ما يفصل بينهما فاصل زمني قصير، حيث تسير الجولة الأولى بذات الطريقة التي يتم فيها تنظيم الانتخاب على أساس الجولة الواحدة ضمن نظم التعددية/الأغلبية، وغالباً ما يكون ذلك استناداً إلى نظام الفائز الأول. إلا أنه من الممكن استخدام نظام الجولتين في دوائر انتخابية متعددة التمثيل، من خلال استخدام نظام الكتلة (كما هي الحال في كيريباتي) أو نظام الكتلة الحزبية (كما هي الحال في مالي). ويفوز في الانتخاب بشكل مباشر في الجولة الأولى، ودون الحاجة إلى جولة ثانية، الحزب أو المرشح الحاصل على أغلبية معينة من الأصوات، عادةً ما تكون الأغلبية المطلقة لأصوات الناخبين الصالحة، على الرغم من اعتماد بعض الدول لأغلبية أخرى في الانتخابات الرئاسية لدى استخدامها لنظام الجولتين. وفي حال عدم فوز أي من الأحزاب أو المرشحين بتلك الأغلبية في الجولة الأولى، يتم تنظيم جولة انتخابية ثانية يفوز فيها بالانتخاب الحزب أو المرشح الحاصل على أعلى الأصوات.

أما النظام الآخر فهو نظام التمثيل النسبي:

التي تقوم الفكرة الأساسية لنظم التمثيل النسبي على تقليص الفارق النسبي بين حصة الحزب المشارك في الانتخابات من أصوات الناخبين على المستوى الوطني وحصته من مقاعد الهيئة التشريعية (البرلمان) التي يتم انتخابها. فلو فاز حزب كبير بما نسبته 40 بالمئة من الأصوات، يجب أن يحصل على ذات النسبة تقريباً من مقاعد البرلمان، وكذلك الحال بالنسبة للحزب الصغير الذي يفوز بنسبة 10 بالمئة من الأصوات يجب أن يحصل كذلك على حوالي 10 بالمئة من تلك المقاعد. ويعمل هذا المبدأ على تعزيز ثقة مختلف الأحزاب بالنظام الانتخابي وبالتالي تأييدهم له.

وكثيراً ما يعتقد بأن اللجوء إلى استخدام القوائم الحزبية يزيد من فرص تحقيق النسبية في التمثيل، حيث تقوم الأحزاب السياسية بتقديم قوائم من المرشحين سواء على المستوى الوطني أو المحلي، إلا أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال نظم الانتخاب التفضيلية أيضاً: فنظام الصوت الواحد المتحول، حيث يقوم الناخبون بترتيب المرشحين على ورقة الاقتراع بالتسلسل حسب الأفضلية في الدوائر الانتخابية متعددة التمثيل، يعتبر نظاماً نسبياً آخر أثبت فعاليته في هذا الاتجاه.

هناك الكثير من الاعتبارات ذات التأثير الكبير والمباشر على طريقة عمل نظم التمثيل النسبي على أرض الواقع. فكلما زاد عدد المرشحين المنتخبين عن كل دائرة انتخابية كلما ارتفع مستوى النسبية في النظام الانتخابي. كما وأن نظم التمثيل النسبي تختلف فيما بينها بماهية الخيارات التي توفرها للناخب، من حيث استطاعة الناخب الاختيار بين الأحزاب السياسية أو المرشحين الأفراد أو كليهما معاً.

ميـزات التـمثيـل النسـبي

تمتاز نظم التمثيل النسبي بشكل أساسي بكونها تعمل على تفادي النتائج غير المرغوب بها لنظم التعددية/الأغلبية مما يجعلها صالحة لإفراز هيئات تشريعية تمثيلية بشكل أفضل. ففي كثير من الديمقراطيات الناشئة، وخاصة تلك التي تواجه انقسامات اجتماعية حادة، قد تصبح مسألة إشراك كافة المجموعات والمكونات الاجتماعية شرطاً مفصلياً لا غنى عنه لتدعيم النظام الديمقراطي بشكل عام. إذ أن الفشل في توفير الفرصة الحقيقة لكافة الأقليات، بالإضافة للأكثرية، للمشاركة في صنع القرار وتطوير النظام السياسي من شأنه أن يفضي إلى نتائج كارثية.

وتتلخص أهم مميزات نظم التمثيل النسبي بما يلي:

  • تعمل هذه النظم على ترجمة الأصوات إلى مقاعد بشكل دقيق، متفادية بذلك بعض النتائج المترتبة على نظم التعددية/الأغلبية الأكثر مدعاة للقلق والأقل عدالة. حيث تعمل هذه النظم على الحد من حصول الأحزاب الكبيرة على مقاعد إضافية تفوق نسبتها من أصوات الناخبين، في الوقت الذي تسمح للأحزاب الاصغيرة الوصول إلى البرلمان من خلال الحصول على أعداد محدودة من أصوات الناخبين.
  • تحفز نظم التمثيل النسبي قيام الأحزاب السياسية أو تشكيل التجمعات الانتخابية من قبل المرشحين المتقاربين فكرياً لتقديم قوائم من المرشحين للانتخاب. ومن شأن ذلك الإسهام في إيضاح السياسات والاختلافات الأيديولوجية والقيادية القائمة ضمن مجتمع ما، خاصةً عندما يفتقد ذلك المجتمع لأحزاب سياسية قوية ومتماسكة، كما كانت عليه الحال في تيمور الشرقية لحظة استقلالها.
  • ينتج عن هذه النظم انحسار في أعداد الأصوات الضائعة أو المهدورة. فعندما تنخفض نسبة الحسم تفضي كافة الأصوات تقريباً إلى انتخاب مرشح ما. وهو ما يزيد من قناعة الناخب بالفائدة من المشاركة في العملية الانتخابية والتوجه إلى مراكز الاقتراع، حيث تزداد القناعة لدى الناخبين بأن لأصواتهم تأثير حقيقي من شأنه أن يحدث تغييراً فعلياً في نتائج الانتخاب، مهما كان ذلك التغيير متواضعاً.
  • تساعد نظم التمثيل النسبي أحزاب الأقليات في الحصول على تمثيل لها. فعدا تلك الحالات التي ترتفع فيها نسبة الحسم إلى مستويات غير مقبولة، أو يصغر فيها حجم الدوائر الانتخابية بشكل غير معتاد، يصبح بإمكان أي حزب يحصل على نسبة بسيطة من أصوات الناخبين الحصول على تمثيل له في البرلمان. وهذا ما يحقق مبدأ التعددية والذي يمكن اعتباره أساسياً في استقرار المجتمعات المنقسمة، بالإضافة إلى فوائده المثبتة والمتعلقة بعملية اتخاذ القرارات في الديمقراطيات الراسخة.
  • تعمل هذه النظم على تحفيز الأحزاب السياسية للتوجه إلى أطر واسعة من الناخبين، خارج نطاق الدوائر التي يكثر فيها مؤيديها أو تلك التي تتوقع حصول منافسة أكبر فيها. حيث أن الحافز الحقيقي في ظل نظم التمثيل النسبي يكمن في العمل على الحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات، بغض النظر عن مصدر تلك الأصوات. إذ يمكن لكل صوت إضافي، حتى ولو أتى من مواقع يضعف فيها تواجد الحزب، أن يسهم في الحصول على مقعد إضافي.
  • تحد هذه النظم من نمو ما يعرف بالإقطاعيات المحلية. وذلك لكونها تمنح الأحزاب الصغيرة فرصة الحصول على بضعة مقاعد، مما يقلل من إمكانية حصول الحزب الواحد على كافة مقاعد الدائرة الانتخابية الواحدة. وهو ما تزيد أهميته بالنسبة للأقليات، خاصةً تلك التي لا تتمركز في مواقع جغرافية محددة ومحصورة ولا تملك وسائل بديلة للحصول على تمثيل لها.
  • تقود نظم التمثيل النسبي إلى تحقيق مستويات أعلى من الاستمرارية واستقرار السياسات. فقد أثبتت التجارب في أوروبا الغربية نجاعة هذه النظم لدى اعتمادها لانتخاب البرلمانات في تحقيق استقرار أفضل للحكومات، بالإضافة إلى تحقيق مستويات أعلى من المشاركة والأداء الإقتصادي. أما السبب في ذلك فيعود إلى أن التناوب المتكرر في مقاليد الحكم بين أحزاب سياسية متناقضة كلياً من الناحية الأيديولوجية، كما يمكن أن يحصل في ظل نظام الفئز الأول، يصعب عملية التخطيط الإقتصادي على المدى الطويل، بينما تسهم الحكومات الائتلافية الناتجة عن النظم النسبية في تأصيل الاستقرار والتماسك في القرارت الهامة والتي تفسح المجال أمام التطوير والنمو المستدام.
  • تسهم هذه النظم في تجذير مبدأ الشراكة في الحكم بين الأحزاب والمجموعات ذات الاهتمامت المختلفة. ففي كثير من الديمقراطيات الناشئة تعتبر مسألة الشراكة في الحكم بين الأكثرية العددية للسكان والتي تسيطر على القوة السياسية والأقلية التي تسيطر على القوة الإقتصادية في البلد أمراً لا بد منه وحقيقة لا يمكن تجاهلها. إذ نرى بأنه حيث تنفرد الأكثرية العددية بالسيطرة على السلطة بينما تنحصر اهتمامات الأقلية في السيطرة على مصادر الثروة والقوة الإقتصادية تصبح المشادات بين مختلف مصادر القوى أقل وضوحاً وأكثر ضبابية ولا تخضع لبمادئ المساءلة والمحاسبة (كما حصل في زمبابوي خلال العشرين سنة الأولى من استقلالها على سبيل المثال). وعليه، فكثيراً ما يعتقد بأن نظم التمثيل النسبي، ومن خلال إشراك كافة المجموعات في السلطة التشريعية، توفر فرصة أكبر لاتخاذ القرارت الهامة تحت الضوء وعلى مرأى من أعين العامة وبما يحقق متطلبات شرائح أوسع من المجتمع.

عيـوب التـمثيـل النسـبي

لنظم التمثيل النسبي مساوئها كذلك، وأهمها كونها تميل إلى إفراز حكومات ائتلافية وتعمل على شرذمة الأحزاب السياسية. أما أهم الانتقادات الموجهة عادةً لهذه النظم فتكمن في كونها تقود إلى ما يلي:

  • حكومات ائتلافية تفضي بدورها إلى اختناقات في سير الأعمال التشريعية وما ينتج عنه من عدم القدرة على تنفيذ السياسات المتماسكة. وتزداد خطورة الوقوع في ذلك بشكل خاص في حالات ما بعد الصراع والمراحل الانتقالية، حيث تكون تطلعات الشعب للانجازات الحكومية في أوجها. إذ يمكن للحكومات الائتلافية وحكومات الوحدة الوطنية المشكلة من أحزاب مختلفة الحؤول دون القدرة على اتخاذ القرارات بشكل سريع ومتماسك.
  • انقسامات في الاحزاب السياسية تمس باستقرار النظام السياسي. حيث يمكن لنظم التمثيل النسبي أن تؤدي إلى، أو على الأقل أن تسهم في تشرذم الأحزاب السياسية. وقد يفسح تعدد الأحزاب السياسية بشكل كبير المجال أمام الأحزاب الصغيرة جداً لاستنزاف الأحزاب الكبيرة ودفعها إلى تقديم التنازلات الكبيرة بهدف تشكيل حكومة ائتلافية. وهنا يعتبر البعض ميزة التعددية في نظم التمثيل النسبي كأحد ارتداداتها السلبية. ففي إسرائيل على سبيل المثال، عادةً ما تلعب الأحزاب الدينية المتطرفة الصغيرة دوراً مفصلياً في تشكيل الحكومات، بينما عانت إيطاليا لسنوات طويلة من تقلبات مستمرة وانعدام في استقرار الحكومات الائتلافية المتعاقبة. وكثيراً ما تتخوف البلدان المتحولة إلى النظام الديمقراطي من أن تؤدي نظم التمثيل النسبي إلى ظهور الأحزاب السياسية المستندة إلى قيادات تقليدية أو جماعات عرقية، وذلك بسبب عدم تطور نظامها الحزبي السياسي بشكل عام.
  • استخدامها كقاعدة لظهور الأحزاب المتطرفة. إذ كثيراً ما تنتقد نظم التمثيل النسبي لكونها تفسح المجال أمام الأحزاب المتطرفة، اليسارية أو اليمينية على حد سواء، للحصول على تمثيل في الهيئة التشريعية. فلقد رأى الكثيرون في أن أحد الأسباب خلف انهيار جمهورية ويمر في ألمانيا يعود إلى كيفية إعطاء النظام الانتخابي النسبي الفرصة للأحزاب المتطرفة اليمينية واليسارية للحصول على موطئ قدم لها في السلطة.
  • حكومات ائتلافية لا تتمتع بقدر كاف من الخلفية المشتركة سواء فيما يتعلق بسياساتها أو بقواعدها الشعبية. وكثيراً ما تتم مقارنة هذا النوع من ائتلافات المصلحة بالائتلافات المتماسكة الناتجة عن نظم انتخابية أخرى (مثل نظام الصوت البديل)، حيث تميل مختلف الأحزاب السياسية إلى الاعتماد، وبشكل متبادل، على أصوات الأحزاب الأخرى كذلك، مما يؤدي إلى قيام ائتلافات أقوى وأكثر تعاضداً.
  • حصول أحزاب سياسية صغيرة على حصص من السلطة لا تتناسب مع حجمها وقوتها الحقيقية. إذ قد تضطر الأحزاب الكبيرة للائتلاف مع أحزاب صغيرة جداً لتشكيل الحكومة، وذلك من خلال إعطاء الحزب الممثل لنسبة ضئيلة من الناخبين القدرة على تعطيل أية اقتراحات ومبادرات قد تأتي بها الأحزاب الكبيرة.
  • عدم قدرة الناخب على تنفيذ مبدأ المساءلة من خلال حجب ثقته وإقصاء حزب سياسي ما عن السلطة. حيث قد يكون من الصعب بمكان إقصاء حزب مركزي كبير من السلطة في ظل نظم التمثيل النسبي. فعندما تتشكل الحكومات من ائتلافات، نجد بأن بعض الأحزاب متواجدة دائماً في الحكومة بشكل أو بآخر، على الرغم من تراجع أدائها الانتخابي من حين لآخر. وعلى سبيل المثال، استمر الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا كعضو في كافة الحكومات الائتلافية على مدى خمسين عام، من عام 1949 إلى عام 1998، ما عدا فترة ثماني سنوات منها فقط، وذلك على الرغم من عدم حصوله أبداً على ما يزيد على 12 بالمئة من أصوات الناخبين في أفضل الحالات.
  • الصعوبات التي قد يفرضها تنفيذ هذه النظم على أرض الواقع، سواء بالنسبة للناخبين وقدرتهم على فهم بعض تفاصيل النظام، أو بالنسبة للإدارة الانتخابية في تطبيق قواعده المعقدة أحياناً. إذ تعتبر بعض نظم التمثيل النسبي أكثر تعقيداً من غيرها من النظم غير النسبية، وهو ما يتطلب جهوداً توعوية أكبر للناخبين، بالإضافة إلى مزيد من التدريب المهني لموظفي الانتخابات لضمان صحة العملية.

المـرشـحون المسـتقلـون ونظـم التـمثيـل النسـبي

من الأخطاء الشائعة أنه لا يمكن للمرشحين المستقلين المشاركة في الانتخابات في ظل نظم التمثيل النسبي. وهذا غير صحيح، على الرغم من تنفيذ معظم الانتخابات في ظل هذه النظم بمشاركة مرشحين عن الأحزاب السياسية فقط. إلا أننا نجد بأن نظام الصوت الواحد المتحول يتمحور حول المرشح الفرد، وعليه فإن مشاركة المرشحين المستقلين في ظله أمر اعتيادي في بلد مثل أيرلندا.

كما و أن من خلال النظام النسبي يتمكن المرشحون المستقلون إما تأليف لائحة منهم و إما يتحالفوا مع اللوائح الحزبية و التي ممكن من خلالها أن يصلوا إلى المجلس.

أخيرا ، إنني أرى أنه من خلال تطبيق النظام النسبي في لبنان سوف نتمكن من الوصول إلى إلغاء الطائفية السياسية في لبنان و سوف نخفف من المحادل الإقطاعية و سوف نمكن من إدخال دم جديد إلى المجالس التشريعية مما سوف يمكننا من القضاء على المحاصصة و إلى إجراء إصلاح إداري و مالي يخطوا بنا نحو إنشاء دولة المؤسسات.

و لكن القانون الإنتخابي وحده لا ينفع فذلك يجب أن يكون ضمن إستراتيجية كاملة منها الإصلاح القضائي و تفعيل مبدأ المساءلة و المحاسبة ، كما و أن تطبيق اللامركزية الإدارية التي تسهل الحركة الإنمائية و تفعل الإصلاح الإداري.

العلاقة بين التنشئة الوطنية و الإستقرار

الوطنية  هي مفهوم التمسك بالوطن ، الولاء والإنتماء المطلق له. إمتلاك مشاعر الحب والإخلاص والفخر تجاهه ، والإستعداد للتضحية من أجله. تطور هذا المفهوم في أواخر عصر النهضة ، بعد أن ظهرت في القاموس السياسي مفاهيم ، تدل على القيم الديمقراطية والإشتراكية والإنسانية.

وتوسع تعريف الوطنية ليشمل العلاقات بالناس ، والإرتباط بالأرض والعادات والتقاليد وعناصر الإفتخار والإعتزاز بتأريخ الوطن. ويشترط البعض بالوطني أن يكون مخلصاً للدولة والحكومة أيضاً.

أما القومية ، فهي مفهوم الإنتماء الإجتماعي الذي تتكوّن وتتراكم عبر الأجيال ، لدى مجموعة من الناس تشعر بروابط الدم واللغة والثقافة ، وأحياناً الدين. وتخضع المشاعر القومية إلى العوامل السايكولوجية ، أكثر من الحسابات الواقعية الملموسة. ويعتقد القوميـون في جميـع الحالات ، أن قوميتهم متميزة عن جميع القوميات الأخرى.

فالتنشئة الوطنية تعد من الموارد الأساسية لتحقيق الأمن و الإستقرار في أي وطن في العالم. فيجب على كل دولة أو مجتمع أن يتبعوا مبدأ التنشئة الوطنية و ذلك لأنها تلعب دورا في بناء الأجيال و في إحياء الإستقرار و الإزدهار في أي وطن.

فالتنشئة الوطنية الفاعلة التي يتم تدعيمها وتقويتها بمشاعر الولاء والانتماء القوي للوطن تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع والدولة، وهو الهدف الإستراتيجي الأوحد الذي كان ولازال يعد محور اهتمام القيادات السياسية بصفة عامة والعلوم السياسية والاجتماعية بصفة خاصة ومنها السياسات المقارنة وعلم الاجتماع السياسي.

فهي تأتي من خلال التوجيه في  المدارس و الجامعات عن طريق البرامج و المناهج المتبعة فيها أو عن طريق المدرسِّين الذين يجب أن يعلموا واجباتهم تجاه طلابهم و وطنهم عبر تفعيل مبدأ الوطنية .

إصطفاف إعلامي

أما  وسائل الإعلام فتلعب دورا في توجيه المواطنين إلى المواطنية و إلى التركيز على المنهجية الوطنية و اللا غرائزية فذلك يتم عبر برامج تلفزيونية و إعلانية إن كانت عبر وسائل الإعلام المرئية إما عبر وسائل الإعلام المسموعة فتتم عبر مقابلات بهدف تطوير المواطنة و المواطنية و أهميتها، أما وسائل الإعلام  المكتوبة فتتم عبر مقالات منشورة هدفها تحفيز الوطنية و المواطنة.

لا يمكننا تحفيز مبدأ المواطنية بطريقة واحدة فجميع هذه الطرق يجب أن تكمل بعضها البعض لكي نصل إلى النتيجة المطلوبة.

إنتماء إلى وطن

فالتنشئة الوطنية تلعب دورا كبيرا في المجتمع و ذلك من عدة نواحي و هي :

سياسية :

عند نشوء أي نظام فهو يرتكز على مبادىء موحدة بين المجتمع و أبرز هذه المبادىء و هي الوطنية و الحس الوطني فعندما يفتقد هذا الركن لا يمكننا أن نسمي تلك البلدان ذات وطنية بل إنها تسمى بالنسبة إلي بكانتونات مركبة ليس لديها أي لون إلا اللون العنصري أو الطائفي أو العشائري الموجود فيها .

فقوميات البلدان ترتكز على مبدأ الوطنية و التنشئة لكي تتمكن من خلق جو للتفاعل فيما بينهم البعض و لخلق إستراتيجية مستقبلية يتمكنون من المضي إليها مستقبلا.

فمثلا إن الدولة العبرية هي مؤلفة من إتنيات متعددة لكن ركنها الأساسي هو الوطنية على أساس إنشاء دولة يهودية و إكتشاف هيكل سليمان فلولا ذلك لرأينا هذه الدولة منهارة منذ زمن بعيد.

فعند وجود تنشئة وطنية فعالة نتمكن من إستحداث إزدهار سياسي و ذلك عبر الوصول إلى النخبة السياسية المؤتمنة على وطنها ، و بذلك نصل إلى إصلاح إداري و إلى سياسة مالية ممتازة تؤدي إلى تطوير و تنمية الوطن على جميع الأصعدة   ( بيئية، إقتصادية ، إجتماعية ، صحية ، ثقافية و إنسانية….)

إجتماعية:

التنشئة الوطنية تلعب دورا كبيرا في الإندماج الإجتماعي ، فعندما نكون في جو وطني لا طائفي أو عنصري تندمج مختلف الثقافات في بعضها العض لأنهم يصبحون لديهم هدف واحد و هو وطنهم و ليس غرائزهم. وفي إندماج إجتماعي نتمكن إلى التوصل إلى الديمقراطية و ذلك يعني الإستقرار . لأن في ظل الأنظمة الدكتاورية نصل إلى العنف و العنف يولد العنف.

فإن معظم دول العالم الثالث التي تعاني من عدم استقرار سياسي واجتماعي ومن تحديات أمنية داخلية جاءت نتيجة لتفاعلات إجتماعية سلبية خطيرة تمخضت بدورها عن ضخ كميات ضخمة من عمليات التطوير والتحديث على الصعيد الإقتصادي والاجتماعي والتربوي ( كرفع مستوى التعليم )، في شرايين المجتمع بهدف تحقيق التنمية الوطنية الشاملة السريعة.

من هنا يمكن القول أن معظم عمليات الإرهاب والعنف السياسي التي يواجهها العالم منذ سنوات طوال واستفحلت مخاطرها الكمية والنوعية منذ أحداث 11 سبتمبر من عام 2001 نتاج لتنامي حدة المشاكل والتحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية العديدة (وخصوصا الدينية والعقائدية) في بعض المجتمعات الإنسانية، التي بدورها تمخضت عما حدث في تلك المجتمعات من تغيرات كمية ونوعية في جميع مجالات الحياة الإنسانية الإجتماعية والمادية والروحية من جهة, ومن الجهة الأخرى لكون تلك التغيرات الضخمة والسريعة لم يواكبها تغيرات مماثلة في عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية الصحيحة للأجيال الشابة لاستيعاب جميع مكونات تلك التغيرات الكمية والنوعية والمتغيرات المادية المستحدثة.

و عندما نتحدث عن النقطة الإجتماعية فهنا أيضا نربطها بالتطور الفكري و التنمية الإجتماعية على صعيد عدة أصعدة:

إهدن- شمال لبنان

التنمية البيئية حيث يصبح لدى المواطن وعي لأهمية البيئة و دورها :

  • · جمالية  فتكثر المناظر الخلابة مما يؤدي إلى تفعيل السياحة و بذلك تفعيل الإقتصاد.
  • نفسية فإنها تلعب دورا للإرتياح النفسي في الوقت عينه لدى المواطن مما يؤدي إلى أكثر إنتاجية .
  • صحية  إن هناك أمراض كثيرة و منها مميتة تنتج من خلال التلوث البيئي فعندما نرعاها و نخلق فكر بيئي جديد و الحفاظ عليها نتمكن من تخفيف الأمراض الناتجة من التلوث البيئي .

تفعيل العمل التطوعي و الإجتماعي و مساعدة الآخرين  مما يؤدي إلى التآخي و وقوف المواطنين إلى جانب بعضهم البعض، فذلك بغض النظر عن الإندماج الإجتماعي يصبح لدينا منهجية تؤدي إلى تطوير الخبرات و إلى الفكر السلمي و المحبة و ليس كره الآخر و الخوف منه و هذا ما يحتاجه بلدان العالم الثالث كثيرا.

التربوية:

التربية ترتبط إرتباطا وثيقا بأوضاع المجتمع وظروفه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية واللغوية – نظرا لكونها إحدى ظواهر المجتمع الإجتماعية – فإنها إلى جانب ذلك ترتبط في نشأتها وتطورها ووظائفها بالمجتمع وظواهره الاجتماعية الأخرى.

وسواء نظرنا للتربية بإعتبارها ظاهرة إجتماعيه ونظاما اجتماعيا أو عملية إجتماعيه، فان نظرتنا لها تؤكد على أهمية دورها الوظيفي التربوي بالنسبة للمجتمع. فهي كنظام أكاديمي تسهم في دعم المجتمع وتأكيد مقوماته وقيمه لدى أعضائه. بالإضافة إلى ما تسهم به بالنسبة لإكساب أعضائه من الخبرات والمهارات ما يمكنهم من شغل أدوارهم في المجتمع.

وبصفة عامة توجد علاقة إيجابية متبادلة بين التنمية الاجتماعية والتنمية السياسية والتنمية الاقتصادية. على سبيل المثال فإن تبني قرار تطبيق سياسة التعليم العام الموحد (الذي يعد قرار سياسي إجتماعي) على كافة المواطنين يستخدم كوسيلة رئيسية وأداة هامة من أدوات التنمية الإجتماعية والسياسية والثقافية المتماثلة التي عادة ما تسهم بدورها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستقرة.

فتعتبر التربية وسيلة رئيسية هامة من وسائل عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية في المجتمع (التنشئة الوطنية) نظرا لفاعليتها المباشرة في إعداد وتكوين شخصية الفرد وتدعم قدراته بتزويده بالعادات والتقاليد والمفاهيم والقيم الحضارية والثقافية وعوامل التكامل الإجتماعي والوظيفي.

نفسية:

لكل حركة إنسانية في شكل فعل طبيعي أو غير طبيعي ( بمعنى مصطنع أو مقصود) حركة أو حركات مضادة في شكل ردود أفعال طبيعية أو غير طبيعية ( إرادية أو غير إرادية). ومن هنا فإن الحركة الإجتماعية السريعة يتمخض عنها حركات أو ردود حركات مختلفة منها الإيجابي ومنها السلبي. كما وأن الحركة الاجتماعية الفجائية أو الغير منظمة قد يتمخض عنها أيضا بالضرورة ردود حركات مختلفة في أشكال متنوعة منها السلبي ومنها الايجابي.

ومن الواضح أن العنف بصفة عامة والإرهاب بصفة خاصة نتاج لعملية حراك اجتماعي معينة تم تحريكها بتفاعل قوى عوامل مختلفة منها العوامل السياسية والعقائدية والنفسية والإقتصادية بل وحتى العوامل الاجتماعية ذاتها. لذلك فإن المخاطر الناجمة عن عملية التحرك الاجتماعي السلبي ( الحراك الاجتماعي السلبي) سواء تجاه الذات أو في الاتجاه الخاطىء تتطلب ضرورة البحث والتقصي في عوامل ومسببات ظهورها الداخلية والخارجية وعلاقاتها الوظيفية بالبيئة الاجتماعية وبالبيئة السياسية وبالبيئة الثقافية العامة السائدة وذلك لمعرفة مدى تأثرها بقوى التغير الداخلي أو التغيرات الخارجية الناجمة عن عمليات التغير في مكونات البيئة الإقليمية أو الدولية وخصوصا البيئة المادية والعلمية التقنية.

فتؤثر الإتجاهات النفسية التي تفسر مضمون الرسائل التي تنتقل عبر أجهزة وقنوات الإتصال السياسية التي تربط بين أطراف المتغيرات المختلفة على كافة المستويات والأصعدة الداخلية أو المحلية والدولية أو العالمية. على سبيل المثال إذا كان الاتجاه السائد مثلا، يميل إلى تحديث عملية التنشئة الوطنية وإعادة بلورتها وبرمجتها لتتلاءم مع التطورات والتغيرات الدولية, فمن الضروري أن يتم ذلك تحت غطاء سياسات الإصلاح والتعديل والتطوير الوطني تبدأ بعملية تسويق سياسية عامة وشاملة وتوظف جميع وسائل الإعلام لإنجاحها. وأخيرا تتطلب تعبئة اجتماعية وسياسية مركزة لكافة القوى الاجتماعية والسياسية الواعية والمدركة لأهمية التغير والانتقال من وضع لوضع وفقا لمسيرة حراك اجتماعي مخطط ومدروس.

مصرف لبنان

الإقتصادية:

النقطة الإقتصادية مرتبطة بشكل مباشر و غير مباشر بكل الخصائص. فإنها تلعب دورا مميزا في الناحية الإجتماعية و السياسية و الأمنية و الإجتماعية.

فمن الناحية السياسية فأغلبية الدول تبني سياساتها على أساس إقتصادي… فإننا نرى الحروب التي تجري بشأن الموارد الأساسية الموجودة في البلدان مثلا: الحرب التي حصلت على العراق و ذلك بسبب النفط الموجود فيها و لكسب موقع جغرافي جديد للسيطرة على البلدان ذات موارد أخرى.

ومن جانب آخر تسهم سياسات التنمية الاقتصادية في إحداث تغيرات إجتماعية جزئية وأحيانا شبة شاملة (سواء في سلوكيات ومفاهيم وتطلعات الأجيال الجديدة الشابة) تجاه المجتمع والبيئة  والعوامل العلمية والتقنية المحيطة به وخصوصا البيئة الخارجية. وكذلك من المفترض أن تسهم التغيرات التنموية الإقتصادية في حدوث تغيرات سياسية مؤسساتية لإستيعاب تلك التغيرات الإقتصادية والتغيرات الاجتماعية بالتحديد.

فما الذي حدث حتى الآن، أن التغيرات الإجتماعية التي نجمت عن التنمية الاقتصادية وأدت إلى تغيرات جوهرية في الهياكل والمؤسسات الاجتماعية والإقتصادية لم يواكبها نوعا من التغيرات المماثلة في المؤسسات السياسية وخصوصا مؤسسات المجتمع المدني المختلفة التي بمقدورها التحكم في مختلف مكونات ومصادر القوى الاجتماعية من خلال إستيعابها وإمتصاص إندفاعها وحماسها أو تشغيل طاقاتها في مجالات مختلفة.

و عندما ندخل في نقطة الإقتصاد لا يمكننا و إلا التحدث عن موضوع الفقر الذي يعاني منه العالم بأجمعه.

فأزمة الفقر عالميا تعد كارثة بشرية و خصوصا في دول العالم الثالث و الدول الفقيرة، فيعيش فوق كوكب الأرض 6 مليارات من البشر. يبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليارات، يعيش منها ما يقارب 3 مليارات تحت خط الفقر وهو دولاران أميركيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا.

وفي المقابل توضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية.

وفي البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية.

وفي المقابل تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين. وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي.

وبينما يموت 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع والمرض ويقضي خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعا، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.

أمنية:

عند وجود ثقافة وطنية لدى أي مجتمع في العالم فالأمن يستتب و ذلك بسبب الحس الوطني الفعّال ، فيصبح الجيش و قوى الأمن يأتمنون على أمن و إستقرار البلد و ذلك بسبب حرصهم على وطنهم و بلدهم الذين يشعرون بالفخر لإنتمائهم إليه، و ذلك يأتي بمساعدة المواطنين إليهم عن طريق الإخبار أو المساعدة المعنوية.

ولا شك أن أهمية القضايا الأمنية المعاصرة وخطورتها على أمن وإستقرار المجتمع الإنساني بدون استثناء أو تخصيص تتطلب تعاون علمي وثيق وجهود علمية مكثفة تضع نصب أعينها ظاهرة الإرهاب والعنف السياسي كهدف رئيسي لا مناص من التعامل معه بجدية وإيجاد الحلول الناجعة والفاعلة لمعالجة تلك الظاهرة والقضاء عليها, وهي مهمة علمية شاقة تتطلب توظيف الأساليب والطرق التحليلية المختلفة للعلوم الاجتماعية بكاملها.

فكل ذلك يصب في مصلحة الإستقرار في أي وطن و الإستقرار هي النقطة الأهم لدى أي بلد في العالم لأن لها أدوار كثيرة و كبيرة . فهو يولد الإزدهار الإقتصادي و الإجتماعي. فعند وجود إستقرار في أي بلد معين تندفع رؤوس الأموال إلى الإستثمار فيه و ذلك لأنه ملذا آمنا لإستثمار أموالهم فيه و جني الأرباح. و ذلك يلعب دورا في تأمين فرص عمل للمواطنين ، و عند تأمين فرص العمل يصبح المواطن تركيزه على جني لقمة عيشه و ليس الإتباعية و الجاهلية و الحروب.

و على صعيد الإستقرار يصبح هناك محو للأمية و ذلك عبر تقديم العلم المجاني و الإجباري أو عبر الإزدهار الإقتصادي الموجود فيتمكن المواطنون من تعليم أبنائهم و ذلك يلعب دورا في تطوير فكر المواطن و في تطوير الموارد الرئيسية لأي بلد ، و ذلك عبر التكنولوجيا المتطورة و في خلق أفكار إبداعية للوطن….

فالوطنية لا توجد في جميع البلدان فهناك بعض الدول عملت على تطوير المواطنة و المواطنية أما القسم الآخر عمل على تفتيت و تشرذم وطنه.

فمثلا سويسرا دخلت في حرب أهلية لمدة أعوام و هي مؤلفة من أربع إثنيات تمكنت من خلق فكر وطني فعال و هي اليوم من أكثر البلدان التي لدى مواطنيها و جيشها حس وطني و تنعم بإستقرار و أمن مستتب. و اليوم سويسرا تعد من أكثر البلدان في العالم تطورا و ذلك بسبب الوطنية و الذي أدى إلى الإستقرار الأمني و السياسي و الإقتصادي.

فعدلت في دستورها الكثير من البنود و ذلك لتتمكن من تفعيل مبدأ المواطنة و الوطنية في البلد. وقد تمكنت من توقيف حروبها الإتنية و من التدخلات الخارجية و كل ذلك بسبب دور التنشئة الوطنية التي وضعتها إستراتيجية أولى لبلدها و الذي أدى إلى إستقرار البلد.

و اليوم سويسرا من أقوى الإقتصادات في العالم و تتمتع بالإستقرار و ينهج مواطنيها بمبدأ الوطنية و نلاحظ أن سويسرا تتمتع بجيش وطني فعال رغم التنوع الإتني و المذهبي.

أما على الصعيد الآخر فنعطي مثلا سلبيا في بلد لم يطبق مبدأ التنشئة الوطنية و المواطنة و هو لبنان. فإننا منذ إستقلاله في 22 تشرين الثاني عام 1943 لم يأخذ منح وطني و لم يعتمد مبدأ التنشئة الوطنية.

فهو  مؤلف من ثمانية عشر طائفة و كل طائفة متخوفة على نفسها مما جعل كل طائفة أن تتبع دولا خارجية قوية قد تؤمن لهم الدعم العسكري و المادي و المعنوي.

ثانيا، بسبب ضعف سياسة لبنان داخليا و خارجيا و عدم تطبيق الديمقراطية بشكل صحيح و فعال مما يؤدي إلى إنتاج طبقة سياسية سيئة و تابعة للخارج. لأن السياسي اليوم  ركنه الأساسي هو المال و ليس التشريع ، فلا يوجد أي نوع من المحاسبة أي لا يوجد تطبيق للديمقراطية.

ثالثا، موقع لبنان الجغرافي بين سوريا و إسرائيل يلعب دورا كبيرا بالتميز بين الفرقاء الداخليين و باللجوء إلى الخارج لحماية أنفسهم من أي أذى  قد يلعب دورا فيه أحد البلدين…فيلتجىء السياسي للخارج لحماية نفسه من المساومات الإقليمية و الخارجية.

فهنا رأينا أنّ بلدا كلبنان لديه ميزة إجتماعية ، جغرافية ، سياسية و إقتصادية لم يتمكن من التطور و التميز على الصعيد الوطني و ذلك بسبب عدم إتباعه سياسة التنشئة الوطنية مما لم يؤدي إلى إستقرار و ذلك منذ إستقلاله لم ينعم بإستقرار و النقطة الأهم لذلك أن شعبه لا يعتمد على مبدأ المواطنة بل على مبدأ المحاصصة و الطائفية.

فإنه لم ينعم بالإستقرار حتى يومنا هذا و لم يتمكن الساسة من خلق دستور ناجح للبلد و ذلك إنني أربطه في عدم إنتخاب نخبة سياسية فعالة و قادرة على خلق و تطبيق دستور وطني يؤدي إلى نعمة الإستقرار، و التي  تبدأ من خلال تطبيق مبدأ المواطنة التي تلعب دورا في إنتاج طبقة فعالة من المواطنين و إنتاج النخبة السياسية التي يكون هدفها الأول و الأخير هو مصلحة الوطن و المواطن.

فكيف نتمكن من تحقيق المواطنة في لبنان؟

نبدأ بتحقيق مبدأ المواطنة و التنشئة الوطنية في لبنان عبر تطبيق قانون إنتخابي مدروس و فعّال، ففي لبنان نرتكز على قوانين إنتخابية ذات نظام أكثري، و لكن بنظري الحل هو أن نتبع قانونا إنتخابيا ذات نظام نسبي ، لأنه في الظل النظام الأكثر تتجسد الطائفية لدى الساسة و المواطن و ذلك هو عكس مبدأ المواطنة.

أما من خلال نظام  المحافظة مع النسبية يصبح وجود أكثر للإختلاط المناطقي و الطائفي و لم يتمكن أحد من حصر قرار الطائفة بيده.

فبعد وصول النخب و التنوع في الطائفة الواحدة و إلغاء حصرية القرار بيد زعيم واحد في المجلس النيابي نتمكن من البدء في الإصلاح الإداري  و السياسي لنبدأ بتفعيل مبدأ المواطنية.

و ممكن أن نبدأ  على صعيد آخر و هو المجال التعليمي و ذلك عبر تطبيق مناهج دراسية و تربيوية تلعب دورا في تفعيل فكرة المواطنية لديهم، و هناك دورا لدى المعلمين لكي يفعلوا واجبهم تجاه وطنهم و تلامذتهم لكي ننشىء فكرة الوطنية لدى التلاميذ و ممكن أن يحصل ذلك عبر التوجيه المهني و ذلك عبر تذكير التلامذة على مدى أهمية واجبهم الوطني و تطبيق مبدأ المواطنة في حياتهم الخاصة و في المجتمع.

أما على صعيد وسائل الإعلام فيجب تفعيل التلفزيون الوطني لكي يؤدي الدور الذي يجب أن يلعبه من خلال البرامج التي تحث المواطن على المواطنية، و يجب خلق قانون إعلامي جديد يمنع أي إعلان أو أخبار تؤدي إلى تشغيل النعرات الطائفية.

أخيرا، ما رأيناه أنه لا يوجد شيء مستحيلا في العالم ، و لكن ما نحتاجه هو المثابرة و التخطيط لكي نصل إلى ما نطمح له. فالمواطنية أمر مهم جدا و يجب جميع دول العالم أن تتبع منهجية المواطنية لكي يتمكنوا من إنشاء دول عصرية و مزدهرة ، و لكي نتمكن من تحقيق ذلك يجب إتباع التنشئة الوطنية منذ الصغر لكي نصل إلى أجيال عصرية تؤمن بالمواطنة ، لأنه سوف ينتج الديمقراطية و الإستقرار و الإزدهار. فلا نتمكن من إستحداث الإستقرار من دون تنمية المنهجية المواطنية، لأنه في ظل غياب هذا الفكر ما يؤسس له المواطن أو السياسي هو لأساس فردي مما يؤدي إلى تفكيك المجتمع و من بعدها نصل إلى حروب داخلية مما إلى الفوضى و العجز في جميع الأصعدة.

فأتمنى لو نتمكن من تطبيق مبدأ التنشئة الوطنية الفعلية في لبنان ، لأن الجميع  يتباهى بالوطنية لكن لا يوجد تطبيق فعلي لهذا المبدأ، ليس من الناحية السياسية و لا من الناحية الإجتماعية . فهدف الأجيال القادمة يجب أن يكون التنشئة الوطنية في الطليعة لأننا إذا لم نتبع ذلك فلبنان متجهه إلى المجهول.

فكما ذكرت سابقا أن مبدأ التنشئة الوطنية و الإستقرار هما توأمان ، فالمجهول أعني فيه أننا سوف ندخل في خندق عميق يؤثر على أولادنا و الأجيال صاعدة و سوف نتجه إلى التقسيم الذي يؤدي إلى تفتيت المجتمعات في لبنان، و من بعدها نصبح في بلد مؤلف من عدة دول و بذلك تنتهي الهوية اللبنانية.

العمل النقابي في لبنان بين فترة جلب حقوق العمال و الإزدهار و فترة الرضوخ و التبعية

أقرت معظم تشريعات العالم بحق إنشاء النقابات العمالية لا بل بعضها اعتبر إلزامية قيام النقابات من الأمور الجوهرية في تحول الحركة العمالية . وأخذت هذه الهيئات موقعها في تركيب بنية الدولة من الوجهة الاقتصادية وحتى السياسية .
ولم يكن موقف أصحاب العمل أقل قناعة بحتمية إنشاء النقابات في إطار من التعاون والتنسيق والثقة المتبادلة ، لا بل عمد بعض هؤلاء على تشجيع إنتاج النقابة في مواقع عملهم إيماناً منهم بالارتداد الإيجابي لذلك على سقف الإنتاج والعلاقة بين طرفيه .

و لكن للأسف تعاني الحركة النقابية العمالية في لبنان اليوم من ضعف وانقسامات في تكوينها ونشاطها. لقد أثّرت الحرب الأهلية سلباً على جميع قطاعاتها، وانعكس الانهيار البنيوي اللبناني انهياراً مماثلاً في بنيتها. فالانقسامات الطائفية وتفريخ الاتحادات المذهبية، وإلحاق النقابات بالزعامات الطائفية، وانفكاك العمال عن الانتساب إلى هذه النقابات حتى بدت كأنها مجموعة ضباط هرمون، ولكنْ، من دون جنود. الواقع الراهن هو أسوأ ما تشهده الحركة النقابية، وهو ينعكس على دورها الهامشي في مواجهة المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يقف أمامها لبنان اليوم.


إحدى التظاهرات العمالية

فهذا الوصف لا ينطبق على مسار الحركة النقابية اللبنانية التاريخي، فهذا التاريخ، القديم والحديث، مليء بالصفحات المشرقة والنضالات منذ التأسيس حتى سنوات خلت. ومن المفيد رصد مسار هذه الحركات عبر محطات أربع أساسية و هي كالآتي:

أولاً – محطة التأسيس في العشرينات وصولاً إلى الاستقلال


تأسست الحركة النقابية اللبنانية مطلع عشرينات القرن الماضي، وكانت ولادتها الأولى مرتبطة بتأسيس حزب العمال العام في لبنان الكبير عام 1921، مستنداً إلى عدد من النقابات: تعاونية الريجي في بكفيا، نقابة عمال المطابع، نقابة عمال سكة الحديد، نقابة الطهاة، جمعيتي النجارين والحلاقين، نقابة عمال زحلة، وغيرها. اتسمت هذه المرحلة بازدواج العمل النقابي المطلبي الساعي إلى حق العمال في تأسيس نقاباتهم المهنية وتنظيم أنفسهم، وفي النضال أيضاً من أجل تحقيق الاستقلال الوطني عن الانتداب الفرنسي. واجهت النقابات خلال هذه الفترة ضغوطاً من سلطات الانتداب ومحاولات لإجهاض تكوّنها ونضالاتها.


ثانياً – من الاستقلال حتى عشية الحرب الأهلية


يمكن اعتبار هذه المرحلة الممتدة على ثلاثة عقود بأنها العصر الذهبي للحركة النقابية العمالية في لبنان. فهي اتسمت بالاتساع والانتشار في كل المناطق، وفي قوة التنظيم، وفي عدد المنتسبين إليها، وبالتالي إلى الدور الوطني العام في الحياة السياسية والمطلبية.

أولى المحطات الأساسية والمفصلية جاءت مباشرة في أعقاب الاستقلال، حيث قادت الحركة النقابية نضالاً شرساً من أجل سن قانون العمل اللبناني. وعلى امتداد سنوات، تعرضت الحركة إلى القمع والاضطهاد من السلطتين الفرنسية واللبنانية، توّج ذلك أخيراً بانتصار الحركة النقابية عام 1946 عبر الحصول على قانون العمل الذي ينظم علاقة العمال بأرباب العمل ويضمن حقوقهم.

فيُنَظِّم قانون العمل اللبناني الصادر عام ١٩٤٦ طريقة وشروط تأسيس نقابة في لبنان. تعطي المادة ٨٣ من هذا القانون الحق لأرباب العمل وللأجراء في كل فئة من فئات المهن أن يؤلف كل منهم نقابة خاصة يكون لها الشخصية المعنوية وحق التقاضي.

فالمادة ٨٤ من هذا القانون تحصر غاية النقابة في الأمور التي من شأنها حماية المهنة وتشجيعها ورفع مستواها والدفاع عن مصالحها والعمل على تقدمها من جميع الوجوه الاقتصادية والصناعية والتجارية. وتحظر على النقابات الاشتغال بالسياسة والاشتراك في اجتماعات وتظاهرات لها صبغة سياسية.

أما المادة ٨٥ فتَفرِضُ على النقابة المراد تأسيسها أن تجمع عمالا يمارسون مهنة واحدة أو مهنا متشابهة. المادة ٨٦ تعتبر أن إنشاء النقابة لا يتم إلا بعد الترخيص لها من قبل وزير العمل.

المادة ٨٧ فتَفرِضُ أن يقدم طلب الترخيص إلى وزارة العمل- مصلحة النقابات، فتستطلع الوزارة رأي وزارة الداخلية بشأن الطلب وتتخذ قرارها بالرفض أو بالقبول. كما أن النقابة لا تعتبر شرعية إلا بعد نشر القرار في الجريدة الرسمية.

المادة ٨٨ من هذا القانون، توجب أن يُقدم طلب الترخيص على ثلاث نسخ وأن يُرفَق بثلاث نسخ عن النظام الداخلي وبورقة السجل العدلي لكل من الأعضاء المؤسسين. فتُلصق الطوابع على النسخة الأولى التي تعاد للمستدعين مع قرار التصديق. والثانية تبقى لدى وزارة الداخلية والثالثة لدى وزارة العمل. من واجبات كل نقابة، بحسب المادة ٨٩، أن تضع نظاماً داخلياً مصدقاً عليه من الهيئة العامة بأكثرية ثلثي أعضائها ولا يكون نافذاً إلا بعد المصادقة عليه من وزارة العمل.

وعلى رغم الثغرات التي كانت تسم القانون، إلا أنه شكل أهم مفصل في تاريخها وأسس لاحقاً لتطوير وتنظيم الاتحادات العمالية.

محطة ثانية مهمة تجلت في انتزاع الترخيص للاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين عام 1966، والذي ضم النقابات العمالية. فقد لعب هذا الإتحاد دوراً أساسياً في دفع وتطوير الحركة النقابية وصولاً إلى تأسيس الإتحاد العمالي العام في لبنان في 25 نيسان 1970، والذي يعتبر بحق أهم إنجاز في تاريخ الحركة العمالية خلال السبعينات والثمانينات من القرن العشرين.
خلال هذه الفترة، خاضت الحركة النقابية نضالات واسعة شملت كل قطاعات الإنتاج. كانت معركة تحقيق قانون الضمان الاجتماعي في أيار 1965 أهمها من الناحية المطلبية، بعد عشرين سنة من النضال. كما خاضت الحركة إضرابات في قطاعات الكهرباء وعمال بلدية بيروت، والمياه، والفنادق، ودعمت حركة المستأجرين من أجل قانون عادل للإيجار، كما ساندت الحركة التعليمية وإضراب المعلمين وأساتذة الجامعة. وخاضت نضالات من أجل تخفيض أسعار الأدوية، وحققت مطلب تطبيق فرع الضمان الصحي عام 1971.

ولم تكن الحركة النقابية في تلك المرحلة التاريخية بمنأى عن التدخلات الخارجية وعن محاولات السلطة الحثيثة لإضعافها وبعثرة صفوفها، فدخل العديد من قادتها الأفذاذ السجون بتهمة العمل لإسقاط الأنظمة بالقوة. إلا ان تلك الملاحظات الظالمة لم تثن أولئك النقابيين الأبطال من متابعة النضال في أطر ديموقراطية متقدمة، وفي نقل الصراع من الأطر التقليدية المتخلفة الى أطر اجتماعية تهدف الى تحسين أوضاع الأكثرية الساحقة من اللبنانيين وتغليب الانتماء المهني على سائر الانتماءات. ولم يكن ذلك النضال سهلاً في ظل أنظمة حكم عربية مرتكزة على القمع والتسلط والفساد وكمّ الأفواه والهلع من ظهور حركات اجتماعية تهدف الى بث الوعي في نفوس المواطنين والعمل من أجل تحقيق أمنياتهم في العدالة والمساواة والتعبير الحرّ. إن القمع الذي الذي تعرضت له الحركة النقابية لم يكن قراراً محلياً بل محصلة لإرادات إقليمية ودولية همها الحفاظ على الأنظمة الفاسدة في هذه المنطقة والحيلولة دون التمثل بالنموذج اللبناني في النضال النقابي.

ومن خلال الممارسة النقابية اليومية والأدبيات العمالية تبرز بعض الثوابت التي ميّزت الحركة النقابية اللبنانية وأولها دعم النظام الديموقراطي البرلماني لأنه الإطار الأفضل للعمل من أجل تحسين أوضاع العمال والمستخدمين.
أما ثاني تلك الثوابت فكان الموقف المعادي للايديولوجيات القومية المتطرفة، ولا سيما الفاشية والنازية لأن من أهم أهدافها القضاء على الحركة النقابية وإقامة أنظمة توتاليتارية قمعية تنفي الحريات العامة والخاصة وتخدم عملياً أصحاب الرأسمال والنزعات الشعبية الخادعة.
الثابتة الثالثة هي رفض الطائفية بأشكالها المتنوعة والدعوة الى بناء مجتمع مواطني. ولم يقتصر هذا الموقف على خطاب سياسي فارغ المضمون بل تكرس عملياً من خلال الممارسة. ففي مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية كان 90 بالمئة من عمال المطابع مسيحيين ولكن هذا الواقع لم يحل دون انتخاب مصطفى العريس رئيساً لنقابة عمال المطابع ثم رئيساً للاتحاد العام لنقابات العمال والمستخدمين.
أما الثابتة الرابعة التي ميّزت العمل النقابي في لبنان فهي رفض العنف والإصرار على النضال الديموقراطي المرتكز على الإضراب والتظاهر والاعتصام والاحتجاج ولم تحد الحركة النقابية عن هذا الموقف رغم ما تعرضت له من قمع واستفزاز.
الثابتة الخامسة هي التأكيد على استقلال لبنان وسيادته وعدم التدخل في شؤونه مع إقامة علاقات تعاون وتضامن مع البلدان العربية المجاورة، والالتزام بالقضية الفلسطينية وضرورة إيجاد الحل الضامن لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
هذه هي باختصار شديد نقاط الارتكاز التي طبعت مسيرة العمل النقابي في لبنان وجعلت منه نموذجاً يحتذى به في بلدان هذه المنطقة.

و كانت فترة 1972-1974 ذروة نشاطات هذه الحركة، فانخرطت في نضالات المزارعين والعمال الزراعيين ودعمت تحركاتهم ومظاهراتهم في بيروت خاصة وفي سائر المناطق. وكانت مظاهرة الاتحاد الوطني لنقابات العمال في أيار 1974 الأكثر تعبيراً عن قوة هذه الحركة وفعاليتها في تجييش الآلاف من العمال والمزارعين في مظاهرة جابت شوارع بيروت تجاوز عدد المشاركين فيها ثلاثين ألفاً.

تنذكر و ما تنعاد

ثالثاً – الحركة العمالية خلال الحرب الأهلية وصولاً إلى اتفاق الطائف 1989

تتسم هذه المرحلة بتلقي الآثار السلبية للحرب الأهلية على الحركة النقابية. فالانقسام الطائفي والاقتتال الأهلي أصابها في الصميم وقلّص من دورها وفاعليتها بشكل واضح وملموس. تركّزت نضالات الحركة خلال هذه المرحلة على عدة محاور.

  • المحور الأول: السعي إلى الحفاظ على وحدتها ومنع تفاقم الانقسام الأهلي في بنيتها، والإبقاء على التواصل بين قادتها.
  • المحور الثاني: السعي إلى الوقوف في وجه حركة تسريح العمال والموظفين وإقفال المؤسسات الصناعية والمهنية في أعقاب الانهيار الذي أصاب البلد في قطاعاته الاقتصادية والاجتماعية والمالية.
  • المحور الثالث تركز على التحرك لمكافحة غلاء المعيشة وتحسين أوضاع العمال. في هذه المرحلة باتت مطالب الحركة النقابية متجاوزة للطبقة العاملة، بحيث باتت مطالب كافة فئات الشعب اللبناني من دون استثناء.
  • المحور الرابع تركز على النضال من أجل استمرار تقديمات الضمان الاجتماعي في فروعه المتعددة.

كان على الحركة النقابية في هذه المرحلة أن تواجه السلطة الرسمية وسلطات الأمر الواقع المتمثلة بسيطرة الميليشيات الطائفية في عدد من المناطق اللبنانية. خاضت معارك شرسة من أجل الحفاظ على وحدتها، وتحدت هذه السلطات بتنظيم تظاهرات عام 1988 شملت عمالاً ومواطنين من المناطق كافة وتجاوزت خطوط التقسيم المفروضة بين شطري بيروت آنذاك.

فالعوالم التي أدت الى اندلاع الحرب عام 1975 عديدة وفي طليعتها القضاء على خصوصية هذا البلد المتمثلة في حرية الرأي وفي النظام الديمقراطي البرلماني وهذا ما يتناقض تماماً مع أجواء الاستبداد المهيمنة على هذه المنطقة من العالم. وليس من قبيل الصدف أن تستهدف بالدرجة الاولى المؤسسات العامة والخاصة وفي طليعتها القطاعات التعليمية ومنها الجامعة اللبنانية والمؤسسات النقابية وعلى رأسها الاتحاد العمالي العام. وبالرغم من أساليب الترهيب والقمع استطاع الاتحاد العمالي العام ان يقود حملة واسعة ضد الحرب وضد الداعين والمروجين لها داعيا الى تظاهرات شارك فيها عشرات الألاف من المناطق اللبنانية كافة. وتعرضت تلك التحركات الشعبية الى قصف مدفعي مشترك من قوى الأمر الواقع. وبالرغم من الاجواء القائمة استطاعت الحركة النقابية ان تخطو خطوات كبيرة على صعيد وحدة العمل لا سيما من خلال هيئة التنسيق النقابية التي ضمت الاتحاد العمالي العام وروابط الأساتذة والمعلمين ورابطة قدامى موظفي القطاع العام والهيئات النقابية والمدنية وان تحقق الكثير من الإنجازات كرفع الأجور وتحسين الحماية الصحية والاجتماعية

إلا ان قوى السلطة مدعومة من دولة الوصاية استمرت في سياسة بعثرة العمل النقابي ووضع اليد على مؤسسة الاتحاد العمالي فعمدت خلافا للقوانين الى الترخيص لاتحادات نقابية وهمية لا تمثل أحداً بغية الإمساك بالقرار النقابي وإبعاد القوى العمالية الفاعلة العاملة فعلا لتحسين اوضاع العمال والمستخدمين. وأدت تلك السياسة الرعناء الى تعطيل دور الاتحاد العمالي والى إشاعة اليأس في النفوس بحيث فقد الاتحاد فاعليته وديناميته وقدرته على قيادة الحركة المطلبية وعلى تغليب الانتماء المهني والاجتماعي وتخطي الانتماءات الطائفية والمذهبية والمناطقية.

رابعاً – مرحلة ما بعد اتفاق الطائف

شكّلت الفترة الواقعة بين أيار 1991 وأيار 1995، ذروة الإعلان عن ولادة نقابات عمال واتحادات نقابية جديدة شكل موضوع انتسابها إلى الإتحاد العمالي العام مشكلة كبيرة في 24 نيسان 1997. وقد صدرت 8 تراخيص بتأسيس اتحادات، هي:

1. الإتحاد اللبناني لنقابات السيارات العمومية ومصالح النقل في لبنان.

2. إتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الجنوب.

3. إتحاد جبل عامل لنقابات العمال الزراعيين.

4. إتحاد عمل النقابات الوطنية في الشمال.

5. إتحاد نقابات عمال ومستخدمي الصناعات الورقية في لبنان.

6. إتحاد نقابات عمال ومستخدمي صناعة الصلب الحديد في الجنوب.

7. الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في الجنوب.

8. الإتحاد العمالي اللبناني لنقابات التعدين ـ الميكانيك.

9. الإتحاد العام لنقابات العمال في جبل لبنان.

10. الإتحاد العام لنقابات المزارعين في لبنان.

و كان من الطبيعي أن تكون ولادة الإتحادات العمالية الجديدة مسبوقة بقرارات تأسيس نقابات لها، بما في ذلك نقابات لم تنتسب جميعها إلى اتحادات عمالية.

1. هنا يبرز رقم مذهل لعدد النقابات التي تأسَّست خلال 3 سنوات بتراخيص من وزارة العمل، إذ بلغ العدد 84 نقابة من أصل 269 نقابة قائمة فعلاً منذ الاستقلال، وبالتحديد منذ صدور قانون العمل اللبناني في 23 / 9/ 1946.

2. هذا لناحية النقابات الجديدة وتراخيصها. أما مسوِّغات التأسيس والترخيص لهذا العدد الهائل منها، فهي قطعاً غير موجودة، وقد يكون المسوّغ الوحيد، عدم الرغبة في أن تكون هناك مهن لا نقابات لها. وفي مطلق الأحوال، لا مسوّغ لهذا الكم الهائل من النقابات.

3. ولقد تعارضت سياسة “تفريخ” النقابات مع وجوب تعديل الهيكلية النقابية، إذ أن أي قانون جديد للهيكلية النقابية سيؤول حتماً إلى إعادة تأسيس الحركة النقابية، بدءاً من لجنة العمَّال على مستوى المنشأة الواحدة أو المصنع، مروراً بنقابة عمَّال المهنة الواحدة، فالإتحاد القطاعي ثم اتحاد المحافظة، وصولاً إلى الإتحاد العمالي العام.

4. إن ازدواجية المعايير التي اتبعتها الوزارة في تلك المرحلة، لم تكن عسيرة الفهم، ولم تخرج أساساً عن الخطة التي رسمتها السلطة لمصادرة دور الإتحاد العمالي، أو الإتحاد نفسه، والإتيان بقيادة غير فاعلة. وأصلا ً، لا يوجد أي خلاف داخل الإتحاد العمالي العام والحركة النقابية ككل، ولا بين الحركة النقابية ووزارة العمل، حول ضرورة تعديل قانون الهيكلية النقابية.

5. إن المسألة الخلافية المحورية بين وزارة العمل والإتحاد العمالي العام، ولا سيّما فريق القيادة في الإتحاد، لم تكن حول طبيعة تنظيم النقابات والإتحادات العمالية، ولا حول تركيبة الحركة النقابية حِرَفياً، بقدر ما كانت حول حدود تدخّل السلطة، ممثلةً بوزارة العمل، في الشأن النقابي الداخلي، ولا سيّما في تأسيس النقابات والإتحادات العمالية وانتخاباتها، والتصديق على الإنتخابات أو عدم التصديق عليها، والاطلاع على كشوفات النقابات والإتحادات الداخلية وسجلاتها، وصولاً إلى إلغاء الهيئات النقابية، وغير ذلك الكثير من الشؤون الهيكلية.



فيمكن وصف هذه المرحلة بأنها مرحلة التفكك والضعف والانهيار والإلحاق. اتسمت سياسة الحكم بعد الطائف بهدف رئيسي هو إلقاء القبض على الحركة النقابية وتطويعها وإلحاقها بالقيادات الطائفية وشل فعاليتها. مارست السلطة سياسة منتظمة في هذا المجال عبر تفريخ وإدخال نقابات واتحادات جديدة أساسها طائفي ولا تحوي في عدادها منتسبين من العمال. تدخلت في انتخابات الاتحاد العام، وحاولت فرض مرشحيها. مارست تقييداً على نضالات الحركة العمالية وقمعت حرية تحركها.
شكلت معركة الحريات النقابية والحفاظ على استقلالية الحركة النقابية عنواناً مركزياً خلال هذه المرحلة. وكانت التداعيات العامة لجهة تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، والهيمنة الكاملة للطوائف وسيادة شعاراتها، وتشدد السلطة الحاكمة في منع التحرك، وإصرارها على إلغاء دور الحركة النقابية، إضافة إلى ترهل القيادات النقابية وتفريغ النقابات من العمال المنتسبين إليها، وكلها عوامل تضافرت لتجعل من الحركة النقابية اليوم حركة ضعيفة منقسمة على نفسها غير قادرة على النهوض وتجاوز الانقسامات الطائفية والأهلية التي تعصف بالبلد راهناً.

ففي لبنان، يوجد 52 اتحادا عماليا يضم ما يزيد عن 500 نقابة. وقد أدى هذا الانقسام في الحركة العمالية إلى ضعف قدرتها على التعبير عن مطالب أعضائها.

و لكن وصول الأحزاب السياسية والطائفية إلى سلطة القرار في الاتحاد العمالي العام جعله أداة سياسية تتحرك لخدمة أهداف بعض الأحزاب.

ويجيز قانون الجمعيات اللبناني لكل ثلاث نقابات وما فوق أن تشكل اتحادا. هذا الأمر فتح الباب أمام ولادات عشوائية للنقابات والاتحادات جعلت في القطاع الواحد، كقطاع النقل البري، ثلاثة اتحادات لكل منها اتجاه سياسي.

كما يتيح القانون لكل اتحاد عمالي مندوبين اثنين داخل المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام بغض النظر عن عدد أعضاء الاتحاد.

فعلى سبيل المثال، اتحاد نقابات عمال الصناعات الورقية الذي يضم 142 عضوا يمثله مندوبان وفي الوقت نفسه اتحاد المصارف الذي يضم أكثر من 10 آلاف عضو يمثله أيضا مندوبان.

“المشكلة أن كل حزب في لبنان اليوم صار يطالب بحصته من الأعضاء داخل الاتحاد العمالي العام وأصبح الدخول للنقابات يتم لاعتبارات سياسية وطائفية وليس عمالية وهم ينفذون توجيهات أحزابهم من دون التطلع إلى مطالب العمال“.


أخيرا، في ظل هذه الظروف الخانقة ، نتطلع الى دور مميّز للحركة النقابية بغية تحرير الإنسان اللبناني من ايديولوجيات الذل والخضوع ومن الخرافات وما أكثرها!
وحده النضال النقابي قاد إلى الاسهام في بناء مجتمع متقدم يغرف من ثقافات الشرق والغرب ويعمل على الخروج من دائرة الخوف والاستسلام ويستلهم قيم الإنسانية العليا المتمثلة بالديمقراطية والعدالة والمساواة بين المواطنين.


إن لبنان ينوء تحت وطأة التناقضات في ظل طبقة سياسية نخرها الفساد وفقدت أبسط شروط القيادة، طبقة تنفذ ما يطلب منها بحيث أصبح الوطن مرهونا للخارج ومقيد الإرادة. وتعمل هذه الفئة عن طريق المال والتسلط والاعلام الخرافي على تحويل أنظار اللبنانيين عن قضاياهم اليومية الملحة: توحد القوة الشرائية، تعليم الاولاد في مؤسسات تربوية صالحة، تأمين السكن اللائق، توفير الضمانات الصحية والاجتماعية ليصبح الهم الاول والاخير كيف تتم عملية المحاصصة وأين حقوق هذه الطائفة أو تلك، وتلعب بعض وسائل الاعلام دوراً سلبياً في هذا الاطار إذ انها تشدد على التناقضات الهشة بين أركان السلطة في حين تسدل الستار على المشاكل الحقيقية للمجتمع اللبناني.


أمام هذا التردي المستمر لا بد من التساؤل حول وسائل الخروج من المأزق لاستعادة حياة اجتماعية سليمة ولإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان.
الجواب هو في إعادة بناء حركة نقابية فاعلة ومستقلة وفي استعادة قوى المجتمع المدني لدورها التاريخي الغائب.


إن الشعب اللبناني مدعو لوعي خطورة الأزمة التي يجتازها، للتحرر ووطأة التفسيرات الوهمية والاسطورية، للعمل على بناء وطن جدير بالحياة والاستمرار.

فالنزاعات التي نشهدها اليوم هي ليست إلا لمصالح فئوية و أيديولوجية لا تراعي حقوق المواطن و تنمية وطنه لأجل تحقيق رفاهيته و إزدهار إقتصاده و بالتالي العيش حياة كريمة.


الفلسطينيين في لبنان بين التغرب و عدم مراعاة حقوقهم الإنسانية

أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان

إن لبنان نتحدث عنه أنه وطن الحضارة و التعايش و أنه رسالة بين الشرق و الغرب ، و هذا ما هو فعلا ما نريده. و لكن للأسف إن أردنا الغوص في وضع حقوق الإنسان في لبنان نجد أننا وطنا نحتاج إلى إستراتيجية فعلية لإصلاح و جلب حقوق المواطن اللبناني و الغير اللبناني، لأننا فعلا نعيش واقع مرير على الصعيد الإنساني.

و إن أردنا الغوص في حقوق الفلسطينيين في لبنان ننصدم، و أنا بالنسبة إلي أننا كلما ظلمنا الفلسطينيين في لبنان كلما عززنا العنف و الحقد و الكراهية في الوطن، لذلك واجب علينا أن نقر بأبسط الحقوق الإنسانية للفلسطينيين و برفض التوطين حالا و مستقبلا، و يتم جلب الحقوق بالتنسيق مع الدول المانحة و المؤسسات المانحة لأن وضعنا الإقتصادي في الداخل تعيس جدا، فيكون إعطاء الحقوق ضمن إستراتيجية تؤمن حق اللبناني و الفلسطيني في الوقت عينه، فإننا لا نريد أن نؤثر على لقمة عيش اللبناني و لا نريد أن نحسس الفلسطيني بالذل و نريد إعطاءه حقوقه الإنسانية.

فحقوق الإنسان هي عبارة تفيد أن تلك الحقوق هي عالمية وغير قابلة للتصرّف أو للتجزئة وأنها مترابطة ومتشابكة. وحقوق الإنسان هنا تشير إلى إطار حقوقي وضعته الأمم المتحدة انطلاقاً من ميثاقها مروراً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين حول الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعشرات من المعاهدات والاتفاقيات الدولية. من جهة ثانية لبنان صادق على معظم تلك الاتفاقيات ووضعها في مقدمة دستوره الذي يفيد في الفقرة (ب) أن “لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء.”

بالرغم من أن المادة ٢ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء” فإن الواقع المُعاش حول العالم يؤكّد التمييز والتفرقة بناء على عوامل اقتصادية وسياسية لا تعنيها مثالية المدافعين عن الحقوق بل وتضع الحقوق في ميزان الربح والخسارة من جهة ومصلحة الدول الكبرى والقوى المسيطرة من جهة أخرى.

مثال على العوامل الاقتصادية هو أولوية الحقوق الفردية التي تحمي الملكية الخاصة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعات (والأفراد). فواقع التنافس الاقتصادي، خاصة تحت “الجزمة الخفية للسوق” يجعل من المستحيل تحقيق حقوق أساسية كالحق في المسكن أو المأكل أو العمل أو التعليم أو الراحة (وهي حقوق في صلب الإعلان العالمي)، خاصة في ظل تحويلها إلى سلع تُشترى وتُباع، وانسحاب الدولة من واجب رعاية مواطنيها والتأكّد من تجسيدها للحقوق دون أي تمييز. فكيف يمكن مثلاً تحقيق “الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر” (المادة ٢٤) في وقت يتحول فيه العمل إلى عمل مؤقّت وجزئي ويتم فيه ضرب النقابات لمنعها من الدفاع عن العمال وتسهيل المهمة أمام الاستثمار الخاص ليتصرف كما يشاء؟

فتشير التقديرات أن من أصل حوالي ٤٠٠٠٠٠ لاجئ فلسطيني مسجّل في لبنان، فإن العدد المتبقي بعد هجرة عدد كبير منهم إلى دول ثالثة هو حوالي ٢٥٠٠٠٠ يعيش معظمهم في ١٢ مخيم رسمي من أصل ١٦ (تم تدمير مخيمات النبطية والدكوانة وجسر الباشا وإخلاء مخيم غورو في بعلبك، بالإضافة إلى نهر البارد الذي يعاد إعماره). يقيم في المخيمات نسبة 45% من مجموع اللاجئين، ويتوزع الباقون في مناطق عدة من لبنان، بالاضافة لمن غادروه باتجاه مختلف بلدان العالم، بقصد العمل وتحصيل لقمة العيش.

و كما و أن بقيت الرقعة الجغرافية، لأي مخيم، محصورة ضمن المساحة التي كانت عليها عام 1948، مما شكّل اكتظاظاً سكانياً، داخل كل مخيم، في بيئة تفتقر لأبسط متطلبات الحياة الصحية والاجتماعية. وزاد الطينة بلةً، ذاك القانون، الذي يمنع على الفلسطيني التملّك، ولو لكوخ يأوي فيه أسرته، تحت عنوان منع التوطين.

وإذا ما قارنا بين وضع الفلسطينيين في لبنان والمعاهدات الدولية التي صادق عليها, نجد عدداً كبيراً من الانتهاكات أهمها: الحق في العمل، الحق في الملكية، الحق في التنقل، الحق بالهوية، الحق بإنشاء الجمعيات، والحق في المشاركة السياسية، بما في ذلك الحقوق المرتبطة بها كالحق في الانتماء إلى النقابات أو الحق في الخدمات العامة.

في مجال الخدمات العامة نجد تدنّي مستوى الرعاية الصحّية في مستوصفات وعيادات الأنروا وعدم وجود مراكز صحّية كافية بالإضافة إلى تدنّي مستوى التعليم في المدارس بسبب الاكتظاظ ودوام التدريس والمعاملة السيّئة. وتعاني المخيمات الحصار الحياتي اليومي كمنع البناء وعدم مراعاة التطور الديموغرافي مما يؤثر على نوعية الحياة بالإضافة إلى انتهاك حرية التنقّل بسبب الحواجز التي تقيّد حركة الفلسطينيين. هذا الواقع أدّى إلى ارتفاع نسبة الكثافة السكانيّة داخل المخيمات وارتفاع نسبة البطالة وزيادة التلوّث البيئي وتزايد الأمراض المزمنة وانتشارها وتضاعف أسعار البناء وارتفاع معدّلات التسرّب المدرسيّ. هذا بالإضافة إلى الأثر النفسي الذي يؤدّي إلى تنامي الإحساس بالعزلة والخوف من الآخر (اللبناني). كما يتم حرمان الفلسطينيين من حق تملك أي عقار في لبنان مما يؤثر سلبياً على السوق العقاري في لبنان ويضرب المبادئ العامة لقانون الإرث.

بالنسبة للحقوق المدنية، خاصة الحق في المشاركة، فإن القوانين المفروضة على أجيال من الفلسطينيين وُلدوا وترعرعوا في لبنان فتقف في وجه عدد كبير من الحقوق خاصة تلك المبنية على المواد ١٨ و١٩ و٢٠ من الإعلان العالمي التي تضمَن حرية التفكير والضمير والدين وحرية الرأي والتعبير وحرية الاشتراك في الجمعيات. فقانون الجمعيات (١٩٠٩) يسمح للفلسطينيين بالمشاركة بنسبة 20% فقط في الجمعيات اللبنانية، أما قانون الجمعيات الشبابية والرياضية (٢٠٠٤) فلا يسمح مطلقاً للفلسطينيين بتأسيس هذا النوع الجمعيات. وبينما تتوجّه معظم الدول المتقدّمة إلى تعزيز المشاركة للجميع في الانتخابات المحلية، بمن فيهم غير المواطنين الذين يعيشون بشكل شرعي في المحلّة، فإن حرمان الفلسطينيين من حق المشاركة السياسية يسمح بتجاهل الدولة والبلديات للمخيمات وعدم تلبية حاجاتها الخدماتية ويؤدي إلى عدم الاعتراف باللجان الشعبية التي تمثّل المخيمات وعدم اشتراك كافة فئات الشعب الفلسطينيّ في هذه اللجان واقتصارها على مندوبين من الفصائل دون أي إمكانية للمساءلة والمحاسبة الشعبية الديمقراطية.

وقد كان إقرار حق العمل للفلسطينيين مؤخراً نتيجة للضغط السياسي الكبير الذي مارسته بعض القوى خطوة إيجابية نحو تحسين مستوى المعيشة ويبقى أن يتم تطبيقه في ظل العنصرية الوقحة التي تتغلغل داخل المجتمع اللبناني ضد الفلسطينيين وغيرهم من فقراء العالم الذين وجدوا أنفسهم هنا لسبب أو لآخر.

إن إقرار حق العمل دون غيره من الحقوق (غير القابلة للتصرف والتجزئة) يبقى خطوة ناقصة جداً، فالعنصرية تنخر المجتمع اللبناني، والعنصرية الظاهرة للعلن لا تعدو عن أن تكون رأس جبل الجليد.لم يكن هذا نتاج الصدفة وهي تعبّر عن نظام سياسي مبني على قاعدة فريدة تُخضِع المواطنين، فنجد أن تاريخ اللجوء الفلسطيني لم يكن بمنأى عن الاستغلال الطائفي منذ البداية. وإذا ظن أحد منّا أن الحرب الأهلية كانت قد أفرغت أسوأ أنواع المقت الطائفي (من قتل على الهوية وما إلى ذلك)، فهذا لا يفسّر ما حصل بعد ٢٠ عاماً من انتهائها حين بدأ الحديث الرسمي عن الحقوق الإنسانية. تصطدم المطالبة بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية الأساسية بحائط الطائفية اللبنانية. فحتى هذا الإطار العام الذي يفتقد إلى أي آلية تطبيق (لا فصل سابع فيما يخص حقوق الإنسان) يتعارض بديهياً مع النظام الطائفي/العنصري.

وبما أن حقوق الإنسان لا تُجتزأ ويجب أن تطال الجميع دون تمييز، يفرض علينا هذا أن ننظر إلى النضالات المتنوعة حول الحقوق كأجزاء من كل واحد نسعى لترابطها والتشبيك بينها، ولهذا يجب أن نضيف أن إلغاء النظام الطائفي هو أيضاً حق من حقوق الفلسطينيين في لبنان.

أخيرا، إنني أرى أننا كلما جلبنا حقوق الإنسان للبنانيين و لغيرهم كلما وصلنا إلى الإستقرار و اللاعنف في الوطن و جسدنا مبدأ إحترام الدولة و التعايش فيما بين الموجودين على الأراضي اللبنانية، و بالتالي نعزز الإزدهار الإقتصادي و الإستقرار في الوطن، علينا جميعا أن نعمل و نكد جهدا لكي نصل إلى مرحلة تطبيق حقوق الإنسان في لبنان.

أهمية المبادرة الإجتماعية و الإقتصادية و تأثيرهم في سياسات الدول

إن تفعيل المبادرة والقيادة لدى الطالب من خلال نظريات القيادة الحديثة وسمات الشخصية الحديثة، وتنمية شخصية الشباب بإتجاه روح التفاعل مع المجتمع وسوق العمل، وإيجاد بيئة للإبداع تجعله قادراَ على إتخاذ القرار الصحيح، وتفعيل روح المبادرة ضماناَ للإستقرار والنجاح.

كما إن أعدادا كبيرة من الحاصلين على شهادات التعليم العالي ،لا تجد منافذ لسوق الشغل، بسبب التباعد الحاصل بين التكوينات المدرسة، وحاجيات سوق العمل

المبادرة الإجتماعية :

يعتبر العمل التطوعي في هذه المرحلة مزدهرا وفي أوج قوته، إلا أن العمل التطوعي يواجه تحديات منها إيجابية وأخرى سلبية، فالإيجابية منها هو مشاركة أكبر عدد من المواطنين والمؤسسات في العمل الأهلي التطوعي مما يشجع على التنافس والتطوير وإثراء المجتمع بأفكار متميزة لتنمية المجتمع ودخول دماء جديدة للعمل التطوعي، و إنخراط الفرد في العمل العام يمتن الديمقراطية و يبني شخصية الفرد.

ولكن في الناحية السلبية منها شكوى العديد من الجمعيات الكبرى حول تشتيت العمل التطوعي وتجزيئه الى مؤسسات صغيرة قد لا تحظى بالموارد المالية والبشرية الكافية لتفعيل مشروعاتها التطوعية واستدامتها، كما و أن هناك مشكلة جزرية في المجتمع المدني أي أن البعض منها دخل الفساد بدلا من أن يحاربوا الفساد.

المبادرة الإقتصادية :

إن المبادرة الإقتصادية و الإجتماعية مرتبطين بشكل جزري بينهما البعض و أعتبرهم أنهم متكاملين لأنني أعتبر أن كلاهما يدعما البعض بسبب إرتباط التطور الفكري و الإداري خلالهما.

إن روح المبادرة في ظل التباطؤ الاقتصادي، إمكان المشروعات الفردية الخاصة على دفع وتحفيز التنمية الوطنية، بالإضافة إلى كيفية استطاعة الدولة تشجيع المشروعات الفردية الخاصة، والعوائق التي تحول دون ذلك، إضافة إلى كيفية أن يتعاون القطاعان العام والخاص للمساعدة في التغلب على هذه المعوقات.
فوصول أصحاب المشروعات الفردية الخاصة إلى رؤوس الأموال في عالم مقيد مالياً، وأفضل وأنجح الطرق التي يجب استكشافها من أجل تحقيق الازدهار والرخاء الاقتصادي، فالأزمة الاقتصادية أثرت على الجميع، وننظر نظرة إبداعية اجتماعية لحلها عن طريق الجمع بين الأفراد والشركات، وهو أمر لابد من حدوثه”.

فليس كل شخص مهيئاً لاتخاذ المبادرات في العمل. لكن من المؤكد أن يتخذون المبادرات يكونون دوماً في الطليعة. امتناع الكثير من الناس عن اتخاذ المبادرات ليس مرده لامكانياتهم المحدودة وإنما لاعتبارات اجتماعية وتكوين نفسي خاص. حب المبادرة موجود بالفطرة لدى كل الناس لكن لا بد من افساح المجال أمامه كي يأخذ مجاله.
فالانسان بطبعه يحب اكتشاف كل شيء جديد ويحب أن يجرب بنفسه لكي يقتنع بكثير من الأمور. مثلاً، جميع الناس يحبون السياحة والسياحة هي بشكل ما مبادرة لاكتشاف شيء مجهول يبدو أنه جميل وممتع
لماذا إذا يمتنع الكثير من الناس عن المبادرة في العمل؟ هناك عدة أسباب:
الخوف والخجل من الخطأ هو العامل الأساسي الذي يمنع معظم الناس من المبادرة

تحمل مسؤولية المبادرة له دور كبير في الابتعاد عنها
العمل تحت اشراف رئيس غير منفتح يسد كل امكانيات المبادرة
العمل في مجال لا يحبه الانسان يجعله غير قادر على المبادرة
بالطبع هناك أسباب أخرى تتعلق بحالات خاصة لا مجال لذكرها هنا. لكن بالمحصلة لاتخاذ المبادرة لا بد أن يعمل الانسان في مجال يحبه تحت اشراف شخص يقبل المبادرات. أما الخوف من الفشل والخجل من الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الشخص فهو أمر يمكن التخلص منه بالتجربة.
بالمقابل إذا كانت البيئة المحيطة من حيث نوع العمل أو طبيعة من نعمل معهم لا تسمح بالمبادرة فالتجربة لن يكون لها نتائج ايجابية.
في كل الأحوال تشير نتائج الدراسات المتعلقة بالنجاح العملي أن من يتخذون المبادرات هم فقط القادرون على الوصول إلى أعلى المراتب المهنية. إذا كانت طموحاتك كبيرة فلا بد لك من أن تدرب نفسك على المبادرة.

فالمبادرة تسمح بنمو الاستثمار الخاص، وتوفر فرصة اجتماعية سيكون لها عائد اجتماعي ومادي، فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا يوجد لديها طريق سهل للحصول على القروض والتسهيلات المالية، مؤكدة على أنه لا يمكن تسهيلها إلا عن طريق تغيير الأنظمة المصرفية في بعض الدول.
يجب على الرواد تحمل المخاطر، إن الأزمة الاقتصادية لم تكن متوقعة وكل يوم تقدم لنا مفاجآت جديدة ويجب على الدول أن تتوحد لمواجهتها”، فقطاع التصنيع والإنتاج يعد قطاعاً مزدهراً.

أخيرا، لكي نؤمن مبادرة سليمة و ناجحة علينا الإلتزام باللنود التالية :

  • برنامج تدريب الريادة
  • خلق مناخ لتسليط الضوء على الممارسات السليمة لتعليم رواد الأعمال المستقبليين ومساعدة الشركات على إعداد حلول اجتماعية جماعية للمشكلات المتعلقة بالفساد
  • تشجيع روح المبادرة الاجتماعية وإطلاق مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات
  • إعداد مبادرات لتشجيع روح المبادرة الاجتماعية وثقافة الأعمال الخيرية الذكية المستدامة لدى شركاء الأعمال للمساعدة على إعادة تعريف نماذج الأعمال بما يخلق تأثيراً اجتماعياً إيجابياً.
  • منح قروض ميسرة و مدروسة لرواد الأعمال
  • تحفيز الدولة على المبادرة الإجتماعية و الإقتصادية
  • تسويقها من خلال الإعلام و البرامج المدرسية
  • حوار بناء للسياسة العامة، استضافة حوارات أعمال/ استثمار لتوضيح القضايا والتحديات ذات الأولوية لدى أوساط الأعمال والاستثمار كأداة لتحفيز الإصلاح ومساعدة الجهات المنظمة على تحديد الأولويات. وحوكمة الشركات، العمل مع الجهات المنظمة ومجالس إدارات الشركات على تعزيز بنى المساءلة.

دور الإعلام السلبي في حياتنا السياسية

معروف أن الإعلام يعتبر سلطة. والمتداول أنه السلطة الرابعة، بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. لكن، مع بروز ظاهرة العولمة الإعلامية التي حوّلت العالم كله إلى قرية كونية، والتطوّر السريع والمدهش للتكنولوجيا الإعلامية،

يمكن القول إن الإعلام أصبح اليوم سلطة ثانية. فالسلطة الأولى هي راهناً السلطة الاقتصادية، والثانية الإعلامية والثالثة السياسية، علماً أن الأولى تتحكّم بالثانية، والثانية تؤثر تأثيراً كبيراً على الثالثة.
و هذا الترابط ولد لنا وسائل إعلام تابعة و ألغى المحاسبة و المساءلة بسبب تحكم الساسة بالإعلام و بالقضاء، و هكذا تحكم خطير جدا لأنه ينقلنا من الديمقراطية الفعلية إلى الديمقراطية الموجهة و التي أعتبرها شبه ديكتاتورية.

و هذا الواقع الإعلامي ممكن أن يعيد تاريخنا المأساوي أي الذاكرة البغيضة أي الحرب الأهلية إلى يومنا هذا ، فعلى الجميع أن يعي مخاطر ما يحدث ، و بعض الوسائل الإعلامية تتحمل مسؤولية الفساد الموجود في الوطن بسبب عدم تمعتعها بالشفافية اللازمة.
فمَن هي السلطة المخوّلة وضع الضوابط لحرية التعبير عندما تصل هذه الحرية إلى التحريف والتضليل، أو التحريم والإدانة، أو استثارة مشاعر البغضاء والكره أهي السلطة السياسية أم السلطة الدينية؟
إعلام مزدهر و غير شفاف :

فصحيح أن الاعلام مزدهر في لبنان، لكنه خارج عن أي إطار صحيح. والمفروض أن على وسائل الاعلام العامة أن تحرص على آراء شرائح المجتمع من دون أي انحياز. الا أن التلفزيونات نالت الرخص اساسا وفق اعتبارات مذهبية وسياسية كانت السبب في وجودها. وخلال فترات الاستقرارالسياسي ابدت هذه الوسائل نوعا من الاعتدال لتعود الى الاصطفاف مع السخونة والتوتر، وتحول محطات المرئي والمسموع الى متاريس اعلامية و البعد عن الموضوعية، و أحد أسباب هذه المشكلة  في القانون الموزع طائفيا على رغم ان مواده تنص على التعددية، لكن التطبيق ما زال طائفيا.

فدور الاعلام ليس تصحيح الواقع وانما نقله وفق الضوابط المهنية المفقودة في الوسائل اللبنانية». و أن الاصطفاف الحاصل هو نتيجة التراكمات الثقافية. والمشكلة الموجودة لا تدفع الى التطرف في ادانة الاعلام بشكل عام وشامل.

الإعلام و الإعتدال:

إن الاعتدال الذي ندعو وسائل الإعلام اللبنانية إليه، ليس بأي صورة من الصور تنازلاًَ طوعياً عن بعض الحرية في القول أو الممارسة المهنية وليس إحجاماً عن اتخاذ المواقف ولا مسايرة للجميع أو تجاهلا للاختلاف بينهم أو حياداً في مسائل هذا الاختلاف، بل هو في المقام الأول العقلنة واحترام الآخر والحوار في بلد متنوع يهدد فيه الغلو والتطرف الوحدة والسلم الأهلي والاستقرار.

“. والاعتدال موقف معرفي وأخلاقي يحاكي قواعد السلوك المهني في الإعلام التي تقوم على مبادئ تبدو بديهية غير أن بديهيتها لا تقلل من أهميتها. فالاعتدال يقوم على الحق في المعرفة والتعبير عن الآراء المتنوعة ويعطي الأولوية لفهم الوقائع وهي أولوية الخبر على الرأي.
ويقتضي الاعتدال الإحجام عن نشر كل ما يحض على العنف والكراهية بين اللبنانيين، ويدعو الى الانتقام، ويستخدم لغة الشجار والتحقير والإقذاع والإغلاظ والبذاءة والتهكم المسيء الى كرامات الجماعات والأشخاص. ذلك أننا في هذه الأيام، وهنا أقتبس من رسالة الصوم لغبطة البطريرك صفير “لا نسمع إلاّ ألسنة تنطق على هواها وهي تحمل ما لم يألفه اللبنانيون من ذي قبل من كلام مقذع وألفاظ تحقيرية ومفردات تنحدر بالناس الى مصاف الحيوانات. وهذا دليل على انحدار في الأخلاق ونفوس ملأها الحقد وفتكت بها الضغينة، والكتاب المقدس يقول الإنسان الغضوب يثير النزاع

الاعلام الحر و دوره :
انه بظل التطور العالمي السريع للتقنية الاعلامية والانتشار الواسع للقنوات الإعلامية المحلية والفضائية وتطور قنوات الاتصال عبر “المسموع والمرئي والمكتوب” الذي اصبح من حق المواطن ان يتلقى الخبرية الطبيعية بعيدة عن كل وسائل الفلترة التي يتميز بهما المحرر الصحافي من ذكاء وحرفة لتصل المعلومة الى المشاهد او السامع. الاعلام اذا هو الضمير الحر الذي نرى فيه الانعكس الطبيعي لمرآة الزجاج التي نرى من خلالها الانعكاس الطبيعي لكلما يحدث من حولنا بشفافية وصراحة كاملة، لان من حق كل مواطن ان يحصل على المعلومة كما هي دون الزيادة او النقصان،لان مهمة الاعلام بشخص المحرر الصحافي أن يقدم الخبر دون الاجتهاد به أو إضافة الرأي الشخصي، وإنما تبسيط الخبر دون التحريف والحذف لان المواطن هو الذي باستطاعته فقط إعطاء الرأي النهائي لما يحمل. وهنا يكون الاعلام يؤدي دوره الحيادي والحر في ايصال الخبر والمعلومة الىالمشاهد اوالقارىء.
فإذا دخل الاعلام في التوجية فعليا فلا مانع عندها أن يكون إعلاما موجها راقيا وايجابيا لا سلبيا ورديئا ومحرضا طائفيا ومذهبيا لان للإعلام في لبنان على الأجيال الصاعدة تأثيراً قوياً وفاعلاً على عقولهم وتصرفاتهم.فالاجيال الصاعدة هي اولاد الاعلام والاعلان اكثرمما هي أولاد التربية العائلية والمدارس، الناس هم رهائن المانشيت والجبر وضحايا الشكل الفارغ من المضمون، والمضمون المليء بالالغام.
الاعلام السياسي في الانتخابات:
الاعلام السياسي في الدول الغربية وامريكا هو الوسيلة الانجح في كسب أصوات المقترعين ويكاد ينحصر الإعلام السياسي في الحملات الانتخابية ، منذ ظهوره في العام 1946 في أميركا ومن ثم في فرنسا ، ليشمل بعدها جميع الدول في العالم، مستعيرا في أسلوبه كل وسائله من الاعلام   التسويقي” الماركتينغ” فالاعلام الانتخابي يستخدم في معظم الوسائل الاعلامية الا ان وسيلة  واحدة هي وسيلة التلفاز تبقى الوسيلة الأكثر فعالية اليوم في انتشاره وتسويقه. والاعلانات التي تاخذ كل انواع الشتائم والحملات التحريضة شتى انواعها ولكن تبقى الشعارات التي يطلقها المرشحون عن طريق حملاتهم تحاول الضرب بالوحل للخصم “التراشق بالوحل” والتي أصبحت تأخذ البذاءة والقذارة في اللفظ او كما يقال بالعامية “بالوسخ” والتي تفوق كل الحدود من المسموح والممنوع التداول به من البذاءة وهي اقرب أن تكون تقليدا عمره من عمر الانتخابات والسلبية جزءاً لا يتجزأ من الحملات الإعلانية، ولكن البذاءة في لبنان والدول العربية تجاوزت ما يعتبره البعض الحدود والتي دخلت مرحلة جديدة في لبنان وبعض الدول العربية من التحريض والتخوين والذي يخشى معه أن يؤدي إلى عنف شديد  “الانقسامات الفلسطينية، و7 مايو/أيار2008، في لبنان، والعراق ،الصومال ،السودان ، اليمن الخ… لكن  لبنان ما يزال هو الأبرز في ممارسة  هذه  الحالة.
يظنّ المشاهد أن أقنية التلفزة تلبِّي جميعها حاجاته وعطشه إلى المعلومات وكذلك الصحون اللاقطة ومواقع الرصد الالكتروني، وبات الحديث في الكمّ والاختلاف من باب المسلّمات،  مما لا شك  فيه بان الإعلام اللبناني، بات في مجمله، شديد الارتباط بالمجتمع السياسي، وعلى علاقة  وطيدة ومباشرة مع  الأحزاب والتنظيمات المحلية أو الخارجية.  ولقد شكلت متابعة المواضيع السياسية  على شاشات  التلفزة، متعة للراغب في استقصاء المعلومات، بشكل عام ، ولكن  اذ أحجمت القنوات الناطقة بالحقيقة والشفافية عن مواكبة ما جرى، واستبسلت في الترويح عن وجهة نظرها وولاءها السياسي والحزبي في برامجها وأخبارها، مما عكس ذلك على المشاهد، المنتظر لنوعية من الخدمات الإعلامية ، مما دفعه  بان يتجه تدرجينا نحو البرامج الخفيفة والمنوّعات الضاحكة ، المتفرقة التي تخرجه من سيطرة القنوات وحقنها، بالترويج الإعلامي والسياسي لها ولاتجاهاتها المختلفة .  وهنا لا بد من الإشارة إلى ان التمييز الواضح بين وسائل الإعلام المرئي والإعلام المكتوب في الصحف اليومية  المحلية،  بارز الى الجميع . ومن نافل القول الى  ان الصحافة المكتوبة، رغم مشاكلها  الكثيرة، كانت وما زالت تلتزم بقوانين عالمية وتشيع بعض المبادئ في اقاصي العالم. حيث اشاعت حق حرية الرأي والتعبير المقدس طرداً مع حق الإنسان في الأمن والإطمئنان وحرية المعتقد. وشجبت على الدوام الحروب والنزاعات التي تقوم على اسس دينية او مذهبية او عرقية، ودافعت، منذ درايفوس وحتى اليوم، بنسب متفاوتة من النجاح والحماسة، عن المضطهدين بسبب انتمائهم او معتقدهم او عرقهم او جنسهم. لكن الصحافة المكتوبة تعيش في عالم يختلف اختلافاً جذرياً عن العالم الذي تعيش الصحافة المرئية  وضمنه، مثلما ان المبادئ التي تخدمها الصحافة المكتوبة تبدو مختلفة تمام الاختلاف عن المبادئ التي تحكم الصحافة المرئية في كل مكان من العالم. ولبد لنا من الاعتراف بكفاءة القائمين على جبهة الاعلام، كما يعرِّفها القاموس المعمول به. بيْد أن المنتج في المضمون، قلَّما يلتزم الموضوعية ويستأهل علامة الامتياز. بل ان معدنه يشي باستنساخ حديث من مصدر قديم، معلوم المنبت، طوّر الشعبوية الى مصاف الصناعة المتقنة، وجعل الترويج الدعوي الصاخب بديل الحقائق والمجريات. على هذا النحو، ثمة علاقة رحمية نسبية بين حواضر هذا النمط من الإعلام وارشيف المنظومات الشمولية، ليس أقلَّها تماثل بعض المعروض مع مخلفات مفوّه ألمانيا النازية غوبلز، مهندس الدعاية السياسية الأبرز في القرن العشرين.
الاعلام في ديمقراطية الانتخابات في لبنان:
التحريض،الشتائم، التخوين، كل هذا ليس له علاقة بالاعلام التنافس والديقراطية هما الموجه الفعلى للاعلام الانتخابي، حرية الاعلام في بت ونشر ومراقبة كل الاخبار والافكار والاراء المتعلقة في تطوير هذا التنافس دون الدخول في زواريب السياسة في بت ونشر الافكار التحريضية التي تؤدي الى نمو روح الخلاف والعداء في الشارع ، “كالشارع اللبناني ” الذي هو اصلا جاهز لتلقف هذة النزعات والصراعات وتجسيدها ممارسة ، الاعلام البناني في هذا المرحلة بالذات قد ياخذ الامور بعيدا الى مكان آخر ونحن نعرف جيدا عندما فلتة دفة الأمور في 7 مايو/أيار 2008 ، وما وصلت إليه  الأمور نتيجة الخطاب السياسي للسياسين ” التحريض الإعلامي والسياسي والشتائم” التي كان الإعلام ركائزها الاولى فكان الصدام ،،،والدخول في المجهول مجددا … على الاعلام الانتباه للمادة الانتقائية”الاعلامية” التي تساهم في اشعال الفتيل وإذكاء نار الفتنة ,المستهلك ساذج . .اذا حولنا مراقبة الاعلام اللبناني اليومي كل يوم تستهل القنوات اللبنانية نشراتها الاخبارية اليومية بمواضيع تقوم جميعها على الاثارة والتحريض والتفتيش على إظهار الخلفيات وإحداث نوع من النكد السياسي والمناطقي والمذهبي ، وربما تكون هذه” الخبريات باللبناني” غير المسئولة من قبل القيمين على القناة هي الشرارة الأولى في”الحرب،”لان الوضع في لبنان يمكن ان نصفه كما يقول المثل العربي القائل ” بان الجمر لاتزال تحت الرماد “… اذا لا اعلام يومي محرض، يمارس السياسة بدل الاعلام المهني.

أخيرا، إن الطبقة السياسية الراهنة هي وليدة هذا الإعلام و هي من محفزيه و مؤسسيه ، لأنه هكذا نوع من الإعلام يخدم مصالح الساسة و يمكنهم من البقاء على كراسيهم و تغطية فسادهم و فضائحهم، لأنه هناك أمور كثيرة و كبيرة لا يدري بها الشعب بسبب عدم الإيضاء عليها إعلاميا و إتباع سياسة الفلترة.

فالإعلام اليوم له دورا كبيرا في إصلاح الوطن و في إبراز الصح و الخطأ ، و أين اليوم الإعلام من الساسة المستقلين الغير تابعين؟ لماذا لا يتم الإيضاء عليهم إعلاميا أليست هذه منهجية إعلامية متغطرسة؟

على الوسائل الإعلامية جميعا إتباع سياسة الحياد و إبراز الجميع و نقل الخبر كما هو و من بعدها المواطن يقرر ما هو مناسب له، عسى أن يأتي يوما و نرى وسائل إعلامية فعلا محايدة

سياسة إحتكار القطاع الخاص تؤدي إلى رفع نسبة الفقر و الحرمان

خلال الحرب الأهلية المديدة، ورغم سيطرة الميليشيات على معظم أرض لبنان، ورغم الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته على أجزاء واسعة من الأرض، فإن سلطة الدولة المركزية انحسرت كثيراً ولم تسقط نهائياً.

لقد بقي مجلس النواب الذي تم انتخابه في أوائل السبعينيات قائماً حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، دون تجديد شرعيته عبر انتخابات عامة، بالرغم من كل المتغيرات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي مرّ بها لبنان.

وكانت الحكومات المتتالية تجدد ولاية المجلس النيابي، ويجدد المجلس النيابي شرعية الحكومة، بعيداً عن هموم الجماهير ومتغيرات السياسة وموازين القوى الداخلية والخارجية. وبقيت الحكومات المتتالية تدفع رواتب وأجور موظفيها العاملين وغير العاملين، من عسكريين ومدنيين، مَن كان منهم فوق الأرض اللبنانية أو خارجها. وبقيت الطبقة الحاكمة، المتمثلة سياسياً بمؤسسات السلطة القائمة ورموزها، بفكرها وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، وكأنها خارج إطار الصراع الداخلي أو الصراع ضد العدو المحتل.

إن الطبقة الحاكمة تاريخياً في لبنان والمتمثلة بالمجلس النيابي الذي تلون كثيراً وتمايل مع متغيرات الرياح السياسية في ظل الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، أعادت تجديد النظام اللبناني ذاته، وبإشراف وتدخل قوى إقليمية ودولية عملت على وضع حد للحرب المديدة، وذلك في مؤتمر الطائف.

فالتعديلات الدستورية التي أدخلت على النظام اللبناني كانت تمثل فعلاً فكر ومصالح الطبقة الحاكمة اللبنانية، ضمن تبدل موازين القوى الطائفية، أكثر مما مثلت إرادة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المؤتمر.

وبعد استقرار نسبي في الوضع الداخلي اللبناني، وبعد إعادة توحيد المناطق اللبنانية التي تشظت، وربما كادت تتبلور ككيانات طائفية في ظل حكم الميليشيات، تم تجديد الطبقة الحاكمة بانضمام شرائح برجوازية كبيرة إليها، بنت ثرواتها بأشكال مشبوهة خارج لبنان في قطاعات الخدمات والمقاولات والسمسرات، أو في داخله عبر سلطة الميليشيات أبان الحرب الأهلية. لم تكن هذه الشرائح الجديدة غريبة عن فكر وارتباطات شرائح الطبقة البرجوازية الحاكمة، بل كانت منسجمة كل الانسجام معها، وسرعان ما احتلت مواقع أساسية في الحكومات أو في مجلس النواب. وأصبح بعض رموزها من ثوابت السلطة اللبنانية الحاكمة.

فالطبقة الحاكمة في لبنان كانت تدعو دائماً إلى رفع كل العقبات أمام التجارة الخارجية خاصة- ما عدا بعض القطاعات الاحتكارية للإنتاج في الداخل مثل الإسمنت والكابلات- كما تدعو إلى خفض الضرائب المباشرة أو إلغائها على الأرباح والمداخيل الرأسمالية والريعية. وكانت هذه الطبقة، وما زالت، ترفض رفضاً قاطعاً فرض ضريبة على الثروة، تلك الضريبة التي كثيراً ما تلجأ إليها الدول التي تتفاوت فيها المداخيل والثروات بشكل واسع، وخاصة بعد الحروب، لتعيد توزيع أعباء الحروب بشكل عادل. وتجربة ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية مثال جيد على ذلك.

وكانت هذه الطبقة وما زالت ضد قطاعات الإنتاج السلعي، وخاصة الزراعة والصناعة، إذ يمكن لنمو هذين القطاعين أن يقلص من أعمال وأرباح أصحاب الوكالات الحصرية في الاستيراد ولو على المدى المتوسط والقصير. فلبنان “جمهورية التجار” كما سماه “ألبرت حوراني”، يقوم على “الأعمال في الخارج وعلى العلاقات مع الخارج” كما رءاه وأراده ميشيل شيحا، وليس على الإنتاج المحلي.

كانت المصارف التجارية وما زالت تحتل موقعاً أساسياً ومهيمناً في “جمهورية التجار”. ففي الثلاثينيات من القرن الماضي “كان بنك فرعون وشيحا… يمثل سلطة المال الفعلية في المدينة (بيروت)، كما يمول الحملات الانتخابية للكتلة الدستورية، إلى حد أن اسكندر الرياشي اتهمه بأنه يعين ثلاثة أرباع المجلس النيابي تعييناً، ويسيطر على كتلة من 24 نائباً يتقاضون منه جميعاً المرتبات الشهرية. كما اتهم الرياشي نفس المصرف بأنه كان المسيّر الفعلي لسياسة الدولة الاقتصادية، ومقرر تشريعاتها الضريبية، أيام تولي بشارة الخوري رئاسة الحكومة في الثلاثينيات” كما يذكر فواز طرابلسي. وفي الستينيات من القرن الماضي، احتل بنك أنترا موقعاً مماثلاً في الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية، قبل أن يعلن إفلاسه القسري بأمر وتحريض من قوى فاعلة أجنبية. فقد كان هذا المصرف يدفع رواتب شهرية لأكثر من 65 نائباً ووزيراً.

طور ربحية المصارف وأموالها الخاصة خلال التسعينيات

(بملايين الدولارات)

السنة 1993 1994 1995 1996 1997 1998 1999
ربحية المصارف السنوية 99 182 206 314 429 503 437
الأموال الخاصة 260 410 718 1252 1958 2400 2660

هنا نرى الأرباح التي تجنيها المصارف و التي يحميها الساسة من خلال عدم وضع نظام ضرائبي يمكن المواطنين جميعا الإستفادة من هذه الأرباح و ذلك من خلال إستثمارها في إنماء الوطن، إنني مع أن نرى قطاعاتنا تنهض و تزدهر و تربح و لكن في الوقت عينه يجب وضع قسم من هذه الأرباح لأدل التنمية و مساعدة الفقير … و لكن إرتباط مصالح السياسيين بالإقتصاد الداخلي جعلهم يتغاضون النظر عن هذا القطاع.

نسبة الإنفاق (بالمئة) على بعض الوزارات من مجمل الإنفاق الحقيقي

(مجمل الإنفاق ناقص خدمة الدين)

السنة 1993 1995 2001
وزارة الزراعة 0.293 0.479 0.602
وزارة الصناعة 0.029 0.039 0.052
وزارة الداخلية 12.601 12.027 9.637
وزارة الدفاع الوطني 27.341 28.99 23.017

إن الإنفاق على قطاعي الزراعة و الصناعة ضئيل جدا و هذا ما يعزز الإتجاه إلى القطاعات الأخرى و إضعاف الإنتاج الداخلي و ذلك يعزز بقاء لبنان في الإعتماد على القطاع الخدماتي و ذلك لا يكفي فلبنان بحاجة إلى إستراتيجية إقتصادية تعزز مختلف القطاعات و ذلك يؤدي إلى تعزيز فرص العمل و إلى تطوير قطاعاتنا الزراعية و الصناعية و يخفف من المشاكل الإجتماعية الموجودة لدينا و من الهجرة الداخلية.

أين الإنماء المتوازن؟؟

(بالدولار الأميركي)

المحافظة الاستثمار المقدر الاستثمار المصحح نسبة التصحيح (بالمئة)
بيروت 1515.5 2183 +44
ضواحي بيروت 1948.3 1365.1 -31.2
جبل لبنان 1460.8 1526.2 +4.5
الشمال 1647.5 1408.3 -14.5
الجنوب 1861.1 1419.2 -23.7
النبطية 2391.9 1719.9 -28.1
البقاع 2117.1 1609.1 -24
لبنان 1770.6 1544.3 -12.78

هنا نرى عدمية الإنماء المتوازن و التركيز على محافظات من دون أخرى مما يؤدي إلى الفقر و الحرمان في بعض المناطق و إلى إزدهار مناطق أخرى على حساب المناطق المهمشة، و ذلك من أسبابه إرادة بعض الساسة في مركزي و الإزدهار و التحكم بالإقتصاد اللبناني.

تحكم الساسة بالإقتصاد الوطني

ختاما، للأسف لقد إندمج الإقتصاد في لبنان مع المصالح السياسية مما يؤدي إلى هيمنتهم عليه و هذه الهيمنة تلعب دورا في تفقير و تجويع الناس، نطالب الحكومة اللبنانية بالوقوف أكثر إلى جانب الفقير و إلى فصل المصالح الشخصية و الآنية عن مصلحة الوطن العليا الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية.

يجب أن تعامل كافة القطاعات بالتساوي و ذلك حسب مصلحة الوطن ، و نرفض سياسة  إحتكار الموارد، نريد بقاء أدمغتنا في وطننا الحبيب و ليس تصديرهم إلى الخارج.

تفعيل روح المواطنية هي الحل في لبنان

لا يزال مفهوم المواطنية في الدول العربية مفهوما “هلاميًا” تحيط به الضبابية الكثيفة ، فالمفاهيم تتكون و تتبلور عبر تراكم التجارب الإنسانية، و هي تخضع لقانون تطور المجتمعات و الثقافات، و هي ترتبط بشكل مباشر و عضوي بمنظومة القيم و الأعراف السائدة فيها ، علاوةعلى بنية النظام السياسي الخاص بكل دولة و مجتمع .

فرغم أنّ مفهوم المواطنية يخضع لتفسيراتٍ عدّة، ويحتمل كاصطلاحٍ غير تعريف، فهذا المنهاج التدريبي سيقدّم تعريفاً عملياً لمفوم المواطنية، وكذلك بضعة أمثلة عن سبل تفعيلها ضمن النظام الديمقراطي.

تشير المواطنية إلى عضوية الفرد في مجموعةٍ أو مجتمع، على نحوٍ يؤهّله إلى التمتع ببعض الحقوق وإلى تحمّل بعض المسؤوليات. فالمواطنية، والحال هذه، تدلّ في آنٍ واحد على وضعية ومسيرة ارتباط هذا الفرد بالعالم الاجتماعي. أما المواطنية كمفهومٍ، فتعود جذورها إلى فكرة “المواطن العالمي” أو، بكلّ بساطة، إلى فكرة الفرد الذي يشارك في مؤسسات صنع القرار في الحياة العامة.

ويقوم مفهوم المواطنية على ثلاثة عناصر أساسية. يتناول أولى هذه العناصر المواطنية كوضعٍ شرعي، تحدده الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية. فالمواطن، في هذا السياق، يرمز إلى شخص قانوني، يحق له أن يتصرف بحرية وفقاً لأحكام القانون، وأن يطالب بحماية القانون ضمن الجماعة؛ بينما يتناول العنصر الثاني المواطن كفاعل سياسي، يشارك في المؤسسات السياسية العاملة ضمن المجتمع، ويؤثّر، أو قل يحاول التأثير، على قيم المجتمع المحلي. أما العنصر الثالث، فيشير إلى المواطنية على أنها حسّ الانتماء إلى جماعةٍ سياسية، تحمل هوية تميزها عن سائر الجماعات. إلا أن هذه العناصر التي تعكس جوانب نفسية واجتماعية معاً، تبقى دوماً موضعَ تفاوض ما بين أبناء المجتمع المحلي على مرّ الزمن.

زِد على أنّ عناصر المواطنية الثلاثة هذه تتفاعل مع بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، تحدد الحقوقُ التي يتمتع بها المواطن، نوعاً ما، مختلفَ النشاطات السياسية المتوافرة التي يمكنه أن يشارك فيها. ونسجاً على المنوال نفسه، يمكن للهوية المدنية القوية أن تشكل، بحدّ ذاتها، حافزاً يحثّ المواطنين على المشاركة بشكل ناشط في الحياة السياسية ضمن مجتمعهم.

و هناك أسباب عديدة تزعزع فكرة المواطنية و هي :

المواطنية والطائفية:
إن معالجة مفهوم المواطنية في مجتمع طائفي، تُعد من أعقد الأمور لا سيما في الدول التي تشهد تنوعًا عرقيًّا ودينيًّا ومذهبيًّا كلبنان..، فالتصوّر السائد عن الطائفية فيها يُعد مكمن الفساد، لأنه يُكرس مفهوم أن الطائفية داخل الدولة هي انعكاس للطائفية داخل المجتمع، وعلى الأفراد القبول بالتعايش داخل الدولة مع ممارسات طائفية عديدة، الأمر الذي أدَّى مع مرور الوقت إلى شرعنة قيام الدولة الطائفية نفسها، بوصفها حتميّة اجتماعية أو تعبيرًا عن خصوصية محلّية لا يمكن التجاوز عنها، من دون ارتكاب مخاطر السير في اتجاه اقتسام غير عادل للسلطة والثروة المرتبطة بها.
هذه المعطيات أفرزت حكومات تخلَّت عن مسؤولياتها في بناء دولة حديثة حقيقية قوامها مفهوم الحق والقانون، وأصبح دورها محصورًا في تقاسم السلطة بين نخب الطوائف وأرباب الكراسي والعشائر القائمة، كما أدّى إلى رفع الممارسات الطائفية عن طاولة النقد واصبحت “الطائفية ” ذلك “اللاهوت المحرم” الذي ينبغي ألا نقترب منه، وهذا التصور وَحَّد تمامًا بين منطق عمل الدولة ومنطق عمل المجتمع الأهلي، ملغيا بذلك أي إمكانية لبناء دولة سياسية ديموقراطية.

لذلك يجد المحلل نفسه أمام إشكالية معقدة ومركبة ومتشعبة في آن، فمعالجة موضوع المواطنية يرتبط قبل كل شيئ بمسألة الهوية عند الكائن الانساني نفسه والخلفية الثقافية والحضارية، كما يرتبط بالديمقراطية والحريات من جهة أخرى.
وكثيرا ما يدور التساؤل حول التناقض بين ثقافة المواطنية و وجود طوائف ومذاهب، وفي واقع الأمر لا يوجد اي تناقض بين المواطنية والطوائف شرط توسيع المجال العام والقضايا المشتركة و توحيد الهمّ والأهداف الوطنية وتحييد الخصوصيات وعدم تسليط الضوءالسلبي على الاختلافات الثقافية، لأن تعدد الثقافات يثري التجربة الإنسانية، فالمواطنية طرح يحتوي الطوائف والتيارات الفكرية جميعها و يتجاوزها في آن من خلال توسيع مجال المشترك العام بين ابناء الوطن الواحد.

لذلك فإن عملية تكوين المواطنية الحقيقية في مجتمع متعدد، تبدأ من إيجاد صيغة ثقافية وتربوية قائمة على أسس فلسفية إنسانية تؤدي الى صهر الطوائف في بوتقة الوطن الواحد دون تلغي دور الأديان في حياة الأفراد، او ان تمس بالحريات الفردية للأشخاص.

فالطائفية السياسية هي ليست مجرد شعور عدائي لأفراد من طائفة نحو طائفة أخرى، بل هي أيضًا استراتيجية موازية تستخدمها بعض فئات النخبة السياسية في التنافس على السلطة أو سياسة منهجية تتبعها سلطة معينة في سبيل تأمين قاعدة اجتماعية شعبية او إثنية أو مذهبية تعزز مواقعها الاستراتيجية وهو ما تعمد إليه “الأحزاب الطائفية المؤدلجة في لبنان “لتكريس الطائفية كحتمية اجتماعية وتاريخية لا ترد.

ويزعم”ملوك الطوائف” اليوم أنهم يريديون تطبيق اتفاق الطائف، بالرغم من ان اتفاق الطائف ليس “مقدسًّا ” وبالرغم من أنه كرّس التمثيل الطائفي في الفئات الأولى، فاتفاق الطائف يطالب ب” إلغاء الطائفية “وفق صيغة نُقلت إلى الدستور اللبناني بعد تعديله بناءً على مضمون وثيقة الوفاق الوطني.
وذلك عبر المادة 95 من الدستور التي ورد فيها:” إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء الفئة الأولى من الموظفين وما يعادل الفئة الأولى، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأ الاختصاص والكفاءة“.
و في المادّة نفسها ورد ايضًا: “على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية“.

هذه الهيئة لم تشكَّل حتّى الآن، و هذه النصوص لم توضع موضع التطبيق بعد اكثر من سبعة عشر عامًا على إعلان اتفاق الطائف، وفي هذا مخالفة للدستورمع العلم أنه كان من الواجب تشكيلها من اوائل التسعينيات وكان بالامكان تجاوز الحالة الطائفية واعتبار هذه الهيئة مرجعية و منبراً للحوار المنتظم في كل شأن وطني، وتسخير السياسات التربوية والانمائية لها.

الديموقراطية والمواطنية الحرة في ظل المتغيرات العصرية:
ساهمت القفزة النوعيّة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصال السريع، الى زعزعة ممالك الأنظمة الشمولية التوتاليتارية المنتشرة في العالم لا سيما العربي منه، وفتحت الأفاق أمام الشعوب في الاطلاع على المعلومات كافّة بما فيها السياسية بطبيعة الحال، فلم تعد الأنظمة الرسمية هي مصدر المعلومات الوحيد، بل على العكس فإن وكالات الانباء الرسمية في هذه الانظمة لم تعد تلقى أي متابعة شعبية على الاطلاق.


فأركان المواطنية ومكوناتها هي:


يمكن ان نستخلص العلاقات المكونة للمواطنية ونحصرها بنقاط أهمها:


العلاقة المكانية: المرتبطة بالأبعاد الجغرافية والتاريخية للوطن.
العلاقة الإنسانية المجتمعية: المتعلقة بالأفراد الذين يعيشون في هذه البقعة الجغرافية.
العلاقة بالسلطة التي ترعى الشؤون العامة في هذا المكان ومع هؤلاء الرعايا الذين ينتمون ويعيشون فيه.
وبالرغم من أهمية العلاقات تلك الا ان المكون الأساسي للمواطنية يبقى مكونًّا فكريًّا قبل كل شيئ يرتكز في الخلفية الذهنية المنغرزة في اللاوعي المجتمعي.


ولعل أهم أركان المواطنية تتحدد بالتالي:


المواطن هو مصدر السلطة وهو الذي يمنحها الشرعية لذلك فهي مرتبطة بالديموقراطية الفعلية قبل كل شيئ.
أن المواطن هو المستند الشرعي للحكومة والقوانين التي تصدر عنها.
يتمتع جميع المواطنين بنفس الحقوق كما يتساوون تمامًا بالواجبات، ودون تمييز سواء كان تمييز عشائري ام طبقي ام مذهبي ام ديني، وذلك وفق المعايير التي حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و وفق معايير المواثيق الدولية.

أمام العناصر والمعطيات الآنفة الذكر نجد ان هناك خللا فادحًا ، في بنية الأنظمة القائمة فالمواطن الحالي “غير تامّ”، سواء على المستوى النظري او في مجال التطبيق والممارسة العملية والعلاقات.
فالسلطة في مجتمعاتنا الطائفية العنصرية منبع قيم سلبي، والمواطن حاليًّا لا مكان له في السلطة التشريعية على الاطلاق لان هذا الامر موكل لأفراد يعملون على تملق الزعيم ووضع القوانين التي تلاءمه وتشرع وجوده وتمنحه الإستمرارية، فالدساتير والقوانين مفصّلة على مقاس المسؤول”…لذلك فإن الاصلاحات الدستورية ووضع قانون إنتخابات عادل يؤدي الى ديموقراطية حقيقية تضمن التنوع الثقافي وأطياف الشعب كافة تعد من أولى الأولويات.

اما على صعيد العلاقة الحالية بين المواطن بالسلطة فهي علاقة مأزومة تاريخيا، ومفهوم المعارضة مرتبط في الاذهان بالطامعين، وهو مفهوم خاطئ، علما ان المعارضة في الدول العصرية لا علاقة لها بالطمع على السلطة، فالمعارضة في الدول الحديثة هي جزء من مكونات المنظومة الديموقراطية والعمل المؤسساتي الذي يضمن الحق القانوني للمواطن بالمسائلة والمحاسبة على المشاريع التي تتبناها الحكومة، ومعالجة قضايا الرشوة والهدر والفساد.. فالمعارضة لا تعني الطمع بالسلطة لان مفهوم الدولة مرتبط بالتداول أصلا ولا وجود لسلطة ابدية.

بعض الاجراءات العملية:

بناء الثقة وعدم التخوين بين أفراد الشعب الواحد:
هذا يتطلب قبل كل شيئ بناء ذاكرة جماعية وطنية تنبذ العنف والعنصرية وتحذر من مخاطر الانقسام وفوائد التضامن، و التحذير من خطورة تكرار التجارب العبثية والحروب الأهلية بحيث يتولد عند الأجيال ” توبة ” تجاه الصراعات الدموية. من خلال ترسيخ المبادئ العامة للحريّات وحقوق الانسان وحمايتها وان يضمن ذلك الدستور كما اقرته المواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
وان يُصاحب كل ذلك توسيع الأمل وترسيخ ايمان عميق بضرورة التغيير والاصلاح والقدرة والارادة الكامنة بأن الوضع ليس ميؤس منه.
ويساهم في ذلك إعادة قراءة جادة للسياق التاريخي الحضاري للمجتمع والوطن من خلال امتدداته الثقافية ومن منطلقات انسانية تدافع عن الانسان وحقوقه وحريته ويُعد لبنان مثالا رائعا وغنيًّا لتاريخ الحريات.

ثقافة المواطنية والديموقراطية:
إن الديمقرطية السليمة هي أكثر من أبنية ومؤسسات، إنها تعتمد بالدرجة الأولى على الخلفية الفكرية والثقافية المنبنية على تطوير ثقافة ديمقراطية ومواطنية، وفي هذا السياق فإن الثقافة المقصودة بالمعنى العام فهي ليست مجموع الاداب والموسيقى والفن… وإن كانت هي امور تعد من الثقافة، بل تعني كافة التركيبات الثقافية والمرتكزات المؤسسة للسلوك والتصرف والممارسات والأعراف التي تتبلور من خلالها قدرة الأفراد الناس على أخذ قراراتهم و حكم أنفسهم بأنفسهم وتحمل تبعات ذلك، فالثقافة بهذا المعنى تعني الوعي المجتمعي والخلفية الذهنية والفكرية المحركة للسلوك عند الأفراد والمجتمعات..

لذلك نجد ان الانظمة التي تكرس سياسة العقل الواحد انما تشجع الثقافة قائمة على الإذعان والخنوع والطاعة العمياء لما يسمى ب”الزعيم ” او “ولي الأمر”..، وذلك بهدف تنشئة أفراد تسهل قيادتهم ويكونوا طيعين فنجد ان القمع مرتكز أساسي في التربية والقيم داخل تلك المجتمع مستخدمين لأجل تكريسه كل المفاهيم المؤدلجة بما فيها النصوص اللاهوتية.
فالأطفال يتربون على القمع بحجة التأديب والمرأة تُقمع بحجة الدين وطاعة ولي الأمر، والرجل يُقمع من قبل مسؤوليه وهكذا في سلسلة لا متناهية من تكريس ثقافة العصا وان كانت هذه العصا معنوية..

وعلى نقيض ذلك فإن ثقافة المواطنية في مجتمع ديمقراطي تشكل بالفعل النشاطات التي تنمي عملية صنع القرار عند الأفراد من جهة وتحترم خياراتهم من جهة اخرى. فالمواطنون في مجتمع حر يعملون لتحقيق أهدافهم ويمارسون حقوقهم ويتحملون مسؤولية حياتهم و خياراتهم إنهم يقررون بأنفسهم من ينتخبون في صناديق الاقتراع وهم يعون ابعاد البرامج التي يطرحها المرشح الذي ينتخبونه ومن ثم فهم يحاسبوه على ما انجز من التزامات تجاه من منحوه أصواتهم.
لذلك فإن الديموقراطية والمواطنية متلازمة بشكل مباشر مع قانون محاسبة المسؤول على كافَّة الصُعد، وهي متلازمة مع مبدأ تكافؤ الفرص، لذلك فإنها تتلازم مع تمثيل شعبي حقيقيّ، وما تنتجه الانتخابات الحالية نظامًا شبه أوتوقراطيّ، تكون قرارات السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية فيه رهن باتفاق أصحاب المحادل الانتخابية.

فالمواطنية هي من صميم الإرادة الحرة والحرية الفردية وهي بشكلها البراغماتي اتقان مهارة صنع القرار؛ وهو أمر تربوي ثقافي يبدأ منذ الصغر في المناخات البيتية والمدرسية ويمتد الى سائر مؤسسات المجتمع التي تعتبر ان الاختلاف حق مشروع للكائن وان خيارات انسان بحق نفسه ليست خيارات ملزمة بحق الآخرين، وفي هذه المجتمعات يكون “الدين ” هو مجرد علاقة روحية حميمية بين الانسان وربه لا يتدخل فيها أحد، و من حق كل كائن أن يعبر- أو لا يُعبر – بها على طريقته وبالشكل الذي يختاره ويريحه…ويصبح دور المرجعيات الدينية دور تنويري يحترم الاختلاف ويعزز الحريات الدينية…في أجواء تسود فيها الديموقراطية الروحية أو حريّة الروح كما أحب ان اسميها.
الديمقراطية والعملية التربوية:
إن العملية التربوية هي عنصر حيوي لأي مجتمع خصوصًا المجتمع الديمقراطي، فإن هدف التربية في في نظام الديموقراطي الحر،هو إيجاد مواطنين مستقلين يتميزون بنزعة المساءلة والتحليل في نظرتهم للأمور، و يتحلون بفهم عميق لمبادئ وممارسات الديمقراطية وذلك بخلاف الانظمة التي تسعى الى تمجيد قائد تذعن له الافراد في كل الاوقات.

إذن فالعملية التربوية من الاهمية بمكان، ان لم تكون المحور الأساس التي من خلاله يتم ترجمة فلسفة المواطنية الى مناهج تعليمية تنمي مهارات التحليل النقدي وتساهم في ارساء الممارسات الديموقراطية وتساهم في صهر ابناء الوطن الواحد، فالمؤسسة المدرسية هي التي تجعل أنواع المعرفة وطبيعة القيم والمبادئ التي يتوقع أن يحملها الناشئ قابلة للترجمة والتحقيق على ارض الواقع، وذلك وفق اعتماد مناهج تربوية وطنية تراعي كافة الشروط المتعلقة بمستويات نمو الناشئة وطبيعة الحياة المدرسية والوسائل التعليمية المتاحة وغير ذلك
فالعلاقات التربوية القائمة يجب ان تنبني على الحرية وتلقائية مرسّخة بالحوار الهادف الحر والمسؤول، واعمال العقل والفكر فيما يتعلمه التلاميذ ضمانًا لتحقيق الوئام وتبادل التقدير داخل المجتمع الصغير. لأن ذلك من شأنه أن يعزز في نفوس التلاميذ الإيمان بحق الاختلاف والتنوع كما يرسخ مبادئ الحوار وجدواه وقيمة التواصل الحضاري مع الآخر ويساهم في التبادل المعرفي المجرد من كل تعصب وأنانيةأو انغلاق او ادعاء مبرم بامتلاك الحقيقة
فالتربية على المواطنة تبدأ من هذه النقطة وتتأسس عليها. ولا يمكن للعلاقات التربوية المدرسية التلقينية المنغلقة على نفسها واللامبالاة بالآخر وبحقوقه وبثقافته أن تدّعي القدرة على التنشئة الحضارية والسياسية التي نسعى تحقيقها.
إن إثارة الأمل والطموح لدى التلاميذ المواطنين الصغار يؤثر في تعزيز صورة الذات الوطنية لديهم، كما يؤثر في مستوى طموحاتهم المستقبلية وذلك من خلال تنشئة تعتمد بث روح المسؤولية وإحاطة الفرد بالمثل العليا والنماذج الوطنية المشرفة.
كما ان تعزيز الاحترام لاختيارات التلاميذ وأذواقهم، وقبول الاختلافات يساهم في خلق أجواء التسامح في فصولنا الدراسية، فالتربية على التسامح لا تعني قبول ان يكون الفرد مختلف  بل أن يقبل تفرد غيره واختلاف الآخرين معه، بحيث يكون منفتحًا عليهم ومدافعًا عن حقهم في الاختلاف.

محاربة التعصب:
التعصب هو ترجمة لاتجاه شعوري نفسي جامد تصاحبه مواقف انفعالية، ويتبلور من خلال إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين، والادعاء المبرم بامتلاك الحقائق المطلقة؛ والتعصب نقيض الديمقراطية وآفة المواطنية لأنه شعور مرَضي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش.
فالوضع السياسي والثقافي القائم حاليًّا،يساهم في اشاعة مناخات نفسية مشحونة بالبغضاء تجاه عدو” او اعداء قد يكونوا حقيقين او مُتخَيلين، وترويج أحكام مسبقة ضد أشخاص أو أفكار دون أن تقوم تلك الأحكام على حجة معقولة أو سند منطقي مقبول.
وكثيرًا ما يتعلم الأطفال التعصب من ذويهم والمجتمع المحيط فيهم، فالفضائيات التي تنقل خطابات الساسة المتشنجة وحين لا نبدي احترامًا للأفراد ولاختيارات الآخرين، ينتقل هذا الأمر الى الاطفال فيشوّه براءتهم.
ترسيخ فلسفة الصفح والتسامح :
إن الصفح ليس فكرة طوباوية، بقدر ماهو قوة روحية كامنة في شيفرة تراكم سيرورة الروح الانسانية في رحلة حياتها، ويكمن دور الكائن الانساني في تحويل تلك القوة الكامنة فيه أصلا من وجود كامن الى وجود بالفعل، وترجمة قدرات الروح الصفحية والتسامحية الى سلوك ظاهر يتجلى من خلال انفتاح حتى على من يُصنف انه “عدّو”، وليس مصادفة أن تصل الثقافات العالمية الكبرى في مجرى تطورها إلى الانفتاح الداخلي والخارجي، لأنها تدرك بفعل منطق التطور الروحي إلى ضرورة تجاوز الحدود التي تفرضها نفسية الغريزة، أو ما كانت بعض الفلسفات القديمة تطلق عليه اسم القوة الغضبية.
إن هذه الحالة لا تبلغها إلا الحضارات المزدهرة دون شك، لأنها تكون قد ارتقت في ذروة إدراكها الروحي حيث يصبح الصفح جزء من حقيقة منظومة تكامل الانسان.
بطبيعة الحال لا يمكن الارتقاء الى هذا المستوى من التسامح بين ليلة وضحاها ما لم يتم تعزيز ذلك بالتربية ومؤسسات المجتمع المدني كافّة.
وترسيخ هذه الفلسفة يكون عبر تقوية النزعة الروحية لحقيقة تساوي الكائنات امام المكون وامام الكون وذلك عبر ترسيخ الآداب الرفيعة والفنون الراقية ولا يمكن ان نغفل دور الفن والتمثيل والمسرح…في تعزيز ثقافة التسامح والرقي بالكائن من طور الغريزة والانانية والجشع إلى مصافي الابداع الروحي والعطاء الوجداني

الأسس الثقافية والفكرية لبناء المواطنية في مجتمع متعدد:
بناء الهوية الوطنية: فالمواطنية هي في الواقع سؤال الهوية، والهوية هي في الحقيقية سؤال الثقافة والحضارة، لذلك لابد من الارتكاز على فلسفة إنسانية وجودية منفتحة قوامها المحبة والسلام والعدل والانفتاح وقبول التنوع واحترام الاخر، وعندها يكون الدين هو مجرد علاقة خاصة بين الانسان وربه أما علاقة المواطن بأخيه فيحددها الانتماء الوطني.

الانفتاح والتسامح هي الخصائص الأساسية للموقف الوطني الجامع، وذلك ينبي من خلال حريّة الفكر ويشتمل على الاعتراف بحق الآخر في تبني أفكار وحقائق قد تكون مخالفة لحقائقنا وأفكارنا. فالرؤية الوطنية للطوائف هي رؤية متسامحة بحيث إنها تتخطى مجال الخلافات وتجعلها تتحاور وتتصالح، ليس فيما بين المذاهب والاديان وحسب بل حتى مع سائر التيارات العلمانية والفكرية.

ترتكز ثقافة المواطنية على مرتكز اساسي مفاده أنه لا يوجد فضاء ثقافي منزه يمكن من خلاله إطلاق الحكم على الآخرين ولا يجوز الحكم على ثقافة ما او فئة ما، لذلك فإن ثقافة المواطنية تقف موقف منفتح إزاء الأديان جميعها و تحترمها.

إن الأخلاق التي تؤسس لمواطنية حقة هي التي تستنكر كل موقف رافض للحوار وللمناقشة، سواء أكان رفض الحوار ذو منشأ سياسي أم حزبي ام عقائدي أم فلسفي…. فالحياة المشتركة تنبني عن توسيع القضايا المشتركة العامة والفهم المشترك المنبني على الاحترام المطلق لكافة التنوعات الاثنية والدينية للجماعات والافراد والتي تجمع فيما بينها الحياة المشتركة على الأرض الواحدة نفسها

المواطنية محورها الإنسان لذلك فهي تقتضي صياغة سياسة اقتصادية تكون في خدمة الكائن الانساني لا العكس، فالاقتصاد ينبغي ان يكون لحماية البشر من خلال تبني فلسفة اقتصادية تحترم الفرد ومتطلبات الشعب.

المواطنية الحقة تقتضي الاعتراف بحق المواطن في اختيار دينه او تغييره  ومن واجب الدولة تأمين نظام مدني للمعاملات لأولئك الذين لا يرغبون باللجوء الى المرجعيات الطائفية في معاملاتهم الخاصة.

إن فلسفة المواطنية تفترض ذهنية منفتحة بعيدة عن التصورات النمطية والاحكام المسبقة عبر اعتماد رؤية ترتكز على نسبية الموضوعية والحقائق فلا يوجد شيئ مطلق من شأنه أن يستبعد الآخر ويقصيه.

فلسفة المواطنية تقوم على الإعتراف بوجود مستويات متعددة للحقائق وأبعاد متعددة القيم وللواقع ايضا، وان كل مستوى قد يحكمه أشكال متنوعة من المنطق، و بناء عليه كل محاولة لاختزال الواقع إلى مستوى واحد ومصادرة الحقائق ببعد واحد من شأنه ان يقوض مفهوم المواطنية نفسه.

كل محاولة لاختزال المواطن الإنسان بدينه او انتمائه او مذهبه وتحويله إلى مجرد رقم انتخابي طائفي وإلى تقليصه في بنى شكلانية، أياً كانت، تتناقض مع مفهوم المواطنية.

الطروحات العملية للاسس النظرية:
بناء الوسائل العمليّة لدعم المشاعر الوطنية المشتركة بين جميع الطوائف والأعراق والمذاهب والتيارات والأحزاب، تكون بمثابة الحصن الثقافي الحامي لمبدأ المواطنية ووعاء قابل لاستيعاب التبعات القانونية والسياسية للمواطنة.

دعم التنوع الثقافي وحرية الرأي والتعبير، فالوحدة الوطنية تكون بدعم التعددية  بوصفها إثراء للتجربة الانسانية.

هذا الأمر يحتاج لآليات تترجم عمليا من خلال إعداد قادة ونخب فكرية ومراكز بحوث ودراسات تساعد في ارساء المفهوم الكوني المنفتح للانسان.

دعم الخطاب الاعلامي المنفتح وتشجيع الكتّاب والمفكرين والأدباء الذين يتبنون افكار تساهم في ارساء فلسفة التسامح والانفتاح.

إنشاء مراكز ثقافية وطنية تهتم بالأطفال والشباب وبناء مكتبات عامة تعني بالمواطنة وتنظيم ندوات وفعاليات تعزز الانتماء الوطني.

المساهمة في توجيه طلاب الدراسات العليا لاختيار أبحاث علمية ودراسات ميدانية تعزز الانتماء الوطني وتساهم في تقديم افكار مبتكرة وآليات لتعزيز مبادئ الديموقراطية والحرية ونبذ العنف.

محاولة تحييد وعزل الخطابات الانعزالية التي من شأنها تكريس العنصرية والطائفية والدعوات المغرضة التي تقضي على وحدة النسيج الوطني وترفض قبول الآخر وذلك من خلال تهميشها إعلاميا ومحاولة محاصرتها وتسليط الضوء على أضرارها.

إعداد خطة تربوية لتنقية الكتب الدراسية من كل ما من شأنه إثارة النزعات الطائفية والمذهبية دون ان يمس بحرية التعليم، أو يحط من شأن طائفة معينة و يطعن فى معتقداتها، مع ضرورة تسليط على تاريخ الليبراليات والحريات والديموقراطية في محاولة لبناء تربية مستدامة قوامها المشاركة العامة والتعاون وبناء الوطن.

التنسيق مع المراجع الدينية والطائفية كافة لبناء خطاب وطني خالي من شحنات التحريض والكراهية ضد الآخر، و استبعاد كل ما يدعو فيه إلى التعصب، وضرورة إحداث تجديد في مستوى الخطاب الديني ، وليس المقصود هنا الخطاب المعلن في المنابر والكنائس وحسب بل الخطاب المؤسِّس للممارسات الدينية، فتجديد الخطاب الديني يعني إعادة قراءة النصوص اللاهوتية المؤسسة للأفعال وتقديم رؤية منفتحة تتلاءم مع العصر الراهن.

جعل مادة حقوق الإنسان فى الكليات الدينية المسيحية والإسلامية والحوزات العلمية مادة الزامية، وتوضيح العلاقة بين مبادئ حقوق الإنسان والعقائد الدينية.

استغلال المناسبات الوطنية العامة والاعياد لتعزيز الوحدة الوطنية:مثل عيدالاستقلال وعيد العلم وعيد الجيش…كما يمكن استحداث مناسبات لها علاقة بالبيئة والاخوة والوحدة والمحبة.

دعم جمعيات المجتمع المدني التي هدفها التنوير، وتوفير الفرصة في الإعلام للمتنورين ودعاة التنوير والانفتاح.

في الختام نود الاشارة الى أن كل الطروحات المذكورة هي طروحات انتقالية بهدف الوصول الى مرتكزات دولة علمانية كاملة و قوامها الديموقراطية وحرية الكائن الانساني و احترام حرمته وحقوقه بغض النظر عن الاعتبارات الاخرى

أما الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطن فهي كالآتي:

الحقوق المدنية؛ والسياسية؛ وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

الحقوق المدنية:

– الحق في الحرية والتعبير عن الرأي قولاً وكتابة

– الحق في الحرية طالما أنّ ممارستها لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الآخرين

– الحق في حرية التنقل واختيار مكان الاقامة داخل حدود الدولة ومغادرتها والرجوع اليها

– الحق في الملكية الخاصة

– الحق في العدالة والمساواة أمام القانون والحق في الحماية القانونية

– الحق في الحياة وعدم إخضاع المرء للتعذيب ولا للمعاملة السيئة أو العقوبة القاسية واللاانسانية

– الحق في التجمّع السلمي

– الحق في الهوية والانتماء واكتساب الجنسية

– الحق في المحاكمات العادلة والأمان وعدم الاعتقال أو التوقيف التعسفي

الحقوق السياسية:

– الحق في الترشح والانتخاب دون ضغط أو اكراه

– الحق في المشاركة في تكوين السلطة التشريعية والسلطات المحلية تشريعاً وتصويتاً

– الحق في الاشتراك مع آخرين في جمعيات سلمية

– الحق في الانتساب إلى الأحزاب وتنظيم تحركات وتجمّعات ومحاولة التأثير على القرار السياسي

وأشكال اتخاذه

– الحق في التجمّع السلمي

– الحق في تقلّد الوظائف العامة في الدولة

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

– الحق في الأمان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي

– الحق في مستوى معيشي لائق

– الحق في الضمان الاجتماعي

– الحق في العمل وفي ظروف منصفة

– الحق في الحماية من البطالة

– الحق في الأجر العادل

– الحق في الصحة والراحة والرفاهية

– الحق في التعليم

– الحق في الخدمات الاجتماعية الضرورية

– الحق في تشكيل النقابات والمشاركة الحرة فيها والحق في الإضراب

– الحق في المشاركة في الحياة الثقافية

– الحق في الغذاء الكافي

– الحق في بيئة نظيفة وغير ملوّثة

– الحق في التنمية المتوازنة

و لكن كما لدينا حقوق فعلينا واجبات تجاه الدولة و هي :

–         التعاطي مع الموظفين بإحترام و تهذيب على أساس أنهم يؤدون خدمة عامة تتطلب درجة عالية من المسؤولية و هي ذات مردود وطني شامل.

–         عدم اللجوء إلى إستغلال النفوذ أو الجوء إلى وسائل و أساليب ضغط على الموظفين لتجاوز القوانين و الأنظمة، أو الرشوة  أو دفع مبلغ غير متوجب عليه على سبيل الرشوة، أو أن يدلي بتصاريح ملغوطة، أو يقدم مزورة أو أن يشجع موظفا من خلال  بدل أو هدية ، أو وعد أو منفعة، للقيام بما هو مناف للوظيفة العامة.

–         فضح أي مخالفة أو عملية إحتيال أو فساد حتى لا يكون متواطئا في أداء الإدارة العامة و هدر المال العام.

–         دفع كل الضرائب و الرسوم حسب القوانين و الأنظمة، و تقديم الوثائق و المستندات المتعلقة بمعاملاته كافة ، و تسهيل عمل الموظفين في القيام بواجباتهم الوظيفية. كما عليه واجب التقيد بقوانين و أنظمة الإدارة العامة، و إحترام المهل المحددة لتقديم الطلبات أو التصاريح، و تسديد الرسوم المتوجبة عليه.

–         المساهمة في تخفيف الأعباء المالية عن الإدارات العامة من خلال حرصه على الملكية العامة و المال العام و حست إستعماله للمنشآت العامة و تقيده بقواعد السلامة العامة و البيئة و الصحة العامة، و المساهمة مع مؤسسات المجتمع المدني و الجمعيات الأهلية و وسائل الإعلام في تعبئة الجهود ، للحؤول دون التعدي على الملكيات العامة.

في النهاية كان واجب المسؤولين أن يعملوا بعد إنتهاء الحرب الأهلية على تطبيق مبدأ المواطنة لكي نتمكن من الحفاظ على دولة المؤسسات و بناء دولة حضارية سيادية مستقلة مبنية على مبدأ المواطنة و ليس التطرف و العصبية المذهبية ، و ذلك فقط لأجل المحافظة على مواقع الساسة. فلنضع المصلحة العامة قبل المصلحة الشخصية.

أمواج البحر أفضل مصدر للطاقة

إن الطاقة الكهربائية لها مصادر عدة و لكن ما هو مهم المصدر الذي يولد طاقة أكبر بكلفة أقل و ما هو مهم أيضا الطاقة التي تحافظ على البيئة .

يستفيد اليوم علماء الطاقة من أمواج البحر، ويصنعون معدات خاصة تمكنهم من وضعها على سطح الماء حيث تقوم الأمواج برفعها وخفضها باستمرار. وهذا يؤدي إلى توليد حركة ميكانيكية يمكن تحويلها إلى طاقة كهربائية تُنقل عبر أسلاك للاستفادة منها.

إن أول من خطرت بباله فكرة الاستفادة من الأمواج هو رجل فرنسي يدعى Monsieur Girardحيث حاول مع ابنه عام 1799 الاستفادة من حركة الأمواج في إمداد الطاحونة والمضخة بالطاقة.

طاقه الامواج الداخليه:

المدّ. ويعتبر هذا المصدر للطاقة المتجددة من المصادر النظيفة والآمنة. وتستخدم التقنية مراوح أو توربينات تثبت تحت سطح البحر وتدور بسبب تيارات المد، وبالتالي تتحول فيها الطاقة الميكانيكية التي تولدها الأمواج إلى طاقة كهربائية يمكن الاستفادة منها.

ويعتقد العلماء بأن هذا المصدر أفضل من طاقة الرياح، بسبب انتظام الأمواج وإمكانية دراستها بشكل جيد وتوقع حجمها وطاقتها، مما يتيح تصميماً أفضل للتوربينات المولدة للطاقة الكهربائية.

إن قطر المروحة هو 20 متراً، وتثبت على مسافة تحت سطح الماء بـ 30 متراً. وقد بلغ استهلاك الطاقة الكهربائية بالوسائل المختلفة في بريطانيا عام 2001:

الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة نسبة 2 بالمئة. أما الطاقة الكهربائية من الفحم فقد بلغت نسبة 33 % والطاقة الكهربائية من الغاز الطبيعي 37 % والطاقة الكهربائية النووية 22 %.

فكرة جديدة لإنشاء مراوح أو توربينات تعمل على توليد الطاقة الكهربائية والاستفادة من التيارات تحت سطح البحر.

مستقبل هذا المصدر الجديد:
1 تعتبر هذه الطاقة آمنة وليس لها أية مخاطر.

2- طاقة أمواج البحر أكبر بكثير من طاقة الرياح.

3- طاقة أمواج البحر ثابتة على مدار 24 ساعة وطيلة أيام السنة تقريباً، بينما طاقة الشمس يستفاد منها أثناء النهار، وطاقة الرياح يستفاد منها في فترات متقطعة.

4- الكهرباء الناتجة عن طاقة الأمواج أكثر ثباتا.

تعتمد الطاقة التي تحملها الموجة على طولها وارتفاعها وسرعتها وكثافة الماء الذي تحمله. وهذا يتعلق بسرعة الرياح ودرجات الحرارة فوق سطح الماء.

الطاقه الناتجه عن اختلاف الحراره:

لقد استفاد من هذه الظاهرة المهندس الفرنسي George Claudeحيث صنع وحدة لتوليد الكهرباء استطاعتها 22 كيلو واط وذلك عام 1929 بالاستفادة من فارق درجات الحرارة بين سطح البحر وبين عمق محدد.

يقول الباحثون اليوم: إن موجة طولها ارتفاعها 15 متراً وزمنها 15 ثانية، سوف تحمل طاقة تقدر ب 1700 كيلو واط لكل متر مربع من جبهتها. وأن طاقة الأمواج أكبر بكثير من طاقة المد والجزر.

طاقه تيارات المحيط:

إذا ما نزلنا تحت سطح البحر وبدأنا نغوص شيئاً فشيئاً، فإننا نرى عالماً يعجّ بالحركة والأمواج والتيارات، وهنالك تيارات حتى في أعمق نقطة من البحر! وهذا ما دعى العلماء لمحاولة الاستفادة من هذه الأمواج.

وتتم الاستفادة من هذه الطاقة المجانية والنظيفة من خلال وحدات تتوضع تحت سطح البحر، وهي عبارة عن توربينات توضع على أعماق مختلفة تحت سطح البحر، وتدور بسبب التيارات المتولدة تحت سطح الماء. وتتميز هذه التوربينات بصغر حجمها مقارنة بالتوربينات الهوائية، وذلك بسبب أن كثافة الماء أكبر ب 835 مرة من كثافة الهواء.

تعتبر الطاقة المتوافرة في البحر والمحملة على أمواجه من أفضل أنواع الطاقة الطبيعية، فهي آمنة ونظيفة ولا تنضب وليست مهددة بالنفاذ مثل البترول مثلاً،

فالبحر اللجي هو العميق، وفيه موج داخلي من فوقه موج على السطح من فوقه سحاب.

الطاقه الزرقاء:

وهي الطاقة المتولدة في مصب النهر في البحر، حيث تتدفق كميات كبيرة من المياه العذبة في مياه البحر المالحة، ويمكن الاستفادة من هذه الطاقة في توليد الكهرباء.

التلوث الناتج عن وسائل توليد الطاقة التقليدية

أخيرا إن الطاقة المولدة من أمواج البحر هي تعد من أفضل المصادر للطاقة ، فيا ليت يأتي يوما و نتمكن من توليد هكذا نوع من الطاقة في بلدنا الحبيب لبنان …. فهذه المشكلة التي نعاني منها منذ عقد من الزمن .